مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 276

(44)
جلسة 11 من أبريل سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 368 لسنة 13 القضائية

قانون. "تفسيره"
إن الأصل في تفسير النصوص القانونية وتفهم مدلولها أن تحمل ألفاظها على ما يقضي به الاصطلاح والعرف القانونيان لا ما تقضي به الأوضاع اللغوية - أساس ذلك.
إن الأصل في تفسير النصوص القانونية وتفهم مدلولها أن تحمل ألفاظها على ما يقضي به الاصطلاح والعرف القانونيان لا ما تقضي به الأوضاع اللغوية، لأن الأصل أيضاً أن المشرع يستعمل في صياغته للنصوص القانونية، الألفاظ في معانيها القانونية الخاصة لا بمعانيها اللغوية العامة وذلك كله ما لم يقم دليل من النص على أن المشرع استهدف بلفظ معين معناه اللغوي لا معناه القانوني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن جمعية ثمرة التوفيق القبطية بالقاهرة (الطاعنة) أقامت الدعوى رقم 1666 لسنة 19 القضائية ضد السادة/ محافظ القاهرة ووزير الصحة العمومية ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العلاجية لمدينة القاهرة بصفاتهم، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 13 من مارس سنة 1965، طلبت فيها "أولاً: الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ ما ورد بقرار لجنة تقييم مستشفى جمعية ثمرة التوفيق القبطية بالقاهرة من الاستيلاء على مبنى المستشفى مع باقي أملاك الجمعية مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات والأتعاب. ثانياً: الحكم بإلغاء ما ورد بقرار لجنة التقييم المذكورة من الاستيلاء على مبنى المستشفى مع باقي أملاك الجمعية مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات والأتعاب. "وقالت الجمعية المدعية بياناً لدعواها أن القانون رقم 135 لسنة 1964 في شأن تنظيم المؤسسات العلاجية نص في المادة الأولى منه على أن تؤول المستشفيات الواردة بالكشف المرافق له إلي الدولة ومن ضمن هذه المستشفيات مستشفي جمعية ثمرة التوفيق القبطية بالقاهرة. وقد قامت اللجنة التي شكلها السيد/ وزير الصحة بالتطبيق لنص المادة الثالثة من القانون المذكور بالاستيلاء على موجودات المستشفى دون العقار الموجود به المستشفى ودون أي أجزاء أخرى من أملاك الجمعية, ولكن اللجنة التي شكلت لتقييم ما استولت عليه لجنة الاستيلاء, اقتطعت من أملاك الجمعية دون وجه حق وبالمخالفة لحكم القانون, الجزء الذي يدر الريع الأكبر للجمعية ويسلمه إلى المستشفى، وهو أمر يخرج عن اختصاصها وفي حكم العدم. وأسست الجمعية دعواها على أن اللجنة أخطأت حين ذكرت أن الجمعية تصرف حوالي 200 جنيه على المستشفى في حين أن الثابت من حسابات المستشفى أنها تسدد للجمعية إيجاراً عن شغل المكان أكبر من 200 جنيه، وأنها خالفت حكم القانون لأن عملها الأساسي هو مجرد تقييم ما استولت عليه لجنة الاستيلاء وما كان يجوز لها أن تستولي على أكثر منه، كما أخطأت اللجنة حين أشارت إلى أن القانون سالف الذكر قصد من عبارة "الاستيلاء على المباني والأراضي الفضاء الموقوفة على المستشفيات" تلك المخصصة للصرف على المستشفيات بدعوى أن الوقف على الخيرات نظام ملغي ولم يعد له وجود. وأضافت الجمعية أن ما ورد بقرار لجنة التقييم بشأن الاستيلاء بدون وجه حق على المبنى الموجود به المستشفى مع باقي ملحقاته من شأنه اقتطاع 80 جنيهاً شهرياً من إيراد الجمعية الأمر الذي يعطل نشاطها في أوجه الخير والبر الأخرى التي تشرف عليها من ملجأ ومدارس وإحسانات وإعانات، أما عن المستشفى فقد كانت أحد أغراض الجمعية الصغرى.
