أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 538

جلسة أول يونيه سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وجمال المرصفاوي، ونصر الدين عزام.

(108)
الطعن رقم 64 لسنة 35 القضائية

( أ ) بناء. عقوبة. "هدم".
وجوب توقيع العقوبات المنصوص عليها في قانون تنظيم المباني إذا قام مقتضاها إلى جانب العقوبة المنصوص عليها في قانون تنظيم هدم المباني القانون 178 لسنة 1961 في شأن تنظيم هدم المباني و45 لسنة 1962 في شأن تنظيم المباني.
(ب) وصف التهمة. عقوبة. "هدم". نقض. "حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون".
عدم تقيد المحكمة بالوصف الذي تسبغه النيابة على الفعل المسند إلى المتهم. من واجبها تمحيص الواقعة المطروحة بجميع كيوفها وأوصافها وتطبيق نصوص القانون عليها تطبيقاً صحيحاً. طالما أن الفعل المادي المكون للجريمتين واحد، وبشرط أن تبين المحكمة للمتهم التهمة المعدلة وتتيح له فرصة تقديم دفاعه عنها كاملاً. مثال في جريمة هدم بناء بدون تصريح من لجنة تنظيم أعمال الهدم وجريمة هدم بناء بدون ترخيص من السلطة القائمة على شئون التنظيم.
1 - يبين من استعراض نصوص المواد 1 و2 و5 و7 من القانون 178 لسنة 1961 في شأن تنظيم هدم المباني، 1 و6 من القانون 45 لسنة 1962 في شأن تنظيم المباني أن القانون حظر هدم المباني الآيلة للسقوط إلا بعد الحصول على تصريح من لجنة تنظيم أعمال هدم المباني وصدور ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وحظر على السلطة الأخيرة أن تصدر ترخيصاً بالهدم إلا بعد صدور تصريح من اللجنة - وأوجب توقيع العقوبات المنصوص عليها في قانون تنظيم المباني إذا قام مقتضاها إلى جانب العقوبة المنصوص عليها في قانون تنظيم هدم المباني رقم 178 لسنة 1961.
2 - من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً غير مقيدة بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في وصف التهمة المحالة عليها. وهى مطالبة بالنظر في الواقعة الجنائية على حقيقتها كما تبينتها من عناصرها المطروحة عليها ومن التحقيق الذي تجريه بالجلسة. ولا يرد على ذلك بأن لسلطة الاتهام أو التحقيق حقوقاً واختصاصات في شأن التصرف في الدعوى لأن هذا محله أن تكون وقائع الدعوى متعددة مختلفة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر لا أن تكون الواقعة المادية واحدة لا يتصور فيها أن تكون قابلة لأية تجزئة. كما لا يقدح في هذا أن حق الدفاع يقضى بأن تعين للمتهم التهمة التي توجه إليه ليرتب دفاعه عنها، ذلك بأن حق المحكمة في تعديل التهمة في أثناء المحاكمة بإضافة الوقائع اللصيقة بهذه التهمة التي تكون معها وجه الاتهام الحقيقي والمستمدة من التحقيق الابتدائي يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن تبين للمتهم التهمة المعدلة وتتيح له فرصة تقديم دفاعه عنها كاملاً. ولما كانت جريمة هدم البناء بدون تصريح من لجنة تنظيم أعمال الهدم وجريمة هدم البناء بدون ترخيص من السلطة القائمة على شئون التنظيم. وإن كانت كل جريمة منهما تقوم على عناصر موضوعية تختلف عن عناصر الجريمة الأخرى غير أن قوام الفعل المادي المكون للجريمتين واحد وهو هدم البناء على وجه مخالف للقانون، فالواقعة المادية التي تتمثل في فعل الهدم هي عنصر مشترك بين كافة الأوصاف القانونية التي يمكن أن تعطى لها والتي تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة للقانون وجميعها نتائج متولدة عن هذا الفعل. وكانت الواقعة المادية التي رفعت بها التهمة الأولى على المطعون ضدها قد ترتب عنها جريمتا هدم البناء دون تصريح من لجنة تنظيم أعمال الهدم وهدم البناء دون ترخيص من السلطة المختصة بشئون التنظيم، وكان في توافر أركان الجريمة الأولى ما يقتضى - تطبيقاً للمادة الخامسة من القانون 178 لسنة 1961 قيام الجريمة الثانية، فإنه كان من المتعين على المحكمة أن تفصل في الدعوى على هذا الأساس وتنزل عليها حكم القانون، وليس في هذا إضافة لواقعة جديدة لم ترفع بها الدعوى ابتداء ما دامت الواقعة المادية المتخذة أساساً لهاتين الجريمتين هي بذاتها التي أقيمت بها الدعوى. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذا التفت عن الوصف الآخر المنطبق على التهمة الأولى المستندة إلى المتهمين يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم 17 سبتمبر سنة 1962 بدائرة بندر الزقازيق: أولاً - هدما بناء قبل الحصول على تصريح الهدم من لجنة تنظيم أعمال هدم المباني (ثانياً) أقاما بناء بدون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم (ثالثاً) لم يراعيا الاشتراطات المقررة قانوناً في الأبنية المخصصة لإنارة وتهوية مرافق البناء (رابعاً) لم يرتدا بواجهة البناء الارتداد المقرر قانوناً. وطلبت عقابهما بالمواد 1 و3 و7 من القانون رقم 178 لسنة 1961 و1 و2 و3 و7 و13 و16 من القانون رقم 45 لسنة 1962. ومحكمة جنح الزقازيق الجزئية قضت غيابياً في 17/ 2/ 1963 عملاً بمواد الاتهام مع مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بتغريم كل من المتهمين 100 ج والرسوم عن التهمة الأولى و500 قرش وضعف الرسوم وتصحيح الأعمال المخالفة عن التهم الثلاث الأخيرة. فعارض المحكوم عليه الثاني، وقضى في معارضته بتاريخ 7/ 4/ 1963 بقبولها شكلاً وفى الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف هذا الحكم كل من المتهمين والنيابة العامة. ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 10/ 12/ 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإجماع الآراء بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة إلى التهمة الأولى وبتغريم كل من المتهمين ستين جنيهاً قيمة ثلاثة أمثال المباني المهدومة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من تاريخ الحكم تطبيقاً للمادتين 55 و56 من قانون العقوبات وتأييده فيما عدا ذلك. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضدهما عن التهمة الأولى المسندة إليهما وهى هدم بناء قبل الحصول على تصريح من لجنة توجيه أعمال الهدم والبناء وقضى بتغريم كل منهما قيمة ثلاثة أمثال المباني المهدومة وإيقاف التنفيذ، قد شابه خطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المادة السابعة من القانون رقم 178 لسنة 1961 في شأن تنظيم هدم المباني توجب - فضلاً عن توقيع عقوبة الغرامة التي تعادل ثلاثة أمثال قيمة المبنى المهدوم - توقيع العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 656 لسنة 1954 في شأن تنظيم المباني - الذي حل محله القانون رقم 45 لسنة 1962 - وذلك على اعتبار أن الفعل الذي ارتكبه المتهمان ينطوي أيضاً على جريمة هدم بناء بدون ترخيص من السلطة القائمة على أعمال التنظيم، ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة لم تطلب تطبيق القانون 45 لسنة 1962 إذ أنه من واجب المحكمة أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها القانون تطبيقاً صحيحاً.
وحيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى على المطعون ضدهما بوصف أنهما (أولاً) هدما بناء قبل الحصول على تصريح بالهدم من لجنة تنظيم أعمال هدم المباني (ثانياً) أقاما بناء بدون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم (ثالثاً) لم يراعيا الاشتراطات المقررة قانوناً في الأبنية المخصصة لإنارة وتهوية البناء (رابعاً) لم يرتدا بواجهة البناء الارتداد المقرر قانوناً. وطلبت معاقبتهما بالمواد 1 و3 و7 من القانون 178 لسنة 1961 بالنسبة إلى التهمة الأولى وبالمواد 1 و2 و3 و7 و13 و16 من القانون رقم 45 لسنة 1962 بالنسبة إلى التهم الثلاث الأخيرة. ومحكمة أول درجة قضت بتغريم كل منهما مائة قرش والرسوم عن التهمة الأولى وخمسمائة قرش وضعف الرسوم وتصحيح الأعمال المخالفة عن التهم الثلاث الأخيرة وذلك عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى هذه التهم. فاستأنفت النيابة العامة الحكم كما استأنفه المتهمان ومحكمة ثاني درجة حكمت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع وبإجماع الآراء بتعديل الحكم المستأنف فيما يختص بالتهمة الأولى وبتغريم كل من المتهمين 60 ج قيمة ثلاثة أمثال المبنى المهدوم وأمرت بوقف التنفيذ وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 178 لسنة 1961 في شأن تنظيم هدم المباني قد نص في المادة الأولى على أنه "يحظر داخل حدود المدن هدم المباني غير الآيلة للسقوط وهى التي لا يسري عليها القانون رقم 605 لسنة 1954 المشار إليه إلا بعد تصريح بالهدم وفقاً لأحكام هذا القانون" وحددت المادة الثانية تشكيل اللجنة التي تختص بالنظر في طلبات التصريح بهدم المباني في كل محافظة، ثم جرى نص المادة الخامسة على أنه "يحظر على السلطة القائمة على أعمال التنظيم إعطاء رخصة هدم طبقاً للقانون رقم 656 لسنة 1954 المشار إليه إلا بعد صدور التصريح بالهدم طبقاً لهذا القانون"... ثم نصت المادة السابعة "مع عدم الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 656 لسنة 1954 المشار إليه يعاقب مالك العقار عند مخالفة