أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صــ 523

جلسة 31 من مايو سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري؛ ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام.

(106)
الطعن رقم 2014 لسنة 34 القضائية

( أ ) إجراءات المحاكمة. محكمة الجنايات. قانون. مستشار فرد.
القواعد المنظمة لإجراءات التقاضي. سريانها من يوم نفاذها. نقض الحكم وإعادة القضية إلى محكمة الجنايات يستوجب عرضها على المحكمة المشكلة له طبقاً لأحكام القانون الساري وقت نظر الدعوى من جديد.
(ب) رسوم قضائية. إجراءات المحاكمة.
عدم دفع الرسوم القضائية. لا تأثير له في حقوق المتهم في الدفاع. عدم تعلقه بإجراءات المحاكمة من حيث صحتها أو بطلانها.
(جـ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة أن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها في مرحلة أخرى.
(د) أسباب الإباحة. "دفاع شرعي". محكمة الموضوع.
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. مسألة موضوعية. لمحكمة الموضوع الفصل فيها بلا معقب متى كان استدلالها سليماً.
1 - القواعد المنظمة لإجراءات التقاضي أمام المحاكم وضعت لكفالة حسن سير العدالة، فتسري من يوم نفاذها بالنسبة للمستقبل وإذن فمتى نقض الحكم وأحيلت القضية إلى محكمة الجنايات استوجب ذلك عرضها على محكمة الجنايات المشكلة طبقاً لأحكام القانون السارية وقت نظر الدعوى من جديد - وهى في حالة الدعوى المطروحة - هيئة المحكمة المشكلة من مستشار فرد، ومن ثم فإن إجراءات المحاكمة تكون قد تمت صحيحة.
2 - دفع الرسوم القضائية ليس من شأنه في حد ذاته التأثير في حقوق المتهم في الدفاع والطعن على الإجراءات من هذه الناحية لا يكون له في حقيقة الأمر من معنى سوى التضرر من عدم دفع الرسوم. وهذا وحده لا تعلق له بإجراءات المحاكمة من حيث صحتها أو بطلانها.
3 - لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها في مرحلة أخرى - ومن ثم فلا يقبل النعي على الحكم عدم أخذه بأقوال الشهود في مرحلة المحاكمة السابقة على نقض الحكم.
4 - تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى. ولمحكمة الموضوع وحدها الفصل فيها بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليماً ويؤدي إلى ما انتهى إليه. ولما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين وأطرح في منطق سائغ دعواهما أنهما كانا في حالة دفاع شرعي - وخلص إلى أن الطاعن الأول هو الذي بدأ بالعدوان - ومن ثم فلا يقبل من الطاعنين معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الشأن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في يوم 12 سبتمبر سنة 1958 بدائرة مركز منيا القمح من أعمال مديرية الشرقية: (أولاً) المتهم الأول (الطاعن الأول) ضرب محمود عبد الشافي المسلمي عمداً بعصا على رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمي بأعلا الجبهة بأبعاد حوالي 3 - 2 سم مما يعرضه للتغيرات الجوية ويعرض حياته للخطر والتي تقلل من كفاءته على العمل بنحو 10% (ثانياً) والمتهم الثاني: ضرب سعيد محمود عبد الشافي عمداً بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد بعظام الجدارية اليسرى مساحته 6 - 4 سم مما يعرضه للتغيرات الجوية ويعرض حياته للخطر والتي تقلل من كفاءته على العمل بنحو 15% (ثالثاً) والمتهم الثالث (الطاعن الثاني) ضرب عبد الشافي محمود عبد الشافي عمداً بعصا على رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد بعظام الرأس مما يعرضه للتغيرات الجوية ويعرض حياته للخطر والتي تقلل من كفاءته على العمل بنحو 10 % وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. وادعى مدنياً المجني عليه الأول عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على ولده المجني عليه الثالث وطلب القضاء له قبل كل من المتهمين الأول والثالث بمبلغ مائة جنيه وذلك على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماه ثم عدل طلباته إلى 500 ج قبل الأول وألف جنيه قبل الثالث. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً في 22 مايو سنة 1961 عملاً بمادة الاتهام بالنسبة إلى المتهمين الأول والثالث (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن الأول) بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه أن يدفع للمدعي بالحق المدني محمود عبد الشافي المسلمي مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماه (وثانياً) بمعاقبة المتهم الثالث (الطاعن الثاني) بالسجن لمدة خمس سنوات وإلزامه أن يدفع للمدعي بالحق المدني محمود عبد الشافي المسلمي بصفته ولياً طبيعياً على ابنه عبد الشافي محمود عبد الشافي مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة (وثالثاً) ببراءة المتهم الثاني مما نسب إليه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض, وقضى فيه بتاريخ 11 فبراير سنة 1963 بقبوله شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الزقازيق لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات الزقازيق - دائرة المستشار الفرد - قضت حضورياً في 20 نوفمبر سنة 1963 عملاً بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى الطاعن الأول (أولاً) بمعاقبة الطاعن الأول بالحبس سنة واحدة مع الشغل (ثانياً) بمعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات (وثالثاً) إلزام الطاعن الأول أن يدفع للمدعي بالحق المدني مائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة (رابعاً) إلزام الطاعن الثاني أن يدفع للمدعي بالحق المدني بصفته ولياً طبيعياً على ولده عبد الشافي مائتي جنيه والمصاريف المدنية المناسبة وخمسة جنيهات مقابل أتعاب محاماة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان كلاً من الطاعنين بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه الخطأ في الإسناد والقصور في البيان كما أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول في قضائه بإدانة الطاعن الثاني على ما شهد به محمد محمود عبد الشافي في حين أنه شهد في التحقيقات بأن آخر يدعى عبد العليم محمد متولي هو الذي أحدث الإصابة المنسوبة إلى هذا الطاعن. وقد ذهب الحكم إلى أن محمود عبد الشافي وولديه سعيد وعبد الشافي توجهوا إلى الحقل وأنهم في طريقهم إليه مرواً بعزبة مرعي حيث يقيم الطاعن الأول مع أنهم لم يقولوا إطلاقاً بأنهم قصدوا إلى الحقل أو أنهم كانوا في طريقهم إليه. وكان أساس دفاع الطاعنين أن المذكورين إنما قصدوا منزل الطاعن الأول واعتدوا عليه بما يوفر قيام حالة الدفاع الشرعي. هذا إلى أن ما أورده الحكم من أن محمود عبد الشافي قد قرر أنه على أثر الاعتداء عليه سقط على الأرض وشاهد اعتداء الطاعن الثاني على ابنه عبد الشافي لا يتفق وما هو ثابت من مجموع أقواله أمام النيابة وتقرير الطبيب الشرعي من أنه فقد وعيه بعد إصابته وأنه ضرب أولاً قبل أن يضرب ابنه مما لا يسوغ قوله برؤية الاعتداء على ولده كما نسب الحكم - خطأ - إلى الطاعن الثاني أنه أنكر وجوده بمكان الحادث على الرغم من أنه قرر بالتحقيقات أنه كان موجوداً بالمنزل. وقد خلص الحكم إلى أن الطاعنين كانا الباديين بالعدوان، ورتب على ذلك انتفاء قيام حالة الدفاع الشرعي لديهما مع أن ذلك - وهو غير صحيح - لا يمنع من قيام حالة الدفاع الشرعي حتى في هذه الحالة لاحتمال أن يكون الاعتداء التالي من الطرف الآخر جسيماً فتتوافر به أركان الدفاع الشرعي للمعتدي الأول - كما أغفل الحكم استبعاد الدعوى المدنية بعد أن عدل المدعيان طلبتهما وأصبح كل طلب مستقلاً عن الآخر دون أداء كامل الرسم المستحق بعد التعديل، والتفت عن أقوال الشهود بمحضر جلسة المحاكمة الأولى قبل نقض الحكم مع أنها جزء من أوراق الدعوى وقد حفلت بالمتناقضات التي تؤيد دفاع الطاعن ثم قضت المحكمة في الدعوى مع أنها مشكلة من مستشار فرد على الرغم من أن الحكم قبل نقضه صدر من دائرة ثلاثية وكان من المتعين - حتى لا يضار الطاعن من طعنه - أن تعرض الدعوى على دائرة ثلاثية مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي إحداث العاهتين المستديمتين اللتين دين الطاعنان بهما وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذ حصل شهادة محمد محمود عبد الشافي لم يورد أقواله في خصوصية محدث الإصابة المسندة إلى الطاعن الثاني، وكان من المقرر أن للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تثق به وتطرح ما عداه، ومن ثم كان التحدي بما ذكره هذا الشاهد عن محدث الإصابة المسندة إلى الطاعن الثاني - وهو ما أطرحه الحكم لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما ينازع فيه الطاعنان فيما أورده الحكم عن مؤدى شهادة محمود عبد الشافي وولديه سعيد وعبد الشافي، مردوداً بأنه يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما حصله الحكم في هذا الشأن له مأخذ من الأوراق. وكان الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع من أن إصابة محمود عبد الشافي تفقده وعيه ولا يستطيع معها تمييز الضارب لابنه وأطرحه استناداً إلى أن الطبيب الشرعي لم يجزم بأنه فقد وعيه بتأثير إصابته، وهو ما يستقيم به الرد على هذا الدفاع. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنان من قالة الخطأ في الإسناد في خصوص موقف الطاعن الثاني من الحادث مردوداً بأنه وإن كان الحكم قد ذكر أن هذا الطاعن أنكر وجوده بمكان الحادث على خلاف الثابت بالأوراق إلا أنه قد عرض إلى دفاعه من أنه كان في حالة دفاع عن النفس وفنده، وإذ لم يكن لهذا الخطأ تأثير في سلامة الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا يعيب الحكم خطأه في هذا الخصوص. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين وأطرح في منطق سائغ دعواهما - وجودهما في حالة دفاع شرعي وخلص إلى أن الطاعن الأول هو الذي بدأ بالعدوان، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى ولمحكمة الموضوع وحدها الفصل فيها بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليماً ويؤدي إلى ما انتهى إليه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا يقبل من الطاعنين معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن دفع الرسوم القضائية ليس من شأنه في حد ذاته التأثير في حقوق المتهم في الدفاع, والطعن على الإجراءات من هذه الناحية لا يكون له في حقيقة الأمر من معنى سوى التضرر من عدم دفع الرسوم وهذا وحده لا تعلق له بإجراءات المحاكمة من حيث صحتها أو بطلانها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك, وكان لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها في مرحلة أخرى ومن ثم فلا يقبل النعي على الحكم عدم أخذه بأقوال الشهود في مرحلة المحاكمة السابقة على نقض الحكم، ولما كانت المادة 366/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 107 لسنة 1962 - الذي وقعت المحاكمة التي انتهت بالحكم المطعون فيه في ظله - قد نصت على أن تشكل محكمة الجنايات من مستشار فرد من بين رؤساء الدوائر عند النظر في جناية من الجنايات المنصوص عليها في المادتين 51 و240 من قانون العقوبات. كما نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون 107 لسنة 1962 على أن تحال بحالتها إلى المستشار الفرد الجنايات المعروضة على محاكم الجنايات في دور انعقادها الجاري وقت العمل بهذا القانون والتي أصبحت من اختصاصه. وكان من المقرر أن القواعد المنظمة لإجراءات التقاضي أمام المحاكم قد وضعت لكفالة حسن سير العدالة وحمايتها من أسباب العثار والانحراف فتسري من يوم نفاذها بالنسبة إلى المستقبل. وكان نقض الحكم وإحالة القضية إلى محكمة الجنايات يستوجب عرضها على محكمة الجنايات المشكلة طبقاً لأحكام القانون السارية وقت نظر الدعوى من جديد وهى في حالة الدعوى المطروحة هيئة المحكمة المشكلة من مستشار فرد، ومن ثم فإن إجراءات المحاكمة تكون قد تمت صحيحة، وما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا سند له من القانون. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.