أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 24 - صـ 897

جلسة 4 من نوفمبر 1973

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، وطه الصديق دنانة، ومحمد عادل مرزوق.

(185)
الطعن رقم 388 لسنة 43 القضائية

(1) إجراءات المحاكمة. تحقيق. دعوى جنائية. بطلان.
التحقيق الابتدائى ليس بشرط لصحة المحاكمة إلا فى مواد الجنايات. القانون لم يوجبه فى مواد الجنح والمخالفات.
الأصل فى المحاكمات الجنائية حصول التحقيق أمام المحكمة. استماع المحكمة لأقوال المدعى بالحق المدنى وقضاؤها بناء على روايته وبعد إطلاعها على الأوراق. لا بطلان.
(2) تزوير. استعمال محرر مزور. جريمة. "أركانها".
الركن المادى فى جريمة استعمال الأوراق المزورة قيامه باستعمال المحرر المزور فيما زور من أجله. تمامه بمجرد تقديم الورقة.
(3) استعمال محرر مزور. جريمة. "أنواعها". تقادم. دعوى جنائية.
استعمال ورقة مزورة. جريمة مستمرة. بدؤها بتقديم الورقة والتمسك بها. بقاؤها مستمرة ما بقى مقدمها متمسكا بها. مدة سقوط الدعوى فيها تبدأ من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها.
(4) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب" نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها" دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حرية محكمة الموضوع فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. لا التزام عليها يندب خبير آخر ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر اتخاذ هذا الإجراء.
اطمئنانها إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير لأسباب سائغة والتفاتها عن طلب اعادة إجراء المضاهاة. النعى عليها بالإخلال بحق الدفاع. غير مقبول.
(5) دعوى مدنية. دعوى جنائية. إجراءات المحاكمة. نقض. "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون".
المادة 264 إجراءات. المستفاد منها. رفع المدعى بالحقوق المدنية دعواه أمام المحكمة المدنية لا يجوز له أن يرفعها بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية ولو بطريق التبعة للدعوى القائمة ما دام لم يترك دعواه أمام المحكمة المدنية.
إيقاف الدعوى المدنية المرفوعة ابتداء أمام المحكمة المدنية دون تركها. قضاء الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى المدنية عن ذات الجريمة تبعاً للدعوى الجنائية. خطأ فى تطبيق القانون. يوجب نقضه جزئياً بالنسبة للدعوى المدنية وتصحيحه بعدم قبولها.
1 - لا يوجب القانون فى مواد الجنح والمخالفات أن يسبق رفع الدعوى أى تحقيق إبتدائى، فهو ليس بشرط لصحة الحكم إلا فى مواد الجنايات، وإذ كان الأصل فى المحاكمات الجنائية أن يحصل التحقيق فيها أمام المحكمة، وما دامت المحكمة قد حققت بنفسها الدعوى واستمعت إلى أقوال المدعى بالحقوق المدنية وبنت قضاءها على روايته وعلى ما استبان لها من الاطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى البطلان يكون غير سديد.
2 - يقوم الركن المادى فى جريمة استعمال الأوراق المزورة باستعمال المحرر المزور فيما زور من أجله ويتم بمجرد تقديم ورقة تكون فى ذاتها مزورة تزويراً يعاقب عليه القانون. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن تقديمه الورقة المزورة سنداً لدفاعه فى الدعوى المدنية ودلل فى عبارات سائغة على علمه بتزويرها بما يكفى لحمله ويتحقق به العناصر القانونية لجريمة استعمال المحرر المزور التى دانه بها، فإنه يكون قد أصاب محجة الصواب فى تقرير مسئولية الطاعن.
3 - جريمة استعمال الورقة المزورة جريمة مستمرة تبدأ بتقديم الورقة والتمسك بها وتبقى مستمرة ما بقى مقدمها متمسكا بها، ولا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وهى لا تلتزم بندب خبير آخر ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، ولم تر هى من جانبها اتخاذ هذا الإجراء، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير للأسباب السائغة التى أوردتها، فإن النعى عليها بالإخلال بحق الدفاع بقالة التفاتها عن طلب الطاعن إعادة إجراء المضاهاة لا يكون مقبولا، ولا يعدو ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - المستفاد من نص المادة 264 من قانون الإجراءات الجنائية أنه متى رفع المدعى بالحقوق المدنية دعواه أمام المحكمة المدنية، فإنه لا يجوز له أن يرفعها بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية ولو بطريق التبعية إلى الدعوى الجنائية القائمة ما دام أنه لم يترك دعواه أمام المحكمة المدنية. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة الأوراق أن المدعى بالحقوق المدنية قد اختار الطريق المدنى باقامتة دعوى مدنية قبل الطاعن بطلب التعويض الناشئ عن الجريمة، وكان ذلك قبل رفع الدعوى الجنائية الحالية من جانب النيابة العامة، وأنه لم يترك دعواه المدنية وإنما قضى بإيقافها حتى يفصل فى الدعوى الجنائية المماثلة والتى طلب فيها المدعى بالحقوق المدنية الحكم له بتعويض مؤقت عن الجريمة ذاتها، وكان البين من الأوراق اتحاد الدعويين سبباً وخصوماً وموضوعاً، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول دعواه المدنية تبعاً للدعوى الجنائية المقامة يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه نقضاً جزئياً بالنسبة للدعوى المدنية - وتصحيحه بعدم قبولها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 30 نوفمبر سنة 1951 بدائرة بندر بنى سويف (أولاً) ارتكب تزويرا فى ورقة عرفية هى السركى المبين بالمحضر بأن وقع عليه بإمضاء مزورة نسبها زوراً إلى...... (ثانياً) استعمل المحرر المزور سالف الذكر مع علمه بذلك. وطلبت معاقبته بالمادة 215 من قانون العقوبات. وادعى المجنى عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة بنى سويف الجزئية قضت حضوريا اعتباريا بتاريخ 29 مايو سنة 1971 عملاً بمادة الاتهام والمادتين 55 و56 من قانون العقوبات (أولاً) برفض المدفوع المبداة من المتهم بالنسبة للدعوى العمومية والدعوى المدنية بالنسبة للتهمة الثانية وبسقوط الدعوى العمومية بالنسبة للتهمة الأولى (ثانياً) بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً. (ثالثاً) بإلزام المتهم بأن يدفع للمدعى بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم، ومحكمة بنى سويف الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً بتاريخ 18 من أكتوبر سنة 1971 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فعارض، وقضى بتاريخ 15 مايو سنة 1972 بقبول المعارضة شكلاً وفى الموضوع بتأييد الحكم المعارض فيه مع جعل الايقاف شاملا لجميع العقوبات التبعية والآثار الجنائية المترتبة على الحكم. فطعن وكيل المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة استعمال ورقة عرفية مزورة وألزمه بالتعويض، قد شابه البطلان وأخطأ فى تطبيق القانون وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع بعدم جواز تحريك الدعوى الجنائية من جانب النيابة دون سبق إجراء تحقيق فيها أو بناء على محضر جمع استدلالات، كما دفع بسقوط جريمة استعمال الورقة المزورة المسندة إليه بمضى المدة باعتبار أنها جريمة وقتية يسقط الحق فى إقامة الدعوى الجنائية بشأنها بمرور ثلاث سنوات من تاريخ تقديم الورقة، وقد قدمت الورقة المدعى بتزويرها بتاريخ 21 أبريل سنة 1954 ولم ترفع الدعوى عنها إلا فى عام 1962. يؤيد ذلك ما أثاره الدفاع عن الطاعن من أن تقديم تلك الورقة فى الدعوى رقم 35 لسنة 1953 مدنى كلى بنى سويف لم يكن وليد رغبته بل كان بناء على قرار من المحكمة وبعد إلحاح من الخصم الأمر الذى لا يتحقق به معنى الاستعمال المعرف به فى القانون، إلا أن الحكم رد على دفاع الطاعن بما لا يتفق وصحيح القانون، كما التفتت المحكمة عن طلب الطاعن إعادة إجراء المضاهاة لما شاب تقرير الخبير المقدم فى الدعوى من عيوب. وأخيراً