مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 324

(51)
جلسة 16 من مايو سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 86 لسنة 12 القضائية

( أ ) - عقد إداري "عقد توريد" تنفيذه.
التفرقة في الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات وبين استعماله الغش والتلاعب في معاملته للجهة الإدارية - اختلاف الجزاء بالنسبة لكل منها - علة تغليظ الجزاء على استعمال الغش والتلاعب.
(ب) عقد إداري "عقد توريد" - تنفيذه "إثبات الغش".
يتعين لوصم المتعاقد مع الإدارة بالغش في تنفيذ التزاماته أن يثبت سوء نيته أي علمه بما يشوب الأصناف التي يوردها من غش - هذا العلم مفترض في المتعاقد مع الإدارة - متى كانت ظروف الحال تنفي هذا العلم فإنه لا يسوغ وصمه بالغش - هذه الظروف قد تستفاد مما يصدر بشأنه من أحكام جنائية وفيما قد يرد في الأوراق بحسن نية المتعاقد.
1 - أنه يبين من الرجوع إلى شروط العقد المبرم مع المدعي وإلى أحكام لائحة المناقصات والمزايدات أنها فرقت في الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وبين استعماله الغش أو التلاعب في معاملته الجهة الإدارية، فجزاء توريد أصناف مخالفة للمواصفات، بالتطبيق لحكم البند الثاني من الاشتراطات الإضافية للعقد والمادتين 102، 105 من لائحة المناقصات والمزايدات، هو رفض الأصناف وتكليف المتعهد بتوريد غيرها أو قبول الأصناف المخالفة مع تخفيض ثمنها أو قيام جهة الإدارة بشراء أصناف مطابقة للشروط على حسابه أو إنهاء التعاقد فيما يختص بهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها، وذلك كله مع توقيع غرامة تأخير واقتضاء المصروفات الإدارية, إما جزاء "استعمال الغش أو التلاعب" طبقاً لحكم المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات فهو فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين، وعدم السماح له بالدخول في مناقصات الحكومة. وعلة تغليظ الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب, ظاهرة وهي أن المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب إنما يقوم على خداع جهة الإدارة بسوء نية وهو عالم أن ما يقوم بتوريده لها مغشوش أو مخالف للمواصفات أو بما يقع من تلاعب، يستوي في ذلك أن يقع الغش أو التلاعب من نفس المتعاقد أو من يستعين بهم في تنفيذ التزاماته التعاقدية، متى ثبت أنه على علم بغشهم أو تلاعبهم. ولذات العلة سوت أحكام العقد واللائحة في الجزاء بين المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب وبين المتعاقد الذي يشرع في رشوة أحد موظفي جهة الإدارة أو يتواطأ معه إضرارا بها.
2 - يتعين لوصم المتعاقد مع الإدارة بالغش في تنفيذ التزاماته ولتوقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات أن يثبت سوء نيته، أي علمه بما يشوب الأصناف التي يوردها من غش أو تلاعب وأنه وإن كان هذا العلم مفترضاً في المتعاقد مع الإدارة إلا أنه متى كانت ظروف الحال تنفي هذا العلم عن المتعهد فإنه لا يسوغ وصمه بالغش. وظروف الحال التي تنفي هذا العلم، كما قد تستفاد مما يصدر من أحكام جنائية في شأن ما نسب إلى المتعاقد من غش، فإنها تستفاد أيضاً مما قد يرد في الأوراق متعلقاً بمدى حسن نية المتعاقد في تنفيذ التزاماته التي يتضمنها التعاقد بصفة عامة، وحجم التعاقد في ذاته وتعدد الالتزامات الواردة به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا في الأول من شهر ديسمبر سنة 1965 على حين صدر الحكم المطعون فيه في 20 من يونيه سنة 1965، إلا أن