مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1603

(146)
جلسة 12 من يونيه 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1040 لسنة 6 القضائية

( أ ) عامل - ملف الخدمة - هو المرجع الرئيسي فيما يتعلق بمراحل حياة العامل الوظيفية ولكنه ليس المصدر الوحيد في كل ما يتعلق به من بيانات خاصة إذا كان الملف غير منتظم أو غير كامل - مثال.
(ب) عامل - مرتب - تقادم خمسي - المرتبات تتقادم بخمس سنوات حتى ما تجمد منها - لا يغير من طبيعة المرتب كحق دوري متجدد قيام المنازعة في أصل استحقاقه - التظلم يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم [(1)].
1- أنه وإن كان ملف الخدمة هو المرجع الرئيسي فيما يتعلق بمراحل حياة العامل الوظيفية إلا أنه غنى عن البيان أنه ليس المصدر الوحيد الذي يجب الاقتصار عليه في كل ما يتعلق بالعامل من بيانات ومعلومات وبوجه خاص إذا كان الملف غير منتظم أو غير كامل كما هو الحال بالنسبة إلى ملفات خدمة الطاعنين فقد خلت جميعها من قرارات التعيين وخلت معظمها من الأوراق التي تفيد في التعرف على مراحل حياتهم الوظيفية وما طرأ عليها من تغيير.
2- أن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن المرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها دورية ومتجددة وهاتان الصفتان لا تزيلان ما تجمد منها ولا يغير من طبيعة المرتب كحق دوري متجدد قيام المنازعة في أصل استحقاقه، كما قضت بأنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه العامل إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه.


الإجراءات

في 16 من مارس سنة 1960 أودع الأستاذ محمود عيسى عبده المحامي بالنيابة عن سيد إبراهيم محمد ومحمد السيد عاشور وعزت عبد الحميد ومحمد السيد مندور وعبد الله حسن وحسن رشاد محمد وصادق سعد سليمان وعبد العزيز أحمد وفتحي كامل محمد وعبد السميع محمد - قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بجلسة 25 من مايو سنة 1959 في الدعوى رقم 489 لسنة 3 القضائية المقامة من الطاعنين ضد السيد وزير الحربية والسيد مدير عام سلاح الصيانة والقاضي برفض الدعوى وإلزام المدعين المصروفات بالسوية بينهم وطلب الطاعنون للأسباب التي استندوا إليها في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه واستحقاق الطاعنين لفروق التسوية التي قررتها لهم وزارة الحربية في سنة 1953 اعتباراً من أول مايو سنة 1945 إلى 23 من يوليه سنة 1953 مع ما يترتب عليها من آثار وإلزام الوزارة مصروفات الطعن ومقابل أتعاب المحاماة، وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضدهما في أول مايو سنة 1960 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21 من مايو سنة 1961 وأبلغ الخصوم في 3 من مايو سنة 1961 بموعد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 30 من مايو سنة 1964 التي ابلغ بها الخصوم في 6 من مايو سنة 1964 وتدوول الطعن بالجلسات وبعد أن سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات قررت بجلسة 10 من ابريل سنة 1965 إرجاء النطق بالحكم لجلسة 29 من مايو سنة 1965 وفيها قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر في 25 من مايو سنة 1959 وتقدم المدعون إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب أودع سكرتارية اللجنة في 21 من يوليه سنة 1959 طالبين إعفاءهم من رسوم الطعن في الحكم المذكور وقيد هذا الطلب برقم 54 لسنة 5 عليا وفى 16 من يناير سنة 1960 صدر قرار اللجنة بإعفائهم من تلك الرسوم وفى 16 من مارس سنة 1960 أودع تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة وبذلك يكون الطعن قد أقيم في الميعاد مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 11 من سبتمبر سنة 1956 أقام السادة سيد إبراهيم محمد ومحمد السيد عاشور وعزت عبد الحميد إسماعيل ومحمد سيد حسن مندور وعبد الله حسن عبد الله الطيب وعبد السميع محمد رضوان وحسن رشاد محمد عليش وصادق سيد سليمان وعبد العزيز أحمد رزق وفتحي كامل محمد حسن وحسن سيد حسن وعزب عزب حسنين الدعوى رقم 489 لسنة 3 القضائية ضد السيد وزير الحربية والسيد مدير عام سلاح الصيانة طالبين الحكم بأحقيتهم في صرف الفروق الناتجة عن تسوية حالتهم عن المدة من أول مايو سنة 1945 إلى 29 من يوليه سنة 1953 وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقالوا بياناً لدعواهم أنهم التحقوا كعمال بسلاح الصيانة قبل أول مايو سنة 1945 ولما صدر كادر العمال وأصبح نافذاً من أول مايو سنة 1945 أخطأ المختصون في تسوية حالتهم إذ وضعوهم في درجة مساعد صانع ولما تكشف هذا الخطأ أعيدت تسوية حالتهم بوضعهم في درجة صانع دقيق بأجر يومي قدره 300 مليم يتدرج طبقاً لكادر العمال ووافقت الوزارة على ذلك في 30 من يوليه سنة 1953 إلا أنها اشترطت ألا تسري هذه التسوية إلا ابتداءً من هذا التاريخ فحرموا دون وجه حق من صرف فروق التسوية عن الماضي أي عن المدة من أول مايو سنة 1945 تاريخ تطبيق كادر العمال حتى 20 من يوليه 1953، وذكروا أن القرار الوزاري المشار إليه قد أخطأ فيما تضمنه من عدم صرف فروق التسوية عن الماضي وأن حقوقهم مستمدة من أحكام كادر العمال وأنهم تظلموا إلى السيد الوزير بمضمون ما تقدم وأجابت الوزارة على تظلمهم معترفة بالحقائق السالفة ولكنها رفضت أن تستجيب لهم ما لم يحصلوا على حكم من مجلس الدولة يلزمها بذلك، وكان المدعون قبل إقامتهم هذه الدعوى قد تقدموا بطلب إلى لجنة المساعدة القضائية لإعفائهم من رسومها قيد برقم 508 لسنة 3 القضائية وقررت اللجنة في 6 من أغسطس سنة 1956 إجابة هذا الطلب.
وقد أجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة تضمنت أن المدعين قد عينوا قبل العمل بكادر العمال وأن الكادر طبق عليهم ووضعوا في درجة صانع دقيق في تواريخ لاحقة لتواريخ تعيينهم لأنه كان يتبين من أجورهم عند التعيين وهى تتراوح بين 80 مليماً و120 مليماً أنهم مساعدو صناع فتقدموا بشكاوى لتسوية حالتهم باعتبارهم في درجة صانع دقيق من بدء التعيين على أساس أنهم عينوا صناعاً لا مساعدي صناع وحولت هذه الشكاوى إلى الجهات المختصة في حينه لإبداء الرأي وأعيدت تسوية حالاتهم بناءً على موافقة وزارة الحربية بكتابها رقم 69/ 1/ 148 المؤرخ في 20 من يوليو سنة 1953 باعتبارهم صناع دقاق مع عدم صرف فروق عن الماضي إلا ابتداءً من 20 من يوليو سنة 1953.
