أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 632

جلسة 28 من يونيه سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين صفوت السركي، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام.

(123)
الطعن رقم 144 لسنة 35 القضائية

( أ ) تحقيق. "إجراءاته". نيابة عامة. "اختصاصها في إجراء التحقيق". مستشار الإحالة. إجراءات المحاكمة.
شرط الحظر على النيابة بإجراء تحقيق في الدعوى هو اتصال سلطة الحكم بالقضية. اتصال مستشار الإحالة بالدعوى لا ينهي اختصاص النيابة العامة أو قاضي التحقيق. علة ذلك: قضاء الإحالة ليس إلا المرحلة النهائية من مراحل التحقيق وليس جزءاً من قضاء الحكم، شأنه في ذلك شأن النيابة العامة وقاضي التحقيق وغرفة الاتهام قبل حلوله محلها.
(ب، ج، د) تقليد. شروع. جريمة.
(ب) جريمة الشروع في تقليد الأوراق المالية. تحققها: بقيام الجاني بطبع هذه الأوراق بما استعمله من آلة للطباعة وبما استخدمه من أدوات ومداد ومواد أخرى. ولو كان هناك نقص أو عيوب في التقليد.
(ج) مجرد تحضير الأدوات اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الورقية الزائفة لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الرواج في المعاملة. شروع معاقب عليه.
(د) جريمة حيازة الأدوات والمعدات التي تستعمل في تقليد العملة وتروجيها. يكفي لقيامها أن تكون الحيازة بغير مسوغ. استعمال تلك الأدوات أو الآلات غير لازم لقيام الجريمة.
(هـ) تحقيق. "إجراءاته". "إجراءات التحريز"
إجراءات التحريز. الغرض منها: تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه. لا بطلان على مخالفتها.
(و) رد القضاه.
القبض على المتهم أثناء محاكمته قبل الفصل في الدعوى لا يدل بذاته على أن المحكمة كونت فيها رأياً نهائياً ضده.
(ز) إجراءات المحاكمة. محاماة.
حضور محام واحد مع متهمين رغم تعارض مصلحتهما. لا محل للنعي على الإجراءات بالبطلان. طالما أن المحكمة لم تتخذ في حضور هذا المحامي أي إجراء من إجراءات المحاكمة.
1 - تنص المادة 558 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه إذا فقدت أوراق التحقيق كلها أو بعضها قبل صدور قرار فيه يعاد التحقيق فيما فقدت أوراقه وإذا كانت القضية مرفوعة أمام المحكمة تتولى هي إجراء ما تراه من التحقيق. مما مفاده أن شرط الحظر على النيابة العامة هو اتصال سلطة الحكم بالقضية أما والقضية لم ترفع بعد إلى المحكمة المختصة فإن للنيابة سلطة إجراء التحقيق الذي تراه. ولما كان الثابت أن الدعوى لم تحل على المحكمة إلا بناء على قرار مستشار الإحالة وبعد أن أجرت النيابة العامة تحقيقاتها اللاحقة على فقد أوراق التحقيق الأولى وطبقاً لقرارها بتقديمها له، فإنه لا جناح على الحكم المطعون فيه إذا ما عول في قضائه بإدانة الطاعن على ما أجرته النيابة من تحقيقات تكميلية قبل صدور قرار مستشار الإحالة بإحالة الدعوى على محكمة الجنايات. ذلك أن الذي يحرم على النيابة إجراء التحقيق هو إحالة الدعوى من سلطة التحقيق على قضاة الحكم وما قضاء الإحالة إلا المرحلة النهائية من مراحل التحقيق وليس جزء من قضاء الحكم وشأنه في ذلك كشأن النيابة العامة وقاضي التحقيق وغرفة الاتهام قبل حلوله محلها وعمله جزء من التحقيق وليس جزء من المحاكمة وما يباشره من سلطات إنما باعتباره سلطة تحقيق. فاتصال مستشار الإحالة بالدعوى لا ينهي اختصاص النيابة العامة أو قاضي التحقيق.
