أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 430

جلسة 4 من مايو سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين صفوت السركي، ومحمد صبري، وقطب فراج، ونصر الدين عزام.

(87)
الطعن رقم 2009 لسنة 34 القضائية

( أ ) شركة. "شركة مساهمة". هيئة عامة. اختلاس. نقض. "حالات الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون".
احتفاظ شركة السكر والتقطير المصرية بشخصيتها القانونية المستقلة عن الدولة في ظل أحكام القانون رقم 196 لسنة 1956. اشتراك الدولة في رأس مالها بالنصيب الذي حدده القانون ليس من شأنه أن يغير من شكل تلك الشركة القانوني كشركة مساهمة تخضع لأحكام القانون الخاص.
قضاء الحكم المطعون فيه بتطبيق المادة 113 عقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون 69 لسنة 1953 على اعتبار أن المال المستولى عليه مملوك لإحدى الهيئات العامة رغم ثبوت أن الحادث وقع قبل صدور التعديل المدخل على المادة المذكورة بمقتضى القانون 120 لسنة 1962. خطأ في تطبيق القانون.
(ب) نقض. "الطعن للمرة الثانية". "الحكم في الطعن".
الطعن في الحكم للمرة الثانية. كون العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون. على محكمة النقض القضاء في الطعن بتصحيح الخطأ والحكم بمقتضى القانون دون نظر الموضوع في جلسة تحددها. المادتان 39، 45 من القانون 57 لسنة 1959.
(ج) سرقة.
ثبوت أن المال المختلس لم يكن مسلماً للمتهمين بل كان مودعاً في المكان المعد له بالشركة التي يعملون بها وأن اتصالهم به كان بصفة عرضية بحكم عملهم. اعتبار الواقعة سرقة بالمادة 317/ 1, 5, 7 عقوبات.
(د) تحقيق. "إجراءاته".
على المحقق إثبات ما يكشف عن شخصية المتهم ثم يحيطه علماً بالتهمة المسندة إليه. عدم التزامه بالكشف عن شخصيته هو للمتهم.
(هـ) إثبات."اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاعتراف في المسائل الجنائية: من عناصر الاستدلال. لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات. لها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه انتزع منه بطريق الإكراه.
1ـ إن شركة السكر والتقطير المصرية بوضعها الذي أنشأت علية طبقاً للقانون رقم 196 لسنة 1956 ـ والذي وقع الحادث في ظل أحكامه ـ ظلت تحتفظ بشخصيتها القانونية المستقلة عن الدولة، واشتراك الدولة في رأس مالها بالنصيب الذي حدده القانون طبقاً للأسلوب المعروف في النطاق الاقتصادي بأسلوب الاقتصاد المختلط تمشياً مع خطة التنمية الاقتصادية والأهداف التي وضعت لها ـ ليس من شأنه أن يغير من شكل تلك الشركة القانوني كشركة مساهمة تخضع لأحكام القانون الخاص وتسرى عليها أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 في شأن الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة. ولا يمس طبيعة هذه الشركة كشخص معنوي يملك رأس المال دون المساهمين فيها بما فيهم الدولة وله ذمة مالية مستقلة عن ميزانيتها. ولا يقدح في هذا ما تقوم به الدولة من هيمنة على الشركة تتمثل في اشتراكها بمندوبيها في مجلس الإدارة وفى رقابتها على نشاطها، ذلك بأن حدود هذا الإشراف تقف عند حد التوجيه والتخطيط تمشياً مع السياسة الاقتصادية العامة وابتغاء تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة. بل إن سلطة الجمعية العمومية للشركة المشار إليها بوصفها من شركات المساهمة ظلت كاملة إلى وقت صدور القانون رقم 36 لسنة 1962 بتخويل مجالس إدارة المؤسسات العامة الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1899 لسنة 1961 سلطة الجمعية العمومية أو جماعة الشركاء بالنسبة إلى الشركات التابعة لها وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 وفى الحدود التي بينها القانون. ولما كان التعديل الذي أدخل على المادة 113 من قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1962 - بعد واقعة الدعوى - لا ينعطف أثره على الواقعة المطروحة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتطبيق المادة 113 من قانون العقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 على اعتبار أن المال المستولى عليه مملوك لإحدى الهيئات العامة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
2 - تنص المادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أنه "إذا طعن مرة ثانية في الحكم الصادر من المحكمة المحال إليها الدعوى تحكم محكمة النقض في الموضوع، وفى هذه الحالة تتبع الإجراءات المقررة في المحاكمة عن الجريمة التي وقعت". غير أنه لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، فإنه يقتضي حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون المشار إليه أن تحكم محكمة النقض في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون، دون نظر الموضوع في جلسة تحددها لهذا الغرض ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي التعرض لموضوع الدعوى.