وتقدم المدعون بمذكرتين صمموا فيهما على طلباتهم وقالوا أنهم جميعاً التحقوا عمالاً بسلاح الصيانة قبل أول مايو سنة 1945 بعد أن أدى كل منهم اختباراً فنياً في الحرفة التي تخصص فيها وفى سنة 1950 سوت الوزارة حالتهم طبقاً لأحكام كادر العمال ووضعتهم في درجة صانع دقيق من تواريخ لاحقة لتواريخ تعيينهم بمقولة أنهم كانوا عند التعيين في درجة مساعد صانع فيكون كل منهم صانعاً دقيقاً بعد انقضاء خمس سنوات من بدء الخدمة، فتظلموا من التسوية المذكورة تأسيساً على أنهم عينوا صناعاً لا مساعدي صناع وأنهم اجتازوا امتحاناً عند دخولهم الخدمة ومن ثم يستحقون تسوية حالتهم باعتبارهم صناعاً دقاقا من بداية التعيين، وبحثت الوزارة الأمر فوجدتهم محقين وأعادت تسوية حالتهم في 20 من يوليو سنة 1953 بالتطبيق لأحكام الكادر ووضعتهم في درجة صانع دقيق من بدء التعيين بشرط عدم صرف فروق عن الماضي، وذكر المدعون أن واقعة أدائهم الامتحان ثابتة مما قدمته الوزارة من أوراق، وأن حقهم في تلك الفروق لم يسقط بالتقادم الخمسي لأن هذا التقادم لا يسرى في حقهم إلا من تاريخ التسوية الحاصلة في 20 من يوليو سنة 1953 التي أصبح بها حقهم معين المقدار خالياً من النزاع، وأنه من باب الاحتياط وفى حالة ما إذا رؤى حساب التقادم منذ أول مايو سنة 1945 تاريخ نفاذ الكادر فإن هذا التقادم قد انقطع بسبب تظلمات تقدموا بها، ذلك أنه لما صدر الكادر تراخت الإدارة في تطبيقه عليهم فاضطروا إلى التظلم في سنة 1949 طالبين تطبيقه عليهم وبناءً على هذه التظلمات الثابتة في كتاب السلاح رقم 69 - 1/ 48 فرعي 3 المؤرخ في 17 من أبريل سنة 1950 قامت الوزارة بتسوية حالتهم غير أن هذه التسوية جاءت خاطئة إذ وضعوا بمقتضاها في درجة صانع دقيق من تواريخ لاحقه لتواريخ تعيينهم فتظلموا منها وبلغ من تعدد هذه التظلمات وإلحاحهم وإصرارهم على نيل حقوقهم أن شكلت لجنة فنية لإعادة تسوية حالتهم وأثبتت اللجنة اطلاعها على هذه التظلمات وأقرت الوزارة في كتابها المؤرخ في 24 من يناير سنة 1959 بأنهم سبق أن تقدموا بتظلمات عديدة لتسوية حالتهم من بدء التعين وبأنه لا يمكن الحصول على هذه التظلمات لمضي مدد طويلة على تقديمها، ومضى المدعون يقولون أنه بذلك تكون واقعة تظلم كل منهم ثابتة من الأوراق وغير منكورة من الوزارة وأنه لا ذنب لهم بعد ذلك في عدم وجود هذه التظلمات في ملفاتهم لأنها في حيازة جهة الإدارة ولا سلطان لهم عليها، وأضافوا أن كلاً منهم كان يتقدم بأكثر من تظلم وعندما جمع المختصون هذه التظلمات لعرضها على اللجنة الفنية التي شكلت لتسوية حالتهم بقى في ملفات بعضهم واحد أو أكثر من التظلمات التي قدموها، وانتهوا إلى القول بأنهم قطعوا التقادم بالتظلمات المقدمة منهم قبل التسوية الأولى التي تمت في سنة 1950 وقبل التسوية التي تمت في 20 من يوليه سنة 1953 بناءً على هذه التظلمات وتظلموا للمرة الأخيرة في 2 من ابريل سنة 1956 ثم تقدموا بطلب الإعفاء وأقاموا دعواهم في سنة 1956 دون أن تمضي الخمس سنوات على أي إجراء من إجراءات قطع التقادم المذكورة، وإذا كانت التظلمات المقدمة قبل تسوية سنة 1950 غير محددة التاريخ تماماً فإنها على وجه اليقين مقدمة قبل 17 من أبريل سنة 1950 تاريخ التسوية التي تمت بناءً على تلك التظلمات وأنهم بذلك يستحقون صرف فروق التسوية ابتداءً من خمس سنوات سابقة على 17 من أبريل سنة 1950 وبالتالي من أول مايو سنة 1945 تاريخ نفاذ كادر العمال.