2 - من المقرر أن جريمة الشروع في تقليد الأوراق المالية تتحقق بقيام الجاني بطبع هذه الأوراق بما استعمله من آلة للطباعة وبما استخدمه من أدوات ومداد ومواد أخرى ولو كان هناك نقض أو عيوب في التقليد.
3 - إن مجرد تحضير الأدوات اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الورقية الزائقة التي لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الرواج في المعاملة هي في نظر القانون من أعمال الشروع المعاقب عليه قانوناً.
4 - لا تشترط المادة 204 مكرر (2) من قانون العقوبات للعقاب على جريمة حيازة الأدوات والآلات والمعدات التي تستعمل في تقليد العملة وترويجها ضرورة استعمال تلك الأدوات أو الآلات وإنما تكتفي بأن تكون حيازتها بغير مسوغ.
5 - من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً ما بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل وأن الأحراز المضبوطة لم تصل إليها يد العبث. ولما كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على عناصر صحيحة وسائغة واطمأنت إلى عدم حصول عبث بالمضبوطات فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في هذا الصدد إذ لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن القبض على المتهم أثناء محاكمته قبل الفصل في الدعوى المقامة عليه لا يدل بذاته على أن المحكمة كونت في الدعوى رأياً نهائياً ضده إذ هو إجراء تحفظي يؤمر به في الأحوال التي يجيزها القانون مما يدخل في حدود سلطتها المخولة لها بمقتضى القانون.
7 - لا محل لما ينعاه الطاعن من بطلان الإجراءات لسماح المحكمة بحضور محام واحد معه وزميله المتهم الثاني رغم تعارض مصلحتهما ما دام أنها لم تتخذ في حضوره أي إجراء من إجراءات المحاكمة وأن فض الحرزين والاطلاع عليهما إنما كان بعد ذلك في حضور المدافعين الأصليين عنهما.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 26 يناير سنة 1962 بدائرة قسم الدقي محافظة الجيزة: (أولاً) قلدا عمله ورقية متداولة قانوناً في الولايات المتحدة الأمريكية وهى الورقة ذات العشرة دولارات المأذون بإصدارها قانوناً بأن اصطنعا بطريق الطبع أوراقاً على هيئة الأوراق المالية الصحيحة. (ثانياً) حاز بقصد الترويج والتعامل أوراقاً مالية مزورة من فئة العشرة دولارات والمأذون بإصدارها في الولايات المتحدة الأمريكية. (ثالثاً) حازا بغير مسوغ أدوات وآلات ومعدات مما تستعمل في تقليد العملة وترويجها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادتين 202 و204 مكرر من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1964 عملاً بالمواد 45 و46 و202 و204 مكرر أ و ت و32 و17 من قانون العقوبات وذلك بالنسبة للتهمتين الأولى والثالثة - بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنتين ومصادرة المضبوطات عن التهمتين الأولى والثالثة وبراءتهما من التهمة الثانية. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض … إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني سيد حسن أحمد الشهير بالعفي وإن كان قد قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم فيكون طعنه غير مقبول شكلاً.
