أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 600

جلسة 21 من يونيه سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.

(119)
الطعن رقم 1819 لسنة 34 القضائية

( أ ) وصف التهمة. مواد مخدرة. جلب. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
عدم تقيد المحكمة بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. للمحكمة تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم. جلب المواد المخدرة لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل الجمهورية. تعديل المحكمة الوصف بالنسبة للطاعن من جلب إلى حيازة. لا إخلال بحق الدفاع. عدم التزام المحكمة بتنبيه الطاعن أو المدافع عنه إلى هذا التعديل.
(ب، ج، د, هـ) حكم. "تسبيبه.تسبيب غير معيب". إثبات. "اعتراف".
(ب) لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه لها الركون في تكوين عقيدتها إلى طريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. مادام استخلاصها سليماً.
(ج) الأدلة في المواد الجنائية. طبيعتها: متساندة، يكمل بعضها بعضاً. لا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة. يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتب عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي.
(د) لمحكمة الموضوع الأخذ باعتراف المتهم في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة ولو عدل عنه بعد ذلك. متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
(هـ) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على استقلال على كل جزئية يبديها أو شبهة يثيرها. ما دام الرد مستفاداً دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
1 - الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى هي أنه الوصف القانوني السليم. ولما كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به، وكان مرد التعديل هو أن الواقعة بالنسبة إلى الطاعن الثالث إنما تكون جريمة إحراز حشيش لا جلبه، ولم يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى - ذلك بأن الجلب في واقع الأمر لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضي الجمهورية فهو في مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها وقد نفت المحكمة عن الطاعن الجلب لانعدام الدليل على مساهمته فيه وأبقت شطراً من الأفعال الأخرى المسندة إليه من بادئ الأمر والتي تتمثل في نقل الثلاجة التي تحوي المخدر من شركة النقل بالقاهرة إلى مسكن المتهم الثالث الأمر الذي تتوافر به - مع ثبوت علمه المؤثم - الحيازة بركنيها المادي والمعنوي للجريمة التي دانته بها - ومن ثم فإن هذا التعديل لا يجافي التطبيق السليم في شئ ولا يخول للطاعن حقاً في إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع. ولا تلتزم المحكمة في هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف نتيجة استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى.
2 - لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية إلى ما تستظهره من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
3 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتب عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه. ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها.
4 - لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحة اعترافه ومطابقته للحقيقة والواقع.
5 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على استقلال على كل جزئية يبديها أو شبهة يثيرها ما دام الرد مستفاداً دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 26 من يوليه سنة 1961 بدائرة قسم ثان الجيزة محافظة الجيزة: جلبوا جواهر مخدرة (حشيشاً) من الجمهورية اللبنانية إلى الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد 1 و2 و33/ 1 و42 من القانون 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق. فقررت ذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بتاريخ أول يونيه سنة 1963 عملاً بالمواد 1 و2 و33/ 1 - أ من القانون رقم 182 لسنة1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق له بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والمواد 1 و2 و7 و34 /1 - أ من القانون المذكور بالنسبة إلى المتهم الخامس والمواد 1 و2 و37 و38 من القانون نفسه بالنسبة إلى المتهم الرابع مع تطبيق المادة 42 من القانون ذاته. والمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى باقي المتهمين (أولاً) بمعاقبة كل