وبجلسة 25 من مايو سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية برفض الدعوى وألزمت المدعين المصروفات وأقامت قضاءها على أن ملف خدمة كل منهم خال مما يثبت أداءه امتحاناً فنياً في المهنة التي يعمل بها وأنه لذلك لا تملك المحكمة إلا أن تعتبر أن كلاً منهم قد دخل الخدمة بدون امتحان ومعاملته على هذا الأساس وبالتالي تكون إعادة تسوية حالته قد تمت بطريق الاستثناء من أحكام كادر العمال بواسطة الجهة المفوضة بهذا الاستثناء فتبدأ الفروق المالية المستحقة له نتيجة لإعادة التسوية من تاريخ موافقة تلك الجهة ولا اعتداد في خصوصية أثبات حصول الامتحان بما ورد في كتاب وزارة الحربية المؤرخ في 6 من ديسمبر سنة 1958 من أنه (لم تشكل لجنة وزارية لامتحان العمال المطلوب تعيينهم بالسلاح إلا بعد صدور كادر العمال أي في سنة 1945 أما العمال الذين دخلوا الخدمة قبل هذا التاريخ فكانوا يمتحنون أمام لجنة قبول بالورش تقدر أجورهم حسب كفاءتهم ولم تعمل لجنة لكل عامل كالمتبع حالياً وأن المذكورين دخلوا الخدمة بامتحان ولكن لا توجد لهم لجان بملفاتهم للأسباب السالف ذكرها) ولا بما جاء بالكتاب السري المشار إليه في الصورة الرسمية للحكم المقدم من المدعين من أن (جميع عمال السلاح دخلوا الخدمة بامتحان في المهن المقيدين عليها) لا اعتداد بكل ذلك إذ لا عبرة بمثل هذه الموافقات اللاحقة في التدليل على حصول الاختبار عند التعيين ما دامت أوراق الملف خالية من الأسانيد الكتابية التي تثبت حصول الامتحان ونجاح صاحب الشأن فيه.
ومن حيث إن المدعين جميعاً عدا أثنين منهم وهما حسن سيد حسن وعزب عزب حسنين قد طعنوا في هذا الحكم وأقاموا طعنهم على أنه وفقاً لأحكام كادر العمال والصناع الفنيين يتعين تسوية حالة كل صانع فني دخل الخدمة بامتحان قبل صدور الكادر على أساس وضعه في درجة صانع دقيق من بدء تعيينه وصرف فروق التسوية له من تاريخ تنفيذ الكادر أي من أول مايو سنة 1945 وقد أقرت الوزارة بأنهم التحقوا بخدمة إدارة المركبات (سلاح الصيانة سابقاً) بعد أن اجتاز كل منهم اختباراً فنياً في حرفة أمام اللجنة التي كانت مشكلة بالسلاح لهذا الغرض ولكن أوراق امتحانهم لم تودع ملفات خدمتهم لأن مثل هذه الأوراق لم تكن تودع فيها قبل العمل بكادر العمال ورغم إقرار الوزارة بهذه الحقيقة وبأن هذا النظام هو الذي كان متبعاً قبل العمل بالكادر فإن المحكمة الإدارية اعتبرت المدعين عاجزين عن إثبات أدائهم امتحان الدخول في الخدمة وهذا النظر ينطوي على خطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعين لفروق التسوية اعتباراً من أول مايو سنة 1945 مع إلزام الحكومة المصروفات وذلك تأسيساً على أن وزارة الحربية قد أقرت صراحة بكتابها المؤرخ في 6 من ديسمبر سنة 1958 بأن المدعين قد اختبروا فنياً أمام لجنة قبول بالورش عند تعيينهم لتقدير أجورهم حسب كفاءتهم وأن هذا الإقرار يعتبر ورقة من أوراق ملف خدمة كل من المدعين وأن تسوية الوزارة لحالاتهم قد تمت بالمطابقة لأحكام الكادر بما يستتبع استحقاقهم الفروق المترتبة عليها من تاريخ العمل بأحكام الكادر في أول مايو سنة 1945 ما داموا قد اتخذوا من الشكاوى ما يقطع التقادم الخمسي ومن حيث إن الوزارة تقدمت بمذكرة بدفاعها قالت فيها أن الطاعنين قد التحقوا بخدمتها (بإدارة المركبات - سلاح الصيانة) قبل أول مايو سنة 1945 تاريخ تنفيذ كادر العمال بأجور يومية تتراوح بين 120 و150 