فقد أخطأ الحكم بقبول الدعوى المدنية إذ الثابت أن المدعى بالحقوق المدنية قد اختار الطريق المدنى برفعه الدعوى رقم 171 لسنة 1959 مدنى كلى بنى سويف بطلب الحكم بتعويض عن الجريمة موضوع الدعوى الحالية ولا تزال تلك الدعوى قائمة وإن قضى بإيقافها حتى يفصل فى الدعوى الماثلة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة استعمال ورقة مزورة مع العلم بتزويرها التى دان الطاعن بها، وأقام عليها فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان القانون لا يوجب فى مواد الجنح والمخالفات أن يسبق رفع الدعوى أى تحقيق إبتدائى، فهو ليس بشرط لصحة الحكم إلا فى مواد الجنايات، وكان الأصل فى المحاكمات الجنائية أن يحصل التحقيق فيها أمام المحكمة، وما دامت المحكمة قد حققت بنفسها الدعوى واستمعت إلى أقوال المدعى بالحقوق المدنية وبنت قضاءها على روايته وعلى ما استبان لها من الاطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى البطلان يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الركن المادى فى جريمة استعمال الاوراق المزورة يقوم باستعمال المحرر المزور فيما زور من أجله ويتم بمجرد تقديم ورقة تكون فى ذاتها مزورة تزويراً يعاقب عليه القانون، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن تقديمه الورقة المزورة سنداً لدفاعه فى الدعوى رقم 35 لسنة 1953 مدنى كلى بنى سويف، ودلل فى عبارات سائغة على علمه بتزويرها بما يكفى لحمله ويتحقق به العناصر القانونية لجريمة استعمال المحرر المزور التى دانه بها، فإنه يكون قد أصاب محجة الصواب فى تقرير مسئولية الطاعن. لما كان ذلك، وكانت جريمة استعمال الورقة المزورة جريمة مستمرة تبدأ بتقديم الورقة والتمسك بها، وتبقى مستمرة ما بقى مقدمها متمسكا بها، ولا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن قدم بتاريخ 3 أبريل سنة 1954 فى الدعوى رقم 35 لسنة 1953 مدنى كلى بنى سويف الورقة المتضمنة شروط المعاملة التجارية بينه وبين المدعى بالحقوق المدنية وبعد أن طعن عليها بالتزوير فى 16 يونيه سنة 1954 ظل متمسكاً بها حتى قضى نهائياً بتزويرها فى 28 من أبريل سنة 1959 ثم أقيمت الدعوى الجنائية بشأنها فى 19 مارس سنة 1962 وظلت إجراءات المحاكمة متصلة حتى تاريخ صدور الحكم فيها، فإنه إذ قضى برفض الدفع المبدى من الطاعن بسقوط الدعوى الجنائية بمضى المدة عن جريمة الاستعمال، يكون سليماً وبمنأى عن الخطأ فى تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، وهى لا تلتزم بندب خبير آخر ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، ولم تر هى من جانبها اتخاذ هذا الإجراء، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير للأسباب السائغة التى أوردتها، فإن النعى عليها بالإخلال بحق الدفاع بقالة التفاتها عن طلب الطاعن إعادة إجراء المضاهاة لا يكون مقبولا، ولا يعدو ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن - فى خصوص الدعوى الجنائية - يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن المستفاد من نص المادة (264) من قانون الاجراءات الجنائية أنه متى رفع المدعى بالحقوق المدنية دعواه أمام المحكمة المدنية، فإنه لا يجوز له أن يرفعها بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية ولو بطريق التبعية إلى الدعوى الجنائية القائمة ما دام أنه لم يترك دعواه أمام المحكمة المدنية. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة الأوراق أن المدعى بالحقوق المدنية قد اختار الطريق المدنى بإقامته الدعوى رقم 171 لسنة 1959 مدنى كلى بنى سويف قبل الطاعن بطلب التعويض الناشئ عن الجريمة، وكان ذلك قبل رفع الدعوى الجنائية الحالية من جانب النيابة العامة، وأنه لم يترك دعواه المدنية وإنما قضى فى 19 ديسمبر سنة 1962 بإيقافها حتى يفصل فى الدعوى الجنائية المماثلة والتى طلب فيها المدعى بالحقوق المدنية الحكم له بتعويض مؤقت عن الجريمة ذاتها، وكان البين من الأوراق اتحاد الدعويين سبباً وخصوماً وموضوعاً، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول دعواه المدنية تبعاً للدعوى الجنائية المقامة يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه نقضا جزئيا - بالنسبة للدعوى المدنية - وتصحيحه بعدم قبولها مع إلزام المطعون ضده بمصاريفها.