مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1553

(141)
جلسة 5 من يونيه 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1274 لسنة 9 القضائية

(أ) دعوى الإلغاء - مساعدة قضائية - تظلم وجوبي - التظلم الوجوبي السابق على رفع دعوى الإلغاء - يقوم مقامه ويغني عنه طلب المساعدة القضائية المقدم إلى المحكمة المختصة للإعفاء من الرسوم - أساس ذلك أن هذا الطلب يعلن إلى الجهة الإدارية المختصة فينفتح أمامها الباب لسحب القرار إن رأت أن الطالب على حق.
(ب) موظف - واجبه الوظيفي - تأديب - التزام الموظف بأداء أعمال وظيفته وواجباتها دون تعقيب منه على مدى ملاءمة العمل أو مناسبته - توزيع العمل من اختصاص الرئيس الإداري وحده - ليس للموظف أن يطعن في قرار متعلق بتنظيم المرفق الذي يعمل فيه - التزام الموظف بالمحافظة على مواعيد العمل الرسمية - واجبه في طاعة الرؤساء واحترامهم - وجوب إنجازه القدر من العمل المطلوب منه أداؤه في الوقت المخصص لذلك.
(جـ) موظف - واجبه الوظيفي - عجز صحي - ادعاء الموظف وجود عاهة به تمنع تنفيذ العمل الموكول إليه - غير جائز ما دام أن القانون قد رسم سبيلاً لم يتبع في إثبات مثل هذا العجز.
(د) موظف - تأديب - فصل - وجوب تناسب الجزاء التأديبي مع الذنب الإداري - مثال لهذا التناسب في حالة توقيع عقوبة الفصل من الخدمة.
1- أن الحكمة من التظلم الوجوبي السابق على رفع دعوى الإلغاء - سواء أكان التظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار - إن كانت هي التي تملك سحبه أو الرجوع فيه أم إلى الهيئات الرئاسية، إن كان المرجع إليها في هذا السحب - وهو التظلم الذي جعله الشارع شرطاً لقبول طلب إلغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين التي عينها، وقرنه بوجوب انتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم الوجوبى. الحكمة منه هي الرغبة في التقليل من المنازعات بإنهائها في مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه. ولا شك أنه يقوم مقام هذا التظلم، ويغني عنه، ذلك الطلب الذي يتقدم به صاحب الشأن إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية المختصة لإعفائه من رسوم دعوى قضائية بإلغاء قرار إداري معين لتحقق الغاية التي قصدها المشرع حين نص على لزوم التظلم (الوجوبي) من مثل هذا القرار، ذلك أن طلب الإعفاء يعلن إلى الجهة الإدارية المختصة ببحثه. وبذلك ينفتح أمامها الباب لسحب هذا القرار إن رأت الإدارة أن طالب الإعفاء من الرسوم على حق، وهي ذات الحكمة التي أنبنى عليها استلزام التظلم الوجوبى.
2- إن أداء أعمال الوظيفة وواجباتها هو أول وأهم التزام على الموظف الذي ينبغي عليه أن يقوم بما يعهد به إليه رئيسه، ويكون أداؤه ذلك العمل دون تعقيب منه على مدى ملاءمة العمل المذكور أو مناسبته. فتوزيع العمل هو من اختصاص الرئيس الإداري وحده. وإذا جاز للموظف أن يعترض على نوع العمل المكلف به فهذا الاعتراض خاضع ولا شك لمحض تقدير الإدارة. وطالما أنها لم تستجب للاعتراض فعلى الموظف أن ينفذ العمل الذي كلف به، والذي أصرت جهة الإدارة على أدائه. ولا يقبل من الموظف أن يطعن في قرار متعلق بتنظيم المرفق الذي يعمل فيه. وعلى الموظف أن يتعاون مع زملائه في أداء الواجبات العاجلة اللازمة لتأمين سلامة العمل وتنفيذ الخدمة العامة
Assurer le service
والمفروض أن العامل بتعيينه إنما يقبل الخضوع لكافة مقتضيات المرفق الذي أضحى ينتمي إليه بعد صدور قرار التعين. ومن أولى هذه المقتضيات ضرورة سير المرفق بانتظام واضطراد، ودون تقطع خصوصاً إذا تعلق الأمر بمرفق يقدم خدمات مباشرة إلى الجمهور كالمستشفيات. فيؤثر في سير المرفق ويؤدى إلى مسئولية الموظف أو العامل حضوره إلى مقر عمله متأخراً عن ساعات بدء العمل أو انصرافه دون إذن أو تخلفه عن الحضور في أوقات العمل الرسمية ومن باب أولى عدم الحضور أصلاً إلى مقر العمل لغير سبب قانوني. وفى مقدمة الواجبات التي يتعين على الموظف أو العامل مراعاتها أثناء العمل، واجب طاعة الرؤساء obeissance hierarchique والمفروض أن السلطة الرئاسية في مظاهرها المختلفة يمارسها رؤساء لهم من أقدميتهم في الخدمة ما يجعلهم أكثر إدراكاً للعمل وحاجاته وبالتالي أكثر قدرة ودراية على مواجهته وحل مشاكله وذلك فضلاً عن أن الرئيس هو المسئول الأول عن سير العمل في الوحدة التي يرأسها. فالطاعة في هذا المجال أمر تمليه طبائع الأمور والطاعة تحقق وحدة الجهاز الإداري الذي يقوم على أساس التدرج الهرمي والذي يفترض في قمته وجود رئيس واحد. وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة 53 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة على أنه يجب على العامل أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة فليس يكفي أن يوجد العامل بمقر عمله في أوقات العمل الرسمية دون أن يؤدى عملاً كما لا يكفي أن يقوم في هذه الأوقات بأي قدر من العمل ولو يسير بل أنه مكلف بتنفيذ الأوامر والتعليمات التي تصدر إليه ومكلف بإنجاز القدر من العمل المطلوب منه أداؤه في الوقت المخصص لذلك. وتقتضي طاعة الرؤساء من العامل إلى جانب تنفيذ ما يصدرونه إليه من أوامر وقرارات، احترامه لهم بالقدر الذي يجب أن يسود بين الرئيس والمرءوس فيستحق العامل الجزاء إذا ثبت أنه أخل بواجب هذا الاحترام.
