مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 222

(37)
جلسة 21 من مارس 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضيتان رقم 260، 267 لسنة 12 القضائية

( أ ) عقد إداري "عقد توريد". استيراد "تحويل عملة".
إن لزوم تحويل عملة لاستيراد مهمات من الخارج يصبح معه التصريح بتحويل العملة جزءاً مرتبطاً بإذن الاستيراد - أثر ذلك على بدء الميعاد المحدد للتوريد.
(ب) عقد إداري "عقد توريد". "تنفيذه" "غرامة التأخير".
إن غرامات التأخير في العقود الإدارية مقررة ضماناً لتنفيذ هذه العقود في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة - جهات الإدارة توقع هذه الغرامات من تلقاء نفسها دون الالتزام بإثبات حصول ضرر لا يقبل من المتعاقد إثبات عدم وقوع ضرر - اقتضاء غرامات التأخير منوط بتقدير الجهة الإدارية - للجهة الإدارية أن تقدر الظروف التي يتم فيها تنفيذ العقد وظروف المتعاقد فتعفيه من تطليق الجزاءات المنصوص عليها في العقد كلها أو بعضها بما في ذلك غرامة التأخير - إقرار الإدارة بأنها لم تحرص على تنفيذ العقد في المواعيد ترتيباً على أن تنفيذه في هذا الوقت كان غير لازم يعتبر بمثابة إعفاء ضمني للمتعاقد من تنفيذ الغرامة عليه مما لا يكون معه محل لتوقيع غرامة التأخير.
1- حيث يلزم تحويل عملة، لاستيراد أصناف ومهمات من الخارج فإن التصريح بتحويل العملة يصبح جزءاً مرتبطاً بإذن الاستيراد ويكمله ولا ينفك عنه، ومن ثم فإن تعليق جريان الميعاد المحدد للتوريد، في النزاع الماثل، من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد يستتبع بحكم اللزوم تعليقه على الحصول على التصريح بتحويل العملة إلى الخارج.
2- ولئن كان من المبادئ المسلمة في فقه القانون الإداري أن غرامات التأخير في العقود الإدارية مقررة ضماناً لتنفيذ هذه العقود في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ولذا فإن الغرامات التي ينص عليها في تلك العقود توقعها جهات الإدارة من تلقاء نفسها دون أن تلتزم بإثبات حصول الضرر، كم لا يقبل ابتداء من المتعاقد إثبات عدم حصوله، على اعتبار أن جهة الإدارة في تحديدها مواعيد معينة لتنفيذ العقد يفترض فيها أنها قدرت أن حاجة المرفق تستوجب التنفيذ في هذه المواعيد دون أي تأخير لئن كان ما تقدم كله هو الأصل إلا أنه من المسلم كذلك أن اقتضاء الغرامات منوط بتقدير الجهة الإدارية المتعاقدة باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة والقائمة تبعاً لذلك على تنفيذ شروط العقد، ولذا فلها أن تقدر الظروف التي يتم فيها تنفيذ العقد، وظروف المتعاقد فتعفيه من تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في العقد كلها أو بعضها بما في ذلك غرامة التأخير إذا هي قدرت أن لذلك محلاً، كما لو قدرت أنه لم يلحق المصلحة العامة أي ضرر من جراء التأخير أو غير ذلك من الظروف، قياساً على هذا النظر، فإن الإدارة إذا أقرت - صراحة أو ضمناً - بأنها لم تحرص على تنفيذ العقد في المواعيد المتفق عليها ترتيباً على أن تنفيذ العقد في هذه المواعيد كان غير لازم، فيعتبر ذلك بمثابة إعفاء ضمني للمتعاقد من تنفيذ الغرامة عليه، مما لا يكون معه محل لتوقيع غرامة التأخير.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من الأوراق - في أن شركة ميلاند المدعية أقامت الدعوى رقم 497 لسنة 17 القضائية ضد الهيئة العامة لمديرية التحرير بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 12 من يناير سنة 1963، طلبت فيها الحكم بإلزام الهيئة بأن تدفع لها مبلغ 204 جنيه و392 مليم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت بياناً لدعواها أن الهيئة الدائمة للإصلاح الزراعي (مديرية التحرير) أعلنت عن مناقصة لتوريد آلات ومعدات زراعية حددت لفتح مظاريفها يوم 11 من يونيه سنة 1960، وقد