مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1622

(148)
جلسة 12 من يونيه 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 470 لسنة 10 القضائية

(1) موظف - عامل - تأديب - مخالفة تأديبية - عمل تجارى - الأعمال التجارية التي يحظر على الموظف والعامل مزاولتها - لا يشترط فيها الاحتراف - المقصود بالعمل التجاري المحظور هو ما يعد كذلك في مفهوم القانون التجاري - أثر ذلك: يتعين أن يتميز العمل بعنصر جوهري هو السعي للحصول على ربح - لا يعتبر العمل تجارياً إذا باشره الموظف أو العامل لحساب غيره وكان مقصوداً به تقديم عون له - أساس ذلك: قد يعتبر العمل عندئذ مدنياً أو قد يتمخض عن مجرد تبرع - لا يشكل هذا العمل مخالفة تأديبية - مثال.
(ب) قرار تأديبي - سببه - جزاء - تقديره - القرار التأديبي يجب أن يقوم على كامل سببه وإلا تعين إلغاؤه لتعيد الإدارة تقدير الجزاء - مشروعية تقدير الجهة التأديبية للجزاء مناطها ألا يكون هذا التقدير مشوباً بالغلو - مثال.
1- إن ما هو محظور على موظفي الحكومة، وكذلك على عمالها كما ذهب إلى ذلك بحق الحكم المطعون فيه تبعاً لأن الأساس في تقليدهم الوظائف العامة واحد بالنسبة لهم جميعاً وهو الانقطاع لها وتكريس الجهد للاضطلاع بمهامها والنأي عما يتنافى مع كرامتها، ما هو محظور عليهم جميعاً من مزاولة أعمال تجارية من أي نوع كان ليس شرطاً فيه احتراف التجارة أي مزاولة الأعمال التجارية بصفة مستمرة ومنتظمة، وإنما مراد الحظر هو أن يزاول الموظف أو العامل ما يعد عملاً تجارياً في مفهوم القانون التجاري، وهو ما يتميز بعنصر جوهري هو المضاربة أي السعي للحصول على ربح، ومن الجلي أن من استهدف بعمله مجرد تقديم خدمة أو عون للغير، لا تحقيق ربح لنفسه، بأن كان يباشره لحساب هذا الغير لا لحسابه، فإنه لا يعد مزاولاً لعمل تجاري مما قصد حظره على الموظفين والعمال، وإنما قد يعد مزاولاً لعمل مدني يحكمه عقد عمل أو ما أشبه بحسب طبيعة العلاقة التي تربطه بذلك الغير، أو قد يتمخض عمله عن تبرع بخدمة شخصية منبثقة عن صلات أو وقائع أدبية مجردة.
ومن حيث إنه على مقتضى ذلك فإن ما فعله المطعون ضده مما لم يقم الدليل على أنه استهدف به شيئاً آخر غير مجرد الأخذ بيد جاره في محنته ومعاونة أسرته دون مغنم لنفسه أو مطمع في ربح على نحو ما تقدم بيانه، لا يعد مزاولة لعمل تجاري مما هو محظور قانوناً على موظفي وعمال الحكومة، ومن ثم لا يشكل مخالفة تأديبية يسأل عنها.
2 - يبين مما تقدم أن المخالفتين الثانية والثالثة من المخالفات الأربعة التي بني عليها القرار الصادر بفصل المطعون ضده غير قائمتين في حقه، ومن ثم لا يكون هذا القرار قائماً على كامل سببه، وبناءً على هذا وعلى ما أورده الحكم المطعون فيه من أنه "قد حسنت في حق المطعون ضده شهادة رؤسائه وأن مدة غيابه وانقطاعه عن العمل كانت دون المدة التي تجيز طبقاً للقواعد العامة فصله من الخدمة وأن مجموع ما ثبت في حقه من المخالفات لم يبلغ من الجسامة حداً يسوغ عدالة فصله من الخدمة لأن جزاء الفصل أشد العقوبات التأديبية وعلى أنه مما يساند هذا النظر للمحكمة التأديبية أن وكيل المنطقة الشمالية - حسبما جاء بالمذكرة المرفوعة للجنة الفنية مما سبقت الإشارة إليه - كان يرى مجازاة المطعون ضده، عما نسب إليه بخصم عشرة أيام من مرتبه وأن المبلغ موضوع المخالفة الرابعة والذي صرفه المطعون ضده بغير حق لا يتجاوز خمسين قرشا، بناءً على هذا وذاك وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن القرار التأديبي يجب أن يقوم على كامل سببه وإلا تعين إلغاؤه لتعيد الإدارة تقدير الجزاء على أساس استبعاد ما لم يقم على وجه اليقين في حق الموظف وبما يتناسب مع ما قام في حقه من ذنب، ومن أن مشروعية تقدير الجهة التأديبية للجزاء مناطها ألا يكون هذا التقدير مشوباً بالغلو، بناءً على هذا كله فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما قضى به من إلغاء قرار فصل المطعون ضده ويكون الطعن فيه غير قائم على سند سليم من القانون.


إجراءات الطعن

في يوم 18/ 2/ 1964 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير المواصلات بصفته ممثلاً للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية والسيد رئيس مجلس إدارة الهيئة والسيد مدير عام المنطقة الشمالية بالإسكندرية، سكرتارية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 16/ 12/ 1963 في الدعوى رقم 703 لسنة 9 القضائية المقامة من السيد/ عبد العزيز محمد جمعه ضد وزارة المواصلات، الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية المنطقة الشمالية (مخازن القبارى)، والقاضي "بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار لا تشمل مرتبه عن مدة الفصل مع إلزام الإدارة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة".
وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقد أعلن الطعن للمطعون ضده في 10/ 3/ 1964 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 30/ 1/ 1965 وأبلغ الطرفان في 27/ 12/ 1964 بميعاد هذه الجلسة وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) حيث حدد لنظره أمامها جلسة 3/ 4/ 1965 التي أبلغ بها الطرفان في 13/ 3/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة 15/ 5/ 1965 وفيها مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 10/ 4/ 1958 أبلغ عبد الرحمن شحاتة حسب الله أمين مخزن وابورات القبارى، مفتش مخزن المنطقة الشمالية بأنه نبه على المطعون ضده عامل التصدير بمخزن وابورات القبارى، للسفر إلى الضبعة يوم 28/ 3/ 1958 للقيام بعمل حسين محمود مدة ثلاثة أيام. وكان المفروض أن يعود لمركزه يوم 2/ 4/ 1958 ولكنه عاد في اليوم التالي وتبين أنه لم يسافر إلى الضبعة. وقد طلب أمين المخزن التحقيق مع المطعون ضده مقرراً أنه سبق تكليفه بمأمورية مماثلة في 1/ 3/ 1958 إلى 9/ 3/ 1958 وأنه يشك في قيامه بهذه المأمورية - وبالمحضر المحرر في 27/ 4/ 1958 و5 و6/ 5/ 1958 قام مفتش مخازن المنطقة الشمالية بتحقيق ما ورد في بلاغ أمين مخزن وابورات القبارى وقد سئل المطعون ضده فقرر أنه سافر إلى الضبعة يوم 28/ 3/ 1958 وعاد منها يوم 1/ 4/ 1958 ولأسباب قهرية تعذر عودته لعمله في 2/ 4/ 1958 وتقدم بطلب إجازة عن هذا اليوم ولكن أمين المخزن رفض الاستجابة إلى طلبه وقد تسلم عمله في اليوم التالي. وفيما يتعلق بالمأمورية السابقة قرر أنه استلم العمل بالضبعة يوم 2/ 3/ 1958 بدلاً من محمد توفيق حسن عبد الغني الذي قام بإجازة "مئونة" من 3/ 3/ 1958 إلى 7/ 3/ 1958 ثم استخرج أورنيك مرض يوم 8/ 3/ 1958 وعاد لعمله يوم 9/ 3/ 1958 وقد سلمه المطعون ضده العمل في نفس اليوم وعاد لمركزه في قطار رقم 265 صباح يوم 10/ 3/ 1958 وتسلم عمله في اليوم التالي، وسئل محمد توفيق حسن عبد الغني فأيد المطعون ضده فيما قرره بشأن تلك المأمورية السابقة، وقد أبلغ مفتش مخازن المنطقة الشمالية نتيجة تحقيقه إلى مدير عام المنطقة مقترحاً إجراء تحقيق انضمامي بواسطة لجنة، ووافق مدير المنطقة بخطابة المؤرخ في 16/ 6/ 1958 على إجراء تحقيق انضمامي في شكوى أمين مخازن القبارى سالفة الذكر وكذلك في شكوى أخرى قدمت ضد المطعون ضده لمباحث حكمدارية السكة الحديد متضمنة اتهامه بأنه يخفي مهمات مسروقة من الهيئة وأنه كان مكلفاً للقيام بمأمورية في الضبعة ولكنه لم يقم بها لانشغاله بصنع وبيع الكنافة وجاء بخطاب مدير المنطقة أن التحريات دلت على صحة التهمة الأخيرة دون التهمة الأولى - وقد بدأ التحقيق الأنضمامي في 26/ 2/ 1959 وسئل المطعون ضده فقرر أنه لم يسافر إلى الضبعة يوم 28/ 3/ 1958 لسبب طارئ وأنه اتصل تليفونياً بأمين المخزن طالباً التصريح له بأجازة ستة أيام فوافقه كما قرر أن أقواله السابقة كانت بإيعاز من أمين المخزن الذي كان يريد الإيقاع به لشكه في أن له صله بشكاوى مقدمة ضده وأنه لو كان سيئ النية لقدم كشفاً بمصاريف سفرية عن هذه المأمورية، وأنه صرف له تصريح مجاني مصلحي للسفر ولكنه لم يستعمله وقد قدمه للجنة التحقيق معللاً عدم تقديمه لأمين المخزن بما بينهما من ضغائن، وقرر فيما يتعلق بالمأمورية السابقة أنه سافر إلى الضبعة في 1/ 3/ 1958 وعاد يوم 11/ 3/ 1958 وتسلم عمله بالقباري يوم 12/ 3/ 1958 وأن توقيعه بدفتر الحضور بالقباري يومي 10، 11/ 3/ 1958 كان بطريق السهو وأنه كان المفروض أن يغادر الضبعة يوم 10/ 3/ 1958 ولكن إجراءات التسليم فوتت عليه اللحاق بالقطار الأول رقم 65، كما أن القطار الثاني رقم 185 تحرك بسرعة قبل أن يستقله فاضطر للمبيت، وسئل هل كان يباشر عمل كنافة في المدة من 28/ 3/ 1958 إلى 2/ 4/ 1958 فأجاب بالآتي: "الحقيقة أن موضوع الكنافة لم بكن خاص بي بل خاص بأحد الجيران وهو نزيل سجن الحضراء بالإسكندرية وترك أولادة بلا معين وكانت زوجته تكفلني بتحصيل إيجار العدة الخاصة بهذه العملية وإرسالها إلى زوجها عن طريق البوستة إلى السجن وكنت أقوم بهذه العملية خدمة إنسانية بقصد عمل الخير فقط". وقد سئل محمد عبد المجيد الكريوني كاتب استحقاقات المخازن فقرر أن المطعون ضده صرف له في 26/ 2/ 1958 تصريح سفر إلى الضبعة وتقدم بطلب مصاريف سفرية عن طريق المخزن الذي يعمل به عن المدة من 1/ 3/ 1958 إلى 11/ 3/ 1958 وصرف له فعلاً مبلغ جنيهين و500 مليم عن عشرة ليال، وسئل محمد توفيق عبد الغني فقرر أن المطعون ضده وصل إلى الضبعة يوم 1/ 3/ 1958 واستلم منه العهدة في 2/ 3/ 1958 وقام بالعمل حتى يوم 8/ 3/ 1958 وسلمه العهدة في 9/ 3/ 1958 وسافر إلى الإسكندرية في 10/ 3/ 1958 - وقد وضعت اللجنة التي تولت التحقيق الأنضمامي تقريراً في 5/ 3/ 1958 بنتيجة التحقيق تضمن فيما يتعلق بالمطعون ضده أنه اتضح أنه موقع في دفتر الحضور والانصراف بخطه وإمضائه يومي 10، 11/ 3/ 1958 مما يثبت قطعاً تواجده بالعمل بمخزن وابورات القبارى يوم 10/ 3/ 1958 وأنه يستحق سفرية من 1/ 3/ 1958 إلى 9/ 3/ 1958 أي عن ثماني ليال فقط في حين أن ما صرف له هو عن عشرة ليال بزيادة ليلتين عما يستحقه ورأت اللجنة لذلك إدانته عن كتابته بيانات غير حقيقية في كشف السفرية وإدانته أيضاً عن انقطاعه عن العمل بدون إذن في المدة من 28/ 3/ 1958 إلى 2/ 4/ 1958، وقد أحيلت الأوراق بعد ذلك إلى النيابة الإدارية التي تولت التحقيق ولم تخرج أقوال المطعون ضده في هذا التحقيق عما قرره في التحقيق الأنضمامي وقد أثبت المحقق في محضره المؤرخ في 18/ 10/ 1959 اطلاعه على كشف السفرية الخاص بالمطعون ضده عن المدة من 1/ 3/ 1958 إلى 11/ 3/ 1958 وتبين أنه مؤرخ من المطعون ضده في 11/ 3/ 1958 ومعتمد من أمين مخزن وابورات القبارى ويتضمن أن المطعون ضده سافر إلى الضبعة يوم 1/ 3/ 1958 بقطار رقم 266 وعاد إلى الإسكندرية يوم 11/ 3/ 1958 بقطار رقم 265، كما اطلع المحقق على كشف استحقاق المطعون ضده عن المدة من 16/ 2/ 1958 إلى 15/ 3/ 1958 وتبين منه أن المطعون ضده كان بمأمورية بالضبعة من 1/ 3/ 1958 إلى 9/ 3/ 1958، ولما عرض كشف السفرية على أمين المخزن عبد الرحمن شحاته حسب الله قرر أن توقيع الاعتماد ليس توقيعه وإنما هو تقليد له ولما ووجه المطعون ضده بذلك قرر أن عبد الرحمن شحاته هو الذي اعتمد كشف السفرية، وحررت النيابة الإدارية في أكتوبر سنة 1959 مذكرة بنتيجة التحقيق تضمنت فيما يتعلق بالمطعون ضده أنه يوم "قد كلف للقيام بمأمورية للضبعة وقام بها يوم 1/ 3/ 1958 وعاد لمقر عمله يوم 9/ 3/ 1958 وثبت ذلك من توقيعه بدفتر الحضور والانصراف الساعة 7.40 م يومي 10، 11/ 3/ 1958 وقيد ذلك أيضاً بكشف استحقاقه إلا أن السيد المذكور قدم عن هذه المأمورية كشف سفرية على اعتبار أنها من 1/ 3/ 1958 إلى 11/ 3/ 1958 واستولى على قيمة عشرة ليال مبلغاً وقدره 2.430 جنيه في حين أنه لا يستحق إلا قيمة ثماني ليال وبذلك يكون قد استولى لنفسه على مبلغ لا يستحقه علاوة على كتابته بيانات غير صحيحة في مستند رسمي. وحيث إنه يبين من أقوال السيد المذكور أن هذا الكشف معتمد من أمين المخزن وبتوقيعه بعد مراجعته في حين طعن المذكور في التوقيع المعتمد به هذا الكشف مقرراً أنه توقيع مزور وتبين بالعين المجردة أن هناك اختلافاً بين توقيع الأمين سالف الذكر على كشف الاستحقاق والتوقيع المعتمد به السفرية. وحيث إن الواقعتين السابقتين منطويتان على جريمة عامة يتعين إبلاغها للنيابة العامة علاوة على المساءلة الإدارية التي يتعين توقيعها على المسئول على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة فيها. وحيث إنه تبين من التحقيق عدم صحة ما أدلى به الشاهد محمد توفيق عبد الغني من أن عبد العزيز جمعه عاد من الضبعة يوم 10/ 3/ 1958 مما يتعين معه مساءلته عن ذلك التصرف... وحيث إنه تبين بصفة قاطعة أن عبد العزيز جمعه قد انقطع عن عمله من 28/ 3 إلى 2/ 4/ 1958 بدون عذر أو إذن ولا عبرة بما قرره في هذا الصدد أنه كان بإجازة اعتيادية بأمر أمين المخزن وموافقته عليها تليفونياً لعدم وجود دليل على ذلك ولأن هذا الادعاء لا يستقيم والمنطق إذ أن الإجازة الاعتيادية تستوجب تقديم طلب رسمي عنها ولا تدخل في سلطة أمين المخزن الأمر الذي يدحض هذا الادعاء ويقوض أركانه ومن ثم يتعين مساءلته عن ذلك. وحيث إنه مما يؤيد سوء نية المذكور أيضاً في هذه الواقعة ما تبين من أنه صرف لهذه المأمورية تذكرة مصلحيه مجانية رقم 36455 في 26/ 3/ 1958 للسفر بها إلى الضبعة ولم يردها إلى المصلحة منذ هذا التاريخ حتى تاريخ تسليمها للجنة التحقيق الإداري في 28/ 2/ 1959 كما تقضي بذلك التعليمات ومن ثم يتعين مساءلته عن ذلك. وحيث إنه تبين من التحقيق أن السيد المذكور كان يزاول عملاً تجارياً وهو بيع الكنافة دون أن يأخذ عن ذلك إذناً وبرر ذلك بأنه مساعدة إنسانية لزوجة أحد المسجونين ومن ثم يتعين مساءلته عن هذا التصرف" وانتهت النيابة الإدارية إلى اتهام المطعون ضده بما يأتي: (1) خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن انقطع عن عمله بدون إذن (2) خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن لم يقم بإعادة تذكرة مصلحيه صرفت له لمأمورية تخلف عنها وأبقاها بحوزته سنة تقريباً.
(3) خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن زاول عملاً تجارياً دون أخذ إذن بذلك.
(4) أخل بواجب حسن السير والسلوك بأن تحايل على الهيئة وصرف مصاريف سفر عن يومين لا يستحقهما، وأبدت النيابة الإدارية في مذكرتها أنها ترى مجازاة المطعون ضده إدارياً مع مراعاة التشديد كما ترى إبلاغ النيابة العامة عن واقعة اختلاس قيمة ليلتين سفرية واعتماد كشف السفرية بتوقيع منسوب إلى أمين المخزن ظاهر مغايرته لتوقيعه - وأحيلت الأوراق إلى النيابة العامة التي تولت التحقيق في 24/ 11/ 1960 وسئل المطعون ضده فقرر أنه مسلم بمسئوليته عن مبلغ 50 قرش قيمة بدل السفر عن ليلتي10، 11/ 3/ 1958، وأنه عاد من الضبعة يوم 11/ 3/ 1958 لأنه لم يستطع اللحاق بالقطار في اليوم السابق وقد حرر كشف بدل السفر على أساس بقائه بالمأمورية عشرة أيام ولكن الهيئة رفضت الاعتراف بفواته القطار واعتبرته مسئولاً عن ليلتي زائدتين كما قرر أنه لا يعرف من الذي وقع على كشف السفرية وقال "أنا مزورتش ولا اختلست ومستعد أدفع اللي أنا غلطت فيه" ووضع وكيل النيابة المحقق مذكرة تضمنت أن تهمتي التزوير والاختلاس ثابتتان في حق المطعون ضده من اعترافه من شهادة الشهود وذلك بالرغم من ضياع جسم الجريمة بفقدان كشف بدل السفر الذي غيرت فيه الحقيقة وأنه يرى الاكتفاء بمجازاة المتهم إدارياً عما ارتكبه لعدة اعتبارات أهمها بساطة المبلغ المختلس وتهاون رؤساء المتهم وحسن سيره وسلوكه بالعمل، وقد وافقت نيابة أمن الدولة في 13/ 12/ 1960 على إرسال الأوراق إلى الجهة الإدارية التي يتبعها المطعون ضده لمجازاته إدارياً لما نسب إليه وتكليفه برد المبلغ الذي استولى عليه بدون وجه حق، وفى 27/ 6/ 1961 رفعت مذكرة إلى اللجنة الفنية الرئيسية بالمنطقة الشمالية تضمنت ما انتهت إليه النيابة الإدارية في مذكرتها في شأن التهم الأربعة المنسوبة إلى المطعون ضده، وذكرت أنه بعرض مذكرة النيابة الإدارية على السيد وكيل المنطقة عند قيامه بأعمال السيد مدير عام المنطقة أوصى بمجازاة المطعون ضده عما نسب إليه بخصم عشرة أيام من مرتبة مع خصم بدل السفر المنصرف إليه زيادة، وأنه بعرض الأمر على السيد مدير عام الهيئة قرر بتاريخ 3/ 4/ 1961 عرض أمر المطعون ضده على اللجنة المختصة لتقرير العقوبة وذلك عن جميع المخالفات المنسوبة إليه دفعة واحدة، وأنه بعرض الأمر على السيد وزير المواصلات أشر بالكتاب المؤرخ في 3/ 6/ 1961 باتخاذ اللازم وباستكمال باقي الإجراءات ثم أوردت المذكرة بعد ذلك رأي النيابة العامة مما سلف بيانه وأن نيابة الإسكندرية الكلية أرسلت ملف القضية في 17/ 12/ 1960 لمجازاة المطعون ضده لما نسب إليه وتكليفه برد ما استولى عليه بدون وجه حق. وبناءً على المذكرة المشار إليها أوصت اللجنة الفنية في 9/ 7/ 1961 بفصل المطعون ضده وصرف استحقاقه في المكافأة بعد خصم ما استولى عليه بدون وجه حق، وصادق على ذلك مدير عام المنطقة الشمالية في 10/ 7/ 1961، كما أصدر في 22/ 7/ 1961 القرار رقم 323 قاضياً بفصل المطعون ضده لخروجه على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن ارتكب المخالفات الأربعة التي سلف بيانها وبصرف ما يستحقه من مكافأة بعد خصم ما صرف إليه من مبالغ بدون وجه حق. وبالصحيفة المودعة في 21/ 12/ 1961 أقام المطعون ضده، بعد أن أخفق في طلب معافاته من الرسوم، الدعوى رقم 703 لسنة 9 قضائية ضد وزارة المواصلات. الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية. المنطقة الشمالية طالباً الحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر في 22/ 7/ 1961 برقم 323 بفصله من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وعلى الأخص استحقاقه مرتباته وعلاوة الغلاء من مدة الفصل حتى تاريخ عودته لعمله، واحتياطياً الحكم للمدعي بتعويض يساوى قيمة المرتبات والعلاوات وفروق المكافآت أو المعاش التي كان يستحقها لو أنه استمر في الخدمة إلى بلوغ السن القانونية مع إلزام المدعي عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقد استند المدعي إلى أن تغيبه كان لعذر قهري ولمدة لا تجاوز سبعة أيام وأنه لا توجد تعليمات تقضي بإعادة تذكرة السفر إذ هي تعتبر ملغاة من تلقاء نفسها بعد انقضاء شهر على تاريخ صرفها هذا إلى أنه ثبت أنها لم تستعمل بتاتاً. وأنه لا يوجد في لوائح الهيئة أو لوائح عمال اليومية نص يمنعهم من مزاولتهم أعمالاً أخرى في غير أوقات العمل على عكس ما ورد بشأن الموظفين وأن كل ما في الأمر أن المدعي أشرف لفترة مؤقتة على أحد محلات صديق له كان نزيل السجن ليتسنى لأسرته أن تعيش وكان الباعث لهذا عملاً إنسانياً لا مادياً وهذا التصرف لا يعتبر مزاولة لأعمال تجارية. وأنه فيما يتعلق بأورنيك بدل السفر فإن المدعي وضع تاريخ التحرير وهو 11/ 3/ 1958 بدلاً من تاريخ انتهاء المأمورية وهو 9/ 3/ 1958 ووقع رئيسه المباشر. وأن الوقائع المنسوبة إلى المدعي ترجع إلى ما قبل صدور لائحة الجزاءات وكان يتعين لذلك عدم تطبيق هذه اللائحة. وقدم مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانوني في الدعوى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم برفضها مع إلزام المدعي بالمصاريف. وفى 16/ 12/ 1963 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها في الدعوى قاضياً بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار لا تشمل مرتبه عن مدة الفصل مع إلزام الإدارة المصروفات ومبلغ مائتي قرش أتعاب المحاماة، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه وإن كانت المخالفتان الأولى والرابعة من المخالفات الأربعة التي بني عليها القرار المطعون فيه ثابتتين في حق المدعي إلا أنه فيما يتعلق بالمخالفة الثانية وهي عدم إعادة المدعي للتذكرة المصلحية المنصرفة إليه، فإنه ليس في تعليمات الهيئة المعمول بها من أول مارس سنة 1956ما يلزم حاملي التصاريح المجانية، التي اعتبرت نافذة لمدة شهرين من تاريخ الصرف، بإعادتها ومن ثم فلا يكون المدعي قد خالف التعليمات حين احتفظ بالتذكرة المجانية الممنوحة له في 26/ 3/ 1958ولم يقم بردها طالما أنه لم يستعملها حتى انتهت مدة صلاحيتها، وفيما يتعلق بالمخالفة الثالثة، وهى مزاولة المدعي عملاً تجارياً هو صنع الكنافة وبيعها، فقد قرر المدعي أن ما قام به هو عمل إنساني لزوجة شخص نزيل السجن ولا يعدو تحصيل إيجار معدات هذه العملية التي كان يؤجرها المذكور وقد جاء تحقيق هذه الواقعة قاصراً ومقتضباً ولم يقم المحقق بتحقيق أقوال المدعي والأمر يقتضي التحقق من مزاولة الأعمال التجارية بمعنى أن يكون الموظف أو العامل محترفاً لها ومشتغلاً بها بصفة دائمة ومنتظمة وهو ما لا تستظهره المحكمة من أوراق التحقيق، وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن القرار التأديبي المطعون فيه لا يكون قد قام على كامل سببه الأمر الذي يبرر قانوناً إلغاءه لتعيد الإدارة تقدير العقوبة في ضوء الوقائع الثابتة في حق المدعي بلا غلو أو إسراف في ذلك التقدير سيما وقد تبين للمحكمة من مطالعة الأوراق أنه قد حسنت في حقه شهادة رؤسائه وأن مدة غيابه وانقطاعه عن العمل كانت دون المدة التي تجيز طبقاً للقواعد العامة فصله من الخدمة وأن مجموع ما ثبت في حقه من المخالفات لم يبلغ من الجسامة حداً يسوغ عدالة فصله من الخدمة وهو أشد العقوبات التأديبية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على ما يأتي (أولاً) أن التعليمات التي قال الحكم أنها خلو من إيجاب رد التذكرة المنصرفة خاصة بحالة استعمال هذه التذكرة أما في حالة عدم استعمالها فإن ردها واجب، وأنه فيما يتعلق بمزاولة الأعمال التجارية التي حظرتها المادة 80 من قانون التوظف فإن القانون لم ينص على شرط أن يكون الموظف أو العامل محترفاً لها ومشتغلاً بها بصفة دائمة ومنتظمة بل يكفي مزاولته عملاً تجارياً، وأنه يبين من ذلك أن كافة المخالفات التي نسبت للمطعون ضده ثابتة في حقه (ثانياً) انتهى الحكم إلى ثبوت واقعتي غياب المطعون ضده بدون إذن واستيلائه على مصاريف سفر دون حق بطريق التحايل والواقعة الأخيرة بما تنطوي عليه من استيلاء على أموال الدولة وارتكاب لتزوير كافية وحدها لحمل القرار الصادر بفصل المطعون ضده على سبب صحيح وفق ما سبق أن قضت به هذه المحكمة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني في الطعن تضمن أن الحكم المطعون فيه قد أصاب في شأن عدم تجريم واقعة عدم إعادة التذكرة، وأنه فيما يتعلق بما نسب إلى المطعون ضده من مزاولته عملاً تجارياً هو صنع الكنافة وبيعها فقد قام الدليل عليه من أقوال المطعون ضده في التحقيق ولا يغير من ذلك الدفاع الذي قدمه تبريراً لقيامه بهذا العمل إذ أن الدفاع لم يؤيده أي دليل وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب عندما أسقط هذه المخالفة من بين المخالفات التي قامت كأسباب لقرار الفصل وأنه ولئن كان للجهة الإدارية سلطة تقدير الجزاء التأديبي في حدود النصاب القانوني إلا أن مناط ذلك أن يكون التقدير على أساس قيام سببه بجميع أشطاره فإذا تبين أنه قدر على أساس أربع مخالفات ثم لم يقم في حق الموظف سوى بعضها دون البعض الآخر فإن الجزاء والحالة هذه لا يقوم على كامل سببه ويتعين إذن إلغاؤه لإعادة التقدير على أساس استبعاد ما لم يقم على وجه اليقين في حق الموظف مما قد يكون له خطورته وأثره البالغ وبما يتناسب صدقاً وعدلاً مع ما قام في حقه من ذنب غير جسيم، وأن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بهذه الوجهة يكون قد أصاب الحق فيما قضى به من إلغاء القرار الصادر بفصل المطعون ضده غير أنه لما كان الحكم قد ذهب مذهباً آخراً بشأن المرتب كأثر من أثار القرار المطعون فيه وهو حرمان المطعون ضده من مرتبه خلال مدة الفصل دون أن يقدم أسباباً لذلك فإنه يكون قاصراً في هذا الشأن، وخلصت هيئة المفوضين إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيما تضمنه من حرمان المطعون ضده من مرتبه خلال مدة الفصل وإلزام المدعية (الطاعنة) بالمصروفات. وقد عقبت إدارة قضايا الحكومة على تقرير هيئة المفوضين بمذكرتين رددت فيهما ما جاء بصحيفة الطعن وأضافت أن واجب الموظف رد التذاكر المصلحية عند التخلف عن أداء المأمورية التي صرفت من أجلها إنما هو أمر مفروض بداهة من غير نص هذا فضلاً عن أن الالتزام بالرد منصوص عليه في التعليمات الصادرة في عام 1954، وأن ما ذهبت إليه هيئة المفوضين من أنه ما كان يجوز للحكم أن يرفض منح المطعون ضده مرتبه عن مدة الفصل مردود بأن هذا الأخير لم يطعن على هذا الشق من الحكم بحيث أصبح نهائياً وحائزاً لقوة الشيء المقضي به هذا إلى أن صرف الراتب عن مدة الفصل لا يعتبر أثراً من آثار إلغاء قرار الفصل وإنما مرده إلى سلطة تقديرية للإدارة تعملها حسبما يستبين لها من ظروف وملابسات الموضوع وأنه ما كان للحكم المطعون فيه أن يقضي للمطعون ضده بصرف مرتبه عن مدة الفصل لأنه لم يؤد عملاً خلالها والمرتب إن هو إلا مقابل للعمل، وقد قدم المطعون ضده مذكورة أيد فيها ما ذهبت إليه هيئة المفوضين من إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمانه من مرتبه خلال مدة الفصل وطلب الحكم له بطلباته الواردة بعريضة الدعوى الأصلية وذلك بناءً على أن الطعن في الحكم أمام هذه المحكمة يعيد طرح النزاع من جديد بحيث يكون للمحكمة مطلق التصرف في بحث كافة عناصر الدعوى وأنه لذلك يحق له أن يطلب إلغاء الحكم فيما قضى به رفض بعض طلباته والحكم له بها، كما تمسك بوجوب قيام القرار التأديبي على كامل سببه.
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل المطعون ضده من الخدمة، والذي قضى الحكم المطعون فيه بإلغائه، قد بني - كما ورد في صلبه - على أن المطعون ضده خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن ارتكب المخالفات الآتية: (1) انقطع عن عمله بدون إذن (2) لم يقم بإعادة تذكرة مصلحية صرفت له لمأمورية تخلف عنها وأبقاها في حوزته سنة تقريباً (3) زاول عملاً تجارياً دون أخذ إذن بذلك (4) أخل بواجب حسن السير والسلوك بأن تحايل على الهيئة وصرف مصاريف سفر عن يومين لا يستحقهما.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالمخالفتين الأولى والرابعة فإنهما ثابتتان في حق المطعون ضده وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، وفضلاً عن أن المطعون ضده لم يطعن في ذلك الحكم ولم يثر جدلاً في خصوص ثبوت هاتين المخالفتين قبله فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الخصوص ذلك أن المخالفة الأولى وهى انقطاع المطعون ضده عن العمل بدون إذن من 28/ 3/ 1958 إلى 2/ 4/ 1958 ثابتة في حقه من أقواله في التحقيقات، إذ قرر أولاً في تحقيق مفتش المخازن أنه كان موجوداً بالضبعة خلال تلك الأيام لأداء المأمورية الرسمية التي كان قد كلف بها ولكنه عند سؤاله في التحقيق الأنضمامي، وبعد أن تبين عدم وجوده بالضبعة، عدل عن ذلك الاعتراف بعدم قيامه بتلك المأمورية مدعياً أن عذراً طارئاً حال بينه وبين السفر وأنه اتصل تليفونياً بأمين المخزن وحصل على موافقته على منحه إجازة عن تلك الأيام الستة، وهو ادعاء لم يقم الدليل عليه بعد أن كذبه أمين المخزن بل يدحضه عدم تقدمه بطلب تلك الإجازة الاعتيادية وفق القواعد المتبعة وأن أمين المخزن ما كان يملك منحه إياها فضلاً عن أنه ما كان ليقعد عن تقرير ذلك بدلاً من الادعاء كذباً بسفره إلى الضبعة لأداء المأمورية، كما أن المخالفة الرابعة وهى تحايل المطعون ضده على الهيئة وصرفه مصاريف سفر عن يومين لا يستحقهما وهما يوما 10، 11/ 3/ 1958 ثابتة أيضاً في حقه من توقيعه على دفتر الحضور والانصراف بمخزن وابورات القبارى يومي 10، 11/ 3/ 1958 المشار إليهما مما يستدل منه على عدم وجوده بالضبعة في هذين اليومين هذا إلى أن الموظف الذي سافر المطعون ضده إلى الضبعة ليحل محله مدة قيامة بالأجازة وهو محمد توفيق حسن عبد الغني قد عاد لعمله يوم 9/ 3/ 1958 وسلمه المطعون ضده العمل في نفس اليوم كما جاء بأقواله الأولى بالتحقيق الذي أجراه مفتش المخازن مما يؤيد صحة تسلمه بالقبارى في اليوم التالي 10/ 3/ 1958 وفق ما هو مثبت بدفتر الحضور والانصراف على ما تقدم، وقد ذهب المطعون ضده في تلك الأقوال الأولى إلى أنه عاد إلى الإسكندرية في يوم 10/ 3/ 1958 وفضلاً عن أن هذا يناقض ما قرره في التحقيق الأنضمامي من أنه عاد إلى الإسكندرية في 11/ 3/ 1958 فإن تسليمه العمل لزميله في يوم 9/ 3/ 1958 ما كان ليحول دون عودته في نفس اليوم بأحد القطارين الذاهبين إلى الإسكندرية لا سيما وأن أحدهما وهو القطار رقم 185 يغادر الضبعة بعد الساعة الثانية مساءً (محضر التحقيق الأنضمامي صفحه رقم 188 بالملف رقم 42/ 35/ 6) يضاف إلى ما تقدم أن المطعون ضده أورد في صحيفة دعواه أمام المحكمة الإدارية أنه وضع في أورنيك بدل السفر تاريخ التحرير وهو 11/ 3/ 1958 مكان تاريخ انتهاء المأمورية وهو 9/ 3/ 1958، وأنه عند سؤاله أمام النيابة العامة قرر أنه مسلم بمسئوليته عن مبلغ 50 قرش قيمة بدل السفر عن ليلتي 10، 11/ 3/ 1958 وأبدى استعداده لرد هذا المبلغ.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالمخالفة الثانية المنسوبة إلى المطعون ضده وهو أنه لم يقم بإعادة تذكرة مصلحية صرفت له لمأمورية تخلف عنها وأبقاها بحوزته مدة سنة تقريباً، فإنه يبين من الأوراق المقدمة من هيئة السكة الحديد ضمن الحافظة المودعة بملف الدعوى رقم 703 لسنة 9 القضائية تحت رقم 19 أن الهيئة أصدرت في 30/ 11/ 1954 تعليمات في شأن تصاريح السفر المجانية، وقد نصت في الفقرة ب من البند 1 منها على تكليف حامل التصريح المجاني المنصرف لأشغال مصلحية بإعادته في اليوم التالي "لعودته من المأمورية" ولم تتعرض لحالة عدم استعمال هذا التصريح فلم تفرض أي تكليف بالرد في هذه الحالة أو تحدد أجلاً لهذا الرد بما يسوغ المساءلة الإدارية لحامل التصريح الذي لم يرده من تلقاء نفسه أو تأخر في رده دون أن يستعمله بتاتاً، على أن البند 7 من التعليمات المذكورة قد عرض لحالة عدم رد التصريح، وبفرض أن عدم الرد هذا شامل لحالتي استعمال التصريح وعدم استعماله على حد سواء فإن هذا البند لم يجعل عدم رد التصريح المنصرف لأشغال مصلحية في المرة الأولى سبباً للمجازاة الإدارية وإنما اقتصر على النص على أنه في هذه المرة الأولى "يخصم من حامله دفعة شخصية مجانية من حقوقه إذا كان يستحق وإلا فيلزم بدفع قيمة السفر علاوة على أجرة النشر" أما عند تكرار عدم الرد في ذات العام فإنه ينظر في مجازاة الموظف إدارياً علاوة على تحصيل قيمة السفر وأجرة النشر" وليس في الأوراق ما يفيد صراحة أو ضمناً بأن عدم رد المطعون ضده للتصريح المنصرف إليه كان عوداً منه إلى هذا الفعل ولم يكن هو المرة الأولى في ذات العام، على أنه فضلاً عما تقدم فإن التعليمات المتقدمة الذكر قد ألغيت اعتباراً من أول مارس سنة 1956 بناءً على التعليمات المؤرخة في 11/ 2/ 1956 كما جاء بخطاب مدير عام المنطقة الشمالية إلى مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية بتاريخ 22/ 1/ 63 وهذه التعليمات الأخيرة قد أوجبت تسليم التصاريح "بعد انتهاء السفرية" لمحطة الوصول أو لخدمة القطارات ولم تفرض أي واجب أو تكليف في شأن تسليم التصاريح التي لم تستعمل، وعلى مقتضى ما تقدم فإن المطعون ضده لا يكون قد خالف التعليمات السارية ولا يكون هناك محل لمساءلته تأديبياً عن احتفاظه بالتصريح المنصرف إليه في 26/ 3/ 1958 بعد انتهاء مدة صلاحيته ما دام لم يستعمله هذا إلى أنه رده فعلاً للجنة التحقيق الأنضمامي التي كشفت في تقريرها عن التحقيق الذي أجرته عن القول بإدانة المطعون ضده في هذا الخصوص، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن المخالفة الثانية المنسوبة إلى المطعون ضده لا تشكل مخالفة تأديبية على الرغم من ثبوت الواقعة موضوعها يكون قد أصاب الحق فيما ذهب إليه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالمخالفة الثالثة المنسوبة إلى المطعون ضده وهى مزاولته عملاً تجارياً بدون إذن هو صنع الكنافة وبيعها، فقد سئل المطعون ضده في التحقيقات للمرة الأولى عن هذه المخالفة أمام لجنة التحقيق الأنضمامي في أول مارس سنة 1959 (ص 190 بالملف 42/ 35/ 6) فأجاب بما يأتي "الحقيقة أن موضوع الكنافة لم يكن خاصاً بي بل خاصاً بأحد الجيران وهو نزيل سجن الحضراء بالإسكندرية وترك أولاده بلا معين وكانت زوجته تكلفني بتحصيل إيجار العدة الخاصة بهذه العملية وإرسالها إلى زوجها عن طريق البوستة إلى السجن وكنت أقوم بهذه العملية خدمة إنسانية بقصد عمل الخير فقط" ولم تسأل لجنة التحقيق الأنضمامي أحداً غير المطعون ضده في شأن هذا الموضوع كما لم تشر إليه في تقريرها المؤرخ في 5/ 3/ 1959 عن التحقيق الذي أجرته، وجاء تحقيق النيابة الإدارية بعد ذلك غير متضمن شيئاً في هذا الخصوص سوى ما أجاب به المطعون ضده في المحضر المؤرخ 14/ 7/ 1959 (ص 9) ونصه "إذا كان هذا العمل بتاعي فعلاً فأنا أفتخر به لأنه عمل شريف أما فيما يختص بعملية الكنافة وصناعتها المنسوبة إلي فهي خاصة بأحد سكان المنزل الذي أقطن به وهو محكوم عليه ونزيل السجن وكنت أقوم شخصياً بتأجير الأدوات لراغب استئجارها وأخذ منه الأجرة وأعطيها لأولاد المسجون ده وقد تقدمت للسيد مفتش المباحث بكعوب شيكات تدل على صحة قولي" وما ورد في الفقرة الأخيرة من إجابته يشير إلى تحريات سابقة أجراها معاون مباحث قضائي القباري في مناسبة الشكوى المقدمة لمباحث حكمدارية السكة الحديد ضد المطعون ضده بأنه لم يسافر لمأمورية الضبعة لانشغاله بصنع الكنافة كما ورد ذكره في مقام سرد الوقائع، وحرر بشأنها تقريراً - مودعه صورة منه تحت رقم 39 بالملف 42/ 35/ 6 - تضمن أنه تبين له أن المطعون ضده يقيم بشارع زاوية الأعرج رقم 17 وأنه يقوم حقيقة بصناعة الكنافة والقطايف أثناء خلوه من العمل بشارع زاوية الأعرج رقم 15 أمام محل جابر خضير، هذا وقد جاء في التظلم المقدم من المطعون ضده عن قرار فصله والمودع بملف خدمته تحت رقم 308 ما يأتي "وقد أثبت التحقيق بأني لم أكن أباشر العمل التجاري لصالحي بل ثبت أني كنت مشرفاً على عملية صناعة الكنافة لصالح أسرة سجين والدليل القاطع على ذلك هو أن ربح العملية كان يرسل مني بحوالات بريدية إلى سجن الإسكندرية العمومي لصرفه وتعليته أمانة لصالح السجين أحمد محمد السيد خضر وهو
صديقي".
ومن حيث إن أقوال المطعون ضده هذه - التي خلت التحقيقات من أي شيء عداها يتعلق بموضوع صنع الكنافة وبيعها، كما خلت مما ينقضها أو يدحضها أو يكذب المطعون ضده فيما قرره من أنه قدم لمفتش المباحث كعوب شيكات تؤيد صحة قوله - أن هذه الأقوال لا تفيد سوى أن المطعون ضده إنما كان يشرف على عمل لجاره نزيل السجن رعاية لحق الجيرة وعوناً لأسرته على تحصيل مؤونة عيشهم، وسواء أكان عمله مقصوراً على تأجير الأدوات الخاصة بصنع الكنافة وقبض أجرتها من مستأجرها أو أنه كان يتولى تشغيل تلك الأدوات فهو إنما كان يعمل لحساب ذلك الجار وأسرته في غير مغنم لنفسه من ربح أو أجر، وما أورده معاون المباحث - الذي لم يسأل في التحقيقات - في تقريره من عبارة مقتضبة قاصرة عن التحديد والتوضيح لا ينفى صحة ما قرره المطعون ضده عن حقيقة وضعه ولا يتعارض مع ما ادعاه مما تقدم ذكره.
ومن حيث إن ما هو محظور على موظفي الحكومة، وكذلك على عمالها كما ذهب إلى ذلك بحق الحكم المطعون فيه تبعاً لأن الأساس في تقليدهم الوظائف العامة واحد بالنسبة لهم جميعاً وهو الانقطاع لها وتكريس الجهد للاضطلاع بمهامها والنأي عما يتنافى مع كرامتها، ما هو محظور عليهم جميعاً من مزاولة أعمال تجارية من أي نوع كان ليس شرطاً فيه احتراف التجارة أو مزاولة الأعمال التجارية بصفة مستمرة ومنتظمة، وإنما مراد الحظر هو أن يزاول الموظف أو العامل ما يعد عملاً تجارياً في مفهوم القانون التجاري، وهو ما يتميز بعنصر جوهري هو المضاربة أي السعي للحصول على ربح، ومن الجلي أن من استهدف بعمله مجرد تقديم خدمة أو عون للغير، لا يتحقق به ربح لنفسه، بأن كان يباشره لحساب هذا الغير لا لحسابه فإنه لا يعد مزاولاً لعمل تجاري مما قصد حظره على الموظفين والعمال، وإنما يعد مزاولاً لعمل مدني بحكمه عقد عمل أو ما أشبه بحسب طبيعة العلاقة التي تربطه بذلك الغير، أو قد يتمحض عمله عن تبرع بخدمة شخصية منبثقة عن صلات أو وقائع أدبية مجردة.
ومن حيث إنه على مقتضى ذلك فإن ما فعله المطعون ضده مما لم يقم الدليل على أنه استهدف به شيئاً آخر غير مجرد الآخذ بيد جاره في محنته ومعاونة أسرته دون مغنم لنفسه أو مطمع في ربح على نحو ما تقدم بيانه، لا يعد مزاولة لعمل تجاري مما هو محظور قانوناً على موظفي وعمال الحكومة، ومن ثم لا يشكل مخالفة تأديبية يساءل عنها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المخالفتين الثانية والثالثة من المخالفات الأربعة التي بني عليها القرار الصادر بفصل المطعون ضده غير قائمتين في حقه، ومن ثم لا يكون هذا القرار قائماً على كامل سببه، وبناءً على هذا وعلى ما أورده الحكم المطعون فيه من أنه "قد حسنت في حق المطعون ضده شهادة رؤسائه وأن مدة غيابه وانقطاعه عن العمل كانت دون المدة التي تجيز طبقاً للقواعد العامة فصله من الخدمة، وأن مجموع ما ثبت في حقه من المخالفات لم يبلغ من الجسامة حداً يسوغ عدالة فصله من الخدمة لأن جزاء الفصل أشد العقوبات التأديبية" وعلى أنه مما يساند هذا النظر للمحكمة التأديبية أن وكيل المنطقة الشمالية - حسبما جاء بالمذكرة المرفوعة للجنة الفنية وهو ما سبقت الإشارة إليه - كان يرى مجازاة المطعون ضده عما نسب إليه بخصم عشرة أيام من مرتبه وأن المبلغ موضوع المخالفة الرابعة والذي صرفه المطعون ضده بغير حق لا يتجاوز خمسين قرشاً، بناءً على هذا وذاك وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن القرار التأديبي يجب أن يقوم على كامل سببه وإلا تعين إلغاؤه لتعيد الإدارة تقدير الجزاء على أساس استبعاد ما لم يقم على وجه اليقين في حق الموظف وبما يتناسب مع ما قام في حقه من ذنب، ومن أن مشروعية تقدير الجهة التأديبية للجزاء مناطها لا يكون هذا التقدير مشوباً بالغلو، بناءً على هذا كله فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما قضى به من إلغاء قرار فصل المطعون ضده ويكون الطعن فيه غير قائم على سند سليم من القانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المطعون ضده إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض بعض طلباته والحكم له بها فإنه لا محل للالتفات إليه في الطعن الحالي المقدم من الهيئة العامة للسكك الحديدية لا من المطعون ضده.
ومن حيث إنه لذلك يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وإلزام الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية المصروفات.