3- لا مقنع فيما ساقته الطاعنة في معرض دفاعها من وجود عاهة مستديمة لديها تمنعها من تنفيذ العمل الذي كلفتها بها رئيسة الممرضات بالمستشفى فالقانون رسم طريقاً لإثبات مثل هذا العجز الصحي عن العمل.
4- لا مقنع فيما ذهبت إليه الطاعنة من أن جزاء الفصل لا يتناسب مع ذنبها الإداري الذي وقعت فيه. فالأصل أن تقدير ملاءمة الجزاء هو من أطلاقات الإدارة وثابت من الأوراق أن ملف خدمة الطاعنة مطعم بالجزاءات التي تجاوز عددها 38 جزاء من مختلف الأنواع لمختلف الأسباب والمخالفات. فهي لم تطع أوامر رؤسائها مرات ومرات على تعدد أولئك الرؤساء. وهى تمتنع عن تنفيذ الأعمال التي تكلف بها وتدخل في صميم اختصاص عملها. وهى لا تنفك تتشاجر مع زميلاتها تارة ومع المرضى أخرى وطابعها على الدوام في العمل الاستهتار به وعدم الاكتراث بما تفرضه عليها اللوائح والتعليمات. وكل ذلك ثابت بالأوراق وبمحاضر التحقيقات المودعة ملف خدمتها. وقد خشيت إدارة المستشفى أن يكون في بقائها بالعمل أسوأ مثل لغيرها من العاملات بالمستشفى وقدرت إدارة المستشفى أن الطاعنة لم تعد بعد ذلك كله صالحة للبقاء في الخدمة. وترتيباً على ذلك يكون القرار الصادر بفصلها من الخدمة قد صدر في نطاق ما لجهة الإدارة من تقدير توقيع الجزاء بما يتلاءم والذنوب الإدارية المنسوبة إلى الطاعنة والثابتة في ملف خدمتها ثبوت اليقين.


إجراءات الطعن

في 23 من سبتمبر سنة 1963 أودع السيد المحامي المنتدب عن السيدة/ زبيدة عبد الحميد محمد، بموجب قرار في طلب الإعفاء رقم (306) لسنة 9 عليا الصادر بجلسة 29 من يوليه سنة 1963، سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1274) لسنة 9 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 27 من مايو سنة 1963 في الدعوى رقم (1468) لسنة 8 القضائية المقامة من السيدة/ زبيدة عبد الحميد محمد ضد وزارة الصحة والذي قضى: (بعدم قبول الدعوى شكلا، وألزمت المدعية المصروفات) وطلب السيد المحامي عن الطاعنة، للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بعدم قبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار فصلها من الخدمة). وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الصحة في 25 من سبتمبر 1963 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 31 من أكتوبر سنة 1964 وفيها حضرت الطاعنة شخصياً ومعها الأستاذ المحامي عنها وطلب الإحالة، في حين طلب الحاضر عن الحكومة رفض الطعن، ثم قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 16 من يناير سنة 1965 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 27 من فبراير سنة 1965 مع الترخيص في تقديم مذكرات. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة إعادة الطعن إلى المرافعة بجلسة 20 من مارس سنة 1965 لتعذر المداولة بسبب تغيير هيئة المحكمة. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 15 من مايو سنة 1965 وفيها قررت مد أجل النطق به إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن السيدة الطاعنة/ زبيده عبد الحميد محمد أقامت الدعوى رقم (1468) لسنة 8 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية ضد وزارة الصحة بصحيفة أودعتها سكرتارية تلك المحكمة في 10 من سبتمبر سنة 1961 أوردت بها أنها عينت في عام 1952 بخدمة وزارة الصحة بوظيفة (تومرجية) بالمستشفيات العامة وعقب نقلها من مستشفى المبرة العام إلى مستشفى باب الشعرية فوجئت في 18 من فبراير سنة 1961 بقرار يقضي بوقفها عن العمل. ثم عادت وتلقت أمراً صادراً إلى مستشفى باب الشعرية بإعادتها إلى عملها فعادت إليه في 22/ 2/ 1961 ثم صدر الأمر مرة أخرى بإعادة وقفها عن العمل اعتباراً من 23/ 2/ 1961، ولم يمض بعد ذلك سوى بضعة أيام حتى تلقت إخطاراً بفصلها من الخدمة اعتباراً من تاريخ وقفها الأول عن العمل في 18/ 2/ 1961 وذلك بناءً على قرار صادر من لجنة شئون العمال 30/ 4/ 1961. وتنعي المدعية على قرار اللجنة الذي بمقتضاه تم فصلها من الخدمة أنه قد استند إلى أمرين: أولهما: التحقيق الذي أجرته منطقة القاهرة وثبت فيه امتناعها يوم 18/ 2/ 1961 عن تنفيذ الأمر الصادر إليها من رئيسة الممرضات بالعمل بقسم عشرة رجال وقسم اثنين