مليماً وعند صدور هذا الكادر طالبوا باعتبارهم داخلين في درجة صانع دقيق (300 - 500 مليم) من بدء تعيينهم في الخدمة نظراً إلى أنهم اجتازوا اختباراً في حرفهم أمام اللجنة الفنية المختصة وقدموا طلبات بهذا المعنى فقررت الوزارة بادئ ذي بدء إجابة طلباتهم وتسوية حالتهم باعتبارهم في درجة صانع دقيق (300 - 500 مليم) منذ بدء تعيينهم بأجر يومي قدره 300 مليم مع عدم صرف الفروق المالية المستحقة عن هذه التسوية إلا من تاريخ موافقة وزير الحربية وهو 20 يوليو سنة 1953 ولكن الطاعنين لم يكتفوا بهذه التسوية وأقاموا دعواهم مطالبين بصرف الفروق عن المدة من أول مايو سنة 1945 لغاية 20 من يوليو سنة 1953 وأعادت الوزارة بحث الموضوع وصرفت لهم فعلاً الفروق الناتجة عن إعادة تسوية حالتهم في درجة صانع دقيق اعتباراً من السنوات الخمس السابقة لتاريخ التظلم المقدم من كل منهم على أساس أن التظلم قاطع للتقادم الخمسي أو لتاريخ انعقاد اللجنة الفنية الخاصة بتسوية حالة كل فئة منهم بالنسبة لمن لم يقدم تظلماً لغاية 19 من يوليو سنة 1953 وهو تاريخ موافقة وزارة الحربية على التسوية. وذكرت الوزارة أنها قدمت كشفاً مؤرخاً في 12 من يونيو سنة 1962 مبيناً به تواريخ صرف الفروق المالية الناتجة عن إعادة تسوية كل حالة من حالات الطاعنين على حدة في درجة صانع دقيق وأنه يبين من هذا الكشف أن سيد إبراهيم محمد قدم تظلماً بتاريخ 30 من مارس سنة 1952 فصرفت له الفروق من 30 من مارس سنة 1947 أي عن خمس سنوات سابقة لتظلمه لغاية 19 من مارس سنة 1953، كما يبين منه أن عبد الله حسن قدم تظلماً في 27 من فبراير سنة 1952 فصرفت له الفروق اعتباراً من 27 فبراير سنة 1947 حتى 19 من يوليو سنة 1953 وأن محمد السيد عاشور لم يقدم تظلماً فاعتبر بدء حساب المدة القاطعة للتقادم الخمسي، الخمس سنوات السابقة على أول يوليه سنة 1953، هو تاريخ انعقاد اللجنة الفنية فصرفت له الفروق من أول يوليو سنة 1948 حتى 19 من يوليه سنة 1953 وهكذا باقي الحالات. وانتهت الوزارة إلى القول بأنها قامت بصرف الفروق المستحقة لهم فعلاً مع مراعاة أحكام التقادم الخمسي وطلبت الحكم برفض الدعوى مع إلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق المودعة ملف هذا الطعن وكذلك الأوراق المودعة ملف الطعن رقم 1039 لسنة 6 القضائية المقام من بعض زملاء الطاعنين والمرجأ النطق بالحكم فيه لجلسة اليوم أيضاً يبين أن الطاعنين قد عينوا في سنتي 1941، 1944 في مهن (خراط وبراد وكهربائي وميكانيكي) بأجور تراوحت بين 80، 120 مليماً وطبق عليهم كادر العمال ووضعوا في درجة صانع دقيق من بدء التعيين تأسيساً على أنهم عينوا صناعاً لا مساعدي صناع. وأحيلت شكواهم في حينها إلى الجهات المختصة لإبداء الرأي وعرض أمر هؤلاء العمال على اللجنة الفنية التي أثبتت في تقريرها أنها انعقدت في أول يوليو سنة 1953 وأطلعت على كتاب الوزارة المؤرخ في 24 من فبراير سنة 1952 وعلى الطلبات المقدمة من العمال المذكورين لإعادة تسوية حالتهم على أساس صانع دقيق من بدء تعيينهم. كما أطلعت على ملفات خدمتهم وأجورهم عند التعيين وانتهت اللجنة في تقريرها إلى التوصية بإعادة تسوية حالة هؤلاء العمال وآخرين من زملائهم على أساس اعتبار كل منهم صانعاً دقيقاً (300 - 500 مليم) منذ بدء التعيين بأجر قدره 300 مليم يتدرج حسب كادر العمال. وبناءً على موافقة وزارة الحربية في 20 من يوليه سنة 1953 تمت تسوية