وقدم الدفاع عن الحكومة صورة من قرار لجنة التقييم ودفع بعدم جواز نظر الدعوى استناداً إلى ما تقضي به المادة السادسة من القانون رقم 135 لسنة 1964 المشار إليه من أن قرارات لجنة التقييم نهائية غير قابلة للطعن فيها. وطلب بالنسبة لطلب وقف التنفيذ, الحكم برفضه لانتفاء ركن الاستعجال، كما طلبت بالنسبة إلى الموضوع الحكم برفض الدعوى للأسباب التي بني عليها قرار لجنة التقييم.
وبجلسة 23 من نوفمبر سنة 1965 قضت المحكمة "برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبنظرها وفي طلب وقف التنفيذ برفضه وألزمت المدعية بمصروفات هذا الطلب" وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع المذكور على أن نهائية القرارات التي تصدرها لجان التقييم لا تكون إلا فيما يدخل في اختصاصها من تقرير قيمة ما يدخل فعلاً في ملكية المستشفيات الواردة في الجدول المرافق للقانون، رقم 135 لسنة 1964 في شأن تنظيم المؤسسات العلاجية، ولا يدخل في اختصاص هذه اللجان طبقاً للقانون الفصل في الملكية إذا ما ثارت منازعات في شأنها، فإذا جاوزت اللجنة اختصاصها في هذا الشأن وفصلت في ملكيته فإن قرارها في هذا الخصوص يعتبر معدوماً ولا يكتسب الحصانة التي أضفاها القانون على ما خصها به من قرارات. وتختص المحكمة بنظر الطعن في القرارات الصادرة منها فيما لا ولاية لها فيه. وأضافت المحكمة أنه لما كانت لجنة تقدير المستشفى قد أدخلت في قرارها المطعون فيه ضمن عناصر تقديرها قيمة العقار الموجود فيه المستشفى المذكورة والجمعية المدعية تنازع في ملكية هذا العقار للمستشفى بدعوى أنه مملوك لها، فإن المحكمة تختص بالفصل في الطعن في هذا القرار، ويكون الدفع في غير محله. وبالنسبة لطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه أشارت المحكمة إلى أنه لا يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها ومن ثم يكون الطلب فاقداً أحد ركنيه وهو ركن الاستعجال، مما يكفي للحكم برفضه.
وبجلسة 13 من ديسمبر سنة 1966 قضت المحكمة في الشق الموضوعي منه الدعوى "برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات." وأسست قضاءها على أن الجمعية المدعية تهدف حسب طلباتها الأخيرة بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1965 إلي إلغاء قرار لجنة التقييم فيما تضمنه من الاستيلاء على المبنى الذي تشغله المستشفى ما إلزام المدعى عليهم بالمصروفات.
وخلصت المحكمة من ذلك إلي أن مستشفى ثمرة التوفيق القبطية وقد آلت ملكيتها إلى الدولة بالتطبيق لحكم القانون رقم 135 لسنة 1964 فإن الدعوى تكون على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض.
ومن حيث إن مبنى الطعن الذي أقامته الجمعية المذكورة أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ تصور أن قرار لجنة التقييم لم يستول من أملاك الجمعية إلا على الأماكن المغلقة التي تشغلها المستشفى وتوابعها فقط والواقع أنها استولت على أ - الدور الأول فوق الدكاكين من المنزل رقم (11) شارع سراج الدين قسم الأزبكية بالقاهرة وهو الذي كانت تشغله مستشفى جمعية ثمرة التوفيق القبطية ب - الدور الأرضي من المنزل رقم (1) شارع السلطان شعبان والذي يشغله مستوصف الجمعية وهو مستقل كل الاستقلال عن المستشفى المذكور، وفضلاً عن ذلك فقد استولت اللجنة على ( أ ) الدكاكين الثمانية المؤجرة للغير ولهيئة البريد بالمنزل رقم (11) شارع سراج الدين (ب) الدكاكين والدورين الأول والثاني من المنزل رقم (1) شارع السلطان شعبان المؤجرة للغير أيضاً وأضاف الحاضر عن الجمعية أمام المحكمة الإدارية العليا بجلستها المعقودة في 5 من أكتوبر سنة 1968 أن ما ورد بمحضر جلسة محكمة القضاء الإداري في 2 من نوفمبر سنة 1965 يقصد به إلغاء قرار الاستيلاء على العمارة المملوكة للجمعية وليس على الجزء الذي تشغله المستشفى.