3 - لما كانت الواقعة كما أثبتها الحكم هي أن الكحول المختلس لم يكن وقت اختلاسه مسلماً للمتهمين بل كان مودعاً في المكان المعد له في الشركة, ولم يكن اتصال المتهمين به بسبب كونه مسلماً إليهم وفى حيازتهم بل كان بصفة عرضية بحكم عملهم في الشركة. ومن ثم فإن الواقعة تعتبر جنحة سرقة بالمادة 317/ 1، 5، 7 من قانون العقوبات.
4 - توجب المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية على المحقق أن يثبت ما يكشف عن شخصية المتهم ثم يحيطه علماً بالتهمة المنسوبة إليه، وليس عليه أن يكشف عن شخصيته للمتهم.
5- الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولقاضي الموضوع البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه انتزع منه بطريق الإكراه - ومتى تحقق من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه كان له أن يأخذ به وهو في ذلك لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم منذ عشرة أيام سابقة على يوم 28 من يناير سنة 1959 بالنسبة إلى المتهمين الأربعة الأول وفى يوم 28/ 1/ 1959 بالنسبة إلى المتهمين جميعاً بدائرة قسم مينا البصل محافظة الإسكندرية: (أولاً) المتهمان الأول والثاني ( أ ) بصفتهما مستخدمين عموميين وعسكريين من قوة خفر السواحل أخذاً عطية للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن أخذا مبلغ ثلاثة جنيهات على سبيل الرشوة من المتهمين الثالث والخامس ليمكناهما والمتهم الرابع من اختلاس الكحول المملوك لشركة السكر والتقطير المصرية من المستودع القائمين على حراسته (ب) بوصفهما سالفى الذكر سهلاً للغير الاستيلاء بغير حق على مال للدولة بأن مكنا المتهمين الثالث والرابع والخامس من الدخول إلى مستودع الكحول القائمين على حراسته وكسر الأختام الحكومية الموضوعة عليه واختلاس كمية الكحول المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لشركة السكر والتقطير المصرية المساهمة فيها الحكومة والخاضعة لرقابتها. (ثانياً) المتهمان الثالث والرابع: بوصفهما مستخدمين في هيئة خاضعة لرقابة الحكومة - شركة السكر والتقطير المصرية - اختلسا أموالاً سلمت إليهما بسبب وظيفتهما بأن استوليا على كمية الكحول المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لشركة السكر والتقطير المصرية حالة كون المتهم الثالث حارساً عليها وحالة كون المتهم الرابع هو المختص بفتح الخزان المحفوظ به الكحول. (ثالثاً) المتهمان الثالث والخامس: عرضا رشوة على مستخدمين عموميين للإخلال بواجبات وظيفتهما وذلك بأن قدما للمتهمين الأول والثاني وهما عسكريان من قوة خفراء السواحل مبلغ ثلاثة جنيهات على سبيل الرشوة أخذها المتهم الثاني مقابل تمكينهما والمتهم الرابع من اختلاس الكحول المملوك لشركة السكر والتقطير المصرية. (رابعاً) المتهم الخامس: سرق مع المتهمين الثالث والرابع الكحول المبين الوصف والقيمة بالمحضر والمملوك لشركة السكر والتقطير المصرية - (خامساً) والمتهمون من السادس إلى الأخير: أخذوا الكحول المتحصل من جناية الاختلاس سالفة الذكر مع علمهم بتحصيله من تلك الجناية. وإحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 44/ 1 - 2 و103 و104 و107 مكرر و111 و112 و113 و118 و119 و317/ 1 من قانون العقوبات. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً وفى غيبة المتهم الرابع بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1959 عملاً بالمواد 111 و113 و118 و119 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة الأول وبالمواد المذكورة مع إضافة المواد 40/ 2 - 3 و 41 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الخامس (أولاً) بمعاقبة كل من الأول والثاني والثالث بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين وعزلهم من وظائفهم وبمعاقبة المتهم الخامس بالحبس مع الشغل لمدة سنة