حالاتهم على هذا الأساس مع عدم صرف فروق عن الماضي إلا ابتداءً من هذا التاريخ، وذكرت الوزارة بكتابها المؤرخ في 6 من ديسمبر سنة 1958 أن العمال المذكورين قد دخلوا الخدمة بامتحان وأنه قبل العمل بكادر العمال كان العمال يمتحنون أمام لجنة قبول بالورش ولم تكن تعمل لجنة لكل عامل كالمتبع حالياً وأنه لذلك (لا توجد لهم لجان بملفاتهم)، كما بينت الوزارة في كتابها المؤرخ في 24 من يناير سنة 1959 أن العمل جرى بسلاح المركبات، قبل العمل بكادر العمال، على ألا يعين أي عامل بالسلاح إلا بعد أن يؤدي امتحاناً في المهنة التي يعين عليها، وأن العمال (الطاعنين) سبق أن تقدموا بتظلمات عديدة لتسوية حالتهم ابتداءً من بدء التعيين ولا يمكن الحصول على هذه التظلمات لمضي مدد طويلة على تقديمها. وأودعت الوزارة ملف هذا الطعن نسخة من كتاب مدير عام الشئون الإدارية المرسل إلى مدير إدارة المركبات في 21 من سبتمبر 1961 وقد تضمن هذا الكتاب الإشارة إلى ما ذكرته إدارة المركبات من أنها لم تعثر على التظلمات المقدمة من هؤلاء العمال لطول المدة والتخلص من المحفوظات التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات وفقاً للتعليمات، وإلى اللجنة الخاصة بتسوية حالة كل فئة أطلعت على التظلمات المقدمة منهم وأنه لذلك فإن إدارة الشئون الإدارية ترى اعتبار تاريخ انعقاد كل لجنة هو تاريخ تقديم تظلم كل منهم لحساب التقادم الخمسي، كما أودعت الوزارة كشفاً تضمن بيان الفروق التي صرفت لكل من الطاعنين يبين منه أنها صرفت الفروق لثمانية منهم عن المدة من أول يونيه سنة 1948 حتى 19 من يوليه سنة 1953 أما الاثنان الباقيان فقد صرفت لهما الفروق عن مدة ترجع بدايتها إلى خمس سنوات سابقة على تظلم قدم من كل منهما.
ومن حيث إنه وإن كان ملف الخدمة هو المرجع الرئيسي الوحيد فيما يتعلق بمراحل حياة العامل الوظيفية إلا أنه غنى عن البيان أنه ليس المصدر الوحيد الذي يجب الاقتصار عليه في كل ما يتعلق به من بيانات ومعلومات وبوجه خاص إذا كان الملف غير منتظم أو غير كامل كما هو الحال بالنسبة إلى ملفات خدمة الطاعنين فقد خلت جميعها من قرارات التعيين وخلت معظمها من الأوراق التي تفيد في التعرف على مراحل حياتهم الوظيفة وما طرأ عليها من تغيير.
ومن حيث إنه وقد سلمت الوزارة بأن الطاعنين قد دخلوا الخدمة بامتحان في المهن التي عينوا فيها وسوت حالاتهم على هذا الأساس فإنه لا وجه بعد ذلك للمنازعة في واقعة دخولهم الخدمة بامتحان استناداً إلى خلو ملفات الخدمة من الأسانيد الكتابية التي تثبت حصول هذا الامتحان ونجاح هؤلاء العمال فيه، كما أنه لا وجه للنص على التسوية المذكورة بأنها مخالفة لأحكام الكادر وصادرة من الجهة التي تملك الاستثناء من هذه الأحكام، هو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، ذلك أن تلك التسوية قد تمت على أساس استيفاء الطاعنين للشروط التي نصت عليها أحكام الكادر لاعتبارهم في درجة صانع دقيق منذ تعيينهم وهي دخولهم الخدمة بامتحان وتعيين كل منهم في إحدى المهن الواردة بالكشف رقم 6 الملحق بالكتاب الدوري المؤرخ في 6 من أكتوبر سنة 1945 وعلى هذا الأساس وافقت وزارة الحربية على التسوية أنفة الذكر في 20 من يوليه سنة 1953، ولم تكن هذه الوزارة تملك الاستثناء من أحكام الكادر إذ كانت الجهة المختصة بذلك وقتئذ هي وزارة المالية وفقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر 1944.