الثابت من الأوراق أن الطاعن قدم في 12 من أغسطس سنة 1965 إلى لجنة المساعدة القضائية بهذه المحكمة طلب الإعفاء رقم 342 لسنة 11 القضائية، وقد صدر قرار اللجنة المذكورة في 13 من نوفمبر سنة 1965 بقبول هذا الطلب، فأودع الطاعن تقرير طعنه، ومن ثم يكون الطعن قد أقيم في الميعاد القانوني واستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي (الطاعن) أقام الدعوى رقم 605 لسنة 17 القضائية ضد السادة مدير عام منطقة السويس الطبية ومحافظ السويس ووزير الصحة، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 28 من يناير سنة 1963، بناء على قرار لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة الصادر لصالحه بجلسة 12 من يناير سنة 1963 في طلب الإعفاء رقم 752 لسنة 17 القضائية المقدم منه في 26 من ديسمبر سنة 1962 وطلب المدعي "الحكم ببطلان قرار منطقة السويس الطبية بمصادرة التامين المدفوع منه عن عملية توريد أغذية المستشفيات عام 1960/ 1961 مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إلزام المدعى عليهم متضامنين قيمة المصروفات التي تحملها في مد خطاب الضمان وقدرها 4 جنيه و650 مليم بالإضافة إلى الفوائد القانونية المقررة بواقع 6% من تاريخ انتهاء العقد في 30 من يونيه سنة 1961 حتى تاريخ السداد، وإلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة." وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تعاقد مع منطقة السويس الطبية على توريد أغذية وألبان للمستشفيات التابعة لها بمبلغ 8920 جنيهاً في السنة المالية 1960/ 1961 على أن يبدأ في التوريد في أول يوليه سنة 1960 وينتهي في 30 من يونيه سنة 1961، وسدد قيمة التأمين المطلوب وقدره 892 جنيهاً بخطاب الضمان رقم 717 الصادر من بنك الجمهورية, ثم تعاقد مع السيد/ محمد حسين الحجيري على أن يقوم بتوريد اللبن المطلوب طبقاً لشروط عقد التوريد المشار إليه بعقد موثق بمكتب توثيق السويس تحت رقم 299 لسنة 1960. وعند انتهاء الأجل المحدد للتوريد طالب المنطقة المذكورة برد خطاب الضمان المشار إليه، ولكنها طالبته بمدة إلى أن تنتهي من حساب العملية وفعلاً مد سريان مفعولة إلى 30 من ديسمبر سنة 1961، ثم فوجئ بإخطاره بمصادرة التأمين تأسيساً على أنه قام بتوريد اللبن بإضافة الماء إليه خلال مدة التوريد، وهو غش ضار بالصحة يستوجب تطبيق أحكام المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد، ونعي المدعي على هذا القرار مخالفته القانون استناداً إلى أنه قام بتوريد جميع أصناف الأغذية المتعاقد عليها على الوجه الأكمل، وقد قدم للمحاكمة الجنائية في ثلاث اتهامات بأنه عرض للبيع لبناً مغشوشاً بإضافة الماء إليه، وقضى فيها نهائياً ببراءته منها لعدم علمه بواقعة الغش، وبالتالي فلا تصلح هذه الاتهامات سنداً لتوقيع الجزاء المنصوص عليه في البند 27 من العقد.
وعقبت الحكومة بمذكرة طلبت فيها رفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات, تأسيساً على أنه أدين هو وتابعه في ثلاث اتهامات بغش اللبن المورد بإضافة ماء إليه، وحكم ضدهما فيها بالغرامة وبناء على ذلك صادرت محافظة السويس التأمين المقدم من المدعي وقدره 892 جنيهاً بالتطبيق للبند 27 من العقد. وأشار الدفاع إلى أن المحافظة لم توافق على تنازل المدعي عن عقد التوريد إلى السيد/ محمد حسين الحجيري، وبالتالي فإنه لا يعتد بهذا التنازل، ويكون المدعي بذلك هو المسئول عن تنفيذ العقد، وعن الغش الذي وقع من تابعه، وتكون دعواه الحالية هذه غير قائمة على أساس من القانون.