وعقب الدفاع عن الحكومة بمذكرة دفع فيها أولاً: بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن دعوى الجمعية تقوم على الادعاء بأن الأموال موضوع الدعوى لم تشملها أحكام القانون رقم 135 لسنة 1964.
ولا تتدرج ضمن الأموال والمنشآت المقصودة بإجراءات الاستيلاء وهو ما يشكل اعتداء مادياً على ملكية الجمعية الخاصة، والدعوى بهذه المثابة ليست من قبيل دعاوي الإلغاء التي يختص القضاء الإداري بنظرها.
ودفع الدفاع الدعوى ثانياً: بعدم جواز نظرها على الوجه المبدي أمام محكمة القضاء الإداري. وفي الموضوع أشار الدفاع إلى أن الجمعية قصرت دعواها أمام محكمة القضاء الإداري على طلب إلغاء قرار لجنة التقييم فيها تضمنه من الاستيلاء على العقار الموجود به المستشفى دون سائر العناصر التي كان يتضمنها الادعاء في الدعوى ابتداء، ويكون الحكم المطعون فيه قد قام والحالة هذه على استخلاص سائغ من الواقع الثابت بأوراق الدعوى.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدي بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى تأسيساً على أنها تنطوي على الطعن في إجراءات الاستيلاء على منشآت الجمعية التي جرت تنفيذاً لأحكام القانون رقم 135 لسنة 1964 في شأن تنظيم المؤسسات العلاجية وهو من قبيل الأعمال المادية البحتة التي لا تندرج في مفهوم القرارات الإدارية المعنية بقضاء الإلغاء لأن مردها إرادة الشارع وليست إرادة السلطة الإدارية، والدفع الآخر المثار بعدم جواز نظر الدعوى استناداً إلى ما تقضي به الفقرة الثالثة من المادة السادسة من القانون رقم 135 لسنة 1964 المشار إليه من أن قرارات لجان التقييم نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن، فقد التزم الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ صواب القانون, إذ انتهى إلى اختصاص المحكمة بالفصل في الطعن في قرار لجنة التقييم مثار المنازعة ورفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى، وذلك للأسباب التي قام عليها، ولأن قرار لجنة التقييم المطعون فيه بالاستيلاء على بعض أموال الجمعية المدعية دون سند من القانون ليس مجرد إجراء مادي وإنما هو قرار إداري تكاملت له مقوماته وخصائصه باعتباره إفصاحاً من هذه اللجنة الإدارية أثناء قيامها بوظائفها عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانوني وقد حاز هذا الحكم قوة الشيء المقضى وأصبحت له حجية فيما فصل فيه من رفض الدفعتين المشار إليهما ويمتنع من ثم نظرهما لسبق الفصل فيها على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أحكام القانون رقم 135 لسنة 1964 في شأن تنظيم المؤسسات العلاجية أنه يقضي في المادة الأولى منه بأن "تؤول ملكية المستشفيات المبينة في الكشف المرافق لهذا القانون إلى الدولة." وتضمن الكشف المشار إليه فيما تضمنه "مستشفى ثمرة التوفيق المملوكة لجمعية ثمرة التوفيق القبطية والكائنة برقم 11 شارع سراج الدين بالفجالة بالقاهرة" وتنفيذاً لأحكام هذا القانون قامت لجنة الاستيلاء بجرد منقولات المستشفى المذكورة والمستوصف الملحق بها وانتدبت لجنة تقييم المستشفى خبيراً لمعاينة مبنى المستشفى وتقييمه. ويتضح من الاطلاع على تقرير الخبير ومحاضر أعماله في هذا الشأن أن جمعية ثمرة التوفيق القبطية تملك مبنيين الأول منهما تشغل المستشفى جزءاً منه، ويقع هذا المبنى بشارع سراج الدين وسيف الدين المهراني ويتكون من دورين الأرضي منه عبارة عن مكتب للبريد ودورة مياه ملحقة به يليه باب يوصل إلى المستوصف والمستشفى ويلي هذا المدخل مبنى يتكون من أربعة دكاكين، وبالدور الأول فوق مكتب البريد والمدخل والدكاكين المشار إليها توجد المستشفى. ويقع المبني الآخر الكائن به المستوصف بشارعي السلطان شعبان وسيف الدين المهراني ويتكون من دور أرضي به ثلاثة دكاكين والمستوصف، ولهذا المستوصف مدخلان أحدهما من