من الطاعنين الأول والثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريم كل منهما ثلاثة آلاف جنيه. (ثانياً) بمعاقبة الطاعن الرابع بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه. (ثالثاً) بمعاقبة الطاعن الثالث بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه. (رابعاً) ببراءة كل من المتهمين الثاني والسادس والسابع والثامن من التهمة المسندة إليهم. (خامساً) بمصادرة الجوهر المخدر والثلاجة المضبوطة. وذلك على اعتبار أن المتهمين الأول والثالث والرابع والخامس في الزمان والمكان سالفى الذكر: الأول والثالث: جلبا جوهراً مخدراً (حشيشاً) من الجمهورية اللبنانية إلى الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. والخامس: حاز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. والرابع: حاز جوهراً مخدراً في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

أولاً: تقريراً الأسباب المقدمان من الطاعن الأول:
من حيث إن محصل أوجه هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهر مخدر قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ذلك بأنه عول في إدانة الطاعن على مجرد أقوال المتهم الثاني ريمون جوزيف دون أن يعني بالتدليل على صحتها على الرغم من أن وقائع الدعوى تفيد أن المتهم المذكور كان هو الحائز للثلاجة المضبوطة التي أخفى المخدر فيها وأنه هو الذي قام بعملية جلب هذا المخدر. ومع أن الطاعن تمسك بأنه إنما حضر إلى مصر بقصد الإرشاد عن هذه الجريمة فقد أطرح الحكم دفاعه بقولة إن الإبلاغ كان لاحقاً على توجهه إلى الفندق الذي نزل به باقي المتهمين وعلمه بالضرورة بالقبض عليهم وهو ما لا يصلح رداً على دفاع الطاعن لابتنائه على الظن والتخمين. وفضلاً عما تقدم فقد خلا الحكم من التدليل على أن الطاعن هو الذي قام بوضع المخدرات في الثلاجة المضبوطة ومن بيان مكان وزمان حصول ذلك مما يعيبه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن الأول دبر مع الطاعن الثاني جلب كمية من المخدرات من لبنان إلى مصر حيث يتم ترويجها بمعرفة الطاعن الرابع، فأعد الطاعن الأول لهذا الغرض ثلاجة كهربائية أخفى فيها كمية من طرب الحشيش زنتها 61.978 كيلو جراماً في التجويف العازل بين جداريها الخارجي والداخلي، وعهد إلى المتهم الثاني ريمون جوزيف - الذي قضى ببراءته - بتوصيلها بطريق البحر من ميناء بيروت إلى ميناء بورسعيد بعد أن شحنها على الباخرة باسمه وأخفى عنه أنها تحتوى على جوهر الحشيش ووعده في مقابل ذك بمكافأة قدرها خمسون جنيهاً يتقاضاها من الطاعن الثاني الذي سيكون في انتظاره في الميناء لتسلم الثلاجة. ولما وصلت الثلاجة إلى ميناء بورسعيد تولى الطاعنان الثاني والرابع شحنها إلى القاهرة ونقلها بواسطة مكتب النقل البورسعيدي ببوليصة شحن باسم الطاعن الرابع ثم عهد الطاعنان إلى الطاعن الثالث باستلامها من مكتب النقل بالقاهرة ونقلها إلى مسكن الطاعن الثاني حيث تم ضبطها فيه بعد أن كشفت التحريات أمرها وقبض على ثلاثتهم. ولما قدم الطاعن الأول من لبنان في اليوم الرابع لوصول الثلاجة وفوجئ بالقبض على صحبه زعم أنه قدم للإرشاد. وساق الحكم للتدليل على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الشهود الذين سمعوا في الدعوى ومن اعتراف الطاعن الثاني حسن توفيق عياد ومن أقوال المتهم الثاني ريمون جوزيف ومن تقرير التحليل. وبعد أن حصل مؤدى هذه الأدلة بما يتطابق مع ما أورده في الواقعة، عرض لأقوال المتهمين مثبتاً دفاعهم ومن بينهم الطاعن الأول الذي أنكر التهمة وزعم أنه قدم إلى مصر للإبلاغ عما حدث من المتهم الثامن مصطفى علي الكردي في مسكنه بلبنان إذ شاهده مع آخرين يدسون طرب الحشيش في الثلاجة ثم خلص الحكم بعد ذلك إلى قوله: "وحيث إن التهمة ثابتة قبل المتهم الأول (الطاعن الأول) مما قرره المتهم الثاني (ريمون جوزيف نيقولا) من أن المتهم الأول سلمه الثلاجة المضبوطة لتوصيلها من ميناء بيروت إلى ميناء بورسعيد حيث يسلمها للمتهم الثالث (الطاعن الثاني) وقد تأيدت أقواله بحضور المتهم الأول في إثرها يوم 29/ 7 / 1961 مع أنه كان في مصر قبل ذلك بقليل وخرج منها يوم 19/ 7 / 1961 مما يدل على أنه حضر للاطمئنان على وصولها وقبض نصيبه في الصفقة، ولا تعول المحكمة على ادعائه بأنه حضر إلى مصر للإرشاد عن الجريمة لأن إرشاده كان لاحقاً على توجهه لفندق فينوس وعلمه بالضرورة بالقبض على أصدقائه اللبنانيين وما قد يشير إليه ذلك من اكتشاف الجريمة إذ أن واقعة القبض على هؤلاء في الفندق لا يمكن أن تخفى على نزلائه ومستخدميه ولا أن تبقى سراً على المتهم بعد توجهه إليه. يضاف إلى