تقدمت الشركة فيها بعطاء حددت فيه مدداً معينة للتوريد تبدأ من تاريخ الحصول على ترخيص الاستيراد والتصريح بتحويل العملة المطلوبة إلى الخارج وفي 30 من يونيه سنة 1960 أصدرت الهيئة الأمر رقم 1431 لتوريد 16 آلة بدلاً من 13 علي أن تكون مدة التوريد من ثلاثة إلى أربعة شهور اعتباراً من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد، فاعترضت الشركة بكتابها المؤرخ في 5 من يوليه سنة 1960 محتفظة بحق تعديل موعد التوريد فيما يتعلق بالعدد الزائد طبقاً لإمكانيات المصنع في الخارج، وفي 4 من أبريل سنة 1961 أخطرت الشركة الهيئة بوصول الآلات المطلوبة وطلبت إليها استلامها ولكنها تباطأت حتى تمت عملية الاستلام والتجربة في 18، 23 من سبتمبر سنة 1961. وقد دفعت الهيئة مستحقات الشركة إليها وخصمت منها مبلغ 204 جنيه و362 مليم بدعوى أنهما غرامة التأخير في التوريد مدة شهر بواقع 4% من صافي قيمة الفاتورة. ولم تقبل الشركة هذا الخصم، واستندت في ذلك إلى أن الهيئة أخطأت في حساب مدة التوريد من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد في 5 من نوفمبر سنة 1960 وكان من المتعين حسابها من تاريخ موافقة مراقبة النقد على تحويل العملة إلى الخارج في 24 من نوفمبر سنة 1960 ويكون التأخير في التوريد والحالة هذه عشرة أيام فقط. وأضافت الشركة أنه لما كان الأمر كذلك وكانت الآلات الزائدة تحتاج إلى ثلاثين يوماً علاوة على مدة التوريد الأصلية وكانت الهيئة لم يصبها ضرر بدليل تباطئها في استلام الآلات الزراعية قرابة خمسة شهور، فإن الهيئة تكون قد خالفت حكم القانون والعقد إذ خصمت غرامة التأخير من مستحقاتها.
وقد طلبت الهيئة المدعية رفض الدعوى وأقامت دفاعها على أن أمر التوريد رقم 1431 المشار إليه حدد مدة التوريد اعتباراً من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد دون تاريخ الحصول على إذن تحويل العملة المطلوبة إلى الخارج، ويتعين من ثم التزام ما ورد بأمر التوريد في هذا الشأن دون اجتهاد في تفسير العقد. وإذ تأخرت الشركة في التوريد على هذا الأساس شهراً، فإن الإدارة تكون على حق حين وقعت على الشركة غرامة التأخير محل المنازعة، والتي لا يشترط لتوقيعها حصول ضرر للإدارة المتعاقدة. وبجلسة 14 من نوفمبر سنة 1956 قضت المحكمة "بإلزام هيئة مديرية التحرير بأن تدفع للشركة المدعية مبلغ 102 جنيه و181 مليم وألزمت الطرفين المصاريف مناصفة بينهما ورفضت ما عدا ذلك من طلبات" وأقامت المحكمة قضائها على أن بدء ميعاد المدة المحددة للتوريد يجب أن يكون من تاريخ الحصول على أذن تحويل العملة ذلك أن الشركة المدعية اشترطت هذا في إيجابها وأن الهيئة المدعى عليها ورد قبولها متضمناً أن مدة التوريد من ثلاثة إلى أربعة شهور اعتباراً من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد وقد اقترن هذا القبول بملحوظة تقضي بأن هذا الأمر متوقف على الحصول على موافقة مراقبة النقد، ويعني هذا أن مدة التوريد تكون من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد مستكملاً كل الشرائط التي تجعله صالحاً للتوريد ولا يمكن أن تكون له هذه الفاعلية إلا إذا اقترن بإذن تحويل العملة. وما دام أن الشركة المدعية قد ذكرت أن إذن تحويل العملة لم يتم إلا في 24 من نوفمبر سنة 1960 ولم تنازع جهة الإدارة في ذلك فإن نهاية مدة التوريد المتفق عليها تكون في 23 من مارس سنة 1961 وتكون الشركة المدعية قد تأخرت أسبوعياً وجزءاً من الأسبوع في التوريد باعتبار أن الأصناف وصلت في 4 من أبريل سنة 1961 وتكون قيمة غرامة التأخير التي يجب توقيعها هي 102 جنيه و181 مليم وأشار الحكم بالنسبة إلى ما أثارته الشركة المدعية من أنه لم يصب الهيئة ضرر بسبب التأخير، أن غرامة التأخير التي تتضمنها العقود الإدارية إنما هي جزاء لا يشترط لتوقيعه قيام ضرر يصيب الإدارة.