وإلزامهم برد الأشياء المختلسة وتغريمهم متضامنين مبلغ خمسمائة جنيه (ثانياً) براءة كل من المتهمين الرابع والسادس والسابع والثامن والتاسع مما أسند إليهم. فطعن المحكوم عليه الثالث في هذا الحكم بطريق النقض، وقضى فيه بتاريخ 22 يناير سنة 1962 بقبوله شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إليه والمحكوم عليهم حضورياً الأول والثاني والخامس وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الإسكندرية لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المشار إليها سمعت الدعوى - من جديد - وقضت حضورياً في 12 نوفمبر سنة 1963 عملاً بالمواد 111 و113 و118 و119 و 40/ 2 - 3 و41 و 17 من قانون العقوبات بمعاقبة الأول والثاني والثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبمعاقبة الخامس بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامهم متضامنين برد الأشياء المختلسة وتغريمهم متضامنين مبلغ خمسمائة جنيه وبعزل المتهمين الأول والثاني والثالث من وظائفهم لمدة أربع سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم - للمرة الثانية - بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الاستيلاء بغير حق على مال مملوك لإحدى الهيئات العامة قد انطوى على فساد في الاستدلال وبطلان في الإجراءات وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول في إدانته على اعترافه بالتحقيقات وأقوال شهود الإثبات، على الرغم من أن هذه الأقوال وذلك الاعتراف كان وليد إكراه نتيجة اعتداء رجال الشرطة عليهم، كما أن وكيل النيابة المحقق لم يثبت شخصيته للطاعن عند بدء التحقيق معه عملاً بالمادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية. هذا فضلاً عن أن الطاعن لا يدخل في عداد الموظفين العموميين وذلك بالإضافة إلى أن المال موضوع الاستيلاء مال خاص بمساهمي شركة السكر والتقطير المصرية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في يوم 28/ 1/ 1959 أثناء قيام المصري أحمد أبو بكر بحراسة الشركة التعاونية العامة للبترول المواجهة لمستودع شركة التقطير المصرية شاهد سيارة أجرة متوجهة ناحية المخازن ونزل منها شخص طرق الباب ففتح له المتهم الثالث حسن مرزوق حسن (الطاعن) الخفير بشركة التقطير المصرية، ثم خرجت السيارة بعد حوالي عشر دقائق فاشتبه في الأمر ونبه زميليه حسين محمود إبراهيم وعبده محمد عبيد فلاحظوا جميعاً وجود برميل ظاهر من فتحة الحقيبة الخلفية للسيارة، ولما أبلغت إدارة الشركة ندب المهندس شارل زوغرافوس الذي انتقل مع رئيس نقطة الورديان ومفتش الإنتاج محمد ياقوت وفتح الصهريج وتبين من مقاسه أن عجزاً مقدراه 826 و1967 لتراً وقد اعترف المتهم الثالث حسن مرزوق حسن في تحقيقات النيابة أنه في يوم الحادث حضرت للمستودع سيارة يقودها محمد مختار سليمان وكان بها المتهم الرابع السيد حنفي عشري وكان المتهمان الأول والثاني الشرطيان القائمان على حراسة الخزانة في الداخل فانتظر هو عند الباب حتى ملأ الباقون البرميل ثم وضع المتهمان الأول والثاني البرميل بحقيبة السيارة" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من اعتراف الطاعن والمتهم الرابع ومن أقوال شهود الإثبات ومما دلت عليه المعاينة وتقرير مفتش الإنتاج، وهى أدلة مردودة إلى أصلها وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. ثم عرض الحكم لما يثيره الطاعن في شأن بطلان اعترافه في قوله "وحيث إن هذا الذي يثيره الدفاع لم يقم عليه دليل إلا القول المرسل خاصة وقد ثبت من الأوراق أن محمد مختار سليمان لم يذكر خلال تحقيق النيابة أن تهديداً وقع عليه، كما أن المتهمين الثالث (الطاعن) والرابع قد أدليا بأقوالهما في النيابة في يوم 1/ 2/ 1959 ولم يدعيا أن اعتداء وقع عليهما وعلى ذلك فلا يقبل زعمهما بعد ذلك بحصول اعتداء ما، وإن المحكمة ترى من الاعترافات