أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 590

جلسة 15 من يونيه سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان, ومحمد محمد محفوظ, ومحمود عزيز الدين سالم, وحسين سامح.

(118)
الطعن رقم 361 لسنة 35 القضائية

( أ ) تعد. جريمة. "أركانها".
جنح التعدي على الموظفين. ركنها الأدبي: توافره بمجرد قيام القصد الجنائي العام. الجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرر (1) عقوبات. ركنها الأدبي: ضرورة أن يتوافر لدى الجاني بالإضافة إلى القصد الجنائي العام نية خاصة تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه. إطلاق الشارع حكم المادة المذكورة لينال العقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العمومي أو الشخص المكلف بخدمة عامة. متى كانت غايته من الإكراه أو التهديد حمل الموظف أو المكلف بالخدمة العامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المكلف به. وقوع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه أو في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل. سواء. طالما أن أداء الموظف للعمل غير الحق أو اجتنابه أداء عمله قد تحقق نتيجة لاستعمال القوة أو التهديد.
(ب، ج، د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) حكم الإدانة: وجوب اشتماله على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها. عدم رسم القانون شكلاً خاصاً أو طريقة معينة يصوغ فيها الحكم هذا البيان.
(ج) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالفها من صور أخرى. ما دام استخلاصها سائغاً.
(د) التناقض بين أقوال الشهود والمتهمين. لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً.
(هـ) دفوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بتلفيق التهمة أو باستحالة الرؤية. من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً. كفاية الرد الضمني.
(و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشهود بما تطمئن إليه في حق متهم وإطراح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر.
1 - من المقرر أن جنح التعدي على الموظفين المنصوص عليها في المواد 133 و136 و137 و137 مكرراً من قانون العقوبات والجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرراً (1) من هذا القانون يجمعها ركن مادي واحد ويفصل بينها الركن الأدبي. فبينما يكفي لتوفر الركن الأدبي في الجرائم التي من النوع الأول قيام القصد الجنائي العام وهو إدراك الجاني لما يفعل وعلمه بشروط الجريمة دون اعتداد بالباعث فإنه لا يتحقق في المادة 137 مكرر (1)، (2) إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه. وأن الشارع قد أطلق حكم المادة 127 مكرر (1) و (2) من قانون العقوبات المضافة بالقانون 120 لسنة 1962 لينال العقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العمومي أو الشخص المكلف بخدمة عامة متى كانت غايته من الإكراه أو التهديد حمل الموظف أو المكلف بالخدمة العامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المكلف به، يستوي في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه أو في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل طالما أن أداء الموظف للعمل غير الحق أو اجتنابه أداء عمله قد تحقق نتيجة لاستعمال القوة أو التهديد.
2 - القانون إذ أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها لم يرسم شكلاً خاصاً أو طريقة معينة يصوغ فيها الحكم هذا البيان وأنه متى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، كان ذلك محققاً لحكم القانون.
3 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
4 - التناقض بين أقوال الشهود أو المتهمين لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
5 - الدفع بتلفيق التهمة أو باستحالة الرؤية بسبب الظلام أو ما شابه يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام أن الرد مستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