ومنزل التلميذات، ورفضها الإجابة في التحقيق الذي أمر به مدير المستشفى. وثانيهما: كثرة جزاءاتها السابقة التي وقعت عليها لكثرة مشاغباتها وتغيبها بدون إذن. وتذكر المدعية بالنسبة للأمر الأول فإن كل ما حدث لا يعدو أن يكون مناقشة كلامية بينها وبين رئيستها بمستشفى المبرة حول المكان الذي تباشر فيه العمل. إذ صدرت الأوامر إليها بالعمل بقسم عشرة رجال، الذي يقع بالدور العلوي من المستشفى وهى تشكو من آثار كسر ملتئم في ساقها اليسرى عولجت منه فترة طويلة فلما تظلمت راحت الرئيسة تؤلب عليها الرؤساء حتى استصدرت قرار بنقلها إلى مستشفى باب الشعرية حيث فوجئت بقرارات وقفها عن العمل ثم فصلها من الخدمة. واستطردت المدعية تقول إن لجنة شئون العمال حين استعرضت وقائع التحقيق الأخير والذي على أثره أوقفت عن العمل ثم أعيدت إليه مع نقلها ثم أعيد إيقافها مرة أخرى لم تجد فيه سبباً كافياً لتبرير فصلها من الخدمة فأضافت إليه عنصراً آخر من عناصر الاتهام وسبباً ثانياً له هو جزاءاتها السابقة التي أشارت إليها اللجنة في صراحة ووضوح واتخذت منها دعامة ثانية لتقيم عليها مع الدعامة الأولى قرار فصلها من الخدمة. وبالنسبة للأمر الثاني تقول المدعية أن جزاءاتها السابقة قد وقعت عليها، وهى بذلك قد استنفذت أغراضها، فلا يحق بعد ذلك مساءلتها عن ذات الأفعال التي سبق توقيع الجزاء عليها من أجلها أو اتخاذها سنداً جديداً لتبرير توقيع جزاء آخر عليها أشد من الأول وهو فصلها من الخدمة بعد ما تكشف للجنة شئون العمال إن امتناعها عن تنفيذ الأمر الصادر إليها من رئيستها للأسباب التي تظلمت من أجلها من تنفيذ هذا الأمر لا تنهض وحدها ولتفاهتها أن تكون سنداً مبرراً للفصل من الخدمة، ذلك أن جزاء الفصل في هذه الصورة يصبح غاية تهدف إليها اللجنة للوصول إليه بغير حق، وعلى حساب أوضاع تمت في الماضي واستنفذت أغراضها بتوقيع الجزاء المناسب عليها في حينه، وتستطرد المدعية قائلة أنه فضلاً عن ذلك فإن جزاء الفصل في هذه الصورة يعتبر فصلاً عن غير الطريق التأديبي الذي لا يملك إنزاله بالموظف سوى السيد رئيس الجمهورية، وبذلك يصبح قرار الفصل بهذه الصورة قراراً باطلاً لا يترتب عليه أثر وينطوي على انحراف بالسلطة في توقيع الجزاء على واقعة بعينها هي واقعة الامتناع عن تنفيذ أمر الرئيسة إذ تتخذ اللجنة من الجزاءات السابقة التي وقعت على المدعية واستنفدت أغراضها، لبنات يقام عليها صرح قرار الفصل. وانتهت المدعية إلى طلب الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة، بصرف راتبها مؤقتاً لحين الفصل في طلب إلغاء قرار فصلها من الخدمة، ثانياً: وفى الموضوع بإلغاء قرار فصلها وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الوزارة المدعى عليها بالمصروفات.
وفى جلسة المرافعة أمام المحكمة الإدارية لوزارة الصحة، في الطلب المستعجل، بجلسة 30 من أكتوبر سنة 1961 قدم السيد محامي الحكومة مذكرة بدفاعه من حيث الشكل ثم الموضوع. جاء بالمذكرة أن المدعية أوقفت عن العمل في 18/ 2/ 1961 أثر امتناعها عن القيام بأي من الأعمال الداخلة في نطاق وظيفتها إذ رفضت ما كلفتها به رئيسة مستشفى المبرة من العمل بالقسم رقم عشرة رجال ثم بالقسم رقم أثنين، ثم بمنزل التلميذات بالمستشفى. وأنها قد تظلمت في 5/ 4/ 1961 من قرار وقفها عن العمل، ولم يفصل في هذا التظلم، وتقدمت بطلب إعفائها من رسوم إقامة دعوى بطلب إلغاء قرار وقفها عن العمل، وبصفة مستعجلة باستمرار صرف راتبها لحين الفصل في تلك الدعوى، وذلك في 3/ 5/ 1961 ثم بعد ذلك في 4/ 5/ 1961 صدر قرار مدير عام المنطقة الطبية بالقاهرة، بفصلها من الخدمة بعد موافقة كل من اللجنة الفنية لشئون العمال ووكيل الوزارة، وقد قامت المدعية برفع الدعوى الراهنة بإيداع صحيفتها سكرتارية المحكمة في 10/ 9/ 1961 طالبة إلغاء قرار فصلها، وبصفة مستعجلة، ولحين الفصل في دعوى الإلغاء بالاستمرار في صرف راتبها مؤقتاً، ثم تطرق الدفاع عن الحكومة إلى إبداء دفعين: أولهما: أنه لما كان قرار الإعفاء الذي صدر في 20 / 8/ 1961، بالفصل في طلب المدعية المقدم منها في 3/ 5/ 1961 قد نص على إعفائها من رسوم الطعن في قرار إيقافها عن العمل، وعلى إعفاءها من رسوم طلب الاستمرار في صرف راتبها بصفة مستعجلة دون الطعن في قرار فصلها من الخدمة، ومن ثم فإن طلب إلغاء قرار فصلها يعتبر طلباً جديداً لم يرد عليه قرار الإعفاء من رسوم هذه الدعوى مما يلزم المدعية بسداد الرسم المستحق عنه. وثانيهما: هو دفع بعدم قبول الدعوى لأن التظلم من قرار الفصل عن غير الطريق التأديبي هو أمر وجوبي، وبدونه تصبح الدعوى غير مقبولة شكلاً. ولما كان تظلم المدعية الحاصل في 5/ 4/ 1961 قاصراً على تظلمها من قرار الوقف عن العمل في حين أن الدعوى الراهنة قد أقيمت لإلغاء القرار الصادر بفصلها من الخدمة وهو قرار لم تتظلم منه المدعية، فمن ثم تكون هذه الدعوى غير مقبولة شكلاً لعدم أتباعها طريق التظلم الذي أوجبه القانون. ولا يصح القول بانصراف أثر التظلم من قرار الإيقاف إلى قرار الفصل لأن لكل منهما مجاله المستقل وآثاره المختلفة في أوضاع المراكز القانونية. ثم تصدت الحكومة إلى موضوع الدعوى فقالت أن القرار المطعون فيه قد صدر سلمياً قائماً على سببه بل قام على سببين كل منهما يكفى وحده لسلامة القرار، والسبب الأول: هو ثبوت مخالفة المدعية لواجبات وظيفتها لأنها في يوم 18/ 2/ 1961 أصرت على عدم إطاعة أوامر رئيسة المستشفى وامتنعت عن القيام بأي عمل كلفت به في ذلك اليوم على الرغم من دخول ذلك في نطاق اختصاص وظيفتها. ولا يجدي المدعية نفعاً ما زعمته من وجود عاهة مستديمة بساقها تمنعها من تنفيذ أوامر رئيستها لأن القانون قد رسم طريقاً لإثبات ذلك العجز الصحي عن العمل إن كان له محل من الواقع، وذلك ما لم تتبعه المدعية ومن ثم فإن ما أقدمت عليه يعتبر ذنباً إدارياً هو سبب قرار الفصل. أما عن السبب الثاني فهو مستمد من ملف خدمة المدعية إذ الثابت أنه قد وقع عليها في الفترة من 20 / 2/ 1954 حتى 18/ 2/ 1961 وهو تاريخ إيقافها عن العمل ما يزيد على (38) جزاء لعدم إطاعتها لأوامر رؤسائها ولسوء معاملتها للمرضى، ولعدم تنفيذها لواجبات وظيفتها، ومشاجراتها المستمرة مع زميلاتها، ولأنها أتت بأعمال خارجة عن حدود الأدب أمام الطبيب، ولغيابها المتكرر دون إذن مما لا يدع مجالاً للشك في فقدانها لشروط الصلاحية للقيام بواجبات وظيفتها، ومن ثم فإن ذلك يكون سبباً كافياً لقيام القرار المطعون فيه، على سببه، ولا يقدح في ذلك أن قرار الفصل المبني على جزاءات سابقة يعتبر قراراً مخالفاً للقانون لأنه يعتبر من قبيل القرارات الصادرة بالفصل عن غير الطريق التأديبي، وهو ما لا يملك سلطة إصداره سوى السيد رئيس الجمهورية. وفصل الموظف لعدم صلاحيته لا يعتبر عقوبة مزدوجة أو تكميلية بالإضافة إلى الجزاءات السابق توقيعها عليه، فشرط الصلاحية فضلاً عن وجوب توافره عند التعين، فإنه يجب توافره كذلك لبقاء الموظف في وظيفته تحقيقاً لحسن سير المرفق العام. وخلصت الحكومة إلى أنه متى كان يشترط لقبول الطلب المستعجل باستمرار صرف راتب المدعية مؤقتاً أن تكون هنالك مطاعن جدية على القرار المطعون فيه، وثابت مما تقدم أن القرار صدر صحيحاً وقائماً على سببه، فإن طلب المدعية يكون في غير محله خلقياً بالرفض وطلبت الحكومة أولاً الحكم بصفة أصلية، بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها مع إلزام المدعية المصروفات. وقد نظرت الدعوى بجلسات المرافعة في الطلب المستعجل، على النحو الثابت بمحاضرها، وأرجئ إصدار النطق في الطلب بجلسة 13 من نوفمبر سنة 1961 حيث صدر الحكم في تلك الجلسة بإلزام الحكومة بصرف راتب المدعية شهرياً لحين الفصل في الموضوع. ثم بإحالة الدعوى إلى مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية لوزارة الصحة المدعى عليها من حيث الموضوع.
وبجلسة 27 من مايو سنة 1963 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة الصحة (بعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت المدعية بالمصروفات). وذلك تأسيساً على أن المدعية لم تتظلم من القرار المطعون فيه قبل أن تقيم الدعوى بإلغاء ذلك القرار. وأنه لا يجدي المدعية قولها أنها تظلمت لجهة الإدارة من قرار إيقافها عن العمل، لأن قرارات الإيقاف عن العمل تخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وبالتالي فإن التظلم منه يكون غير ذي موضوع، ولا يترتب على مثل هذا التظلم أي أثر لا بالنسبة إلى قرار الإيقاف، ولا من باب أولى بالنسبة إلى قرار الفصل.
ومن حيث إن طعن المدعية زبيدة عبد الحميد محمد، يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون لأنه لم يعتد بالتظلم المقدم منها في 5 من أبريل سنة 1961 عن القرار الصادر بإيقافها عن العمل، بمقولة أن قرار الإيقاف عن العمل ليس من بين القرارات التي يختص القضاء الإداري بالتعقيب عليها، ذلك أن هذه المحكمة الإدارية العليا قد قضت بعكس ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، كما أن إلزام الطاعنة بالتظلم من القرار الصادر بفصلها بعد أن تظلمت من القرار الصادر بإيقافها هو استلزام لما لا يلزم لانعدام جدوى إعادة التظلم من القرار الجديد. ولما كان الحكم المطعون فيه قد رتب على المذهب المخالف حكمه بعدم قبول الدعوى شكلاً فإن الطاعنة تطلب إلغاءه لتقضي المحكمة العليا بإلغاء قرار فصلها من الخدمة لأنه قرار غير محمول على سببه.
ومن حيث أنه قد بان لهذه المحكمة من استقراء أوراق الطعن أن الطاعنة قد أودعت سكرتارية هذه الحكمة طلباً لإعفائها من رسوم هذا الطعن، وقيد طلبها برقم (306) لسنة 9 القضائية في 6/ 6/ 1963 وأنه في 29/ 7/ 1963 صدر قرار لجنة المساعدة القضائية بإعفائها من هذه الرسوم فأقامت الطعن الراهن بتقرير استوفى شكله ومؤرخ 23/ 9/ 1963 ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه في 18 من فبراير سنة 1961 صدر قرار بإيقاف الطاعنة عن العمل، لاستمرار امتناعها عن أدائه بالأقسام التي حددتها لها إدارة المستشفى، وقد تظلمت الطاعنة من هذا القرار في 5 من أبريل سنة 1961 فقيد تظلمها هذا برقم (196/ ظ/ 1961) وأرسل إلى إدارة الشئون القانونية بوزارة الصحة برقم (5153) ولم يفصل فيه. ثم أودعت الطاعنة في 3 من مايو سنة 1961 سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارة الصحة العمومية - لجنة المساعدة القضائية - طلباً لإعفائها من رسوم دعوى قضائية تهدف من ورائها إلى الحكم لها بصرف راتبها مؤقتاً حتى يلغي قرار الإيقاف وتعود إلى عملها. ثم لإلغاء قرار وقفها عن العمل لانعدام السند القانوني المبرر لإصداره. وثابت من استقراء الأوراق أنه قبل البت في مصير طلب (3/ 5/ 1961) المقدم للسيد رئيس لجنة المساعدة القضائية، أصدر السيد مدير عام المنطقة الطبية لمدينة القاهرة، في 4 من مايو سنة 1961 قرار بفصل الطاعنة من الخدمة اعتباراً من 18 من فبراير سنة 1961 تاريخ إيقافها عن العمل وقد صدر قرار الفصل هذا بناءً على كتاب اللجنة الفنية المؤرخ 2/ 5/ 1961 والمتضمن موافقة اللجنة بجلستها المنعقدة في 30 من أبريل سنة 1961 على فصلها من العمل ووافق وكيل الوزارة المختص في 30/ 4/ 1961 على قرار اللجنة الفنية بالفصل ولما أن علمت الطاعنة بأمر فصلها، بادرت إلى تعديل طلباتها أمام السيد رئيس لجنة المساعدة القضائية بما يفيد طلب إعفائها من رسوم دعوى إلغاء قرار الفصل واستمرار صرف مرتبها بصفة مستعجلة. وكان ذلك بجلسة 11 من يونيو سنة 1961 (محضر لجنة المساعدة القضائية بجلسة 11 من يونيو سنة 1961 قدم طلب المعافاة رقم 2122 لسنة 8 القضائية من السيدة/ زبيدة ضد وزارة الصحة. ونودي الطرفان فحضر عن الطالبة محاميها وطلب تعديل طلباتها إلى صرف المرتب بصفة مستعجلة. وإلى إلغاء قرار الفصل وقال أن الطالبة فصلت بعد تقديم طلب المساعدة القضائية المعروض على اللجنة. وحضر عن وزارة الصحة المدعى عليها من يمثلها. وقررت اللجنة إصدار القرار بجلسة 16/ 7/ 1961 وفيها تقرر التأجيل لجلسة 8/ 10 / 1961). ثم في 22/ 7/ 1961 تقدم الحاضر عن الطاعنة بطلب إلى تلك اللجنة جاء فيه. (أن اللجنة كانت قد قررت إصدار قرارها بجلسة 16/ 7/ 1961 وفيها قررت مد أجل النطق به لجلسة في أكتوبر سنة 1961 ولما كان الطلب المستعجل هو بمثابة إسعاف لحالة الطالبة لذلك يجب التعجيل بإصداره لأن فصلها قد بني على قرار باطل استند إلى تحقيق عن واقعة لم تثبت الإدانة عليها كما استند إلى جزاءات سابقة) فأشر السيد رئيس لجنة المساعدة على هذا الطلب بعبارة (يعجل إصدار القرار بجلسة 20 من أغسطس سنة 1961). وبالجلسة المذكورة قررت اللجنة (قبول طلب الإعفاء من رسوم الدعوى وانتدبت أحد السادة المحامين لمباشرتها) ومفاد ذلك أن الطاعنة قد عدلت طلباتها في حضور ومواجهة الحاضر عن الوزارة المدعى عليها. وصدر لها قرار الإعفاء في 20 من أغسطس سنة 1961 فأقامت دعواها بعريضة مستوفاة للشكل أودعتها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية في 10 من سبتمبر سنة 1961 ومن ثم يكون الدفع المقدم من الحكومة في هذا الشق منه لا سند له من القانون وكان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يقضي برفضه.
وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للشق الآخر من دفع الحكومة والقائم على فكرة التظلم الوجوبي. فمن المسلم أن الحكمة من التظلم الوجوبي السابق على رفع دعوى الإلغاء، سواء أكان التظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار - إن كانت هي التي تملك سحبه أو الرجوع فيه - أم إلى الهيئات الرئاسية، إن كان المرجع إليها في هذا السحب، وهو التظلم الذي جعله الشارع شرطاً لقبول طلب إلغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين التي عينها، وقرنه بوجوب انتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم الوجوبي. الحكمة منه هي الرغبة في التقليل من المنازعات بإنهائها في مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه. ولا شك أنه يقوم مقام هذا التظلم، ويغني عنه، ذلك الطلب الذي يتقدم به صاحب الشأن إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية المختصة لإعفائه من رسوم دعوى قضائية بإلغاء قرار إداري معين لتحقق الغاية التي قصدها المشرع حين نص على لزوم التظلم (الوجوبي) من مثل هذا القرار. ذلك أن طلب الإعفاء يعلن إلى الجهة الإدارية المختصة ببحثه. وبذلك ينفتح أمامها الباب لسحب هذا القرار إن رأت الإدارة أن طالب الإعفاء من الرسوم على حق، وهى ذات الحكمة التي أنبنى عليها استلزام التظلم الوجوبي. وثابت من أوراق الطعن الراهن أن السيدة الطاعنة قد اختصمت القرار المطعون فيه (قرار الفصل) بجلسة المعافاة المنعقدة في 11/ 6/ 1961 في مواجهة محامي الوزارة المدعى عليها، وهذا الاختصاص يقوم ولا شك مقام التظلم الوجوبي المطلوب. والطاعنة ظفرت بقرار الإعفاء بجلسة 20/ 8/ 1961 فأقامت دعواها بطلب إلغاء قرار الفصل في 10/ 9/ 1961 وبذلك يكون دفع الحكومة بشقيه على غير سند من القانون وإذ قضى الحكم بقبول هذا الدفع، وبعدم قبول الدعوى شكلاً فإنه يكون خلقياً بالإلغاء والقضاء بقبول الدعوى شكلاً.
ومن حيث إن الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها.
ومن حيث أنه قد بان لهذه المحكمة من استقراء أوراق الطعن أن السيدة رئيسة الممرضات بمستشفى المنيرة قد وافت السيد مدير ذلك المستشفى بمذكرة في 18 من فبراير 1961. جاء فيها: (نحيط علم سيادتكم أن الشغالة زبيدة عبد الحميد محمد، تعصي الأوامر باستمرار، وقد سبق أن كلفتها بالعمل بقسم عشرة رجال فرفضت العمل، كما كلفتها بالعمل بالقسم رقم اثنين فرفضت كذلك العمل. ثم كلفتها بالعمل بمنزل التلميذات فرفضت العمل. وعند سؤالها بالمكتب رفضت الإدلاء بأقوالها. علماً بأن هذه الشغالة كثيرة التغيب بدون إذن، وهى مستهترة أيضاً أرجو النظر في أمرها خوفاً من اقتداء باقي العاملات بها. فأشر السيد مدير المستشفى على هذه الشكوى بما يفيد (توقف عن العمل وتخطر المنطقة بإشارة تليفونية، وترسل أوراق الموضوع للمنطقة - توقيع في 18/ 2/ 1961) وفى 21 من فبراير سنة 1961 قرر السيد مدير عام منطقة القاهرة الطبية (يلغي أمر ندب الشغالة زبيدة من مستشفى المنيرة إلى مستشفى باب الشعرية، ويستمر إيقافها عن العمل اعتباراً من 18/ 2/ 1961 وهو تاريخ الأمر الذي أصدره السيد مدير مستشفى المنيرة بذلك) وفى 14 من مارس سنة 1961 جرى تحقيق إداري في محضر حرره السيد مدير قسم التحقيقات بناءً على خطاب مستشفى المنيرة رقم (331) في 20 من فبراير سنة 1961 وكتاب الدكتور مساعد مدير عام المنطقة (القسم العلاجي) بشأن وقف الشغالة زبيدة الموقوفة عن العمل وتأشيرة الدكتور مدير قسم منطقة القاهرة الطبية بإحالة الموضوع للتحقيق وفيه سمع المحقق أقوال كاتب أول مستشفى المنيرة درجة سابعة، وسميرة إسماعيل محمد رئيسة الممرضات درجة سادسة، ومحمد أنور مصطفى مساعد أعمال كتابية، وعوض يعقوب مساعد معمل درجة سادسة، وعثمان إسماعيل معاون مستشفى المنيرة، ثم سمعت أقوال الطاعنة زبيدة عبد الحميد محمد التومرجية بمستشفى الملك فأدلت بأقوالها فيما هو منسوب إليها من مخالفات. وقد أثبت المحقق الإداري أنه اطلع على ملف خدمة الطاعنة فوجد أنه (مملوء بالجزاءات التي تدل على استهتارها بالعمل وعدم مواظبتها عليه). وأرفق بالتحقيقات كشفاً بعدد ونوع ومقدار الجزاءات التي وقعت على الطاعنة خلال مدة خدمتها بالمستشفى. وفى 15/ 3/ 1961 بعث مدير عام منطقة القاهرة الطبية بمذكرة إلى السيد مدير عام الإدارة العامة للشئون المالية والإدارية بمذكرة جاء فيها (أن وجود الشغالة المذكورة- زبيدة - بدون عمل بالمستشفى يعتبر من أسوأ الأمثلة ووجودها بين زميلاتها يدفعهن إلى التشبه بها مما يضار منه الصالح العام. وقد أصدر الدكتور مدير المستشفى أمراً بوقفها عن العمل اعتباراً من 18/ 2 وأجرى معها تحقيق إداري ومرفق طيه كشف بالجزاءات العديدة التي وقعت عليها خلال السنوات الماضيات ومن كل ذلك يتضح أن هذه الشغالة (الطاعنة) تنزع دائماً إلى العصيان وترك المستشفى بدون إذن، وإهمالاتها كثيرة، ومشاغباتها مع زميلاتها أكثر وعدم إطاعتها الأوامر هو ديدنها في العمل بالمستشفى ويرجو مدير المنطقة من مدير الإدارة العامة عرض أمرها على اللجنة الفنية للنظر في أمر فصلها من الخدمة اعتباراً من 18/ 2/ 1961 تاريخ إيقافها عن العمل، والإفادة بما يتم نحوها - توقيع مدير منطقة القاهرة الطبية) وفى 17/ 4/ 1961 أرسلت الإدارة العامة للتفتيش إلى السيد رئيس اللجنة الفنية لشئون العمال الكتاب رقم (2154) وجاء في ختام المذكرة أن الإدارة العامة للتفتيش توافق على رأي المنطقة برجاء عرض الأمر على اللجنة الفنية لشئون العمال. وقد أشر السيد رئيس اللجنة الفنية في 26/ 4 بما يفيد عرض موضوع هذه الشغالة زبيدة على اللجنة (باكر 27/ 4/ 1961) وبعرض موضوعها على اللجنة الفنية وافقت على رأي المنطقة والإدارة العامة وقررت فصلها اعتباراً من تاريخ وقفها عن العمل. ثم صدر في 4/ 5/ 1961 القرار المطعون فيه رقم (610/ 1961) من السيد مدير عام منطقة القاهرة الطبية بعد الاطلاع على القرار الجمهوري رقم (634) لسنة 1960 بشأن قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين، وعلى محاضر التحقيق الذي أجرى مع الشغالة زبيدة والذي ثبت فيه أنها مسئولة عما هو منسوب إليها من مخالفات عديدة، وبعد الاطلاع على كتاب اللجنة الفنية لشئون العمال المؤرخ 2/ 5/ 1961 برقم (64) سري وموافقة وكيل الوزارة بتاريخ 30/ 4/ 1961 على قرار اللجنة الفنية: قرر: أولاً، فصل الشغالة زبيدة باليومية بمستشفى المنيرة من الخدمة اعتباراً من تاريخ وقفها عن العمل في 18/ 2/ 1961، ثانياً: وعلى إدارة المستخدمين تنفيذ هذا القرار. وقد أخطرت الطاعنة بالقرار ووقعت بعلمها عليه. وقد اطلعت هذه المحكمة على صحيفة جزاءات الطاعنة وهي مستقاة من أوراق ملف خدمتها فوجدت أنها جاوزت الأربعين جزاءً من يوم 3/ 1/ 1954 لغاية شهر سبتمبر سنة 1958 وأغلبها خصم أيام من أجر خدمتها، وأسبابها تتراوح بين رفضها غسيل المفارش والمهمات ومشاجرتها مع زميلاتها وتهورها على معاون المستشفى ورفضها العمل بقسم الحريم ومخاطبتها لرئيستها بلهجة غير لائقة، وعدم إطاعتها أوامر رؤسائها، ودفعها بعض المرضى بيدها، وتخلفها عن الحضور في مواعيد العمل، وغيابها بدون إذن عشرات المرات.
