مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 251

(41)
جلسة 22 من مارس سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد طاهر عبد الحميد رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد فهمي طاهر ومحمد صلاح الدين السعيد وأحمد علي حسن العتيق المستشارين.

القضية رقم 1009 لسنة 11 القضائية

اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرار إداري - موظف - ترقية.
التعديل التشريعي للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الحاصل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - إنشاؤه حصانة خاصة لقرارات الوزير في شأن التظلمات الخاصة بترقيات فئة معينة من الموظفين وجعلها معصومة من التعقيب عليها من القضاء الإداري - صدور تشريع لاحق ينشئ الرقابة القضائية على مثل هذه الترقيات - عدم مساس التعديل الجديد للقرارات الحصينة بمولدها التي صدرت في ظل العمل بالتعديل التشريعي السابق - أساس ذلك وأثرة - مثال.
سبق أن قضت هذه المحكمة بأنه لا وجه للقول بأن مناط أعمال المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أن يكون القرار الصادر من الوزير في تظلم من تخطى في الترشيح للترقية إلى الدرجة الأولى أو إلى الدرجات التي تعلوها قد صدر بالتطبيق لأحكام هذه المادة أي أنه ليس بشرط لازم لإعمال حكمها أن يكون القرار موضوع التظلم أو الدعوى قد صدر بناء على تطبيق صحيح وسليم لحكم هذه المادة لا وجه لذلك لأنه تأويل غير صحيح لمقاصد المشرع فالمشرع إنما قصد أن يحجب عن قرارات الترقية إلى الدرجة الأولى وما يعلوها رقابة القضاء الإداري بكافة صورها لحكمة ابتغاها من بعد ما كفل لذوي الشأن في هذه الترقيات من ضمانات جعلها في ضمان الوزير ولم يكن مقصود المشرع من تنظيم هذه الإجراءات في خاصتي الأخطار والتظلم أن يقيدهما بمواعيد محتمة وأوضاع مفروضة أن لم تتبع ينقلب قرار الوزير في شأن التظلم خاضعاً للرقابة القضائية لأن قصارى ما كان يرمي إليه هو إيصال صوت المتظلم إلى سمع الوزير وهو ما تحقق في شأن الترقية محل الطعن ولا حجة في أن القانون رقم 46 لسنة 1964، قد استبدل بالفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المادة الحادية والعشرين من قانون العاملين الجديد التي يجري نصها بأن تكون الترقيات بالأقدمية المطلقة لغاية الدرجة الثالثة. أما الترقيات من الدرجة الثالثة وما فوقها فكلها بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكافية ومن أنه يجوز للموظف بموجب هذا النص أن يطعن في كافة الترقيات اعتباراً من أول يولية سنة 1964 سواء تمت بالأقدمية أو بالاختيار وإذ كان النص الجديد متعلقاً بقاعدة من قواعد الاختصاص فإنه يسري على الدعاوى التي لم يفصل فيه نهائياً ومن ثم يصبح القضاء الإداري مختصاً بالفصل في موضوع الطعون القائمة أمامه طبقاً لقانون العاملين المشار إليه - لا حجة في كل ذلك - لأن حقيقة التعديل التشريعي للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أنه أنشأ حصانة خاصة لقرارات الوزير في شأن التظلمات الخاصة بترقيات فئة معينة من الموظفين وجعلها معصومة من التعقيب عليها من القضاء الإداري فإذا صدر بعد ذلك تشريع لاحق ينشئ الرقابة الإدارية على مثل هذه الترقيات فلا يمس ذلك التعديل الجديد القرارات الحصينة بمولدها التي صدرت في ظل العمل بالتعديل التشريعي المشار إليه لأن قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 لم ينزع اختصاصاً لأية هيئة من الهيئات القضائية حتى يجوز وصفه بأنه تشريع معدل للاختصاص وإنما ألغي حصانة كانت مضفاة على قرارات بعينها فهو تشريع موضوعي بالنظر إلى هذه الناحية لأنه إذا أنشأ الرقابة القضائية على طائفة من قرارات الترقية فقد نسخ ما كان لها من نهائية وعدم قابلية للتعقيب القضائي ومن ثم لا يجوز أن يسرى حكم المادة 21 من قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 على القرارات الصادرة قبل تاريخ نفاذه والعمل به ولو كانت الدعاوى الخاصة بتلك القرارات لا زالت منظورة أمام جهات القضاء لما فصل فيها بعد بصفة نهائية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد أستوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 538 لسنة 18 القضائية ضد وزير الخزانة بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 21 من مارس سنة 1964 طلب فيها الحكم "بإلغاء القرار الصادر في نوفمبر سنة 1963 بسحب ترقيته إلى الدرجة الأولى مع إلزام المدعي عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة" وتوجز أسانيد الدعوى كما عرضها المدعي في أن وزير الخزانة أصدر القرار رقم 249 لسنة 1963 بترقية المدعي وآخرين إلى الدرجة الأولى اعتباراً من 15 من سبتمبر سنة 1963 على أن يتسلم المدعي عمله وكيلاً للمراقبة المالية بالمنوفية في 5 من أكتوبر سنة 1963 وإلا أصبح قرار الترقية كأن لم يكن وقد فهم المدعي من صيغة القرار أنه يخوله الحق في قبول الترقية مع النقل أو بقائه في وظيفته الحالية، وما أن أبدى رغبته في البقاء بوظيفته حتى أصدرت الوزارة القرار المطعون عليه بسحب ترقيته. وهذا القرار ليس قراراً باطلاً فحسب بل إنه منعدم لأن علاقة الموظف بالحكومة ليست علاقة تعاقدية بحيث يملك الموظف التنازل عن الدرجة التي يرقي إليها وإنما هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح وأن قرار الترقية وقد صدر سليماً فلا يجوز سحبه فإذا ما سحب كان القرار الساحب معدوماً لأنه يعد بمثابة عقوبة تخفيض الدرجة صدر عن جهة غير مختصة بغير اتباع للإجراءات التي نص عليها القانون. وقد دفعت الوزارة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى استناداً إلى أن المشرع أخرج القرارات الإدارية بالترقية من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ومنع التعقيب القضائي عليها وذلك عملاً بحكم المدة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وقالت الوزارة أنه لا وجه للقول بأن مناط انحسار رقابة القضاء الإداري عن هذه القرارات أن تكون الإجراءات المنصوص عليها في المادة 38 سالفة الذكر قد استوفيت ذلك أن المشرع هدف إلى تحصين القرارات المشار إليها سواء أكانت سليمة أو معيبة بل إنه قصد بالذات القرارات المعيبة لأن السليمة منها محصنة بطبيعتها وأن عدم اتباع الوزارة للإجراءات القانونية الخاصة بإخطار من يتخطى في الترقية - بفرض وقوعه - لا يعدو أن يكون عيباً يشوب قرار الترقية وهو قرار حصين هذا فضلاً عن أن الثابت في الدعوى أن الإجراءات التي استلزمتها المادة 38 المذكورة قد استوفيت إذ أن المدعي أخطر بقرار لجنة شئون الموظفين الذي تضمن ترقيته لوظيفة وكيل مراقب مالي محافظة المنوفية وبأن الوزارة ستسحب القرار في حالة عدم تسلم المدعي عمله الوظيفي المرقى إليه, وهذا يعني بأنه قد أخطر مقدماً بأنه سيتخطى في الترقية في حالة عدم تسلمه أعمال الوظيفة. وإذ صدر قرار سحب الترقية نتيجة لرفض المدعي تسلم العمل فقد تظلم المدعي من هذا القرار في نوفمبر سنة 1963 إلى السيد وزير الخزانة وفقاً لنص المادة 38 آنفة الذكر وقد صدر قرار الوزير بحفظ التظلم وبهذا غدا