6 - لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر، دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها، ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر آخر منها، وما دام تقدير الدليل موكول إلى اقتناعها وحدها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في يوم 26/ 8/ 1963 بناحية مركز رشيد محافظة البحيرة: استعملوا القوة والعنف مع الشرطيين البحريين محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري على الوجه المبين بالمحضر لحملهما بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهما وكان ذلك بأن قام المتهمان الأول والثاني بقلب المركب الخاصة بهما وعمد المتهم الأول إلى الإمساك بأولهما واعتدى عليه على الوجه المبين بالمحضر وحاول المتهم الثاني الاعتداء عليه بمدراة المركب فأخطأته وذلك لمنعهما من ضبطهم يصطادون في المنطقة الممنوعة ومن ضبط مركبهم وشباك غزلهم، وقد توصلوا بهذا الاعتداء إلى بلوغ مقصدهم من الفرار بحاجياتهم وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمادة 137 مكرر (1)، (2) من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً في 13 يناير سنة 1965 عملاً بمادة الاتهام وتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين (الطاعنين) بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن الأول) بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبمعاقبة المتهم الثالث (الطاعن الثاني) بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة استعمال القوة والعنف مع رجلي الشرطة البحرية محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري لحملهما بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهما قد شابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وتأويله، وفى تفصيل ذلك يقول الطاعنان بأنهما اتهما بتلك الجريمة مع آخر كان ترتيبه في قائمة الاتهام الثاني بينما كان ترتيبهما في القائمة الأول والثالث وجرت مدونات الحكم على القول بثبوت تلك التهمة في حق المتهمين الأولين حسب ذلك الترتيب ثم انحرفت فجأة وقضت بإدانة الطاعن الثاني وهو المتهم الثالث في القائمة وتبرئة المتهم الثاني فيها مع أن الأدلة كما أوردها الحكم منصبة على هذا الأخير والطاعن الأول دون الطاعن الثاني الأمر الذي ينبئ عن عدم تفهم المحكمة لواقعة الدعوى ويدل على أن الأمر قد اختلط عليها فأدانت البرئ منهم. هذا بالإضافة إلى أن المدافع عن الطاعنين كان قد دفع بتلفيق التهمة عليهما بدلالة تجهيل بلاغ الحادث وخلوه من اسميهما وعدم ضبطهما في مسرح الجريمة واستحالة الرؤية على المجني عليهما لشدة الظلام ونمو الحشائش والأعشاب بالمنطقة ولتناقض أقوال المجني عليهما فيما بينهما وفيما بين أقوال بقية الشهود تناقضاً بيناً يوجب إهدارها ومع ذلك فإن المحكمة لم تعن بالرد على هذا الدفاع مما يصم حكمها بالقصور والإخلال بحق الدفاع. كما أن الحكم لم يورد بمدوناته مؤدى أقوال الشهود حسين سليم فتحي ومحمد مختار البنا وعبد السيد شحاتة ومحمد السيد منير اكتفاء بما قاله من أنهم شهدوا بما يؤيد أقوال المجني عليهما في حين أن أقوالهم تتناقض في الواقع مع أقوال هذين الأخيرين تناقضاً واضحاً مما لم يكن يصح معه الجمع بين القولين على هذا النحو من الإجمال، هذا فضلاً عما شاب الحكم من تناقض حين اعتمد في إدانة الطاعنين على أقوال المجني عليهما ثم أطرح هذه الأقوال في شأن المتهم الثاني الذي انتهى إلى القضاء ببراءته. وبالإضافة إلى كل ما تقدم فإن الحكم أدان الطاعنين بالجريمة المنصوص عليها في المادة 137/ 1 مكرر من قانون العقوبات دون أن يستظهر الركن المعنوي الواجب توافره لتطبيق أحكام هذه المادة وبالرغم من أن ما أسنده إليهما من وقائع مادية إنما يقع تحت طائلة أحكام المادة 137/ 1 من قانون العقوبات دون المادة 137/ 1 مكرر التي يلزم لتطبيقها مضي فترة زمنية بين أفعال العنف والاعتداء وبين امتناع الموظف عن أداء عمله وهو ما يصم الحكم بالقصور والخطأ في تطبيق القانون ويعيبه مما يستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على كل من 1 - حسن محمد قشيوط (الطاعن الأول) 2 - عطيه غانم السيد قشيوط - 3 - محمد السيد قشيوط (الطاعن الثاني) بوصف أنهم في يوم 26 من أغسطس سنة 1963 بناحية مركز رشيد محافظة البحيرة - استعملوا القوة والعنف مع الشرطيين البحريين محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري على الوجه المبين بالمحضر لحملهما بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهما وكان ذلك بأن قام المتهمان الأول والثاني بقلب المركب الخاصة بهما وعمد المتهم الأول إلى الإمساك بأولهما واعتدى عليه على الوجه المبين بالمحضر وحاول المتهم الثاني الاعتداء عليه بمدراة المركب فأخطأته وذلك لمنعهما من ضبطهم يصطادون في المنطقة الممنوعة ومن ضبط مركبهم وشباك غزلهم، وقد توصلوا بهذا الاعتداء إلى بلوغ مقصدهم من الفرار بحاجياتهم، وطلبت النيابة العامة عقابهم بالمادة 137 مكرر 1 و2 من قانون العقوبات، وبعد أن سمعت محكمة جنايات دمنهور الدعوى قضت حضورياً بجلسة 13 من يناير سنة 1965 بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبمعاقبة المتهم الثالث بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه. لما كان ذلك، وكان يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تجمل