وبجلسة 20 من يونيه سنة 1956 "حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن البند 27 من العقد والمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات تسريان في حالات الغش الضار بالصحة. وإذ قطع قسم مراقبة الأغذية بالوزارة بأن اللبن المغشوش بإضافة ماء إليه يعتبر ضاراً بالصحة، فإن قرار جهة الإدارة بتطبيق البند 27 من العقد في هذه الحالة ومصادرة التأمين يكون قد صدر على أساس سليم من القانون، ولا يؤثر في ذلك صدور أحكام ببراءة المدعي جنائياً من تهم غش الألبان، لأن أساس المساءلة هو الخطأ العقدي وهو متوافر، إذ لم تقبل المنطقة الطبية تنازل المدعي عن عقد التوريد إلى السيد/ محمد حسين الحجيري، وبالتالي يكون المدعي مسئولاً عن أعمال وكلائه وعماله ومندوبيه طبقاً لشروط العقد.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي لم يرتكب غشاً يبرر تطبيق المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات (الوارد حكمها في البند 27 فقرة أولى من العقد) عليه، ومن ثم يكون الجزاء الموقع عليه غير قائم على أساس سليم من القانون، وإذا كان ثمة ضرر وقع على الإدارة من تصرف مندوبيه أو وكلائه فإن جزاء ذلك لا يكون بمصادرة التأمين كله وإنما بالاقتصار على تعويض الضرر طبقاً للقواعد العامة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن منطقة السويس الطبية تعاقدت مع المدعي على توريد بعض الأغذية اللازمة لوحداتها ومستشفياتها خلال العام 1960/ 1961 الذي يبدأ من أول يوليه سنة 1960 وينتهي في 30 من يونيه سنة 1961. وقدم المدعي ضماناً لتنفيذ التزاماته خطاب ضمان بمبلغ 892 جنيهاً، وكان من بين الأغذية المتفق على توريدها صنف اللبن الحليب. وقد اتفق المدعي مع السيد/ محمد حسين الحجيري بعقد مؤرخ في 25 من يونيه سنة 1960 وموثق بمكتب توثيق السويس في 8 من سبتمبر سنة 1960 على أن يقوم الأخير بتوريد اللبن الحليب المطلوب، ولما لم توافق المنطقة على ذلك قام المدعي في 7 من ديسمبر سنة 1960 بتوكيل السيد/ محمد حسين الحجيري في توريد وتسليم هذا اللبن نيابة عنه, وبعد انتهاء مدة العقد لم تقم المنطقة بإعادة خطاب الضمان إلى البنك الصادر منه وطلبت مد سريان مفعوله لمدة أخرى تنتهي في 31 من مارس سنة 1962. وفى 20 من مارس سنة 1962 أخطرت المنطقة المدعي بأنها صادرت التأمين النهائي المشار إليه بالتطبيق للمادة 27 من الشروط العامة للعقد، بسبب توريد لبناً مضافاً إليه ماء خلال المدة من أول يوليه سنة 1960 إلى 30 من يونيه سنة 1961.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى شروط العقد المبرم مع المدعي وإلى أحكام لائحة المناقصات والمزايدات, أنها فرقت في الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وبين استعماله الغش أو التلاعب في معاملته الجهة الإدارية، فجزاء توريد أصناف مخالفة للمواصفات، بالتطبيق لحكم البند الثاني من الاشتراطات الإضافية للعقد والمادتين 102، 105 من لائحة المناقصات والمزايدات، هو رفض الأصناف وتكليف المتعهد بتوريد غيرها أو قبول الأصناف المخالفة مع تخفيض ثمنها أو قيام جهة الإدارة بشراء أصناف مطابقة للشروط على حسابه أو إنهاء التعاقد فيما يختص بهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها، وذلك كله مع توقيع غرامة تأخير واقتضاء