ومن حيث إن طعن الطاعن الأول جمال عبد الله مبارك قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن حسبما يبين من التقريرين المقدمين من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي الشروع في تقليد عملة ورقية متداولة قانوناً في الولايات المتحدة الأمريكية وحيازته بدون مسوغ أدوات وآلات ومعدات مما تستعمل في تقليد العملة وتزويرها قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال والتسبيب وبطلان في الإجراءات كما أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن أوراق الدعوى خلت من إذن التفتيش واعتمدت المحكمة في وجوده على صورة التحقيقات التي كانت لدى قسم مراقبة التزييف بوزارة الداخلية نظراً لسرقة أرواق القضية وعلى اعتبار مطابقة الصورة للأصل مع أن ذلك إن أجدى في التدليل على وجود الإذن فإنه لا يغني في بيان عناصره التي يقوم عليها كما أن المحكمة لم تدلل على مطابقة الصورة للأصل الفاقد، هذا فضلاً عن أن تلك الصورة لم ترد إلى سلطة التحقيق بالطريق السليم السائغ وما قيل بشأن الإذن يصدق أيضاً على الاعتراف المنسوب إلى الطاعن في ذات الصورة كما استندت المحكمة في قضائها إلى أقوال الشهود واعتراف الطاعن التي وردت بتحقيقات باطلة أجرتها النيابة بعد أن زالت ولايتها عن القضية بصدور قرار بإحالتها إلى قضاء الإحالة في 28 من نوفمبر سنة 1962 وأخطأت أيضاً إذ اعتبرت الواقعة شروعاً في حين أن الجريمة قد تمت بوجود بعض الأوراق التي اكتمل تزويرها وأثبت قسم أبحاث التزييف والتزوير أن ما تم بالأوراق المذكورة ليس من شأنه أن يخدع الناس إذ أن درجة التزوير دون المتوسط بحيث لا تقبل إلا من غير المعتاد على تداولها وبذا تفقد الجريمة أحد أركانها ولا يغير من الأمر وصف الواقعة بالشروع لتمام الجريمة بالنسبة لما تم صنعه من الأوراق المضبوطة الأمر الذي يجب التحدث عن الشروع من ناحية ويحول دون تكامل عناصره القانونية من ناحية أخرى. كما خلص الحكم إلى أن الأوراق المزورة قد طبعت بالآلات المضبوطة مع خلوها من أثار تفيد استعمالها في الطبع بالإضافة إلى ما قطع به التقرير الطبي الشرعي من أنها ليست الأدوات التي تحقق التزوير وقد ذهب الحكم إلى جواز استعانة المتهمين بآلة أخرى لم تضبط مما يعيبه لما هو مقرر من أن الأحكام تبنى على الجزم واليقين كما أنه بإدانة الطاعن بجريمة حيازة المضبوطات بغير مسوغ قد خاطأ ما أورده التقرير الطبي من أنها لم تستعمل في التزوير وأنها لا تحققه وخاطأ نفسه إلى ناقض افتراضه بجواز استعمال أدوات أخرى لم تضبط، هذا فضلاً عما أجرته المحكمة من أن إنابتها لمحام واحد عن الطاعنين للاطلاع على بعض الإحراز مع تعارض المصلحة بينهما - وهو لا يدري من أمر القضية شيئاً كما لم تثبت أنها أعادت تحريز المضبوطات بعد فضها وكونت عقيدتها في الدعوى قبل أن يطلع المحاميان الأصليان على الإحراز بدلالة صدور أمرها بالقبض على الطاعنين وحبسهما إثر الإجراءات الباطلة المذكورة دون أن يجد من الظروف ما يسوغ هذا الإجراء من جانبها.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أورد واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة ثم عرض لدفاع الطاعن الخاص ببطلان التفتيش وعدم جواز التعويل على الاعتراف المسند إليه فحصله وفنده في قوله: "وحيث إن الدفاع عن المتهمين قال بأنه لا قبض ولا تفتيش ما دام لم يوجد إذن النيابة كما أن اعتراف المتهم الأول المزعوم - الطاعن - صدر منه في تحقيق النيابة يوم الضبط فعلى النيابة أن تأتي بأصل محضر تحقيق يوم 26 يناير سنة 1962. وهذا القول غير سديد إذ الثابت أن أوراق القضية الأصلية سرقت ضمن قضايا أخرى فلا تثريب على النيابة إن هي حصلت على صور تلك الأوراق ما دام أنها مطابقة للأصل ولم يطعن