المفصلة بتحقيق النيابة وأقوال الشهود بجلسة المحاكمة أن هذه الاعترافات لا يمكن تلفيقها بحال لأنها جاءت متفقة مع حقيقة الواقع ومع أقوال باقي الشهود، وعلى ذلك فلا تعول المحكمة على إنكار المتهمين الثالث والرابع ولا تقيم وزناً لادعائهما بحصول تهديد وضرب عليهما، ومن ثم يكون اعترافهما جاء منهما طواعية واختياراً غير مشوب بشائبة ما" وانتهى الحكم إلى إدانة المتهمين الأول والثاني والطاعن بوصف أنهم مستخدمين عموميين في شركة خاضعة لرقابة الحكومة استولوا بغير حق على كميات الكحول المملوكة لشركة السكر والتقطير وقد اشترك معهم المتهم الرابع في ارتكاب هذه الجريمة بطريقي الاتفاق والمساعدة, وطبق في حقهم المواد 111 و113 و118 و119 و40/ 2 - 3 و 41 من قانون العقوبات وعاملهم بالمادة 17 منه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولقاضي الموضوع البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه انتزع منه بطريق الإكراه, ومتى تحقق من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه كان له أن يأخذ به وهو في ذلك لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض. كما أن الأصل هو أن وزن أقوال الشهود مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع وحدها - ولما كان الحكم المعطون فيه قد اطمأن إلى سلامة الاعتراف المنسوب إلى الطاعن وإلى أقوال الشهود التي أخذ بها وبني عليها قضاءه في غير لبس أو قصور، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن في شأن بطلان تحقيقات النيابة بدعوى عدم إثبات المحقق شخصيته للطاعن عند بدء التحقيق مردوداً بأن المادة 123من قانون الإجراءات الجنائية إذ تنص في فقرتها الأولى على أنه "عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق يجب على المحقق أن يثبت شخصيته ثم يحيطه علماً بالتهمة المنسوبة إليه ويثبت أقواله في المحضر". فإن مفاد ذلك أن يثبت المحقق ما يكشف عن شخصية المتهم ثم يحيطه علماً بالتهمة المنسوبة إليه وليس كما ذهب الطاعن في نعيه من أنه يجب على المحقق أن يكشف عن شخصيته للطاعن، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد على غير أساس، ومع ذلك فإن هذا النعي ينصب على الإجراءات السابقة على المحاكمة ولا يبين من محاضر جلساتها أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أي منهما هذا الدفع أمام محكمة الموضوع فلا يقبل منهما إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. أما ما يثيره الطعن في شأن عدم انطباق المادة 112 من قانون العقوبات - ويقصد المادة 113 منه التي أعملها الحكم المطعون فيه الفعل المسند إلى الطاعن، فإنه لما كانت المادة 113 من قانون العقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 المنطبقة على واقعة الدعوى وذلك قبل تعديلها بالقانون رقم 120 لسنة 1962 تنص على أن: "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل موظف عمومي استولى بغير حق على مال للدولة أو لأحد الهيئات العامة أو سهل لغيره ذلك", وكان من مقتضى ذلك أنه يشترط للعقاب أن يكون المال موضوع الاستيلاء مملوكاً للدولة أو لإحدى الهيئات العامة. وكان المال موضوع الاستيلاء مملوكاً وقت وقوع الحادث في شهر يناير سنة 1959 لشركة السكر والتقطير المصرية، وكان القانون رقم 196 لسنة 1956 في شأن تصفية الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية وشركة التقطير المصرية وإنشاء شركة جديدة بعد أن اعتبر الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية وشركة التقطير المصرية مصفاتين بحكم القانون وقدر صافي أصول هاتين الشركتين طبقاً للنظام الذي ارتآه، نص في المادة الثالثة منه على أن "تنشأ شركة مساهمة مصرية باسم شركة السكر والتقطير المصرية تتولى مباشرة جميع أنواع النشاط التي تباشرها الشركتان المقرر تصفيتهما". وآلت إلى الشركة