في أنه في حوالي الساعة التاسعة مساء يوم 26 من أغسطس سنة 1963 بناحية المعدية مركز رشيد محافظة البحيرة، بينما كان الشرطيان البحريان محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري يقودان زورقاً تابعاً لمحصلة خفر السواحل لمراقبة من يخالف من الصيادين بالصيد في المناطق الممنوعة في بحيرة إدكو وضبطه بشباكه وزوارقه, فشاهدا المتهمين حسن محمد قشيوط ومحمد السيد قشيوط وآخرين يصطادون بالقارب رقم 777 في المنطقة الممنوع الصيد فيها وقد نشروا الشباك في المساء للصيد وما أن اقتربا منهم حتى أمسك المتهم الأول بالعسكري محمد عبد الفتاح الألفي واعتدى عليه وعضه في إصبع يده اليسرى وحاول إغراقه في الماء وتمكن هذان المتهمان من قلب الزورق الحكومي الذي كان يستقله الشرطيان المذكوران كما قاوم هذا المتهمان واستعملا العنف مع الشرطيين المذكورين لمنعهما من ضبط الشباك والقارب، وقد تمكن المتهمان من تحقيق غرضهما حيث فرا هما والشخصان الآخران اللذان كانا معهما بالقارب والشباك، وقد أطلق الشرطي محمد حسن الشابوري أربعة أعيرة نارية وقت المقاومة عندما وجد زميله في خطر، كما تمكن الشرطي محمد عبد الفتاح الألفي من ضبط غطاء رأس (قلنسوة) المتهم الأول بعد سقوطه من على رأسه في الماء وقد خف على إثر سماع الأعيرة المساعد البحري حسين سليم فتحي الذي علم من الشرطيين المجني عليهما بالحادث" واستند الحكم في القول بثبوت الواقعة بالصورة المتقدمة في حق الطاعنين إلى شهادة المجني عليهما محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري وأقوال كل من المساعد البحري حسين سليم فتحي والعسكري البحري محمد مختار البنا والعريف عبد السيد شحاته والرقيب أول محمد السيد المنير والنقيب كامل بكر السيد وإلى التقرير الطبي واستعراف كلب الشرطة، وأورد مؤدى أقوال كل من المجني عليهما بما يؤيد ما ورد في بيان واقعة الدعوى من أنهما وجدا الطاعنين وآخرين معهما يصطادون في منطقة محرمة وأن الأولين (الطاعنين) استعملا القوة والعنف معهما وتمكنا بذلك من الإفلات ومعهما زميلاهما بالزورق والشباك، ثم أورد مضمون أقوال بقية الشهود فيما عدا النقيب كامل بكر السيد بقوله "وقرر المساعد البحري حسين سليم فتحي والعسكر البحري محمد مختار البنا والعريف عبد السيد شحاته والرقيب أول محمد السيد المنير بتحقيق النيابة وشهدوا بالجلسة بأنهم سمعوا حوالي الساعة التاسعة مساء صوت إطلاق أربعة أعيرة نارية فذهبوا إلى مكان الحادث وعلموا من المجني عليهما أنهما شاهدا حسن محمد قشيوط ومحمد السيد قشيوط وآخرين يصطادون بشباكهم بالقارب رقم777 في المنطقة الممنوع الصيد فيها فلما حاولا ضبطهم قاوموهما وعض المتهم الأول العسكري البحري محمد عبد الفتاح الألفي في أصبع يده اليسرى فأطلق زميله محمد حسن الشابوري أربعة أعيرة للإرهاب فهرب المتهمان وزميلاهما بالقارب والشباك" وبعد أن استكمل الحكم إيراد مؤدى بقية الأدلة وأشار إلى عدم الاعتداد بإنكار الطاعنين قال: "وحيث إنه يخلص للمحكمة مما تقدم أن واقعة استعمال القوة والعنف والمقاومة التي وقعت على المجني عليهما ثابتة قبل المتهمين المذكورين بدليل متوافر تطمئن إليه المحكمة ويرتاح إليه ضميرها ويسكن عنده اقتناعها من شهادة محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري اللذين قررا أنهما شاهدا حسن محمد قشيوط ومحمد السيد قشيوط وآخرين يصطادون بالقارب رقم 777 والشباك في منطقة ممنوعة فلما حاولا ضبطهم قاومهما المتهمان وقلبا القارب الحكومي وعض المتهم الأول المجني عليه الأول في إصبع يده اليسرى وحاول إغراقه فأطلق المجني عليه الثاني أعيرة نارية للإرهاب فر على أثرها المتهمان بالقارب والشباك وقد تأيدت شهادتهما بأقوال حسين سليم فتحي ومحمد مختار البنا وعبد السيد شحاته ومحمد السيد المنير والنقيب كامل بكر السيد، وقد تعززت شهادتهم بالتقرير الطبي واستعراف الكلب البوليسي على ما سلف بيانه". وانتهى بذلك إلى القول بثبوت التهمة المسندة إلى كل من الطاعنين وعقابهما بمادة الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات، ثم عرج على موقف المتهم عطية السيد غانم المحكوم ببراءته في قوله: "وحيث إن الدليل الذي تركن إليه النيابة في توجيه الاتهام إلى عطيه غانم السيد قشيوط هو أقوال المجني عليهما وإذ سئل المذكوران قررا بتحقيق النيابة في بعض قول لهما بأنه لم يقع عليهما اعتداء من المتهم المذكور ولم ينسبا إليه وقوع تعد عليهما أو مقاومة لأيهما. ولما كان ذلك، وكانت التهمة المسندة للمتهم المذكور على غير أساس مما يتعين معه براءته مما نسب إليه عملاً بالمادتين 304/ 1، 384/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عيها، وكان القانون إذ أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها لم يرسم شكلاً خاصاً أو طريقة معينة يصوغ فيها الحكم هذا البيان وأنه متى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، كان ذلك محققاً لحكم القانون. وكان البين من مراجعة الحكم أنه ورد بصدد تحصيله لواقعة الدعوى أن المجني عليهما محمد عبد الفتاح الألفي ومحمد حسن الشابوري شاهدا المتهمين حسن محمد قشيوط ومحمد السيد قشيوط (الطاعنان) وآخرين لم يفصح الحكم عن اسميهما يصطادون بالقارب رقم 777 في منطقة ممنوع الصيد فيها، واسترسل الحكم في سرد الوقائع معبراً عن الطاعنين معاً "بالمتهمين الأولين", وعن أي منهما "بالمتهم الأول" أو "المتهم الثاني" وكان تعبيره دائماً - على ما يبين من صياغته - منصرفاً إليهما بالذات دون تقيد بالترتيب الوارد في قائمة الاتهام أو قرار الإحالة ثم أورد في تفصيل مؤدى كل دليل من الأدلة القائمة في حق الطاعنين - ومن بينها أقوال كل من حسين سليم فتحي ومحمد مختار البنا وعبد السيد شحاته ومحمد السيد المنير - بما يؤكد هذا الذي تضمنته واقعة الدعوى من تعيين للطاعنين وثبوت الواقعة بالصورة الواردة بها في حقهما محدداً اسميهما, وعرض بعد ذلك لمركز المتهم الثاني عطية غانم السيد قشيوط معيناً إياه بالاسم ودلل على عدم ثبوت التهمة المسندة إليه. وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، فإنه لا يكون صحيحاً ما ينعاه الطاعنان على الحكم من فساد في الاستدلال أو إغفال لإيراد مؤدى أقوال بعض شهود الإثبات. لما كان ما تقدم, وكان تقدير قوة الدليل في الإثبات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها أن تكون عقيدتها من كافة عناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، وكانت المحكمة قد أخذت بأقوال الشهود واطمأنت إليها وإلى سائر الأدلة التي كونت منها معتقدها في حق الطاعنين ورتبت عليها النتيجة السائغة التي خلصت إليها في شأنهما, وكان التناقض بين أقوال الشهود أو المتهمين - بفرض وجوده - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. وكان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر، دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها، ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر آخر منها وما دام تقدير الدليل موكول إلى اقتناعها وحدها، وكان كل من الدفعين بتلفيق التهمة أو باستحالة الرؤية بسبب الظلام أو ما شابه يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام أن الرد مستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الإثبات التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم من قصور وتناقض في التسبيب أو فساد في الاستدلال لا يكون له محل خاصة أنه يدور في حقيقته حول المنازعة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن جنح التعدي على الموظفين المنصوص عليها في المواد 133 و136 و137 و137 مكرر (1) من قانون العقوبات والجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرر 1 - 2 من هذا القانون يجمعها ركن مادي واحد ويفصل بينها الركن الأدبي. فبينما يكفي لتوفر الركن الأدبي في الجرائم التي من النوع الأول قيام القصد الجنائي العام وهو إدراك الجاني لما يفعل وعمله بشروط الجريمة دون اعتداء بالباعث فإنه لا يتحقق في المادة 137 مكرر 1 و2 إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه. وان الشارع قد أطلق حكم المادة 137 مكرر 1 و2 من قانون العقوبات المضافة بالقانون 120 لسنة 1962 لينال العقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العمومي أو الشخص المكلف بخدمة عامة متى كانت غايته من الإكراه أو التهديد حمل الموظف أو المكلف بالخدمة العامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المكلف به، يستوي في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه أو في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل طالما أن أداء الموظف للعمل غير الحق أو اجتنابه أداء عمله قد تحقق نتيجة لاستعمال القوة أو التهديد، وكان الحكم المطعون فيه - بعد أن أورد من وقائع المقاومة الحاصلة من الطاعنين ما يكفي لتوافر العنصر المادي للجريمة - قد استظهر استظهاراً سليماً من ظروف الواقعة أن غرض الطاعنين مما وقع منهما من أفعال مادية قد انصرف إلى منع المجني عليهما من أداء أعمال وظيفتهما بإيقافهما عن الاستمرار في الصيد بمنطقة ممنوعة وضبطهما ضبط شباكهما وزورقهما وقد تمكنا بما استعملاه في حقهما من وسائل العنف والتهديد من بلوغ مقصدهما فإن الجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرر 1 و2 من قانون العقوبات تكون متوافرة متكاملة الأركان.
وحيث إنه لكل ما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.