ومن حيث إنه بعد أن وافقت وزارة الحربية على التسوية المذكورة على أساس اعتبار كل من الطاعنين معيناً في درجة صانع دقيق من تاريخ دخوله الخدمة بأجر قدرة 300 مليم يتدرج حسب كادر العمال مع عدم صرف فروق عن الماضي إلا من 20 من يوليو سنة 1953 تاريخ موافقتها، عدلت عن ذلك ورتبت على تلك التسوية المطابقة لأحكام الكادر آثارها من حيث استحقاق فروق الأجور وقررت صرف ما لم يسقط منها بالتقادم الخمسي واعتبرت تاريخ انعقاد اللجنة الفنية في أول يوليو سنة 1953 لبحث تسوية حالة الطاعنين هو تاريخ تقديم كل منهم تظلمه القاطع للتقادم وصرفت لهم جميعاً فيما عدا اثنين منهم الفروق المستحقة عن خمس سنوات سابقة على هذا التاريخ، أما الاثنان المذكوران وهما سيد إبراهيم محمد وعبد الله حسن فقد صرفت الفروق لأولهما اعتباراً من 30 من مارس سنة 1947 ولثانيهما من 27 من فبراير سنة 1947 التاريخ السابق بخمس سنوات لتقديم كل منهما لأحد التظلمات في شأن تسوية حالته.
ومن حيث إنه بذلك أصبح النزاع مقصوراً على فروق الأجور المستحقة من أول مايو سنة 1945 تاريخ العمل بكادر العمال إلى التاريخ السابق لبداية المدة التي صرفت عنها الفروق إلى كل من الطاعنين، وتؤسس الوزارة امتناعها عن صرف فروق الأجور عن هذه المدة على أن الحق فيها قد سقط بالتقادم الخمسي، وينازع الطاعنون في ذلك استناداً إلى أنهم منذ العمل بكادر العمال لم يكفوا عن التظلم طالبين تسوية حالاتهم وصرف الفروق المستحقة لهم وإلى أنه استجابة لما قدم من هذه التظلمات قبل 17 من ابريل سنة 1950 سوت الوزارة حالتهم بوضعهم في درجة صانع دقيق في تواريخ لاحقة لتواريخ تعيينهم، ثم استجابت لما تقدموا به من تظلمات من هذه التسوية وقد وافقت الوزارة في 20 من يوليه سنة 1953 على إعادة تسوية حالتهم بوضعهم في درجة صانع دقيق من بدء التعيين، وبذلك يكون التقادم قد انقطع ولم تكتمل مدته بالنسبة إلى الفروق المستحقة عن المدة التي انحصر فيها النزاع.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن المرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها دورية ومتجددة وهاتان الصفتان لا تزيلان ما تجمد منها ولا يغير من طبيعة المرتب كحق دوري متجدد قيام المنازعة في أصل استحقاقه، كما قضت بأنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه العامل إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق التي أودعتها الوزارة وعلى الأخص من كتابها المؤرخ في 24 من يناير سنة 1959 أن الطاعنين سبق أن تقدموا لها بتظلمات عديدة لتسوية حالاتهم من بدء التعيين وأن عدم قيامها بتقديم هذه التظلمات يرجع إلى مضي مدد طويلة عليها، وقد أثبتت اللجنة الفنية التي أوصت بتسوية حالاتهم في أول يوليه سنة 1953 أنها أطلعت على الطلبات المقدمة منهم، وعلى كتاب الوزارة في هذا الشأن المؤرخ في 28 من مايو سنة 1952 كما أن المستفاد من الأوراق أيضاً أنه سبقت التسوية التي وافقت عيها الوزارة في 20 من يوليه سنة 1953 تسوية أخرى تمت أيضاً بناءً على تظلمات من الطاعنين وضعوا بمقتضاها في درجات صناع دقاق في تواريخ لاحقه لتواريخ تعيينهم، وقد بينت الوزارة في مذكرتها المودعة في هذا الطعن أنه عند صدور كادر العمال طالب الطاعنون باعتبارهم داخلين في درجة صانع (300 - 500 مليم) من بدء تعيينهم.