الجديدة جميع موجودات الشركتين المذكورتين وقومت أموالهما بقيمة التعويضات التي أديت إلى المساهمين وأصحاب حصص التأسيس مضافاً إليها قيمة ديون الحكومة المستحقة قبل إحدى الشركتين المصفاتين وهى الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية. وقد قسم رأس مال الشركة الجديدة إلى أسهم قيمة كل منها أربعة جنيهات وزعت بقيمتها الاسمية على الشركاء في هذه الشركة وهم الحكومة والشركاء القدامى في الشركتين السابقتين وأصحاب حصص التأسيس كل بمقدار ما يملكه. وقد حتمت المادة السابعة من القانون المشار إليه ألا ينزل نصيب الحكومة في أي حال عن 51% من أسهم الشركة الجديدة، ونص على أن يكون تمثيل الحكومة في مجلس الإدارة بنسبة لا تقل عن حصتها في رأس المال وعلى أن يكون رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للإدارة من بين ممثلي الحكومة في المجلس وأن يعين الأعضاء الممثلون للحكومة في مجلس الإدارة بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض وزير التجارة والصناعة. كما نصت المادة التاسعة على أن "تبلغ قرارات مجلس الإدارة والجمعية العمومية إلى وزير التجارة والصناعة بخطاب موصى عليه خلال أسبوع من تاريخ صدور القرار وله أن يطلب إعادة النظر في أي قرار خلال أسبوع من تاريخ إبلاغه به وإلا اعتبر نافذاً. أما إذا اعترض على القرار فلا ينفذ إلا إذا وافق عليه مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية على حسب الأحوال بأغلبية الثلثين" ونصت المادة 13 على نقل جميع موظفي ومستخدمي وعمال الشركتين المصفاتين إلى الشركة الجديدة على أن يضع مجلس إدارتها اللوائح والنظم الخاصة بمعاملتهم. لما كان ذلك، وكانت الشركة الجديدة قد أخضعت - بعد واقعة الدعوى - لرقابة المؤسسة الاقتصادية - التي أنشئت بالقانون رقم 20 لسنة 1957 - وذلك عملاً بقرار السيد رئيس الجمهورية رقم 1202 لسنة 1961 (المنشور بالعدد 162 من الجريدة الرسمية المؤرخ 25 يوليه سنة 1966) ثم أخضعت لرقابة المؤسسة المصرية العامة للصناعات الغذائية عملاً بالقرار الجمهوري رقم 1899 لسنة 1961 الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للمؤسسات - الذي صدر في ظل القانونين رقمي 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة و265 لسنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي وذلك قبل إلغائهما بالقانون رقم 60 لسنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة - إلى أن سرى عليها حكماً القانونين رقمي 119 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة وقت صدوره و72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت وأيلولة ملكيتها للدولة. كما صدر بعد واقعة الدعوى القانون رقم 120 لسنة 1962 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات استبدل بنص المادة 113 منه نصاً جعل أموال الشركات والمنشآت التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما في حكم المال العام في خصوص جرائم الرشوة والاختلاس - ويبين من استعراض هذه النصوص أن شركة السكر والتقطير المصرية بوضعها الذي أنشئت عليه طبقاً للقانون رقم 196 لسنة 1956 ـ وقد وقع الحادث في ظل أحكامه ـ ظلت تحتفظ بشخصيتها القانونية المستقلة عن الدولة، واشتراك الدولة في رأس مالها بالنصيب الذي حدده القانون طبقاً للأسلوب المعروف في النطاق الاقتصادي بأسلوب الاقتصاد المختلط تمشياً مع خطة التنمية الاقتصادية والأهداف التي وضعت لها, ليس من شأنه أن يغير من شكل تلك الشركة القانوني كشركة مساهمة تخضع لأحكام القانون الخاص وتسرى عليها أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 في شأن بعض الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة, ولا يمس طبيعة هذه الشركة كشخص معنوي يملك رأس المال دون المساهمين فيها بما فيهم الدولة وله ذمة مالية مستقلة عن