ومن حيث إن مبنى الطعن الذي أقامته الهيئة العامة لمديرية التحرير أن الحكم أخطأ فيما ذهب إليه من اعتبار بدء سريان مدة التوريد من تاريخ الحصول على تصريح تحويل العملة على خلاف عبارة العقد الصريحة التي تحدد ذلك بتاريخ الحصول على إذن الاستيراد. وعقب الدفاع عن الهيئة المذكورة على ما أثاره السيد/ مفوض الدولة من تراخي الهيئة في تسلم الآلات المتعاقد عليها منذ تاريخ وصولها في 4 من أبريل سنة 1961 إلي 23 من سبتمبر سنة 1961 يعتبر إقراراً ضمنياً من جانبها بأنه لم يحصل أي إخلال بحسن سير المرفق وأنه لم يلحق المصلحة أي ضرر من تأخير تنفيذ العقد في مواعيده وينطوي بالتالي على إعفاء ضمني للشركة الطاعنة من توقيع غرامة التأخير، عقب الدفاع على ذلك بأن الأصل في العقود الإدارية أن استحقاق غرامة التأخير لا يتوقف على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد بالتزامه وأضاف أن إذن الاستيراد وقد صدر في أول نوفمبر سنة 1960 وتسلمته الشركة بإقرارها في 5 من نوفمبر سنة 1960 فقد كان من المتعين أن يتم التوريد طبقاً لشروط العقد خلال المدة من أول فبراير إلى أول مارس سنة 1961، ولما كان موسم النشاط الزراعي وإعداد التربة للزراعات ذات المحاصيل الصيفية هي يناير ومارس ويتلو ذلك فترة ركود للنشاط الزراعي من أبريل تمتد إلى سبتمبر، فإنه لم يكن إزاء ذلك حاجة ملحة للإسراع في استلام الآلات طول فترة ركود النشاط الزراعي الممتدة من أبريل حتى سبتمبر حيث يبدأ موسم الزراعات ذات المحاصيل الشتوية. وطلب الدفاع عن الهيئة الحكم برفض دعوى الشركة المدعية, مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وأسست الشركة المدعية طعنها على ذات الأسباب التي أقامت عليها دعواها أمام القضاء الإداري وأضافت أن تراخي الهيئة في استلام الآلات منذ 4 من أبريل إلى 23 من سبتمبر سنة 1961 بالرغم من كثرة المطالبات يقطع بأنها لم تكن في حاجة إليها وبالتالي لم يصبها أي ضرر، وعلي العكس من ذلك فقد أصيبت الشركة بأضرار بالغة نتيجة ذلك لأن المتفق عليه أن الثمن لا يدفع إلا عند الاستلام وقد ترتب على تأخير الاستلام حبس الثمن وهو يجاوز الخمسة آلاف جنيه عنها وحرمانها من استغلاله بتداوله في أكثر من عملية خلال هذه المدة.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة الأوراق أن الشركة المدعية أحاطت الهيئة المدعى عليها إحاطة كاملة بأنها سوف تستورد من الخارج الآلات الزراعية التي رسا عليها أمر توريدها، وأنها في سبيل ذلك سوف تحول العملة اللازمة إلى الخارج لحساب المصنع المنتج، فقد حددت في عطائها المؤرخ في 3 من يونيه سنة 1960 العملات الأجنبية المطلوبة واشترطت حساب مدة التوريد من تاريخ الحصول على ترخيص الاستيراد والتصريح بتحويل العملة المطلوبة إلى الخارج. وقد قبلت المدعي عليها هذا العطاء بالنسبة لبعض الآلات الزراعية وأخطرت الشركة المدعية بأمر التوريد رقم 1431 المؤرخ 30 من يونيه سنة 1960 وضمنته أن مدة التوريد من ثلاثة