المصروفات الإدارية, أما جزاء "استعمال الغش أو التلاعب" طبقاً لحكم المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات فهو فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين، وعدم السماح له بالدخول في مناقصات الحكومة. وعلة تغليظ الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب, ظاهرة وهي أن المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب إنما يقوم على خداع جهة الإدارة بسوء نية وهو عالم أن ما يقوم بتوريده لها مغشوش أو مخالف للمواصفات أو بما يقع من تلاعب، يستوي في ذلك أن يقع الغش أو التلاعب من نفس المتعاقد أو ممن يستعين بهم في تنفيذ التزاماته التعاقدية، متى ثبت أنه على علم بغشهم أو تلاعبهم. ولذات العلة سوت أحكام العقد واللائحة في الجزاء بين المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب وبين المتعاقد الذي يشرع في رشوة أحد موظفي جهة الإدارة أو يتواطأ معه إضراراً بها.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يتعين لوصم المتعاقد مع الإدارة بالغش في تنفيذ التزاماته ولتوقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات أن يثبت سوء نيته، أي علمه بما يشوب الأصناف التي يوردها من غش أو تلاعب وأنه وإن كان هذا العلم مفترضاً في المتعاقد مع الإدارة إلا أنه متى كانت ظروف الحال تنفي هذا العلم عن المتعهد فإنه لا يسوغ وصمه بالغش. وظروف الحال التي تنفي هذا العلم، كما قد تستفاد مما يصدر من أحكام جنائية في شأن ما نسب إلى المتعاقد من غش، فإنها تستفاد أيضاً مما قد يرد في الأوراق متعلقاً بمدى حسن نية المتعاقد في تنفيذ التزاماته التي يتضمنها التعاقد بصفة عامة، وحجم التعاقد في ذاته وتعدد الالتزامات الواردة به.
ومن حيث إن منطقة السويس الطبية قد استندت في قيام الغش, الذي أصدرت بناء عليه قرارها المطعون فيه، إلى أن اللبن المورد في 8 من سبتمبر سنة 1960 وفي 7 من مارس و6 من يونيه سنة 1961 كان مغشوشاً بإضافة ماء إليه، الأمر الذي قدم المدعي وتابعه بسببه إلى المحاكمة الجنائية.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الصور الرسمية للأحكام الجنائية الصادرة في هذا الشأن أن النيابة العامة اتهمت كلاً من إبراهيم محمد حسن ومحمد حسن الحجيري والمدعي بأنهم في يوم 8 من سبتمبر سنة 1960 عرضوا للبيع لبناً مغشوشاً بإضافة 10% ماء إليه مع علمهم بذلك, وقد قضى في هذه الجنحة استئنافياً في القضية رقم 4593 لسنة 1960 جنح السويس, 712 لسنة 1961 استئنافي السويس بإدانة المتهم الأول لأنه هو الذي غش اللبن وببراءة المتهمين الآخرين لأنه لا دليل على أنهما قد غشا هذا اللبن. كما اتهمت النيابة العامة في الجنحة رقم 1721 لسنة 1961 السويس كلاً من محمد حسن أحمد والمدعي لأنهما في 7 من مارس سنة 1961 باعا وعرضا للبيع لبناً مغشوشاً بإضافة 33% ماء إليه مع علمهما بذلك، وقد قضى في هذه الجنحة بإدانة الأول لأنه هو الذي ورد اللبن المضبوط وببراءة الثاني لأنه غير مسئول عن عملية التوريد، واتهمت النيابة العامة في الجنحة رقم 3238 لسنة 1961 السويس المدعي ومحمد حسين أحمد لأنهما في 6 من يونيه سنة 1961 عرضا للبيع لبناً مغشوشاً بإضافة 14% ماء إليه وقضي ببراءة الأول لعدم وجود جريمة ضده وأدانت المحكمة الثاني لأنه هو الذي قام بالتوريد.