ميزانيتها, ولا يقدح في هذا ما تقوم به الدولة من هيمنة على الشركة تتمثل في اشتراكها بمندوبيها في مجلس الإدارة وفى رقابتها على نشاطها، ذلك بأن حدود هذا الإشراف تقف عند حد التوجيه والتخطيط تمشياً مع السياسة الاقتصادية العامة وابتغاء تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة بل إن سلطة الجمعية العمومية للشركة المشار إليها بوصفها من شركات المساهمة ظلت كاملة إلى وقت صدور القانون رقم 36 لسنة 1962 بتخويل مجالس إدارة المؤسسات العامة الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1899 لسنة 1961 سلطة الجمعية العمومية أو جماعة الشركاء بالنسبة إلى الشركات التابعة لها وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 وفى الحدود التي بينها القانون. ولما كان ذلك, وكان التعديل الذي أدخل على المادة 113 من قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1962 - بعد واقعة الدعوى - لا ينعطف أثره على الواقعة المطروحة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتطبيق المادة 113 من قانون العقوبات المعدل بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 على اعتبار أن المال المستولى عليه مملوكاً لإحدى الهيئات العامة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بغير ما حاجة إلى التطرق إلى البحث في صفة الطاعن كموظف عمومي ما دام قد تحقق أن المال المستولى عليه مملوك لشركة مساهمة من أشخاص القانون الخاص. لما كان ما تقدم، وكان الطعن مقدماً من الطاعن للمرة الثانية. وكانت المادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تنص على أنه "إذا طعن مرة ثانية في الحكم الصادر من المحكمة المحال إليها الدعوى تحكم محكمة النقض في الموضوع وفى هذه الحالة تتبع الإجراءات المقررة في المحاكمة عن الجريمة التي وقعت". غير أنه لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، فإنه يقتضي حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون المشار إليه أن تحكم محكمة النقض في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون، دون نظر الموضوع في جلسة تحددها لهذا الغرض ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي التعرض لموضوع الدعوى. ولما كانت الواقعة كما أثبتها الحكم هي أن الكحول المختلس لم يكن وقت اختلاسه مسلماً للمتهمين بل كان مودعاً في المكان المعد له في الشركة، ولم يكن اتصال المتهمين به بسبب كونه مسلماً إليهم وفى حيازتهم بل كان بصفة عرضية بحكم عملهم في الشركة، ومن ثم فإن الواقعة تعتبر جنحة سرقة بالمادة 317 فقرات 1 و5 و7 من قانون العقوبات مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه بتطبيق القانون على وجهه الصحيح وذلك بالنسبة إلى الطاعن وإلى باقي المحكوم عليهم المتهمين الأول والثاني والرابع ولو لم يقدموا طعناً لوحدة الواقعة واتصال ذلك العيب بهم إعمالاً للمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 سالف الذكر. ولما كانت عقوبة الحبس التي أوقعها الحكم على المتهمين تدخل وحدها في نطاق العقوبة المقررة في المادة 317 من قانون العقوبات المنطبقة على واقعة الدعوى، فإنه يتعين استبعاد العقوبات الأخرى التي أوقعها الحكم وهى العزل والرد والغرامة، ولا يغير من ذلك القول بأن المحكمة أخذت المتهمين بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة ذلك لأن المحكمة تقدر ظروف الواقعة بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التي تتبين وقوعها وليس وبالنسبة إلى الوصف القانوني الذي تعطيه لها، فلو أنها رأت أن تلك الظروف تقتضي النزول إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفته بها، أما وهى لم تنزل إلى الحد الأدنى فإنها تكون قد رأت تناسب عقوبة الحبس التي قضت بها على الواقعة التي أثبتتها بصرف النظر عن وصفها القانوني.