إلى أربعة شهور من تاريخ الحصول على إذن الاستيراد دون الإشارة إلى الحصول على التصريح بتحويل العملة. ولما كان الأمر كذلك وكان إصدار أذون الاستيراد والتصريح بتحويل العملة إلى الخارج منوطاً بالأجهزة الحكومية المختصة، ويتوقف أمر إصدارها، طبقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 1037 لسنة 1960 بإنشاء لجنة وزارية للتجارة الخارجية والنقد والذي عمل به من تاريخ صدوره في أول يونيه سنة 1960، على تصديق هذه اللجنة وطبقاً للشروط والأوضاع التي تضعها، فإن من شأن ذلك تعليق الاستيراد من الخارج وبالتبعية تعليق الارتباط به على الحصول على إذن الاستيراد وتصريح تحويل العملة. ومؤدى ذلك أنه حيث يلزم تحويل عملة لاستيراد أصناف ومهمات من الخارج فإن التصريح بتحويل العملة يصبح جزءاً مرتبطاً بإذن الاستيراد ويكمله ولا ينفك عنه، ومن ثم فإن تعليق جريان الميعاد المحدد للتوريد, في النزاع الماثل، ومن تاريخ الحصول على إذن الاستيراد يستتبع بحكم اللزوم تعليقه على الحصول على التصريح بتحويل العملة إلى الخارج. وبالبناء على ذلك فإنه وقد ثبت دون ما منازعة من جانب الهيئة المدعي عليها أن التصريح بتحويل العملة قد تم في 24 من نوفمبر سنة 1960، فإنه يتعين من ثم حساب مدة التوريد المتعاقد عليها من هذا التاريخ وتكون نهائيتها في 23 من مارس سنة 1961, ويكون الحكم المطعون فيه والحالة هذه قد أصاب الحق فيما انتهي إليه في هذا الشق منه.
ومن حيث إنه ولئن كان من المبادئ المسلمة في فقه القانون الإداري أن غرامات التأخير في العقود الإدارية مقررة ضماناً لتنفيذ هذه العقود في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ولذا فإن الغرامات التي ينص عليها في تلك العقود توقعها جهات الإدارة من تلقاء نفسها دون أن تلتزم بإثبات حصول الضرر، كما لا يقبل ابتداء من المتعاقد إثبات عدم حصوله، على اعتبار أن جهة الإدارة في تحديدها مواعيد معينة لتنفيذ العقد يفترض فيها أنها قدرت أن حاجة المرفق تستوجب التنفيذ في هذه المواعيد دون أي تأخير لئن كان ما تقدم كله هو الأصل إلا أنه من المسلم كذلك أن اقتضاء الغرامات منوط بتقدير الجهة الإدارية المتعاقدة باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة والقائمة تبعاً لذلك على تنفيذ شروط العقد، ولذا فلها أن تقدر الظروف التي يتم فيها تنفيذ العقد, وظروف المتعاقد فتعفيه من تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في العقد كلها أو بعضها بما في ذلك غرامة التأخير إذا هي قدرت أن لذلك محلاً، كما لو قدرت أنه لم يلحق المصلحة العامة أي ضرر من جراء التأخير أو غير ذلك من الظروف، وقياساً على هذا النظر، فإن الإدارة إذا أقرت - صراحة أو ضمناً - بأنها لم تحرص على تنفيذ العقد في المواعيد المتفق عليها ترتيباً على أن تنفيذ العقد في هذا المواعيد كان غير لازم، فيعتبر ذلك بمثابة إعفاء ضمني للمتعاقد من تنفيذ الغرامة عليه، مما لا يكون معه محل لتوقيع غرامة التأخير.
ومن حيث إن الثابت أن الشركة المدعية أخطرت الهيئة المدعى عليها بوصول الآلات المتعاقد عليها وهي 6 آلات لتسطير البذور و10 محاريث قرص وطلبت إليها استلامها في 4 من أبريل سنة 1961, أي بعد الموعد المحدد للتوريد بعشرة أيام فقط باعتبار أن آخر موعد له طبقاً للعقد كان في 23 من مارس سنة 1961 علي التفصيل السابق، وبالرغم من ذلك فقد تراخت الهيئة في استلامها إلى 23 من سبتمبر سنة 1961 دون أن تتخذ أي إجراء قبل الشركة طوال هذه المدة. ودلالة ذلك على هدي من ملابسات العقد وظروفه أن الهيئة لم تكن حريصة على تنفيذ العقد في الميعاد المتفق عليه وهو 23 من مارس سنة 1961 لأن التوريد في هذا الميعاد كان غير لازم لها , فقد أوضح السيد مستشار الآلات الزراعية بالهيئة في مذكرته المؤرخة في الأول من مارس سنة 1960 أن آلات التسطير المذكورة طلبت لزراعة الشعير والفول والبرسيم المسقاوى. ولما كانت هذه المحاصيل جميعها من المحاصيل الشتوية التي تزرع خلال الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر فلم تكون المدعى عليها حريصة على تنفيذ العقد بالنسبة لها في الموعد المحدد له وهو 23 من مارس سنة 1961 لعدم الحاجة إليها ولهذا لم تقم باستلامها إلا في 23 من سبتمبر سنة 1961 قبيل موعد إعداد الأرض لزراعة المحاصيل المذكورة. وأوضحت المذكرة المشار إليها بالنسبة إلى آلات الحرث أنها طلبت لخدمة زمام المحاصيل الحقلية والخضر مرتين سنوياً وأن فترة الخدمة لكل موسم ستكون ثلاثة شهور تشغيل وكذلك لخدمة أرض الفاكهة بتقطيعها وحرث بعضها مرة كل 60 يوماً فإذا كان الأمر كذلك وكان 23 من مارس سنة 1961 تاريخ تنفيذ العقد يعد موعداً متأخراً جداً لإعداد الأرض اللازمة لزراعة بعض المحاصيل الصيفية كالقطن، فإن توريد الآلات في 4 من أبريل سنة 1961 يعد وقتاً مبكراً بالنسبة لبعض المحاصيل الصيفية الأخرى كالأرز والسمسم التي يمتد موسم زراعتها حتى مايو، بالإضافة إلى الزراعات النيلية كالأذرة التي يبدأ زراعة المبكر منها في يوليو ، ورغماً عن ذلك فلم تتحرك الهيئة لاستلام آلات الحرث للإفادة منها في إعداد الأرض بالنسبة لهذه المحاصيل أو لخدمة أرض الفاكهة التي يلزم حرث بعضها على ما سلف كل 60 يوماً. ويقطع ذلك كله في أن الهيئة لم تكن حريصة على تنفيذ العقد في المواعيد المتفق عليها وأن ذلك لم يكن لازماً بالنسبة لها إلا لاستخدامها في إعداد أرض المحاصيل الشتوية، ومن ثم بادرت باستلامها قبيل بدء السنة الزراعية 61/ 1962 في 23 من أغسطس سنة 1961. ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن المحكمة تستشف من ظروف التعاقد وملابسته وتراخي الهيئة في استلام الآلات مدة جاوزت الخمسة شهور، أن الهيئة كانت غير حريصة على تنفيذ العقد في الميعاد المتفق عليه لأن تنفيذ العقد في هذا الميعاد كان غير لازم. وقد تجلت إرادة الهيئة في هذا الشأن بوضوح فيما تضمنته مذكرة السيد مستشار الآلات الزراعية في الهيئة آنفة الذكر، ويعتبر ذلك بمثابة إعفاء ضمني للشركة المدعية من تنفيذ الغرامة عليها، مما لا يكون معه محل لتوقيع غرامة التأخير. وليس سديداً والحالة هذه ما ذهب إليه الدفاع عن الهيئة من أن التراخي في استلام الآلات كان بسبب ورودها في بداية فترة ركود النشاط الزراعي التي تبدأ من أبريل حتى سبتمبر لأنه فضلاً عن أن هذه الفترة ليست كلها فترة ركود على ما سلف بيانه فإن عدم الإفادة من هذه الآلات في خدمة أرض المحاصيل الصيفية في السنة الزراعية 61/ 1962 لم يكن مرجعة تأخير الشركة المدعية في التوريد بقدر ما كان نتيجة لتحديد ميعاد التوريد.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم يكون الحكم المطعون إذ قضى بإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تدفع للشركة المدعية مبلغ 102 جنيه و181 مليم فقط وهو ما يوازي غرامة التأخير المستحقة عن التراخي في التوريد أسبوعاً واحداً وجزءاً من أسبوع، قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين تعديله والحكم باستحقاق الشركة المدعية لاسترداد جميع ما خصم من مستحقاتها من غرامة تأخير وقدرها 204 جنيه و362 مليم مع إلزام الهيئة المدعى عليها بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين شكلاً وفي موضوعهما بتعديل الحكم المطعون فيه وإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تدفع للشركة المدعية مبلغ 204 جنية و362 مليم (مائتين وأربعة من الجنيهات وثلثمائة واثنين وستين مليماً) وألزمت الهيئة المدعى عليها بالمصروفات.