شارع سيف الدين المهراني والآخر من شارع سراج الدين بجوار مكتب البريد، ويعلو الدور الأرضي دوران كاملان وحجرتان بالسطح وقد انتهت لجنة التقييم للأسباب التي أوردتها في مذكرتها المؤرخة في 18 من فبراير سنة 1965 إلي أيلولة ملكية جميع المباني إليها آنفاً والأرض المقامة عليها إلى الدولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن الجمعية المدعية تهدف حسب طلباتها الأخيرة بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1965 إلى طلب الحكم بإلغاء قرار لجنة التقييم فيما تضمنه من الاستيلاء على المبنى الذي تشغله المستشفى، وقصرت بذلك طلبها على إلغاء قرار لجنة التقييم فيما تضمنه من الاستيلاء على العقار الموجود به المستشفى، وهذا الذي استخلصته المحكمة لا يتفق ومدلول العبارة التي أثبتها الحاضر عن الجمعية المدعية في محضر الجلسة المشار إليها إذ قال "أن طلباته تنحصر في الاستيلاء على العمارة فقط" فهذه العبارة لا تنطوي على المعني الذي ذهبت إليه المحكمة بل المستفاد منها هو قصر طلبات الجمعية على إلغاء قرار لجنة التقييم فيما تضمنه من الاستيلاء على أملاك الجمعية عدا الأماكن التي آلت إلى الدولة بحكم القانون. ولما كان المستوصف وفقاً لنشاطه في خدمة المرضى ووجوده بجوار المستشفى ويضمهما مدخل واحد على ما سلف بيانه يعتبر امتداداً لنشاط المستشفى وفرعاً منها يتبعها في كل ما يسري عليها من أحكام ومنها أيلولته إلى الدولة بالتطبيق لحكم المادة الأولى من القانون رقم 135 لسنة 1964 المشار إليه، فإن الجمعية المدعية بذلك تكون قد تنازلت عن طلب إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الاستيلاء على الأماكن التي يشغلها كل من المستوصف والمستشفى دون سواهما، ويتحدد من ثم بذلك نطاق الدعوى.
ومن حيث إن قرار لجنة التقييم المطعون فيه لم يقتصر على اعتبار أن ملكية المستشفى والمستوصف الملحق بها آلت إلى الدولة بالتطبيق لحكم المادة الأولى من القانون رقم 135 لسنة 1964 سالفة الذكر، بل انتهى إلى الاستيلاء على كل أرض وبناء العقارين الكائن بهما المستشفى والمستوصف باعتبار أنهما مخصصين لخدمة المستشفى والمستوصف. واستند رأي لجنة التقويم في ذلك إلى نص المادة الثانية من القانون المذكور التي تقضي بأنه "مع مراعاة أحكام القانونين رقمي 152 لسنة 1957 بتنظيم استبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر و44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التي تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية. يشمل الاستيلاء على ما يأتي: ( أ ) السندات والمباني والأراضي الفضاء الموقوفة على المستشفيات والمسئول عليها...." فقد ذهبت اللجنة في تفسيرها إلى أن المقصود بعبارة "المباني الموقوفة على المستشفيات" هو المباني المخصصة لخدمة المستشفيات لأن الوقف على الشيء لغة هو التخصص والرصد لخدمته, وأن القول بأن المشرع قصد الوقف بمعناه القانوني، غير سديد، لأن الأوقاف بجميع أنواعها وتشكيلاتها قد ألغيت منذ سنة 1952.
ومن حيث إن الأصل في تفسير النصوص القانونية وتفهم مدلولها أن تحمل ألفاظها على ما يقضي به الاصطلاح والعرف القانونيان لا ما تقضي به الأوضاع اللغوية، لأن الأصل أيضاً أن المشرع يستعمل، في صياغة النصوص القانونية، الألفاظ في معانيها القانونية الخاصة لا بمعانيها اللغوية العامة، وذلك كلها ما لم يقم دليل من النص على أن المشرع استهدف بلفظ معين معناه اللغوي لا معناه القانوني. ولما كان الأصل كذلك، وكان المشرع قد صدر المادة الثانية من القانون رقم 135 لسنة 1964 المشار إليه بالنص على مراعاة أحكام القانونيين رقمي 152 لسنة 1957, 44 لسنة 1962 سالفي الذكر، وهما من القوانين التي تحكم الوقف كنظام قانوني، فيكون المشرع بذلك قد عني بلفظ الوقف في حكم هذه المادة المعني الاصطلاحي القانوني له دون المعنى اللغوي.
هذا وقد أخطأت لجنة التقييم فيما ذهبت إليه من أن الأوقاف بجميع أنواعها وتشكيلاتها ألغيت منذ سنة 1952, إذ الواقع من الأمر أن المشرع ألغى الوقف على غير الخيرات بالقانون رقم 180 لسنة 1952 الخاص بنظام الوقف على غير الخيرات، وأبقى المشرع نظام الوقف على جهات البر. وإذا كان المشرع قد قضى باستبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر العامة بالقانون رقم 152 لسنة 1957 سالف الذكر, فإنه لم يمس وقف ما عدا الأراضي الزراعية من مباني وأراضي فضاء على جهات البر، وليس أدل على ذلك ما قضى به القانون رقم 44 لسنة 1962 المشار إليه في صدر المادة الثانية من القانون رقم 135 لسنة 1964 إذ نص على أن تتولى المجالس المحلية بالنيابة عن وزارة الأوقاف إدارة المباني والأراضي الفضاء التابعة للأوقاف الخيرية المشمولة بنظارة وزارة الأوقاف والتي تقع في دائرة اختصاص كل منها. وإذ ذهبت لجنة التقييم في تفسيرها للقانون غير هذا المذهب فإنها تكون قد خالفت حكم القانون. وفضلاً عن ذلك فلم يثبت من الأوراق أن العقارين المستولى عليهما كانا مخصصين للإنفاق على المستشفى والمستوصف, فقد كانت الجمعية المدعية تديرهما وتنفق عليهما وعلي مدرستيها الابتدائية والإعدادية وملجأ العجائز والكهول وعلى أوجه نشاطها الآخر، من حصيلة التبرعات والإعانات والاشتراكات وإيرادات العقارات المملوكة لها دون أدنى تخصيص يسوغ معه قبول منطق لجنة التقييم.
ومن حيث إن العقارين المشار إليهما غير مملوكين للمستشفى والمستوصف المستولى عليهما وغير موقوفين عليهما، بل إنهما مملوكان للجمعية المدعية التي تدير لحسابها المستشفى والمستوصف اللذين يشغلان أجزاء معينة من هذين العقارين، وتؤجر الجمعية لحسابها أيضاً باقي الأماكن بهما للغير. ولما كان الأمر كذلك، فإنه ما كان يسوغ في حكم القانون الاستيلاء على غير الأماكن التي كانت تشغلها المستشفى والمستوصف في تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 135 لسنة 1964 المشار إليه، وتظل باقي الأماكن المؤجرة للغير على ملكية الجمعية المدعية. وتصبح بذلك ملكية العقارين المذكورين، المقسمين إلى طبقات وشقق، مشتركة بين الجمعية المدعية وبين الدولة يملك كل منهما الطبقات أو أجزاء الطبقات المبينة آنفاً. ويعد المالكان والحالة هذه شركاء في ملكية الأرض وملكية أجزاء البناء المعدة للاستعمال المشترك بينهما، وفقاً لأحكام القانون المدني الخاصة بملكية الطبقات المنصوص عليها في المادة 886 وما بعدها، حيث لم ينطو القانون رقم 135 لسنة 1964 المشار إليه، على ما يفيد الخروج على أحكام القانون المدني في هذا الشأن.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد أخطأ إذا تجاوز الحدود المشار إليها في أسباب هذا الحكم، ولم يقصر الاستيلاء على الأماكن التي كانت تشغلها المستشفى والمستوصف في تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 135 لسنة 1964، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضي برفض الدعوى قد جانب الصواب حقيقاً بالإلغاء، ويتعين الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه على مقتضى ما تقدم.

"فهذه السباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار الاستيلاء على غير الأماكن التي كانت تشغلها مستشفى ومستوصف ثمرة التوفيق على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم وألزمت الحكومة بالمصروفات.