المتهمان عليها ولم يقل المتهم الأول الطاعن أن ذلك الاعتراف لم يصدر عنه إطلاقاً وكان إذن النيابة بالضبط والتفتيش من بين تلك الأوراق المسروقة". وما أورده الحكم كاف للرد على ما أثاره الطاعن في هذا الصدد ويسوغ به إطراحه ولا يقدح في ذلك ما قال به الطاعن في وجه الطعن خاصاً بعدم تدليل المحكمة على مطابقة الصورة للأصل إذ أنه لم يثر أمامها ثمة مطعن في شأن تلك المطابقة كما لم يجحد صدور اعتراف منه وإنما اقتصر دفاعه على التهوين من شأن دلالته وقيمته في الإثبات أما ما يثيره بشأن عدم وجود إذن النيابة بالتفتيش فمردود بما هو مقرر من أن العبرة في صحة إذن التفتيش قد صدر فعلاً من نيابة الجيزة المختصة بناء على تحريات ضباط مراقبة مكافحة التزييف والتزوير والفرق الخاصة وأن الإذن فقد بعد ذلك مع ملف القضية وكان ما استظهرته المحكمة من سبق صدوره مستوفياً شرائطه القانونية استناداً إلى الأدلة السائغة والعناصر القائمة في الدعوى التي اطمأنت إليها هو مما يدخل في نطاق سلطتها التقديرية بغير معقب، فإنها تكون قد أصابت فيما انتهت إليه من رفض الدفع ببطلان التفتيش - هذا وقد تبين من مطالعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما أثبته الحكم عن صدور إذن التفتيش من نيابة الجيزة المختصة له أصله الثابت بالأوراق مما تنتفي معه دعوى صدوره من غير مختص. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكانت المادة 558 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "إذا فقدت أوراق التحقيق كلها أو بعضها قبل صدور قرار فيه يعاد التحقيق فيما فقدت أوراقه وإذا كانت القضية مرفوعة أمام المحكمة تتولى هي إجراء ما تراه من التحقيق". مما مفاده أن شرط الحظر على النيابة العامة هو اتصال سلطة الحكم بالقضية أما والقضية لم ترفع بعد إلى المحكمة المختصة فإن للنيابة سلطة إجراء التحقيق الذي تراه. لما كان ذلك, وكان الثابت أن الدعوى لم تحل على المحكمة إلا بناء على قرار مستشار الإحالة في 8 /8 / 1963 وبعد أن أجرت النيابة العامة تحقيقاتها اللاحقة على فقد أوراق التحقيق الأول وطبقاً لقرارها بتقديمها له في 11 / 7 / 1963 فإنه لا جناح على الحكم المطعون فيه إذا ما عول في قضائه بإدانة الطاعن على ما أجرته النيابة من تحقيقات تكميلية قبل صدور قرار مستشار الإحالة بإحالة الدعوى على محكمة الجنايات هذا فضلاً عن عدم وجود ما يدل على اتصال مستشار الإحالة بالدعوى إذ خلت الأوراق مما يثبت إعلان قرار النيابة للطاعن في شأن إحالة الدعوى إلى قضاء الإحالة وذلك بالإضافة إلى أن الذي يحرم على النيابة إجراء التحقيق هو إحالة الدعوى من سلطة التحقيق على قضاة الحكم وما قضاء الإحالة إلا مرحلة نهائية من مراحل التحقيق وليس جزءاً من قضاء الحكم وشأنه في ذلك كشأن النيابة العامة وقاضي التحقيق وغرفة الاتهام قبل حلوله محلها وعمله جزء من التحقيق وليس جزءاً من المحاكمة وما يباشره من سلطات إنما باعتباره سلطة تحقيق فاتصال مستشار الإحالة بالدعوى لا ينهي اختصاص النيابة العامة أو قاضي التحقيق ومن ثم فلا يكون محل لما يثيره الطاعن في هذا الخصوص - من بطلان ما أجرته النيابة من تحقيقات اعتمد عليها الحكم في قضائه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى إلى إسباغ وصف الشروع على واقعة تقليد الأوراق المزورة في قوله: "وحيث إنه من جهة أخرى يبين مما انتهى إليه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي من أن بعض الأوراق المزورة لم تكتمل فيها عملية التزوير بأن اقتصر طبعها على الظهر دون الوجه الذي لا يزال أبيضاً خالياً من الطباعة أو حمل صورة هاملتون فقط بمنتصف الوجه وزخارف الإطار للظهر دون رسم مبنى وزارة الخزانة الأمريكية الذي يتوسط الظهر أو غير ذلك من أوجه النقص. فإن البعض الآخر من تلك الأوراق التي اكتملت فيها عملية التزوير بأن وجدت مطبوعة من وجهيها ظهر أنه لا يزال ينقصها الترقيم وطبع ختم الخزانه بالمداد الأخضر فوق لفظ ( Ten) بالجهة اليمنى من الوجه. يبين من ذلك أن ما ارتكبه المتهمان يعد شروعاً في جناية التقليد إذ أنهما بفعلهما هذا قد تعديا التفكير والتحضير وانتقلا إلى دور التنفيذ بحيث لو تركا وشأنهما لإتمام أوجه النقص المشار إليها لتمت الجريمة في أعقاب ذلك مباشرة. هذا ومن المسلم به فقهاً وقضاء أنه لا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به حتى المدقق بل يكتفي بأن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة في التعامل وعلى كل حال فإن جريمة الشروع في تقليد الأوراق المالية تتحقق لقيام المتهمين بطبع هذه الأوراق بما استعملاه من آلة للطباعة وبعض المواد والأدوات الأخرى المضبوطة لو كان هناك نقص أو عيوب في التقليد. ولا يقدح في ذلك أن المكبس المضبوط ضمن تلك الأدوات وجد خالياً من أي تلوث بأحبار الطباعة كما هو ثابت من التقرير الطبي الشرعي. وأثبتت تجربته أنه وإن كان في الإمكان الإفادة منه في عملية الطباعة إلا أنه ليس بالوسيلة العملية لتحقيق هذا الغرض إذ من الجائز أن يكون المتهمان قد استعانا بأداة أخرى لم يعثر عليها ضمن المضبوطات، وكان الحكم قد أشار في موضع آخر منه وهو يحصل مؤدى الدليل المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن الكليشيهات الخمسة المصطنعة لورقة النقد الأمريكية وباقي المضبوطات من أرواق وأحبار وألواح قد استخدمت في طبع أوراق النقد المزورة وأن درجة تزويرها دون المتوسط بحيث لا يتصور قبولها إلا من غير المعتاد على تداولها، وكان المقرر أن جريمة الشروع في تقليد الأوراق المالية تتحقق بقيام الجاني بطبع هذه الأوراق بما استعمله من آلة للطباعة وبما استخدمه من أدوات ومواد أخرى ولو كان هناك نقص أو عيوب في التقليد" لما كان ذلك، فإن ما أورده الحكم وأثبته في حق الطاعن يكون الشروع المعاقب عليه قانوناً. أما ما ذهب إليه الطاعن من اكتمال تزوير بعض أوراق النقد المضبوطة بطبعها من وجهيها الأمر الذي تكتمل به جريمة التقليد فمردود بما هو ثابت مما أورده الحكم نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي من أن هذه الأوراق لا يزال ينقصها الترقيم وطبع ختم الخزانة بالمداد الأخضر فوق لفظ (Ten) بالجهة اليمنى من الوجه هذا فضلاً عما هو مقرر من أن مجرد تحضير الأدوات اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الورقية الزائقة التي لم تصل إلى درجة الإتقان تكفل لها الرواج في المعاملة هي في نظر القانون من أعمال الشروع المعاقب عليه قانوناً, ومن ثم فيكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن على غير أساس. أما ما يقول به من استناد الحكم إلى الدليل المستمد من ضبط أدوات وآلات التزييف وإسناده إلى الطاعن وزميله استعمالها في تزوير أوراق النقد المضبوطة مع أن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير قد أثبت خلوها من أية آثار تفيد استعمالها في الطبع فمردود بأن هذا التقرير قد أثبت على ما استظهره الحكم ولم ينازع في صحته الطاعن - أن الكليشيهات الخمسة المضبوطة وباقي المضبوطات قد استخدمت فعلاً في طبع الأوراق المزورة وأن المكبس المضبوط هو وحده الذي خلا مما يدل على استعماله في الطباعة وقد خلص الحكم إلى أنه من الجائز أن يكون الطاعن وزميله قد استعانا بآلة أخرى لم تضبط ولا تثريب على المحكمة في ذلك إذ أن لها أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية متى كان ما حصلته من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره أما ما يثيره الطاعن عن إدانته بجريمة