القرار غير قابل للطعن عليه أمام أية جهة. ولما كانت الدعوى تتضمن في حقيقتها طعناً في قرار الوزير برفض التظلم المتعلق بالتخطي في الترقية إلى الدرجة الأولى لذلك فإنها تخرج عن اختصاص مجلس الدولة - وتضمنت مذكرة الوزارة كذلك الرد على موضوع الدعوى فقالت أن السيد وزير الخزانة وافق على محضر لجنة شئون الموظفين الذي تضمن ترقية المدعي وآخرين إلى الدرجة الأولى على أن يتسلم كل منهم أعمال الوظيفة التي حددتها اللجنة وفي حالة عدم قيام أحد المرشحين بتسلم أعمال الوظيفة في الميعاد الذي تحدده له الوزارة جاز لها سحب قرار ترقيته خلال الستين يوماً المقررة وبذلك يكون قرار الترقية قد صدر معلقاً على شرط هو القيام بتسلم العمل، ولما كان تعليق نفاذ القرار الإداري على شرط أمر جائز فإن قرار ترقية المدعي إلى الدرجة الأولى والذي علق على تسلمه العمل يكون قراراً سليماً ولما كان القرار المطعون عليه قد ألغى هذه الترقية بسبب عدم تحقق الشرط الذي علق عليه نفاذها فإنه يكون قد صدر مطابقاً لأحكام القانون، وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري واحتياطياً رفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات مقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 3 من يونية سنة 1965 قضت محكمة القضاء الإداري "أولاً برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها. وثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار الصادر في 12 من نوفمبر سنة 1963 بسحب قرار ترقية المدعي إلى الدرجة الأولى الصادر في 15 من سبتمبر سنة 1963 وثالثاً بإلزام الحكومة المصروفات" وقالت المحكمة أن المدعي رفع دعواه في الميعاد إذ أنه تظلم من القرار المطعون فيه في 26 من نوفمبر سنة 1963 ولم يثبت في الأوراق أن الوزارة أخطرته برفض تظلمه وقد أقام الدعوى في 21 من مارس سنة 1964 وقالت عن الدفع بعدم الاختصاص أنه تأسس على المادة 38 من قانون التوظف التي جاء نصها سالباً لولاية مجلس الدولة بهيئة القضاء الإداري من نظر قرارات الترقية إلى الدرجة الأولى فما فوقها وأن سلب هذا الاختصاص كان بناء على ما رسمه المشرع من ضمانات إدارية للموظف الذي يتخطى في الترفية إلى هذه الدرجات وذلك بإخطاره بالتخطي فيها قبل صدورها. وقالت المحكمة في حكمها المطعون عليه "بأن الحكمة التي بني عليها المشرع هذا الحظر هي أنها قد جاءت بعد تقرير ضمانة إدارية للموظف الذي يترك في الترقية أو يتخطى وذلك بإخطاره بالترك قبل صدور القرار، فإذا صدر القرار دون استيفاء هذا الإجراء الذي يشتمل على هذه الضمانة كان القرار معيباً واستلزم عليه نشوء الحق الأصيل بالطعن فيه بالإلغاء. وذلك لأن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، وعلة حظر النظر في هذه القرارات هي تقرير هذه الضمانة فإذا ما تخلفت الثانية وجب الحكم بالاختصاص". وذهب الحكم المطعون فيه إلى أن القرار الصادر بترقية المدعي كان في حقيقته ترقية ونقلاً فإذا ما كان قد تخلف عن تنفيذ قرار النقل كان مرتكباً لجريمة إدارية تجعله محل مساءلة إدارية لإخلاله بواجبات وظيفته وعدم تنفيذه قرار النقل وبالتالي فلا يجوز أو يصح التكييف بأن هذا القرار جاء معلقاً على شرط وذلك لان علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية لا ترد عليها الاشتراطات أو التنازلات عن الحقوق ومنها الترقية إذ الترقية ليست مجرد حق خاص للموظف بل هو حق متعلق بالوظيفة بضمان حسن سير المرافق العامة وحثاً لهمة الموظف ورفعاً من شأنه حتى يقوم على أداء عمله خير قيام في هذه المرافق.