ذلك أن المتهم المذكور سئل في التحقيق عما إذا كان قد تبين ماهية المادة التي وضعت في الثلاجة قبل إرسالها إلى مصر فأجاب نفياً وهو ما لا يستقيم مع تجشمه عناء الحضور من دولة إلى أخرى للإرشاد عن جريمة لم يتبينها. وعلى ذلك تكون التهمة ثابتة قبله مما تقدم ومما تبين من تقرير التحليل من أن المادة المضبوطة بالثلاجة هي جوهر الحشيش" ثم استطرد الكم قائلاً: "إن الجلب ثابت قبل المتهمين الأول والثالث (الطاعنين الأول والثاني) من أن أولهما أرسل الثلاجة من لبنان إلى مصر وحضر في إثرها للاطمئنان على وصولها وقبض نصيبه في الصفقة... إلخ" وما قاله الحكم فيما تقدم سائغ ومقبول ويستقيم به قضاؤه بإدانة الطاعن عن جريمة جلب المخدرات. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن الدليل المستمد من أقوال المتهم الثاني ريمون جوزيف في غير محله ذلك بأن الحكم لم يقتصر في إثبات التهمة قبل الطاعن على مجرد أقوال المتهم المذكور بل ارتكن أيضاً على العناصر الأخرى التي أوردها والتي تساند تلك الأقوال، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الاكتفاء بمناقشة دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتب عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه، ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن قدومه إلى مصر للإرشاد عن الجريمة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب طالما أنها تناولت دفاعه وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه. لما كان ذلك, وكان لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً مباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية إلى ما تستظهره من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقريره - ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون سديداً. وأما ما يعيبه عليه من قصوره في التدليل على واقعة وضع المخدرات في الثلاجة فمردود بأن الحكم وقد أثبت في حق الطاعن أنه قام بعملية جلب المخدرات من لبنان إلى مصر مبيناً أنه قد أعد الثلاجة التي تم تهريب المخدرات بها وأنه إنما فعل ذلك في لبنان فإن هذا البيان كاف وتتوافر به عناصر الجريمة التي دين الطاعن بها. وإذ ما كان الحكم قد استند إلى أدلة صحيحة وسائغة ومؤدية إلى ما رتب عليها فليس ثمة داع يقتضيه إثبات أن الطاعن بالذات هو الذي قام بوضع المخدر بنفسه في الثلاجة أو بيان زمان حصول ذلك، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
(ثانياً) تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الثاني
من حيث إن مبنى هذا الطعن هو القصور في التسبيب ذلك بأن الحكم المطعون فيه أخذ الطاعن باعترافه على الرغم من عدوله عنه دون أن يعنى ببيان العلة في ترجيحه رواية للمتهم على الأخرى.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم أنه بعد أن بين أن التهمة ثابتة قبل الطاعن من اعترافه الصريح المفصل في النيابة وأثبت مؤدى هذا الاعتراف عرض لعدوله عنه وأطرحه بقوله "ولا تعول المحكمة على عدوله (أي عدول الطاعن) بعد ذلك في محضر 9/ 5/ 1962 إلى القول بأنه لم يكن يعلم بما في الثلاجة وأن شخصاً أملى عليه اعترافه بعد أن أوهمه أن القانون يعفي من يدلي به. ذلك لأن وكيل النيابة سأله في 26/ 7/ 1961 بعد أن أحاطه علماً بشخصيته فأدلى باعترافه المفصل وأصر عليه عندما واجهه أخيراً بالتهمة، ثم أعاد سؤاله في 29 يوليه سنة 1961 فثبت على اعترافه على نفسه ولم يعدل عن ذلك إلا بعد عدة شهور عند إعادة سؤاله في 9 مايو سنة 1962 ترتيباً على ما قرره أمام غرفة الاتهام بجلسة 11 نوفمبر سنة 1961 من أنه اعترف تحت الضغط. فلو أن هناك ما يشوب اعترافه لما أدلى به مفصلاً على النحو المتقدم ولما ثبت عيه تلك المدة الطويلة وهو يعلم أنه يعترف أمام سلطة التحقيق يضاف إلى ذلك أن علمه بوجود المخدر ثابت مما سلف بيانه من تصرفاته أثناء مداهمة المسكن وبما أثبته وكيل النيابة من أنه عند دخوله المسكن وقبل أن يقوم بفتح جوانب الثلاجة شم رائحة الحشيش تفوح منها مما كان كفيلاً بتنبيه المتهم المذكور ومبادرته بإبلاغ السلطات لو أن الأمر كان بغير علمه. وعلى ذلك تكون التهمة ثابتة قبله مما تقدم ومما تبين من تقرير التحليل من أن المادة المضبوطة بالثلاجة هي جوهر الحشيش" وما أثبته الحكم فيما تقدم سائغ وكاف لتبرير التفاته عن رواية الطاعن التي عدل فيها عن اعترافه أمام النيابة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحة اعترافه ومطابقته للحقيقة والواقع، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها ويتعين لذلك رفض الطعن موضوعاً.
(ثالثاً) تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الثالث
من حيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من هذا الطعن هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وبياناً لذلك يقول الطاعن إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن ما نسبه إليه المتهم الثالث حسن توفيق عياد (الطاعن الثاني) مكذوب من أساسه وقد عدل عنه أمام غرفة الاتهام فقد أقر بأن الطاعن لا شأن له إطلاقاً بهذه التهمة. هذا بالإضافة إلى أن اسم الطاعن لم يرد على لسان أحد من المتهمين الآخرين ولا في تحريات رجال مكتب المخدرات. ومع ما لهذا الدفاع من أثر هام في الدعوى فقد أطرحه الحكم دون أن يعني بتمحيصه أو الرد عليه. وفضلاً عن ذلك فقد استند الحكم في إثبات علم الطاعن بمحتويات الثلاجة إلى عناصر لا تصلح للاستدلال بها على هذا العمل مما يعيبه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أثبت دفاع الطاعن عرض لموقفه من الاتهام ودلل على ثبوت التهمة قبله أخذاً بقالته التي جاءت أقوال الشهود مصداقاً لها. وإذ ما عرض لإثبات علمه بما حوته الثلاجة من مخدر ساق عدة عناصر يسوغ بها تدليله. لما كان ذلك، من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على استقلال على كل جزئية يبديها أو شبهة يثيرها ما دام الرد مستفاداً دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعن من قصور لا يكون سديداً. وأما ما يثيره من فساد استدلال الحكم بدعوى استناده إلى عناصر لا تصلح لإثبات علم الطاعن بما تحويه الثلاجة من مخدر فهو مردود بأن ما أورده في تقرير أسباب طعنه جاء مرسلاً ومجهلاً ومن ثم فهو غير جدير بالالتفات إليه. لما كان ما تقدم كله، فإن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع. ذلك أن المحكمة عدلت وصف التهمة المسندة إلى الطاعن من جلبه مخدرات من لبنان إلى مصر إلى حيازته وإحرازه لها دون إلفات نظر الدفاع إلى هذا التعديل.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على المتهم الرابع (الطاعن الثالث) بوصف أنه وباقي المتهمين جلبوا حشيشاً من الجمهورية اللبنانية إلى الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً الأمر المنطبق على نص المادة 33/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها وقد انتهت المحكمة إلى إدانته بوصف أنه حاز جوهراً مخدراً في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. الأمر المنطبق على نص المواد 1 و2 و37 و38 من القانون المشار إليه وذلك بعد أن ثبت لديها أن دوره اقتصر على استلام الثلاجة من مكتب النقل بالقاهرة مع علمه بمحتوياتها ونقلها إلى مسكن المتهم الثالث مستبعدة اشتراكه في الجلب بقولها "إنه لم يكن مرسلاً للثلاجة أو مرسلاً إليه ومجرد اشتراكه في نقلها إلى مسكن المتهم الثالث لا يدل بذاته على اشتراكه في الجلب الذي لم يقم عليه دليل قبله. وليس هناك ما ينفي أن تكون مهمته قاصرة على النقل وحده دون الجلب... وبذلك يكون الثابت في حق المتهم الرابع هو مجرد الحيازة إذ لم يثبت أنه تجاوز النقل إلى ما يفيد أنه كان يقصد الاتجار". وما انتهى إليه الحكم من ذلك لا يعد تعديلاً في التهمة أو في الوصف مما كان يقتضي لفت نظر المتهم إليه. ذلك بأن الجلب في واقع الأمر لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضي الجمهورية فهو في مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها وقد نفت المحكمة عن الطاعن الجلب لانعدام الدليل على مساهمته فيه وأبقت شطراً من الأفعال الأخرى المسندة إليه من بادئ الأمر والتي تتمثل في نقل الثلاجة من شركة النقل بالقاهرة إلى مسكن المتهم الثالث الأمر الذي تتوافر به - مع ثبوت علمه المؤثم - الحيازة بركنيها المادي والمعنوي للجريمة التي دانته بها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالصوف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى هي أنه الوصف القانوني السليم. ولما كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به. وكان مرد التعديل هو أن الواقعة بالنسبة إلى الطاعن الثالث إنما تكون جريمة إحراز حشيش لا جلبه، ولم يتضمن - التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى - فإن هذا التعديل لا يجافي التطبيق السليم في شئ ولا يخول الطاعن حقاً في إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع. ولا تلتزم المحكمة في هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف نتيجة استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى، ومن ثم يكون ما جاء في هذا الوجه غير سديد ويتعين رفض الطعن برمته موضوعاً.
(رابعاً) تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الرابع.
من حيث إن محصل أوجه الطعن المقدمة من هذا الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة حيازته مخدراً (حشيشاً) بقصد الاتجار قد انطوى على فساد في الاستدلال كما شابه قصور في التسبيب وتناقض فيه. ذلك بأنه استند في الإدانة إلى أدلة لا تسوغ قضاءه، فإقرار الطاعن بأنه كان ببورسعيد وحضر إلى القاهرة ومعه المتهم الثالث ولاحق القطار الذي استقله المتهم الثاني وكان يستأجر الشقة التي ضبطت بها الثلاجة قبل استئجار المتهم الثالث لها - كل ذلك لا يدل على حيازته للثلاجة وعلمه بمحتوياتها. ومع أن الطاعن نفى ذلك صراحة إلا أن الحكم دانه على أساس علمه بما يخفيه بالثلاجة من مخدر واعتبره حائزاً لها بقوله إنه اشترك في نقلها. وعلى الرغم من أن الثلاجة ضبطت في مسكن لغير الطاعن ومن أن يده قد زالت عن هذا المسكن ولم تعد له به صلة إلا عن طريق مستأجره المتهم الثالث ومن أنه لم يكن بالمنزل وقت وصول الثلاجة أو إخراجها من صندوقها الخشبي ومع أن ظروف الدعوى تدل على انتفاء صلة الطاعن بواقعة الجلب وعدم معرفته شيئاً بالمرة عما تحويه الثلاجة وأن بوليصة الشحن كتبت باسمه بغير علمه ودون رضائه على الرغم من ذلك كله، فقد انتهى الحكم إلى إدانته بأدلة قاصرة لا تصلح للإدانة - وفضلاً عن ذلك فقد شاب الحكم تناقض حين قضى ببراءة المتهم الثاني مع أن موقفه من الاتهام كان أسوأ من مركز الطاعن إذ اعتبرت المحكمة أن نقله الثلاجة وشحنها من بيروت إلى بورسعيد ومحاولته التخليص عليها بالجمرك واستلامها - لا يكفي لإثبات علمه بما تحويه في حين أنها أقامت ركن العلم في حق الطاعن على مجرد استقبال الثلاجة مع المتهم الثالث وتتبعه نقلها إلى منزل الأخير. وهذا التناقض الحاصل في أجزاء الحكم مما يعيبه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عرض لموقف الطاعن من الاتهام ودلل على ثبوت اتصاله بالثلاجة المضبوطة اتصالاً تتحقق به الحيازة المؤثمة بركنيها المادي والمعنوي. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أدلة كافياً وسائغاً، وتتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها. وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى الأدلة السائغة التي ضمنتها حكمها فلا يقبل مجادلتها في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها لكونه من الأمور الموضوعية التي تستقل بها بغير معقب. وكان باقي ما يثيره الطاعن في طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إلى ما ارتاحت إليه منها مما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض, فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون سديداً.
وحيث إنه لما تقدم كله يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.