أحكام المادة الأولى من هذا القانون بغرامة تعادل ثلاثة أمثال قيمة المبنى المهدوم". كما نصت المادة الأولى من القانون رقم 45 لسنة 1962 في شأن تنظيم المباني الذي حل محل القانون 656 لسنة 1954 والساري المفعول على الواقعة المطروحة - على أنه "لا يجوز لأحد أن ينشىء بناء أو يقيم أعمالاً أو يوسعها أو يعليها أو يعدل فيها أو يدعمها أو يهدمها كما لا يجوز تغطية واجهات المباني القائمة بالبياض وخلافه إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أو إخطارها بذلك حسب الأحوال ووفقاً لما تبينه اللائحة التنفيذية"... ونصت المادة السادسة عشرة على أن "كل مخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له يعاقب عليها بغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تزيد عن عشرين جنيهاً ويجب الحكم فيها فضلاً عن الغرامة بتصحيح أو استكمال أو هدم الأعمال المخالفة فيما لم يصدر في شأنه قرار من اللجنة المحلية المشار إليها في المادة 14 كما يجب الحكم بضعف الرسوم المستحقة عن الترخيص في الأحوال التي يكون فيها موضوع المخالفة هو القيام بالأعمال بدون ترخيص..." ويبين من استعراض نصوص هذه المواد أن القانون حظر هدم المباني غير الآيلة للسقوط إلا بعد الحصول على تصريح من لجنة تنظيم أعمال هدم المباني وصدور ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وحظر على السلطة الأخيرة أن تصدر ترخيصاً بالهدم إلا بعد صدور تصريح من اللجنة وأوجب توقيع العقوبات المنصوص عليها في قانون تنظيم المباني إذا قام مقتضاها إلى جانب العقوبة المنصوص عليها في قانون تنظيم هدم المباني رقم 178 لسنة 1961. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً, ذلك بأنها وهى تفصل في الدعوى غير مقيدة بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في وصف التهمة المحالة عليها بل إنها مطالبة بالنظر في الواقعة الجنائية على حقيقتها كما تبينتها من عناصرها المطروحة عليها ومن التحقيق الذي تجريه بالجلسة, ولا يرد على ذلك بأن لسلطة الاتهام أو التحقيق حقوقاً واختصاصات في شأن التصرف في الدعوى لأن هذا محله أن تكون وقائع الدعوى متعددة ومختلفة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر لا أن تكون الواقعة المادية واحدة لا يتصور فيها أن تكون قابلة لأية تجزئة ولا يقدح في هذا أن حق الدفاع يقضى بأن تعين للمتهم التهمة التي توجه إليه ليرتب دفاعه عنها، ذلك بأن حق المحكمة في تعديل التهمة في أثناء المحاكمة بإضافة الوقائع اللصيقة بهذه التهمة التي تكون معها وجه الاتهام الحقيقي والمستمدة من التحقيق الابتدائي يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن تبين للمتهم التهمة المعدلة وتتيح له فرصة تقديم دفاعه عنها كاملاً. ولما كانت جريمة هدم البناء بدون تصريح من لجنة تنظيم أعمال الهدم وجريمة هدم البناء بدون ترخيص من السلطة القائمة على شئون التنظيم وإن كانت كل جريمة منهما تقوم على عناصر موضوعية تختلف عن عناصر الجريمة الأخرى غير أن قوام الفعل المادي المكون للجريمتين واحد وهو هدم البناء على وجه مخالف للقانون، فالواقعة المادية التي تتمثل في فعل الهدم هي عنصر مشترك بين كافة الأوصاف القانونية التي يمكن أن تعطى لها والتي تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة للقانون وجميعها نتائج متولدة عن هذا الفعل. لما كان ما تقدم, وكانت الواقعة المادية التي رفعت بها التهمة الأولى على المطعون ضدهما قد ترتب عنها جريمتا هدم البناء دون تصريح من لجنة تنظيم أعمال الهدم وهدم البناء دون ترخيص من السلطة المختصة بشئون التنظيم، وكان في توافر أركان الجريمة الأولى ما يقتضى - تطبيقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 178 لسنة 1961 قيام الجريمة الثانية، فإنه كان من المتعين على المحكمة أن تفصل في الدعوى على هذا الأساس وتنزل عليها حكم القانون، وليس في هذا إضافة لواقعة جديدة لم ترفع بها الدعوى ابتداء ما دامت الواقعة المادية المتخذة أساساً لهاتين الجريمتين هي - كما تقدم - بذاتها التي أقيمت بها الدعوى. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن الوصف الآخر المنطبق على التهمة الأولى المسندة إلى المتهمين يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه. ولما كانت المحكمة لم توجه الوصف الآخر إلى المتهمين حتى يتسنى لهما تقديم دفاعهما، فإن هذه المحكمة - محكمة النقض - لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ مما يتعين معه أن يكون مع النقض الإحالة.