مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 380

(59)
جلسة 30 من مايو سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 1174 لسنة 12 القضائية

( أ ) - حجز إداري "قرار توقيعه" اختصاص. "ما يخرج عن اختصاصه القضاء الإداري"
قرارات توقيع الحجز الإداري ليست من قبيل القرارات الإدارية بالمعنى المقصود بالقرار الإداري - القضاء الإداري لا يختص بالدعوى التي ترفع بصفة أصلية بالطعن على هذه القرارات.
(ب) اختصاص "ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري". حجز إداري "الجهة المختصة بالنظر في المنازعات التي تثور حول الديون التي تستوفى بإتباع إجراءات الحجز الإداري أو صحة بطلان هذه الإجراءات". الطلب الذي يبدى بشأن الحجز يعد طلباً تبعياً بالنسبة إلى المنازعة التي تثور بصفة أصلية - الاختصاص بنظره ينعقد للجهة التي تختص بنظر المنازعة الأصلية - أساس ذلك.
1 - إذا كان المستقر فقهاً وقضاء أن القرارات التي تصدر بتوقيع الحجز الإداري ليست من قبيل القرارات الإدارية بالمعنى المقصود من القرار الإداري, وبالتالي فإن القضاء الإداري لا يختص بالدعوى التي ترفع بصفة أصلية بالطعن على هذه القرارات، إلا أن الوضع يختلف اختلافاً جوهرياً إذا ما أثيرت المنازعة في صحة أو بطلان الحجز باعتبارها طلباً تبعياً للطلب الأصلي بأصل الحق أو بالدين الذي يستوفى بإتباع إجراءات الحجز الإداري.
2 - إن قانون الحجز الإداري قد خلا من أي نص من شأنه أن يؤثر أو يعدل في الاختصاص المقرر طبقاً للقانون والقواعد العامة سواء بالنسبة إلى القضاء العادي أو القضاء الإداري، كل في حدود اختصاصه بالنظر في المنازعات التي تثور حول الديون التي تستوفى بإتباع إجراءات الحجز الإداري أو صحة أو بطلان إجراءات هذا الحجز، وقد أحالت المادة 75 من قانون الحجز الإداري فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون على أحكام قانون المرافعات، ومن ثم فإنه يتعين الرجوع في تحديد الاختصاص بنظر المنازعات التي يثيرها قانون الحجز الإداري إلى قانون المرافعات وغيره من القوانين المنظمة لاختصاص الجهات القضائية. ومتى ثبت أن المنازعات الماثلة تدور - حسبما سلف البيان - بصفة أصلية حول مدى استحقاق الجهة الإدارية للمبالغ التي تطالب بها المدعين نتيجة تنفيذ عقد استغلال المعدية ولا خلاف بين الطرفين في هذا العقد هو عقد إداري، ولما كان من المقرر أن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يختص بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية بما له من ولاية كاملة في هذا الشأن، فلا تثور ثمة شبهة في اختصاصه بنظر موضوع الطلب الأصلي في الدعوى، وإنما يثور الجدل حول معنى اختصاص هذا القضاء بالفصل في موضوع الطلب التبعي أو بطلان الحجز.
ومن حيث إن الفصل في المنازعة المتصلة باستحقاق الهيئة للمبالغ التي قررت الحجز من أجلها على المدعين - وهي من اختصاص القضاء الإداري على نحو ما تقدم - يؤثر تأثيراً حتمياً في قضاءها بالنسبة إلى صحة أو بطلان الحجز، ولذلك فقد استقر في الفقه والقضاء أن الطلب الذي يبدى في شأن الحجز يعد طلباً تبعياً بالنسبة إلى المنازعة التي تثور بصفة أصلية حول الدين الذي يجرى الحجز وفاء له.
ومن حيث إن المبادئ المقررة أن المحكمة التي تنظر في الطلب الأصلي تختص بالفصل في الطلب الفرعي, عملاً بقاعدة أن الفرع يتبع الأصل على أساس أن الطلب الفرعي لا يضيف شيئاً في الواقع إلى موضوع الطلب الأصلي ولا يثير إلا منازعة تابعة للنزاع الذي أقيمت به الدعوى، ولا سيما إذا لم يكن في ذلك خروج على نص صريح من النصوص المحددة للاختصاص الولائي أو النوعي - وقد أوضحنا فيما تقدم أن قانون الحجز الإداري قد خلا من أي نص في هذا الشأن - وهذا المبدأ واجب الإتباع من باب أولى بالنسبة إلى الطلب التبعي الذي يعتبر أوثق في اتصاله بالطلب الأصلي من الطلب الفرعي.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القضاء الإداري مختصاً بالفصل في الدعوى الماثلة بطلبيها الأصلي والتبعي، طالما أن اختصاصه بنظر الطلب الأصلي ليس محل منازعة، ومن ثم فلا سند من القانون للدفاع المبدى بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، ويتعين لذلك رفضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات - وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين الأول والثالث وقرقار عرابي مورث باقي الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 755 لسنة 15 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد السيدين/ وزير المواصلات ومدير هيئة النقل المائي الداخلي، بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 29 من مايو سنة 1961، طلبوا فيها الحكم بعدم أحقية هيئة النقل المائي في تحصيل مبلغ 678 جنيهاً و60 مليماً من المدعين نظير الإيجار المتأخر وضعف الإتاوة الواردة في عقد الإيجار عن المدة من 11/ 6/ 1959 إلى 13/ 8/ 1959 وبطلان محاضر الحجز الإداري الموقعة ضد المدعين الأول والثاني في 19 من ديسمبر سنة 1960 مع إلزامهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وقالوا شرحاً لدعواهم أنه رسا عليهم في أوائل سنة 1958 مزاد تسيير معدية المراغة الكتكاتة بمحافظة سوهاج لمدة ثلاث سنوات بإيجار سنوي قدره 922 جنيهاً، وكان المدعون يقومون بسداد الإيجار بانتظام حتى فوجئوا بقرار من رئيس مكتب الملاحة الداخلية في سوهاج في 25 من أبريل سنة 1959 بإيقاف المعدية ووضع المركب المستعمل في التعدية تحت الحراسة الإدارية وتم تسلميه إلى خفير نظامي معين بموجب محاضر رسمية، وقد امتثل المدعون لذلك ولكنهم فوجئوا في 19 من ديسمبر سنة 1960 بمندوب هيئة النقل المائي يوقع حجزاً إدارياً على الأطيان المذكورة في محاضر الحجز ضد كل من المدعيين الأول والثاني لتحصيل مبلغ 678 جنيهاً، 60 مليماً بدعوى أنه قيمة المستحق في ذمتهم للحكومة عن الإيجار المتأخر وكذلك ضعف الإتاوة الواردة في عقد الالتزام المبرم بينهم وبين هيئة النقل المائي عن المدة من 11/ 6/ 1959 إلى 23/ 8/ 1959، ثم عقبوا قائلين أنه لما كان توقيع هذه الغرامة يعتبر أثراً من آثار عقد الالتزام المذكور، فقد كان الواجب أن يبني على أسباب واضحة وأن يعذر المدعون قبل توقيع هذه الغرامة، وأن لا توقع إلا نتيجة تحقيقات إدارية تجرى في هذا الشأن، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وقد ردت هيئة النقل المائي على الدعوى بقولها أنه في أوائل سنة 1958 رسا على المدعين مزاد تسيير معدية المراغة - الكتكاتة محافظة سوهاج