ومن حيث إنه سبق أن قضت هذه المحكمة بأنه لا وجه للقول بأن مناط أعمال المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أن يكون القرار الصادر من الوزير في تظلم من تخطى في الترشيح للترقية إلى الدرجة الأولى أو إلى الدرجات التي تعلوها قد صدر بالتطبيق لأحكام هذه المادة أي أنه ليس بشرط لازم لأعمال حكمها أن يكون القرار موضوع التظلم أو الدعوى قد صدر بناء على تطبيق صحيح وسليم لحكم هذه المادة - لا وجه لذلك لأنه تأويل غير صحيح لمقاصد المشرع فالمشرع إنما قصد أن يحجب عن قرارات الترقية إلى الدرجة الأولى وما يعلوها رقابة القضاء الإداري بكافة صورها لحكمة ابتغاها من بعد ما كفل لذوي الشأن في هذه الترقيات من ضمانات جعلها في ضمان الوزير ولم يكن مقصود المشرع من تنظيم هذه الإجراءات في خاصتي الإخطار والتظلم أن يقيدهما بمواعيد محتمة وأوضاع مفروضة أن لم تتبع ينقلب قرار الوزير في شأن التظلم خاضعاً للرقابة القضائية لأن قصارى ما كان يرمي إليه هو إيصال صوت المتظلم إلى سمع الوزير وهو ما تحقق في شأن الترقية محل الطعن ولا حجة في أن القانون رقم 46 لسنة 1964، قد استبدل بالفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المادة الحادية والعشرين من قانون العاملين الجديد التي يجري نصها بأن تكون الترقيات بالأقدمية المطلقة لغاية الدرجة الثالثة. أما الترقيات من الدرجة الثالثة وما فوقها فكلها بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكافية ومن أنه يجوز للموظف بموجب هذا النص أن يطعن في كافة الترقيات اعتباراً من أول يولية سنة 1964 سواء تمت الأقدمية أو بالاختيار وإذ كان النص الجديد متعلقاً بقاعدة من قواعد الاختصاص فإنه يسري على الدعاوى التي لم يفصل فيها نهائياً ومن ثم يصبح القضاء الإداري مختصاً بالفصل في موضوع الطعون القائمة أمامه طبقاً لقانون العاملين المشار إليه - لا حجة في كل ذلك - لان حقيقة التعديل التشريعي للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الحاصل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أنه أنشأ حصانة خاصة لقرارات الوزير في شأن التظلمات الخاصة بترقيات فئة معينة من الموظفين وجعلها معصومة من التعقيب عليها من القضاء الإداري فإذا صدر بعد ذلك تشريع لاحق ينشئ الرقابة الإدارية على مثل هذه الترقيات فلا يمس ذلك التعديل الجديد القرارات الحصينة بمولدها التي صدرت في ظل العمل بالتعديل التشريعي المشار إليه لأن قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 لم ينزع اختصاصاً لأية هيئة من الهيئات القضائية حتى يجوز وصفه بأنه تشريع معدل للاختصاص وإنما ألغي حصانة كانت مضفاه على قرارات بعينها فهو تشريع موضوعي بالنظر إلى هذه الناحية لأنه إذا أنشأ الرقابة الفضائية على طائفة من قرارات الترقية فقد نسخ ما كان لها من نهائية وعدم قابلية للتعقيب القضائي ومن ثم لا يجوز أن يسري حكم المادة 21 من قانون العاملين رقم 46 لسنة 1946 على القرارات الصادرة قبل تاريخ نفاذه والعمل به ولو كانت الدعاوى الخاصة بتلك القرارات لا زالت منظورة أمام جهات القضاء لما فصل فيها بعد بصفة نهائية.
وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات.