مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 264

(43)
جلسة 11 من أبريل سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السيد وعلي لبيب حسن وأبو بكر عطية المستشارين.

القضية رقم 954 لسنة 12 القضائية

( أ ) عقد "تنفيذه".
تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه - مبدأ مسلم به في مجالات روابط القانون العام كما هو الشأن في مجلات روابط القانون الخاص - التزام جهة الإدارة بتسليم الأصناف محل التعاقد بالحالة التي كانت عليها وقت انعقاد العقد - مسئولية الإدارة عن كل نقص في مقاديرها بحسب ما يقضي به العرف الجاري عليه العمل في المعاملات.
(ب) مزايدة "إجراءاتها" "تنفيذها".
المفروض أن تكون الجهة الإدارية قد اتبعت الإجراءات التي تستلزمها لائحة المناقصات والمزايدات لطرح الأصناف في المزاد قبل طرحها وترسيتها على المتزايدين - لا يستساغ بعد إجراء المزاد وإخطار المتزايدين بقبول عطاءاتهم واتما التعاقد التذرع في مقام التنصل من التعاقد بأن هذه الإجراءات أو بعضها لم يتبع قبل إجراء المزاد أو أن جهة الإدارة قد تبينت بعد إتمام العقد حاجتها إلى بعض أو كل الأصناف التي جرى بيعها - ذكر عبارة تحت العجز والزيادة قرين بعض الأصناف لا تعني أكثر مما قد يترتب على التسليم الفعلي من بعض النقص أو الزيادة المسموح بهما في العرف والمعاملات ولا تجيز للإدارة بحال أن تنتقص من كميات الأصناف المبيعة عن عمد واختيار.
(ج) عقد إداري "تحديد الثمن"
إن تحديد الثمن على أساس الوحدة لا يعني أن من حق جهة الإدارة أن تبعض الصفقة كما تشاء بعد أن حدد سعر الصفقة بأكملها على أساس مجموع الوحدات التي كانت محلاً للتعاقد - أساس ذلك.
(د) عقد إداري "عقد بيع الأصناف" "حق الإدارة في تعديله".
إن نص لائحة المناقصات والمزايدات على الاحتفاظ لجهة الإدارة بالحق في تعديل العقد بالزيادة أو النقص في حدود معينة في عقود التوريد والأعمال وخلوها من نص مماثل بالنسبة لعقود بيع الأصناف يستفاد منه أن المشرع لم يخول جهة الإدارة هذا الحق بالنسبة لهذه العقود - أساس ذلك.
(هـ) عقد إداري "تنفيذه"
إن تنفيذ العقد بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية هو أصل مطبق في العقود الإدارية شأنها في ذلك شأن العقود المدنية - عدم إخلال ذلك بما تتميز به العقود الإدارية من طابع خاص مناطه احتياجات المرفق وتغليب المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة.
1 - إنه طبقاً لما تقضي به المادة 148 من القانون المدني ينبغي تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه, وهذا مبدأ مسلم به في مجالات روابط القانون العام كما هو الشأن في مجالات روابط القانون الخاص، ومقتضى ذلك هو التزام جهة الإدارة بأن تسلم المدعي الأصناف التي كانت محلاً للتعاقد جميعها بالحالة التي كانت عليها وقت انعقاد العقد، ومتى كان الثابت أن الأصناف المبيعة قد حددت مواصفاتها ومقاديرها في العقد الذي انعقد بقبول المصلحة العرض الذي تقدم به المدعي, فإن الإدارة تسأل عن كل نقص في مقاديرها، بحسب ما يقضي به العرف الجاري عليه العمل في المعاملات.
2 - إذا كانت لائحة المناقصات والمزايدات قد استلزمت اتباع إجراءات معينة قبل طرح الأصناف الغير صالحة للاستعمال أو التي يخشى عليها من التلف أو التي بطل استعمالها أو الزائدة عن الحاجة في المزاد، مثل الحصول على موافقة ببيع هذه الأصناف وتشكيل لجنة لمعاينتها وتثمينها وإخطار وزارات الحكومة ومصالحها بالأصناف المراد ببيعها وكمياتها للإفادة عما إذا كانت في حاجة إليها كلها أو بعضها قبل الإعلان عن المزاد بوقت كاف إذا كانت لائحة المناقصات والمزايدات قد استلزمت اتباع مثل هذه الإجراءات قبل طرح الأصناف في المزاد، فالمفروض أن تكون الجهة الإدارية قد اتبعت هذه الإجراءات فعلاً، قبل طرح هذه الأصناف للبيع في المزاد وترسيتها على المتزايدين، بحيث لا يستساغ بعد أن يجري المزاد ويخطر المتزايدون بقبول عطاءاتهم ويتم التعاقد بالتقاء إيجابهم بقبول الجهة الإدارية، التذرع في مقام التنصل من التعاقد الذي تم في شأن بيع هذه الأصناف كلها أو بعضها، بأن هذه الإجراءات أو بعضها لم يتبع قبل إجراء المزاد، أو أن الجهة الإدارية قد تبينت بعد تمام التعاقد أنها في حاجة إلى كل أو بعض الأصناف التي جري بيعها.
لا يسوغ لجهة الإدارية أن تحاج بأنه قد ذكر قرين بعض الأصناف في إخطارها للمدعي بقبول عطائه المؤرخ 8 من يناير سنة 1963 أنها تحت العجز والزيادة، ذلك أن هذه العبارة لا تعني أكثر مما جاء في المادة 150 فقرة رابعة من لائحة المناقصات والمزايدات من أن التسليم الفعلي قد يترتب عليه بعض النقص أو الزيادة المسموح بهما في العرف والمعاملات، ولا تجيز هذه العبارة للإدارة بحال أن تنتقص من كميات الأصناف المبيعة عن عمد واختيار.
3 - لا يسوغ للإدارة كذلك أن تتذرع بأن الثمن قد حدد على أساس سعر الوحدة ولم يحدد بصفة إجمالية، إذ أن تحديد الثمن على أساس سعر الوحدة لا يعني أن من حق جهة الإدارة أن تبعض الصفقة، كما تشاء بعد أن حدد سعر الصفقة بأكملها على أساس مجموع الوحدات التي كانت محلاً للتعاقد، إذ أن تحديد سعر معين للوحدة يراعي فيه عدد الوحدات, ولا يعني هذا أن كل وحدة من وحدات الأصناف المبيعة تساوي الثمن الذي قدر لها، وإنما تساوي الوحدة الثمن المقدر لها إذا اجتمعت مع باقي الوحدات ونظر إليها بأكملها كوحدة، ولا سيما إذا كان المبيع أصناف تالفة أو مستعملة تتفاوت حالة كل وحدة منها عن الأخرى.
4 - ولئن كانت المادة 87 من لائحة المناقصات والمزايدات قد قضت بأن تحتفظ الوزارة أو المصلحة أو السلاح بالحق في تعديل العقد بالزيادة أو النقص في حدود 15% في عقود التوريد، 30% في عقود توريد الأغذية، 25% في عقود الأعمال دون أن يكون للمتعهد أو المقاول الحق في المطالبة بأي تعويض عن ذلك، فإن الثابت أن اللائحة المذكورة قد خلت من أي نص مماثل بالنسبة إلى عقود بيع الأصناف، الأمر إلى يستفاد منه أن المشرع لم يخول جهة الإدارة بالنسبة إلى عقود بيع الأصناف حق تعديلها بالزيادة أو بالنقص، ومن ثم أوجب عليها تسليم الأصناف المبيعة كماً وكيفاً ونوعاً ووصفاً بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد, وأساس ذلك أن المشرع افترض في الإدارة أنها ناقشت مدي حاجتها إلى تلك الأصناف، وقررت عدم حاجتها إلى شيء منها، كما خاطبت الوزارات والمصالح في شأنها لتتبين مدى حاجتها إليها كلها أو بعضها, ثم عمدت بعد ذلك إلى بيعها، ومن ثم فلم تعد بها حاجة إلى تعديل عقود بيعها بالزيادة أو النقص.
5 - إن من المبادئ المسلمة أن العقود تخضع لأصل عام من أصول القانون، يقضي بأن يكون تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية, وهذا الأصل مطبق في العقود الإدارية شأنها في ذلك شأن العقود المدنية، ولا يخل بذلك أن العقود الإدارية تتميز بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة وهذه الفكرة هي التي تحكم الروابط التي تنشأ عن العقد الإداري, وينبني على هذه الفكرة أن للإدارة سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن هذا يقتضيه الصالح العام وليس للطرف الآخر إلا الحق في التعويضات إن كان لها وجه، كما أن لها سلطة تعديل العقد بحيث لا يصل التعديل إلى الحد الذي يخل بتوازنه المالي وإلا كان للطرف الآخر في هذه الحالة التمسك باعتبار العقد مفسوخاً والمطالبة بالتعويضات إن كان لها وجه كذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1787 لسنة 17 القضائية بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 29 من أغسطس سنة 1963 ضد هيئة مديرية التحرير ومؤسسة تعمير الأراضي ووزارة الإصلاح الزراعي، طلب فيها الحكم بفسخ العقد الحاصل في 8 من يناير سنة 1963 بينه وبين هيئة مديرية التحرير عن بيع 34 طناً من الحديد والأصناف الأخرى الواردة بخطاب المديرية المؤرخ 8 من يناير سنة 1963 وبإلزام هيئة مديرية التحرير بأن ترد للمدعي مبلغ 1600 جنيهاً قيمة التأمين المدفوع منه للهيئة لتنفيذ العقد المذكورة والمصاريف وأتعاب المحاماة، وقال شرحاً لدعواه أن هيئة مديرية التحرير أعلنت عن بيع أصناف كهنة بالمزاد العلني وحددت لذلك جلسة 17 من ديسمبر سنة 1962، فتقدم المدعي ضمن من تقدموا لهذا المزاد بعد أن دفع 300 جنيه تأميناً، وبعد أن عاين أنواع وكميات الكهنة المعلن عن بيعها وفحص مشتملاتها تفصيلاً وقدر متوسط سعر لمفرداتها وتدخل أحد المتزايدين فزاد العشر، وتأجل المزاد لجلسة 31 من ديسمبر سنة 1962، وفي هذه الجلسة قدم المدعي عطاء جديداً, وكان الثمن الإجمالي لجميع الأصناف التي عاينها وقدم عطاءه عنها مبلغ 8417 جنيه و375 مليم دفع مبلغ 1600 جنيه في 31 من ديسمبر سنة 1963 كتأمين بنسبة 20% من قيمة العطاء وفي 8 من يناير سنة 1963 أرسلت الهيئة إلى المدعي كتاباً تخطره فيه بأن العطاء المقدم منه عن مشتري الأصناف المبينة بذلك الكتاب قد قبل بالأسعار الموضحة قرين كل صنف وأنه مطلوب من إيفاد مندوبه لاستلامها مقابل سداد باقي القيمة، وقد بينت في هذا الكتاب مقادير المبيع من كل نوع وثمنه على الوجه الآتي:

    مليم جنيه مليم جنيه
34طن حديد كهنة تحت العجز والزيادة بمبلغ 1139,000 بواقع 34,500للطن
6 طن صاج حديد "" "" " 120.000 " 20.000 "
7.250 طن كاوتش داخلي "" "" " 909.175 "125.000 "
2440فردة كاوتش خارج "" "" " 3660.000 1.500 للفردة
1كلارك ونش "" "" " 73.000 "73.000 "
1 مضرب بيض كهرباء "" "" " 10.000 " 10.000 "
69طن صلب "" "" " 2503.000 " 37.000 للطن
10كيلو حجر دفاية "" "" " 2.500  

وفي 12 من يناير سنة 1963 أرسلت الهيئة إلى المدعي برقية تخطره فيها باستلام الكهنة الراسي مزادها عليه في خلال أسبوع، ولما توجه مندوبه لاستلام البضاعة ودفع باقي القيمة فوجئ بقول المسئولين له أن الهيئة وجدت أنها في حاجة إلى كل البضاعة المبيعة فيما عدا مضرب البيض، فدفع ثمنه وملحقاته وقدره 10 جنيه و980 مليم بتاريخ 19 من يناير سنة 1963 وأرجأ المختصون تسليمه له حتى يوم 23 من يناير سنة 1936، وفي هذا التاريخ عادت الهيئة فامتنعت عن تسليمه المضرب وكلفته باسترداد ثمنه فاسترده فعلاً في ذات التاريخ، ولما طلب استرداد التأمين قيل له أنه لم تصدر تعليمات في هذا الشأن، فاضطر إزاء ذلك إلى تقديم طلب كتابي في 31 من يناير سنة 1963 لاستلام البضاعة بعد أن أعد ما يلزم من سيارات وعمال لنقلها، فأشر السيد مدير المخازن على هذا الطلب بإحالته إلى السيد رئيس لجنة إعادة الفرز للإفادة عما انتهت إليه اللجنة فظهر من ذلك - ومن واقع الأمر - أن البضاعة التي رسا مزادها على المدعي قد أعيد فرزها، فتغيرت بذلك حقيقتها ومواصفاتها ومقاديرها وقيمتها، وإن بقى لها اسمها، فلجأ إلى السيد المدير العام للهيئة الذي أمر بتسليمه البضاعة كما عينت، وقد تحدد لذلك يوم 5 من فبراير سنة 1963 ولكن التسليم لم يتم في ذلك اليوم، وفي 10 من فبراير أعاد الكرة لاستلام البضاعة وأعد عرباته وعماله لذلك، ولكنه استبان بجلاء أن البضاعة قد أعيد فرزها وأصبح الباقي منها لا يتناسب كماً وكيفاً وقيمة مع البضاعة الراسي مزادها, فتقدم في 12 من فبراير سنة 1963 - إبقاء على حسن العلاقة بينه وبين الهيئة - بطلب رد التأمين السابق دفعه عن هذه الصفقة، إذ كان مفهوم تصرف الهيئة أنها ألغت المزايدة وفسخت العقد، ولكن الهيئة سكتت عن الرد على هذا الطلب، كما سكتت عن إظهار استعدادها لتنفيذ العقد بالصورة التي تم بها, إلى أن وصل إلى المدعي في 3 من يولية سنة 1963 رد الهيئة المؤرخ في 23 من يونيه سنة 1963 والمصدر في أول يولية 1963 برفض طلبه فسخ العقد واسترداد التأمين وتكليفه باستلام الكميات المتبقية بعد استبعاد ما رأت الهيئة أنها في حاجة إليه من الأصناف السابق معاينتها ودفع الثمن المتفق عليه في ظرف شهر مع احتفاظ الهيئة بكافة حقوقها وسلطاتها المخولة لها قانوناً في حالة إخلاله بالتزاماته ثم استطرد المدعي قائلاً أن ما انتهت إليه الهيئة يخالف ما تقضي به القوانين ولا يتفق في شيء مع طبيعة العقد والتزامات البائع، فضلاً عما فيه من إساءة لاستعمال السلطة.
وبصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في أول ديسمبر سنة 1965 أقام الطاعن الدعوى رقم 289 لسنة 20 القضائية ضد المدعى عليهم في دعواه السابقة (رقم 1787 لسنة 17 القضائية), طلب فيها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الإجراءات التمهيدية التي تتخذها هيئة مديرية التحرير لبيع الأصناف محل المنازعة في الدعوى رقم 1787 لسنة 17 القضائية بالمزاد، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر ببيع الأصناف المشار إليها، مع إلزام الهيئة بالمصاريف والأتعاب وبجلسة 30 من يناير سنة 1966 قرر المدعي تنازله عن طلباته في هذه الدعوى وإجابته المحكمة إلى طلبه.
وقد أجابت هيئة مديرية التحرير على دعوى المدعي الأصلية بقولها أنها أشهرت في 7من نوفمبر سنة 1962 عن مزاد لبيع أصناف كهنة بالمنطقتين الشمالية والجنوبية، وتحدد للبيع في المنطقة الجنوبية يوم 17 من ديسمبر سنة 1962، وفي المنطقة الشمالية يوم 24 من ديسمبر 1962 وفي 25 من نوفمبر سنة 1962 قامت الهيئة بإخطار المصالح الحكومية والهيئات والجمعيات العامة للإفادة عن احتياجاتها من الأصناف المعروضة للبيع، وانعقدت جلسة المزاد بتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1962، ثم تمت ممارسة المتقدمين في المزاد بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1962, وقد أوصت لجنة الممارسة بقبول بعض الأسعار المقدمة من بعض المتزايدين ومن بينهم المدعي، ووافق مدير عام الهيئة على ذلك في 3 من يناير سنة 1963 وأخطر المدعي في 8 من يناير سنة 1963 بقبول العرض المقدم منه بالأسعار قرين كل صنف وطلب منه إيفاد مندوب للاستلام مقابل سداد باقي الثمن، كما أرسلت له برقية مؤرخة 12 من يناير سنة 1963 لمراعاة أن يتم استلام الكهنة خلال أسبوع من تاريخ إرسال البرقية، وفي 13 من يناير سنة 1963 أرسلت إدارة المشتريات بالهيئة إشارة تليفونية إلى الإدارات المختصة بأنه قد تمت الموافقة على النتيجة التي انتهت إليها لجنة الممارسة على أن تحضر اللجنة المكلفة بإعادة فرز الكهنة عملية التسليم، وقد أخطر التجار الراسي عليهم المزاد للتوجه إلى المنطقة في موعد أقصاه أسبوع لاستلام البضائع الراسية عليهم وبعد أن استبعدت منها الكميات التي رأت اللجنة استبعادها حيث أنهم أخطروا أن الكميات المبيعة تحت العجز والزيادة، وفي 12 من فبراير سنة 1963 قدم المدعي طلب إلى الهيئة لرد التأمين السابق دفعه استناداً إلى أن مندوبه لما توجه في 31 من يناير سنة 1963 للاستلام تبين أن البضاعة أعيد فرزها وتغيرت المواصفات التي تم الشراء بموجبها، وأنه أعاد الكرة فتوجه مندوبه مرة أخرى في 10 من فبراير سنة 1963 فتبين أن البضاعة أعيد فرزها مرة ثانية، وقد أشر مدير المشتريات على الطلب المقدم منه في 16 من فبراير سنة 1963 لنائب المدير العام بأنه تم إعادة فرز بعض أصناف الكهنة الراسية على المدعي وحجزت الأصناف التي يمكن الاستفادة منها وعرض الباقي عليه، وقد أحيل الطلب إلى إدارة الشئون القانونية لإبداء الرأي وأخطر المدعي بالنتيجة بالكتاب رقم 1813 المؤرخ أول يولية 1963 الذي جاء به أن للهيئة الحق في إعادة فرز الأصناف المبيعة سيما وأن الأمر الصادر للمدعي في 8 من يناير سنة 1963 بقبول عطائه قدر الثمن فيه على أساس سعر الوحدة ولم يقدر الثمن بصفة إجمالية إلى جانب أن الكميات المعروضة للبيع وصفت بأنها تحت العجز والزيادة، وانتهي الكتاب إلى رفض طلب المدعي فسخ العقد واسترداد التأمين، وطلب منه استلام الكميات المعروضة ودفع الثمن المتفق عليه في ظرف شهر على الأكثر مع حفظ كافة حقوق الهيئة وسلطاتها المخولة قانوناً في حالة الإخلال بالتنفيذ، فلم يتقدم المدعي للاستلام ووجه إنذاراً إلى الهيئة في 28 من أغسطس سنة 1963 بطلب تسليمه البضاعة السابق له معاينتها غير منقوصة وغير معادة الفرز خلال ثلاثة أيام وإلا اضطر إلى رفع الأمر إلى القضاء, ثم قام برفع دعواه قبل قوات المدة المحددة بالإنذار.
وبجلسة 20 من مارس سنة 1966 قضت المحكمة برفض طلبات المدعي وألزمته المصاريف وأقامت قضاءها على أن المادة 142 من لائحة المناقصات والمزايدات قد حددت الحالات التي يجوز فيها للجهة الإدارية بيع الأصناف التي لديها بموافقة رئيس المصلحة، فإذا تجاوزت الإدارة هذه الحالات كان لرئيس المصلحة عدم الموافقة على البيع وإلغاء المناقصة وذلك استناداً إلى المادتين 7، 11 من القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات طالما أن البيع لم يتم فعلاً، وأن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة بعد أن أعلنت عن مزايدة بيع أصناف كهنة واتخاذ الإجراءات الخاصة بالمزايدة، تبين لها أن الأصناف المعروضة تدخل ضمنها أصناف لا يجوز التصرف فيها كلية، كما وجدت أن بعض المعروض مما تحتاج إليه فأخرجته من الكميات التي وافقت على بيعها وأن ما ينعاه المدعي على جهة الإدارة من أنها أخرجت كميات كاملة من الأصناف المعروضة واحتجزت بعضها في حين أن البيع قد تم وبذلك لا يجوز لجهة الإدارة أن تعدل عنه أو تجزئ البيع، مردود بأن سلطة الإدارة في بيع الأصناف والمهمات التي تستغني عنها مقيدة بما نص عليه القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات وقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957 بإصدار لائحة المناقصات والمزايدات، وأن الثابت من الأوراق أن المدعي بعد أن تقدم بعطائه قد تخلف عن تسلم ما عرضت عليه جهة الإدارة تسلمه على أساس أن الكميات التي عرض عليه تسلمها تقل عن الكميات التي تقدم في المزايدة على أساسها، وأن جهة الإدارة قد تحفظت عند الإعلان عن بيع الأصناف فأشارت إلى أن الكميات المعروضة تحت العجز والزيادة فقد تضمنت العطاءات المقدمة ثمن كل وحدة من المهمات حتى تتم المحاسبة بين جهة الإدارة ومن يرسو عليه المزاد على أساس ما يسلم فعلاً، وأن امتناع المدعي عن تسلم الكميات التي بقيت يعتبر من جانبه امتناعاً عن تنفيذ العقد في حين لا يعتبر سحب الإدارة لأصناف معروضة أو بعض منها مخالفة للقانون أو امتناعاً عن تنفيذ العقد، وأنه لا يجوز قانوناً للمقصر في تنفيذ التزامه أن يطالب بفسخ التعاقد، ومن ثم يكون ما اتخذته جهة الإدارة من مصادرة التأمين وبيع المهمات في المزاد ثانية عملاً بالمادة 150 من لائحة المناقصات والمزايدات في محله.
من حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون حين تجاهل أن لائحة المناقصات والمزايدات توجب على الجهة الإدارية قبل أن تقرر الاستغناء عن بعض الأصناف، أن تعهد إلى لجنة مشكلة طبقاً للائحة بتكهينها, والمفروض حين تقرر الإدارة عرض بعض أصناف الكهنة للبيع في مزايدة عامة، أن تكون قد استوفت هذه الإجراءات, بحيث لا يستقيم بعد أن تجرى المزايدة ويتم التعاقد، أن تعيد جهة الإدارية فرز البضاعة لتستبقي منها ما تشاء وتترك ما تشاء بحجة داحضة وهي أنها تبينت أنها في حاجة إلى ما استبقته مها أو أن البيع كان تحت العجز والزيادة، وأنه إذا جاز لجهة الإدارة أن تلغي المزايدة كلياً أو جزئياً، فإنما يكون ذلك قبل البت فيها واعتماد نتيجتها وتمام التعاقد بشأن البضائع التي كانت موضوعاً للمزايدة، بحيث إذا أبرم التعاقد امتنع على جهة الإدارة المساس بما تم الاتفاق عليه بدعوى إلغاء المزايدة بالنسبة إلى الأصناف التي رأت جهة الإدارة الاحتفاظ بها، وأن الحكم المطعون فيه عكس الآية بالنسبة إلى التقصير في تنفيذ الالتزامات المترتبة على التعاقد, حين نسب التقصير إلى الطاعن ونفاه عن جهة الإدارة، في حين أن العكس هو الصحيح علي ما هو واضح من سياق الوقائع.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أنه في 17 من نوفمبر سنة 1962 أعلنت هيئة مديرية التحرير في بعض الصحف اليومية أنها قررت عقد مزاد علني لبيع أصناف كهنة، وقد حدد لبيع أصناف كهنة القطاع الجنوبي جلسة 17 من ديسمبر سنة 1962، واشترط للاشتراك في المزاد دفع تأمين ابتدائي قدره ثلاثمائة جنيهاً على أن يستكمل التأمين إلى 30% عند رسو المزاد، وفي 25 من نوفمبر سنة 1962 أخطرت الهيئة ما رأت إخطاره من وزارات ومصالح الحكومة والهيئات العامة وشركات القطاع العام والجمعيات بهذا المزاد وطلبت منها الإفادة عن احتياجاتها من الأصناف المعروضة للبيع خلال خمسة عشر يوماً, وقد انعقدت جلسة المزاد بالمنطقة الجنوبية يوم 17 من ديسمبر سنة 1962، وفي جلسة 31 من ديسمبر سنة 1962 التي تأجل إليها المزاد، قامت لجنة البت بممارسة التجار عن الأسعار بالنسبة إلى كل صنف على حدة، وفي 3 من يناير سنة 1963 وافق مدير الهيئة على توصيات اللجنة واشترط أن تحضر اللجنة المشكلة لإعادة فرز كميات الكهنة عملية الاستلام، وفي 8 من يناير سنة 1963 أخطرت الهيئة المدعي بقبول عطائه عن شراء الأصناف الموضحة بالإخطار وقد سبق بيان مفرداتها وكمياتها وأسعارها كما وردت بكتاب الهيئة، وطلبت منه إيفاد مندوبه لتسلم الأصناف سالفة الذكر مقابل تسديد باقي ثمنها المستحق عليه, ثم أشفعت ذلك ببرقية مؤرخة 12 من يناير سنة 1963حددت له فيها مهلة قدرها أسبوع لاستلام كميات الهكنة الراسية عليه، وفي 12 من فبراير سنة 1963 قدم الطاعن طلباً إلى مدير عام هيئة مديرية التحرير جاء فيه أنه في يوم 19 من يناير سنة 1963 ذهب مندوبه لدفع باقي ثمن الأصناف الراسية عليه واستلامها، ولكن المسئولين في الهيئة أخطروه بأنها في حاجة إلي البضاعة الراسية عليه فيما عدا مضرب البيض, فقام مندوب بتوريد ثمنه بالكامل وقدره 10 جنيه و380 مليم بإيصال رقم 5346 في 19 من يناير سنة 1963 وأرجئ تسليمه له إلى يوم 23 من يناير سنة 1963، وفي ذلك اليوم رفضت الهيئة تسليمه المضرب بحجة حاجتها إليه وردت إليه ثمنه السابق دفعه, وطلبت من مندوبه الحضور يوم 31 من يناير سنة 1963 لاستلام البضاعة ولكن التسليم لم يتم في ذلك اليوم ووعد بتسليم البضاعة إليه في يوم 10 من فبراير سنة 1963 ولما توجه مندوبه في ذلك اليوم اتضح له أن البضاعة قد أعيد فرزها وتغيرت مواصفاتها التي كانت عليها وقت الشراء وأن ما بقي منها لم يعد يصلح لأن يتسلمه المدعي، وخلص إلى أن الهيئة تكون بذلك قد خالفت شروط المزاد، وطلب من مدير الهيئة رد التأمين السابق تسديده عن الصفقة كلها، وقد تأشر على طلب المدعي بأنه قد تم إعادة فرز أصناف الكهنة الراسية عليه وحجزت بعض الأصناف التي يمكن الاستفادة منها ويعرض عليه استلام باقيها، وفي كتاب آخر أثبتت الهيئة أن الأصناف التي أعيد فرزها وحجزت بسبب حاجة الهيئة إليها هي (صلب وحديد وصاج وكاوتش (إطارات) ومضرب بيض وحجر دفاية), ولم تبين الهيئة الكميات التي حجزتها من تلك الأصناف بسبب حاجتها إليها، والأصناف المحتجزة من بين الأصناف التي رسا مزادها على المدعي, وفي أول يولية سنة 1963 ردت الهيئة على طلب المدعي بموجب كتابها رقم 1813 المؤرخ 23 من يونية سنة 1963؟، وقد جاء فيه أن من حق الهيئة الاحتفاظ ببعض الكميات التي قام المدعي بمعاينتها قبل التعاقد لحاجة الهيئة إليها في أعمالها، ولا سميا أن الأمر الصادر إليه في 8 من يناير سنة 1963 بقبول الأسعار المقدمة منه وتكليفه بالاستلام ودفع باقي القيمة قدر الثمن على أساس الوحدة ولم يقدر ثمناً إجمالياً لكمية معينة من صنف معين، كما وصف الأمر الكميات المبيعة بأنها تحت العجز والزيادة، وخلصت الهيئة إلى رفض طلب المدعي فسخ العقد واسترداد التأمين، وطلبت منه استلام الكميات المعروضة عليه ودفع ثمنها المتفق عليه وإلا اعتبرته متخلفاً عن الوفاء بالتزاماته، وفي 28 من أغسطس سنة 1963 أنذر المدعي الهيئة بتسليمه البضاعة السابق رسوها عليه كاملة، وإلا فإنه سيعتبر العقد مفسوخاً ويكون من حقه في هذا الحالة استرداد التأمين السابق دفعة منه.
ومن حيث إنه لا خلاف في أن المدعي عرض على هيئة مديرية التحرير شراء أصناف وكميات معينة من الكهنة بعد أن عاينها وحدد أسعارها، وأن الهيئة قبلت عرضه، وحددت له بكتابها الذي أرسلته له في 8 من يناير سنة 1963 الأصناف التي تم التعاقد بشأنها نوعاً وكماً وسعراً.
ومن حيث إنه طبقاً لما تقضي به المادة 148 من القانون المدني ينبغي تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه, وهذا مبدأ مسلم به في مجالات روابط القانون العام كما هو الشأن في مجالات روابط القانون الخاص، ومقتضي ذلك هو التزام جهة الإدارية بأن تسلم المدعي الأصناف التي كانت محلاً للتعاقد جميعها بالحالة التي كانت عليها وقت انعقاد العقد، ومتى كان الثابت أن الأصناف المبيعة قد حددت مواصفاتها ومقاديرها في العقد الذي انعقد بقبول المصلحة العرض الذي تقدم به المدعي, فإن الإدارة تسأل عن كل نقص في مقاديرها، بحسب ما يقضي به العرف الجاري عليه العمل في المعاملات.
ومن حيث إنه إذا كانت لائحة المناقصات والمزايدات قد استلزمت اتباع إجراءات معينة قبل طرح الأصناف الغير صالحة للاستعمال أو التي يخشى عليها من التلف أو التي بطل استعمالها أو الزائدة عن الحاجة في المزاد، مثل الحصول على موافقة بيع هذه الأصناف وتشكيل لجنة لمعاينتها وتثمينها وإخطار وزارات الحكومة ومصالحها بالأصناف المراد بيعها وكمياتها للإفادة عما إذا كانت في حاجة إليها كلها أو بعضها قبل الإعلان عن المزاد بوقت كاف إذا كانت لائحة المناقصات والمزايدات قد استلزمت اتباع مثل هذه الإجراءات قبل طرح الأصناف في المزاد، فالمفروض أن تكون الجهة الإدارية قد اتبعت هذه الإجراءات فعلاً، قبل طرح هذه الأصناف للبيع في المزاد وترسيتها على المتزايدين، بحيث لا يستساغ بعد أن يجري المزاد ويخطر المتزايدون بقبول عطاءاتهم ويتم التعاقد بالتقاء إيجابهم بقبول الجهة الإدارية، التذرع في مقام التنصل من التعاقد الذي تم في شأن بيع هذه الأصناف كلها أو بعضها، بأن هذه الإجراءات أو بعضها لم يتبع قبل إجراء المزاد، أو أن الجهة الإدارية قد تبينت بعد تمام التعاقد أنها في حاجة إلى كل أو بعض الأصناف التي جري بيعها.
لا يسوغ لجهة الإدارة أن تحاج بأنه قد ذكر قرين بعض الأصناف في إخطارها للمدعي بقبول عطائه المؤرخ 8 من يناير سنة 1963 أنها تحت العجز والزيادة، ذلك أن هذه العبارة لا تعني أكثر مما جاء في المادة 150 فقرة رابعة من لائحة المناقصات والمزايدات من أن التسليم الفعلي قد يترتب عليه بعض النقص أو الزيادة المسموح بهما في العرف والمعاملات، ولا تجيز هذه العبارة للإدارة بحال أن تنتقص من كميات الأصناف المبيعة عن عمد واختيار, والثابت أن الإدارة قد عمدت إلى الاحتفاظ ببعض الأصناف المبيعة للمدعي بأكملها وبانتقاص الأصناف الأخرى.
ومن حيث إنه لا يسوغ للإدارة كذلك أن تتذرع بأن الثمن قد حدد على أساس سعر الوحدة ولم يحدد بصفة إجمالية، إذ أن تحديد الثمن على أساس سعر الوحدة لا يعني أن من حق جهة الإدارة أن تبعض الصفقة، كما تشاء بعد أن حدد سعر الصفقة بأكملها على أساس مجموع الوحدات التي كانت محلاً للتعاقد، إذ أن تحديد سعر معين للوحدة يراعي فيه عدد الوحدات، ولا يعني هذا أن كل وحدة من وحدات الأصناف المبيعة تساوي الثمن الذي قدر لها، وإنما تساوي الوحدة الثمن المقدر لها إذا اجتمعت مع باقي الوحدات ونظر إليها بأكملها كوحدة، ولا سيما إذا كان المبيع أصناف تالفة أو مستعملة تتفاوت حالة كل وحدة منها عن الأخرى، كما هو الشأن في المنازعة الحالية.
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة 87 من لائحة المناقصات والمزايدات قد قضت بأن تحتفظ الوزارة أو المصلحة أو السلاح بالحق في تعديل العقد بالزيادة أو النقص في حدود 15% في عقود التوريد، 30% في عقود توريد الأغذية، 25% في عقود الأعمال دون أن يكون للمتعهد أو المقاول الحق في المطالبة بأي تعويض عن ذلك، فإن الثابت أن اللائحة المذكورة قد خلت من أي نص مماثل بالنسبة إلى عقود بيع الأصناف، الأمر الذي يستفاد منه أن المشرع لم يخول جهة الإدارة بالنسبة إلى عقود بيع الأصناف حق تعديلها بالزيادة أو بالنقص، ومن ثم أوجب عليها تسليم الأصناف المبيعة كماً وكيفاً ونوعاً ووصفاً بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد, وأساس ذلك أن المشرع افترض في الإدارة أنها ناقشت مدي حاجتها إلى تلك الأصناف، وقررت عدم حاجتها إلى شيء منها، كما خاطبت الوزارات والمصالح في شأنها لتتبين مدي حاجتها إليها كلها أو بعضها، ثم عمدت بعد ذلك إلى بيعها، ومن ثم فلم تعد بها حاجة إلى تعديل عقود بيعها بالزيادة أو النقص.
ومن حيث إن من المبادئ المسلمة أن العقود تخضع لأصل عام من أصول القانون، يقضي بأن يكون تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية, وهذا الأصل مطبق في العقود الإدارية شأنها في ذلك شأن العقود المدنية، ولا يخل بذلك أن العقود الإدارية تتميز بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة وهذه الفكرة هي التي تحكم الروابط التي تنشأ عن العقد الإداري, وينبني على هذه الفكرة أن للإدارة سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن هذا يقتضيه الصالح العام وليس للطرف الآخر إلا الحق في التعويضات إن كان لها وجه، كما أن لها سلطة تعديل العقد بحيث لا يصل التعديل إلى الحد الذي يخل بتوازنه المالي وإلا كان للطرف الآخر في هذه الحالة التمسك باعتبار العقد مفسوخاً والمطالبة بالتعويضات إن كان لها وجه كذلك.
ومن حيث إنه متى كان الثابت في الخصومة محل الطعن، أن الجهة الإدارية كانت ملزمة بتسليم المدعي أصناف وكميات معينة من الكهنة, وأنها أخلت بالتزامها هذا بعد أن قررت الاحتفاظ بجزء غير محدد من هذه الأصناف، جعل محل التعاقد - حسبما ذهب إلى ذلك المدعي ولم تنفه أو تدحضه جهة الإدارة - مختلفاً اختلافاً جوهرياً عما كان عليه وقت التعاقد، الأمر الذي يتحتم معه اعتبار العقد مفسوخاً، واعتبار ما قامت به جهة الإدارة - بعد أن غيرت محل التعاقد تغييراً جوهرياً على نحو ما توضح - من عرض بعض الأصناف أو مخلفاتها على المدعي بمثابة إيجاب جديد منها لم يقبله المدعي، فإذا جاز القول في الحالة المعروضة أن اعتبار المصلحة العامة هي التي اقتضت من جهة الإدارة حجز الأصناف التي احتجزتها وتغيير محل العقد هذا التغيير الجوهري، وأن الإدارة كانت تمارس في هذه الحالة سلطة مخولة لها، فإن هذا لا يعني أن المدعي قد أخل بالتزامه أو أنه كان ملزماً بقبول عرض جهة الإدارة الجديد, بحيث إذا تمسك بتنفيذ العقد الأصلي أو بإخلاله من التنفيذ يعتبر مقصراً في الوفاء بالتزاماته يخول لجهة الإدارة حق مصادرة التأمين الذي سبق له دفعه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه حين خالف هذا النظر، ويكون الطعن عليه مستنداً إلي أساس سليم من القانون، ويتعين لذلك قبوله وإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقيته في استرداد التأمين الذي سبق له دفعه وقدره 1600 جنيهاً مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام مديرية التحرير بأن تدفع للمدعي مبلغ 1600 جنيهاً ألف وستمائة جنيه والمصاريف.