أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 618

جلسة 22 من يونيه سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.

(121)
الطعن رقم 716 لسنة 35 القضائية

( أ ) إثبات. "شهادة". "الحرمان من أدائها".
الحرمان من أداء الشهادة بيمين بالنسبة إلى طائفة المحكوم عليهم بعقوبة جناية مدة العقوبة. طبيعته: عقوبة. هو ليس حرمان من حق أو ميزة.
حلف مثل هؤلاء اليمين في خلال فترة الحرمان. أثره: لا بطلان. اعتبار هذه الشهادة من قبيل الاستدلال التي يترك تقديرها للقاضي.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم في ترتيب الوقائع التي رواها الشاهد. لا يقدح في سلامته. ما دام أنه ليس من شأنه أن يغير من جوهر الشهادة التي استند إليها.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "إثبات بوجه عام".
المحاكمة الجنائية. العبرة فيها باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا بنص.
1 - الحرمان من أداء الشهادة بيمين بالنسبة إلى طائفة المحكوم عليهم بعقوبة جناية مدة العقوبة هو في الواقع من الأمر عقوبة معناها الظاهر التهوين من شأن هؤلاء المحكوم عليهم ومعاملتهم معاملة ناقصي الأهلية طوال مدة العقوبة وبانقضائها تعود إلى هؤلاء جدارتهم لأداء الشهادة بيمين، فهي ليست حرماناً من حق أو ميزة ما دام الملحوظ في أداء الشهادة أمام المحاكم هو رعاية صالح العدالة. فإذا حلف مثل هؤلاء اليمين في خلال فترة الحرمان من أدائه فلا بطلان وتظل هذه الشهادة في حقيقتها وفى نظر القانون من قبيل الاستدلال التي يترك تقديرها للقاضي، إذ لا يجوز أن يترتب البطلان على اتخاذ ضمان على سبيل الاحتياط قضى به القانون عندما أوجب أداء اليمين حملاً للشاهد على قول الصدق.
2 - خطأ الحكم في ترتيب الوقائع التي رواها الشاهد لا يقدح في سلامته ما دام أنه ليس من شأنه أن يغير من جوهر الشهادة التي استند إليها الحكم من بين ما استند إليه وأوردها بما تؤدي إليه.
3 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بحيث لا يجوز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا إذا نص القانون على ذلك.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19 أغسطس سنة 1962 بدائرة مركز طما محافظة سوهاج: قتل محروس محمد عثمان عمداً وذلك بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. وقد ادعت "أنصاف محمد عثمان" شقيقة المجني عليه مدنياً قبل المتهم وطلبت الحكم لها بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً في 20 أكتوبر سنة 1964 عملاً بمادة الاتهام (أولاً) بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة (ثانياً) وفى الدعوى المدنية بقبولها وإلزام المتهم بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ مائتي قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد انطوى على بطلان الإجراءات أثر فيه ذلك بأنه عول على أقوال محفوظ محمد عثمان بعد استحلافه اليمين القانونية مع أنه محكوم عليه بعقوبة جنائية هي الأشغال الشاقة المؤبدة وأدى شهادته في فترة قضائه لهذه العقوبة بالليمان وذلك على خلاف ما يقضي به البند الثالث من المادة 25 من قانون العقوبات من أن كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتماً حرمان المحكوم عليه من الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلا على سبيل الاستدلال، وعلى الرغم من اعتراض المدافع عن الطاعن على الحلف وهو ما كان يقتضي من المحكمة ألا تأخذ بأقواله التي أدلى بها بجلسة المحاكمة إلا على سبيل الاستدلال وألا تقدرها إلا في هذه الحدود وأن تشير إلى ذلك في حكمها.
