مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 213

(35)
جلسة أول مارس سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد مختار العزبي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد طاهر عبد الحميد وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 751 لسنة 14 القضائية

موظف - معاش - المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية - المبالغ التي تستحق لأصحاب المعاشات طبقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون - سقوطها بمضي سنة واحدة - هذا السقوط حتمي نهائي ولو أقرت بهذا الحق الجهة الإدارية - أساس ذلك.
إن المعاش ولئن كان من الحقوق الدورية المتجددة التي تسقط بمضي خمس سنوات إلا أن المشرع قد أفرد له حكماً خاصاً في المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية - وهو التشريع المعامل به زوج المدعية - حيث نص في المادة 62 منه على أن: "كل مبلغ مستحق كمعاش لم يطالب صاحبه به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه يصبح حقاً للحكومة إلا إذا ثبت أن عدم المطالبة كان ناشئاً عن حادث قهري" ومفاد هذا النص أن المبالغ التي تستحق لأصحاب المعاشات تسقط بمضي سنة واحدة وسقوط الحق فيها أمر حتمي ونهائي حتى ولو أقرت بهذا الحق الجهة الإدارية، ولا ينقطع سريان مدة السنة هذه إلا إذا أثبت صاحب الحق أن ثمة حادثاً قهرياً قد حال دون المطالبة بها ومرد ذلك إلى اعتبارات المصلحة العامة التي تهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية والمالية وعدم تعرض الميزانية - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب، ومن ثم فان القاعدة التي أتت بها المادة سالفة الذكر هي قاعدة تنظيمية عامة يتعين على الحكومة التزامها وتقضي بها المحاكم من تلقاء نفسها بحكم كونها قاعدة قانونية واجبة التطبيق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعية أقامت الدعوى رقم 56 لسنة 18 القضائية ضد وزارتي الصحة والخزانة وإدارة المعاشات بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 17 من أكتوبر سنة 1963 وطلبت فيها "الحكم باستحقاقها صرف معاشها عن المرحوم، زوجها الدكتور حسين شكري ابتداء من تاريخ وفاته في 9 من فبراير سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقالت بياناً لدعواها أن وزارة الخزانة ربطت معاشها باعتبارها أرملة المتوفى طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية ولكنها أوقفت صرف المعاش استناداً إلى أنها موظفة بالحكومة ولا حق لها في الجمع بين راتبها ومعاشها عن زوجها، ولما تبين للوزارة أن المرتب الحكومي ليس مانعاً من استحقاق المعاش الذي يؤول للموظف من مصدر آخر أصدرت الكتاب الدوري رقم 19 لسنة 1962 في 18 من مارس سنة 1962 يقضي بذلك فتقدمت المدعية بطلب صرف معاشها ابتداء من تاريخ استحقاقها له أي من تاريخ وفاة زوجها وأرسلت تظلماً بذلك في 26 من ماس سنة 1962, إلا أن الوزارة قامت بصرف المعاش من تاريخ صدور الكتاب الدوري المذكور دون أن تصرف متجمد المعاش المستحق لها عن المدة السابقة على حين أنه - في نظرها - لا يسري على حقها في صرف المعاش التقادم الخمسي أو أي تقادم آخر، لأن شرط سريان التقادم أن يكون الحق خالياً من النزاع والوزارة كانت تنكر عليها هذا الحق وتنازعها فيه. وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بمذكرة قالت فيها أنه على أثر إذاعة الكتاب الدوري رقم 19 لسنة 1962 تقدمت المدعية في 26 من مارس سنة 1962 بطلب صرف معاشها فقامت الوزارة بصرف المعاش اعتباراً من تاريخ تقديم الطلب على أساس أن ما ورد في الكتاب الدوري المشار إليه يعتبر مقرراً الحق المدعية في الحصول على المعاش وأن عليها أن تتقدم بطلب للحصول على هذا الحق في خلال ستة أشهر من تاريخ إذاعة الكتاب الدوري سالف الذكر. وبجلسة 12 من فبراير سنة 1968 قضت محكمة القضاء الإداري بأحقية المدعية في صرف متجمد المعاش اعتباراً من 9 من فبراير سنة 1954 تاريخ وفاة زوجها المرحوم الدكتور حسين شكري وأقامت قضاءها على أن إقرار وزارة الخزانة بأصل حق المدعية في المعاش يكشف عن أن بدء الاستحقاق يرتد إلى تاريخ قيام سببه وهو تاريخ وفاة زوجها في 9 من فبراير سنة 1954 وأن هذا الإقرار يتجافى والدفع المثار من وزارة الخزانة بسقوط الحق في المنازعة في شأن المعاش بمضي سنة على ربطه، ذلك أنه لا يستساغ أن يجمع المقربين نقيضين الإقرار بالحق والتنكر لها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الإدارة بمجرد أن رأت أحقية المدعية في المعاش صرفته لها بمجرد تقديم طلبها من تاريخ تقديمه في 26 من مارس سنة 1962 أما عن المدة السابقة فإنه لا محالة من إعمال نص المادة 62 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية التي تقضي بعدم جواز المطالبة بأية مبالغ مستحقة كمعاش متى مضي على استحقاقها أكثر من سنة ما لم يثبت أن عدم المطالبة بها كان ناشئاً عن سبب قهري، ويسقط الحق في تلك المبالغ وتعتبر حقاً مكتسباً للحكومة ونص هذه المادة يسرى سواء اعترفت الدولة بهذا الحق أم لم تعترف به وأنه لا شك في أن المدعية كان في إمكانها المطالبة بمعاشها وتبيان وجهة نظرها والخطأ الذي وقعت فيه الإدارة إن صح ذلك، كما أنه لم يقف أمامها أي سبب قهري يمنعها من المطالبة بعد أن تقدمت بطلب في 12 من أبريل سنة 1954 لصرف معاش ابنتها أميرة وبطلب آخر في 12 من يونيه سنة 1954 لصرف معاش ابنتها نادية، ولم تطلب معاشها هي كما أنها لم ترفع دعوى لإثبات حقها في المعاش أو المنازعة فيه.
ومن حيث إن مثار النزاع يدور حول مدى أحقية المدعية في صرف متجمد المعاش المستحق لها عن زوجها الدكتور حسين شكري ابتداء من تاريخ وفاته في 9 من فبراير سنة 1954 حتى 26 من مارس سنة 1962 تاريخ تقديم طلبها بصرف المعاش.
ومن حيث إن المعاش ولئن كان من الحقوق الدورية المتجددة التي تسقط بمضي خمس سنوات إلا أن المشرع قد أفرد له حكماً خاصاً في المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية - وهو التشريع المعامل به زوج المدعية - حيث نص في المادة 62 منه على أن: "كل مبلغ مستحق كمعاش لم يطالب صاحبه به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه يصبح حقاً للحكومة إلا إذا ثبت أن عدم المطالبة كان ناشئاً عن حادث قهري" ومفاد هذا النص أن المبالغ التي تستحق لأصحاب المعاشات تسقط بمضي سنة واحدة وسقوط الحق فيها أمر حتمي ونهائي ولو أقرت بهذا الحق الجهة الإدارية، ولا ينقطع سريان مدة السنة هذه إلا إذا أثبت صاحب الحق أن ثمة حادثاً قهرياً قد حال دون المطالبة بها ومرد ذلك إلى اعتبارات المصلحة العامة التي تهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية والمالية وعدم تعرض الميزانية - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب، ومن ثم فإن القاعدة التي أتت بها المادة سالفة الذكر هي قاعدة تنظيمية عامة يتعين على الحكومة التزامها وتقضي بها المحاكم من تلقاء نفسها بحكم كونها قاعدة قانونية واجبة التطبيق.
ومن حيث إن الثابت أن المدعية لم تتقدم بطلبها للحصول على متجمد المعاش المستحق لها عن زوجها إلا في 26 من مارس سنة 1962 ولم تقم الدليل على أن ثمة حادثاً قهرياً قد منعها من المطالبة بحقها حتى هذا التاريخ سواء كانت المطالبة إدارية أو قضائية وتأسيساً على ما تقدم فإن المبالغ المستحقة لها عن المدة من 9 من فبراير سنة 1954 تاريخ وفاة زوجها حتى 25 من مارس 1961 قد سقطت ويحق لها فقط صرف متجمد المعاش عن مدة السنة السابقة على تاريخ تقديم طلبها المذكور. ومن ثم يتعين القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه واستحقاق المدعية صرف المعاش المستحق لها عن زوجها المرحوم الدكتور حسين شكري اعتباراً من 26 من مارس سنة 1961 من إلزامها بالمصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه، واستحقاق المدعية صرف المعاش المستحق لها عن زوجها المرحوم الدكتور حسين شكري، اعتباراً من 26 من مارس 1961 وألزمت المدعية بالمصرفات المناسبة.