حيازة الأدوات والآلات والمعدات التي تستعمل في تقليد العملة وترويجها مع أنها لم تستعمل في تقليد أوراق النقد المضبوطة فمردود بأن المادة 204 مكرر (2) من قانون العقوبات لا تشترط للعقاب على هذه الجريمة ضرورة استعمال تلك الأدوات أو الآلات وإنما تكتفي بأن تكون حيازتها بغير مسوغ هذا فضلاً عن أن الثابت مما أورده الحكم أن كافة الأدوات والمعدات المضبوطة فيما عدا المكبس قد استعملت فعلاً في تزوير أوراق النقد المضبوطة. لما كان ما تقدم، وكان يبين من مطالعة محضر جلسة 10 من نوفمبر سنة 1964 أن المحكمة قامت بفض الإحراز ووجدت بالمظروفين أوراقاً بيضاء والظرف الثالث به بعض الاكليشهات والحرز الرابع خاص بالمكتبة، وكان ذلك في حضور المدافعين عن الطاعن والمتهم الثاني وأصر الدفاع عن الطاعن على الاطلاع على الحرز الذي به الدولارات المقول بأنها مقلدة وما دام هذه الأوراق غير موجودة فيستفيد المتهم من عدم وجودها لعدم إمكان تحقيق حالة هذه الأوراق من تقليد أو عدمه" وبعد أن تمت المرافعة وقررت المحكمة إصدار الحكم بعد المداولة أثبتت أنه بعد المداولة وقبل إصدار الحكم أحضر السيد وكيل النيابة الحرزين اللذين يحتويان على الدولارات المقلدة بناء على تكليف هيئة المحكمة له بذلك. وقد أطلعت المحكمة الأستاذ تحسين نجيب وهبه المحامي لغياب المحاميين الأصليين الذي التمس التأجيل لجلسة باكر لحضور المحاميين الأصليين لإبداء ملاحظتهما, وعقب ذلك أصدرت المحكمة قرارها باستمرار المرافعة لجلسة 12/ 11/ 1964 لحضور المحاميين الأصليين لاطلاعهما على حرزي الأوراق المقلدة مع القبض على المتهمين وحبسهما على ذمة القضية. وبجلسة 12/ 11/ 1964 قامت المحكمة في حضور المحاميين الأصليين للطاعن والمتهم الثاني بفض الحرزين وعرضت الدولارات المزورة على المحاميين الأصليين وترافعا في موضوع الدعوى دون أن يعقبا على ما تبين من الاطلاع على الحرزين أو ينعيا على إجراءات التحريز بما يعيبها. لما كان ذلك، وكان لا عوار فيما اتخذته المحكمة من الإجراءات السالفة. ولا محل لما ينعاه الطاعن عليها من سماع المحكمة بحضور الأستاذ تحسين نجيب وهبه المحامي بمفرده مع تعارض مصلحتي الطاعن وزميله المتهم الثاني ما دام أنها لم تتخذ في حضوره أي إجراء من إجراءات المحاكمة وأن فض الحرزين والاطلاع عليهما إنما كان بعد ذلك في حضور المدافعين الأصليين عنهما. أما عن قعود المحكمة عن إعادة تحريز المضبوطات بعد فضها بجلسة 10/ 11/ 1964 فإنه مع افتراض قيام المحكمة بفض هذين الحرزين في تلك الجلسة فإن مفاد ما جاء بمحضر جلسة 12/ 11 / 1964 من أن المحكمة قامت بفضهما أنها كانت أعادت تحريزهما في الجلسة الأولى، هذا فضلاً عن أنه من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً ما بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل وأن الإحراز المضبوطة لم تصل إليها يد العبث. ولما كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على عناصر صحيحة وسائغة واطمأنت إلى عدم حصول عبث بالمضبوطات فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في هذا الصدد إذ لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لا سيما وأن الطاعن لم يثر شيئاً بجلسة 12/ 11 / 1964 بشأن ما ينعاه على المحكمة من قعودها عن إعادة تحريز المضبوطات بالجلسة السابقة 10/ 11 / 1964 وعن احتمال امتداد يد العبث إليها، وكان من المقرر أن القبض على المتهم أثناء محاكمته قبل الفصل في الدعوى المقامة عليه لا يدل بذاته على أن المحكمة كونت في الدعوى رأياً نهائياً ضده إذ هو إجراء تحفظي يؤمر به في الأحوال التي يجيزها القانون مما يدخل في حدود سلطتها المخولة لها بمقتضى القانون. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.