ومن حيث إن مفاد ذلك أن الوزارة تسلم بأن كلاً من الطاعنين قد تقدم إليها بتظلمات عديدة في شأن تسوية حالته وأنه رغم وصول هذه التظلمات إليها لم تضمها إلى ملفات خدمتهم وتبرر عدم احتفاظها بها بأنها أحيلت في حينها إلى الجهات المختصة لإبداء الرأي وبأنه لا يمكن الحصول عليها لمضي مدد طويلة على تقديمها.
ومن حيث إنه لا شك في أن التظلمات المذكورة قدمت في تواريخ سابقة على تاريخ اطلاع اللجنة الفنية عليها في أول يوليه سنة 1953، ولقد كان يتعين على الجهة الإدارية أن تحتفظ بها وأن تضمها إلى ملفات خدمة مقدميها إذ أن تسوية حالاتهم كانت نتيجة للبت في تلك التظلمات، فإن هي لم تحتفظ بها على هذا الوجه وترتب على ذلك فقدانها فلا يجوز أن يضار الطاعنون بذلك. وأن ينسب إليهم العجز عن إثبات تقديم تلك التظلمات وتاريخ تقديمها، لا سيما وأن التظلمات المذكورة قدمت في تواريخ سابقة على العمل بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أبريل سنة 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه والمتضمن تنظيم تلك الإجراءات على وجه يتمكن معه المتظلم من الحصول على دليل يثبت تقديم التظلم وتاريخ تقديمه. فليس من السائغ في الظروف السابق بيانها أن يحاسب الطاعنون على عدم حصولهم على مثل هذا الدليل والاحتفاظ به وأن يعتبر إهمال الوزارة حفظ التظلمات حجة لها وأن يحرم الطاعنون من سبيل التمكن من إثبات انقطاع التقادم متى كان دليل هذا الإثبات بين يدي الوزارة وحدها وامتنعت أو عجزت دون مبرر عن تقديمه ولا يقبل منها في مثل هذه الظروف تحديد تاريخ تحكمي لإنتاج التظلمات المذكورة لأثرها القاطع للتقادم هو أول يوليه سنة 1953 تاريخ انعقاد اللجنة الفنية واطلاعها على تلك التظلمات، في حين أنها تسلم ضمناً في مذكرتها المودعة في هذا الطعن بأن الطاعنين بدءوا في تقديم تظلماتهم عند العمل بكادر العمال.
ومن حيث إن الذي يخلص مما تقدم أن تظلمات الطاعنين قد تعددت وقدمت قبل أول يوليه سنة 1953 وأن الدليل المثبت لتواريخ تقديمها كان في حوزة الوزارة التي لم تدفع ما ادعاه الطاعنون، من أنهم بدءوا في تقديم تلك التظلمات بعد نفاذ كادر العمال وقبل التسوية الأولى لحالاتهم في سنة 1950 إلا بقولها أنه لا يمكن الحصول على التظلمات المذكورة لمضي مدد طويلة على تقديمها، وفى كل ذلك ما يكفى - في الظروف السابق بيانها - للدلالة على صحة ادعاء الطاعنين في شأن انقطاع التقادم الخمسي بالنسبة إلى فروق الأجور المستحقة عن المدد التي أصبح النزاع مقصوراً عليها.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطاعنون على حق في المطالبة بفروق الأجور سالفة الذكر عن المدة من أول مايو سنة 1945 تاريخ العمل بكادر العمال إلى التاريخ السابق لبداية المدد التي صرفت عنها تلك الفروق إلى كل منهم، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد جانب الصواب ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه وباستحقاق الطاعنين لتلك الفروق وإلزام الحكومة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق الطاعنين فروق التسوية اعتباراً من تاريخ نفاذ كادر العمال وذلك على النحو المبين بالأسباب وألزمت الحكومة المصروفات.


[(1)] قضت المحكمة بمثل هذين المبدأين في ذات الجلسة في القضية رقم 39 لسنة 6 القضائية.