ومن حيث إن الأحكام الجنائية المشار إليها قد نفت علم المدعي بالغش الذي وقع في الألبان الموردة، ولم يثبت إدارياً من واقع ملف الدعوى أن المدعي كانت له يد فيما وقع من غش من استعان بهم في أداء التزاماته أو أنه ساهم فيه بطريقة أو بأخرى. ولما كان الأمر كذلك وكان كل ما شاب التوريد من غش خلال سنة التوريد، هو الوقائع الثلاث السابقة، وفي صنف اللبن الحليب فقط دون باقي الأغذية الموردة، فإن افتراض علم المدعي بالغش المشار إليه، أمر تنفيه ظروف الحال، ولا سيما إذ أدخل في الاعتبار أنه لا يسوغ, بالنسبة لعقود التوريد وما تقتضيه من توريد أصناف متعددة لجهات متفرقة وعلى فترات دورية، لا يسوغ القول بأن يقوم المتعهد الأصلي بتنفيذ التزاماته وحده من غير الاستعانة بمجهودات غيره، وإلا وضع أمام استحالة مطلقة، وبناء على ما تقدم، وإذ جرى العرف على السماح بهذه الاستعانة في الحدود المقررة والجائزة في العقود الإدارية، فإنه من غير المستساغ أن يوقع جزاء مصادرة التأمين، إلا إذا قام الدليل المقنع من واقع الأوراق على تواطؤ المدعي أو علمه بغش أو تلاعب من استعان بهم في أداء التزامه، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إحجام الموردين في الدخول في المناقصات العامة، وقد يكون منهم كفايات وحسن السمعة.
ومن حيث إنه من المسلم به أن المدعي مسئول مسئولية عقدية قبل جهة الإدارة بحيث يحق لها أن تحاسبه عما يقع من أخطار في تنفيذ العقد أو توقع عليه الجزاءات التي يقضي بها العقد عن التأخير في التوريد وعن مخالفة الأصناف الموردة للمواصفات ولو كان ذلك راجعاً إلى غش من استعان بهم في تنفيذ تعهداته، ولكن المسئولية لا ترتفع إلى حد وصمه هو باستعمال الغش أو التلاعب، الأمر الذي يؤدي إلى توقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد، ما لم يثبت علمه بالغش أو التلاعب على ما سلف بيانه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن مصادرة التأمين النهائي المقدم من المدعي وقدرة 892 جنيهاً استناداً إلى حكم المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد, لا تقوم على أساس سليم، ويحق للمدعي المطالبة برده، مضافاً إليه المصاريف التي تكبدها لمد سريان مفعول خطاب الضمان إلى ما بعد انتهاء مدة العقد وقدرها 4 جنيه و650 مليم والتي لم تنكرها الحكومة. أما عن الفوائد المطالب بها بواقع 6% من تاريخ انتهاء العقد في 30 من يونيه سنة 1961، فلا سند لها من العقد أو القانون حيث لم يتفق طرفاً العقد مثار المنازعة على ما يخالف أحكام الفوائد القانونية المنصوص عليها في المادة 226 من القانون المدني، لا بالنسبة لسعرها أو تاريخ سريانها, ومن ثم يتعين الحكم بالفوائد القانونية المستحقة على مجموعة المبلغين المشار إليهما بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 28 من يناير سنة 1963 حتى تاريخ الوفاء، ورفض ما عدا ذلك من طلب المدعي في هذا الشأن. وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض دعوى المدعي على خلاف هذا النظر فإنه يكون قد جانب الصواب حقيقاً بالإلغاء، ويتعين القضاء للمدعي بطلباته في الحدود المتقدمة وإلزام محافظة السويس بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه وبإلزام محافظة السويس بأن تدفع للمدعي مبلغ 896 جنيه و650 مليم ثمانمائة وستة وتسعين جنيهاً وستمائة وخمسين مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 28 من يناير سنة 1963 حتى تمام الوفاء وألزمت محافظة السويس بالمصروفات.