وحيث أن هذا النعي مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الحرمان من أداء الشهادة بيمين بالنسبة إلى طائفة المحكوم عليهم بعقوبة جناية مدة العقوبة هو في الواقع من الأمر عقوبة معناها الظاهر التهوين من شأن هؤلاء المحكوم عليهم ومعاملتهم معاملة ناقصي الأهلية طوال مدة العقوبة وبانقضائها تعود إلى هؤلاء جدارتهم لأداء الشهادة بيمين فهي ليست حرماناً من حق أو ميزة ما دام الملحوظ في أداء الشهادة أمام المحاكم هو رعاية صالح العدالة. فإذا حلف مثل هؤلاء اليمين في خلال فترة الحرمان من أدائه - فلا بطلان وتظل هذه الشهادة في حقيقتها وفى نظر القانون من قبيل الاستدلال التي يترك تقديرها للقاضي، إذ لا يجوز أن يترتب البطلان على اتخاذ ضمان على سبيل الاحتياط قضى به القانون عندما أوجب أداء اليمين حملاً للشاهد على قول الصدق. لما كان هذا هو حكم القانون، وكان يبين من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة استحلفت الشاهد الأول محفوظ محمد عثمان اليمين وبدأ بالفعل في سرد شهادته ثم اعترض أحد المدافعين عن الطاعن على تحليفه اليمين باعتباره من المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وعندئذ رأت المحكمة أنه لامناص من إثبات هذا الاعتراض والاستمرار في سماع أقوال الشاهد وهى على بينة من أمره بقولها: "وتشير المحكمة في هذا الصدد إلى أن الدفاع قد أثار بعد حلف الشاهد اليمين بالجلسة واسترساله في تأدية شهادته أن الشاهد محكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، إلا أنه لما كانت هذه الملحوظة قد أبديت بعد حلفه اليمين واسترسال الشاهد في أقواله فإنها كانت عديمة الجدوى". لما كان ذلك, وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بحيث لا يجوز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا إذا نص القانون على ذلك. وكان لا جدوى من الطعن على الحكم لتحليف الشاهد المذكور اليمين إذ أنه لم يعتمد في قضائه بالإدانة على شهادته بالجلسة وإنما عول أساساً على أقواله في التحقيقات وشهادة شاهد آخر لم يطعن عليها. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من الطعن يكون في غير محله.
وحيث أن مبنى الوجهين الثاني والثالث من الطعن فساد الحكم المطعون فيه في الاستدلال وخطؤه في الإسناد ذلك بأنة عول في القضاء بالإدانة على ما أسفرت عنه معاينة مكان الحادث من إمكان حدوث الجريمة بالتصوير الذي حدده الشاهدان محفوظ محمد عثمان ومحمود محمد عبد الحميد مما مفاده أنهما حضرا المعاينة وحددا التصوير الذي وقعت به الجريمة وذلك على الرغم من أن المعاينة تمت في غيبتهما ولم يسهما في تصوير كيفية وقوع الحادث. هذا بالإضافة إلى أن الحكم حصل أقوال عبد السميع حسين هدية بما مفاده أنه أبصر الطاعن يحمل بندقية وأنه سمع مقذوفاً نارياً استنتج أنه هو الذي أطلقه وأصاب القتيل ثم اعتدى عليه بعد ذلك من محمد مهران الذي ضربه بعصا على رأسه في حين أن أقوال هذا الشاهد بالتحقيقات لا تؤدى إلى تلك النتيجة إذ أنه شهد بها بأنه أصيب فور وصوله لمكان الحادث إصابة أفقدته القدرة على متابعة مجريات الحادث وهو ما يفسد استدلال الحكم ويعيبه بما يستوجب نقضه.
حيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها تخلص "في أنه في حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء يوم 19/ 8/ 1962 بناحية عزبة الصباغ مركز طما محافظة سوهاج نشبت معركة بين عائلتي المتهم محمد عمر عمر ـ الطاعن ـ والمجني عليه محروس محمد عثمان لخلاف سابق بينهما أطلق خلالها الأول على الثاني عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته" واستند الحكم في القول في ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة إلى أقوال كل من محفوظ محمد عثمان ومحمود محمد عبد الحميد وعبد السميع حسين هدية ونائب العمدة أحمد عبد الغفار بالتحقيقات وبالجلسة وإلى تقرير الصفة التشريحية وانبعاث رائحة اشتعال البارود من بندقيته المرخصة باسمه وأورد مؤدى كل دليل من تلك الأدلة ومن بينها أقوال عبد السميع حسين هدية التي أجملها في قوله: "وشهد عبد السميع حسين هدية أنه في حوالي الساعة الثالثة مساء يوم الحادث سمع صراخاً وفى طريقه إلى مصدره لاستطلاع الأمر شاهد المتهم واقفاً في الزراعة أسفل حائط الخرابة وفى يده بندقية (ميزر) في وضع استعداد، فلما وصل إلى الخرابة شاهد بها محمد مهران وفى يده عصا (بجلبة) يضرب بها المجني علية وشقيقه محفوظ وكان صابر محمد مهران واقفاً فوق جدار (الخرابة) يحمل عصا أو (طوريه) في يده قائلاً (اضرب يا عم في اللحم) وعندئذ سمع صوت عيار ناري لم ير مطلقة غير أنه استنتج أنه لابد أن يكون هو المتهم لأنه لم يكن هناك من يحمل سلاحاً بمكان الحادث سواه، وعقب ذلك ضربه محمد مهران بالعصا على رأسه وأضاف أنه سمع إشاعة مؤداها أن المجني عليه توجه في بادئ الأمر بمفرده إلى محل البقال لاستلام مواد التموين وحدثت بينه وبين محمد وصابر مهران عمر اللذين كانا متربصين له مشاجرة وكان عمهما محمد عمر عمر منتظراً ببندقيته تحت الجدار وأن محفوظ سارع إلى مكان الحادث مع غيره من الأهالي. ثم قرر بالجلسة أنه لم ير المتهم بمكان الحادث، والمحكمة لا تعتد بأقوال الشاهد الأخيرة لأنها فضلاً عما ظهر فيها من تردد خالفت ما أجمع عليه باقي الشهود بل إنه قطع في أقواله الأولى أن أحداً غير المتهم لم يكن يحمل سلاحاً". ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن في شأن تصوير الحادث بأنه مشاجرة اتسع نطاقها وأطلق فيها عدة أعيرة يصعب تعيين مطلقها وفنده ورد عليه في قوله. "وحيث إنه عما أثاره الدفاع عن المتهم من أن أكثر من عيار أطلق وقت الحادث فإنه مردود بأن شاهدي الإثبات الأول والثاني قد جزما بأن المتهم هو الذي أطلق العيار الذي أصاب المجني عليه وأرداه قتيلاً وهذه الأقوال تأيدت بما ظهر من تقرير الصفة التشريحية وما ثبت من إطلاق بندقية المتهم حديثاً في وقت قد يتفق ووقت ارتكاب الحادث خلافاً لما ذهب إليه المتهم من أنه لم يطلق بندقيته منذ سنتين. كما أنه ثبت من معاينة الحادث إمكان حدوث الجريمة على التصوير الذي صوره الشاهدان... أما بالنسبة للشاهد عبد السميع حسين هدية فالواضح من أقواله الأولى أنه ذكر على وجه التفصيل مشاهدته المتهم حاملاً بندقيته بحيث إنه استنتج أنه لا بد أن يكون هو مطلقها لعدم وجود من يحمل سلاحاً غير المتهم، وهذه الأقوال جاءت متفقة وأقوال باقي الشهود، ومن ثم لا ترى المحكمة الاعتداد بعدول هذا الشاهد عن أقواله بالجلسة". لما كان ذلك، وكان المستفاد من مدونات الحكم أنه اتخذ من المعاينة دليلاً على صدق أقوال الشاهدين محفوظ محمد عثمان ومحمود محمد عبد الحميد المؤيدة بما أظهره تشريح جثة القتيل وفحص بندقية الطاعن واستخلص منها إمكان حدوث الجريمة بالتصوير الذي صوره هذان الشاهدان وهو معنى له سنده من الأوراق، على ما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن مما ينتفي معه عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان يبين من مراجعة أقوال عبد السميع حسين هدية بتحقيقات النيابة وهى الأقوال التي أقرها الحكم أنه إنما سقط على الأرض وفقد وعيه بعد سماعه المقذوف الذي أصاب القتيل، وهو ما يفيد أن إصابته - بفرض حدوثها قبل إطلاق المقذوف - لم يكن لها أدني أثر عليه في متابعة مجريات الأمور حتى لحظة إطلاق المقذوف المقذوف الناري. لما كان ما تقدم، وكان ما استخلصه الحكم وعول عليه في قضائه بالإدانة أخذاً من أقوال هذا الشاهد يتطابق مع المعنى المستفاد من أقواله. وبفرض خطأ الحكم في ترتيب الوقائع التي رواها الشاهد، فإن هذا الخطأ لا يقدح في سلامته ما دام أنه ليس من شأنه أن يغير من جوهر الشهادة التي استند إليها الحكم من بين ما استند إليه وأوردها بما تؤدي إليه، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص في غير محله.
وحيث إنه لكل ما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.