ومن حيث إن أداء أعمال الوظيفة وواجباتها هو أول وأهم التزام على الموظف الذي ينبغي عليه أن يقوم بما يعهد به إليه رئيسه، ويكون أداؤه ذلك العمل دون تعقيب منه على مدى ملاءمة العمل المذكور أو مناسبته. فتوزيع العمل هو من اختصاص الرئيس الإداري وحده وإذا جاز للموظف أن يعترض على نوع العمل المكلف به فهذا الاعتراض خاضع ولا شك لمحض تقدير الإدارة. وطالما أنها لم تستجب للاعتراض فعلى الموظف أن ينفذ العمل الذي كلف به، والذي أصرت جهة الإدارة على أدائه. ولا يقبل من موظف أن يطعن في قرار متعلق بتنظيم المرفق الذي يعمل فيه. وعلى الموظف أن يتعاون مع زملائه في أداء الواجبات العاجلة اللازمة لتأمين سلامة العمل وتنفيذ الخدمة العامة
(Assurer le service)
والمفروض أن العامل بتعيينه إنما يقبل الخضوع لكافة مقتضيات المرفق الذي أضحى ينتمي إليه بعد صدور قرار التعين. ومن أولى هذه المقتضيات ضرورة سير المرفق بانتظام واضطراد، ودون تقطع خصوصاً إذا تعلق الأمر بمرفق يقدم خدمات مباشرة إلى الجمهور كالمستشفيات. فيؤثر في سير المرفق ويؤدى إلى مسئولية الموظف أو العامل حضوره إلى مقر عمله متأخراً عن ساعات بدء العمل أو انصرافه دون إذن أو تخلفه عن الحضور في أوقات العمل الرسمية ومن باب أولى عدم الحضور أصلاً إلى مقر العمل لغير سبب قانوني. وفى مقدمة الواجبات التي يتعين على الموظف أو العامل مراعاتها أثناء العمل، واجب طاعة الرؤساء obeissance hierarchique والمفروض أن السلطة الرئاسية في مظاهرها المختلفة يمارسها رؤساء لهم من أقدميتهم في الخدمة ما يجعلهم أكثر إدراكاً للعمل وحاجاته وبالتالي أكثر قدرة ودراية على مواجهته وحل مشاكله وذلك فضلاً عن أن الرئيس هو المسئول الأول عن سير العمل في الوحدة التي يرأسها. فالطاعة في هذا المجال أمر تمليه طبائع الأمور والطاعة تحقق وحدة الجهاز الإداري الذي يقوم على أساس التدرج الهرمي والذي يفترض في قمته وجود رئيس واحد. وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة (53) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة على أنه يجب على العامل (أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر بدقه وأمانه) فليس يكفى أن يوجد العامل بمقر عمله في أوقات العمل الرسمية دون أن يؤدى عملاً كما لا يكفى أن يقوم في هذه الأوقات بأي قدر من العمل ولو يسير بل أنه مكلف بتنفيذ الأوامر والتعليمات التي تصدر إليه ومكلف بإنجاز القدر من العمل المطلوب منه أداؤه في الوقت المخصص لذلك. وتقتضى طاعة الرؤساء من العامل إلى جانب تنفيذ ما يصدرونه إليه من أوامر وقرارات، احترامه لهم بالقدر الذي يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤوس فيستحق العامل الجزاء إذا ثبت أنه أخل بواجب هذا الاحترام.
ومن حيث أنه قد بان لهذه المحكمة أن الطاعنة برفضها تنفيذ أمر رئيستها على النحو المتكرر بروح تنطوي على الإصرار والعناد في عدم الطاعة ومخالفة الأوامر قد أخلت في كل مرة من ذلك بواجبات وظيفتها بالمستشفى وبحقوق المرضى. فلا تثريب على جهة الإدارة إذا هي أدانت سلوك الطاعنة وقد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً ومقبولاً من أصول ثابتة تنتجها قانوناً.
ولا مقنع فيما ساقته الطاعنة في معرض دفاعها من وجود عاهة مستديمة لديها تمنعها من تنفيذ العمل الذي كلفتها بها رئيسة الممرضات بالمستشفى فالقانون رسم طريقاً لإثبات مثل هذا العجز الصحي عن العمل وثابت من أوراق ملف خدمة الطاعنة أنها دأبت على التمرد على أوامر الرؤساء وجرت على غير ما يصدرونه إليها من تعليمات فتارة تدعي أن بها عاهة مستديمة تقعدها عن العمل وأخرى أن والدها يحتضر بالمستشفى، وثالثة إن ابنتها في الطريق، ورابعة أنها مريضة. وكذلك لا مقنع فيما ذهبت إليه الطاعنة من أن جزاء الفصل لا يتناسب مع ذنبها الإداري الذي وقعت فيه. فالأصل أن تقدير ملاءمة الجزاء هو من أطلاقات الإدارة وثابت من الأوراق على النحو الذي تقدم أن ملف خدمة الطاعنة مفعم بالجزاءات التي تجاوز عددها (38) جزاء من مختلف الأنواع لمختلف الأسباب والمخالفات. فهي لم تطع أوامر رؤسائها مرات ومرات على تعدد أولئك الرؤساء. وهى تمتنع عن تنفيذ الأعمال التي تكلف بها وتدخل في صميم اختصاص عملها. وهى لا تنفك تتشاجر مع زميلاتها تارة ومع المرضى أخرى وطابعها على الدوام في العمل الاستهتار به وعدم الاكتراث بما تفرضه عليها اللوائح والتعليمات. وكل ذلك ثابت بالأوراق وبمحاضر التحقيقات المودعة ملف خدمتها. وقد خشيت إدارة المستشفى أن يكون في بقائها بالعمل أسوأ مثل لغيرها من العاملات بالمستشفى وقدرت إدارة المستشفى أن الطاعنة لم تعد بعد ذلك كله صالحة للبقاء في الخدمة. وترتيباً على ذلك يكون القرار الصادر بفصلها من الخدمة قد صدر في نطاق ما لجهة الإدارة من تقدير توقيع الجزاء بما يتلاءم والذنوب الإدارية المنسوبة إلى المطعون عليها والثابتة في ملف خدمتها ثبوت اليقين وغنى عن البيان أن القرار التأديبي المطعون فيه، وهو قرار الفصل من الخدمة اعتباراً من تاريخ وقف الطاعنة عن العمل احتياطياً قد صدر بعد أخذ رأى اللجنة الفنية بالتطبيق لأحكام القرار الجمهوري رقم (634) لسنة 1960 بشان قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين: (أما العقوبات الأخرى فتكون من سلطة وكيل الوزارة المختص بعد أخذ رأي اللجنة الفنية المختصة).
وإذ صدر القرار المطعون فيه ممن يملك سلطة إصداره وقام على سببه وفى حدود اللوائح والقوانين فإنه يكون سليماً لا ينال منه هذا الطعن شيئاً ويتعين القضاء برفض الطعن فيه.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وألزمت المدعية بالمصروفات.