بإيجار سنوي قدره 952 جنيهاً وليس 922 جنيهاً - كما جاء بصحيفة دعواهم - لمدة ثلاث سنوات، ونص في عقد الإيجار (المادة 5) على أنه إذا تأخر المدعون عن سداد قسطين من الأقساط في الميعاد المحدد وهو الأسبوع الأول من كل شهر فللهيئة - بدون إعلان - الحق في فسخ العقد ومصادرة التأمين, وقد تأخر المدعون في سداد مبلغ 248.50 جنيهاً، ولما كانت المادة التاسعة من قرار وزير الأشغال العمومية رقم 9040 لسنة 1957 الخاص بشروط الترخيص في تسيير المعديات العامة والخاصة وتنظيم إجراءات المزايدة في المعديات العامة, ينص على أنه يحق للهيئة أن تلغي الترخيص الممنوح إذا تأخر الملتزم في سداد الإتاوة المستحقة على استغلال المعدية، فقد أعملت الهيئة هذا النص وأبلغت المدعين بقرار إلغاء الترخيص في 26/ 3/ 1959، وكلفت بعض موظفيها الفنيين بمفاجأة المعديات والتفتيش عليها ومعاينتها لمعرفة ما إذا كانت تدار بعد إلغاء الترخيص خلسة فتبين من المعاينة التي تمت في 11/ 6/ 1959 وفي 23/ 8/ 1959 أن هناك مراكب عديدة مبينة بمحضري المعاينة تعمل بواسطة المدعيين ولحسابهم، ومن ثم فقد ثبت أن المدعين لم يقيموا وزناً لقرار إلغاء الترخيص وقد كان من المتعين لذلك توقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 20 من القرار رقم 9040 لسنة 1957 وهو ضعف الإتاوة المنصوص عليها في عقد الالتزام عن فترة المخالفة، وطلبت الهيئة أصلياً الحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى بحسبانها دعوى منازعة في صحة الحجز الإداري الموقع ضد المدعين، واحتياطياً برفضها.
وبجلسة 15 من نوفمبر سنة 1964 حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لزوال صفة الوزارة المدعى عليها (وزارة المواصلات).
بصحيفة أعلنت في 5 من يناير سنة 1966 صحح المدعون شكل الدعوى بتوجيهها إلى وزارة النقل، كما عجلوا نظرها لجلسة 13 من فبراير سنة 1966.
وبجلسة المرافعة دفع الحاضر عن هيئة النقل المائي بسقوط الخصومة لتعجيل الدعوى بعد مضي أكثر من سنة من تاريخ الحكم بانقطاع سير الخصومة.
وبجلسة أول مايو سنة 1966 قضت المحكمة برفض طلبات المدعين وألزمتهم المصاريف، وأقامت قضاءها على أن الدفعين المبديين من الهيئة المدعى عليها لا سند لهما من القانون، وأن المدعين تأخروا في سداد أقساط الإتاوة مما أضطر إدارة الملاحة الداخلية إلى تكرار إنذارهم بإلغاء الموافقة على التصريح لهم بتسيير المعدية وإلى تكرار توقيع الحجوز الإدارية ضدهم وإمهالهم مرات للسداد كما أنهم لم يسددوا نصف التأمين النهائي الذي كان يتعين عليهم سداده منذ بدء التعاقد، وهذا يعتبر منهم إخلالاً بشروط الترخيص يخول الجهة الإدارية الحق في إلغائه، وقد أخطرتهم فعلاً في 27 من مارس سنة 1959 بإلغاء موافقتها على التصريح لهم بتسيير المعدية، وقد دلت المعانيات التي أثبتت في محاضر رسمية على أن المدعين سيروا المعدية بعد إلغاء الترخيص الممنوح لهم اعتباراً من هذا التاريخ حتى 23 من أغسطس سنة 1959، ومن ثم فيحق لجهة الإدارة إلزامهم بغرامة تعادل ضعف الإتاوة التي كان متفقاً عليها عن مدة المخالفة ومقدار ذلك مبلغ 695 جنيهاً, 800 مليم وبخصم مبلغ 238 جنيهاً قيمة التأمين السابق سداده يصبح المبلغ المستحق هو 457 جنيهاً، 800 مليم وهو ما كان يتعين توقيع الحجز الإداري وفاء له، أما الإتاوة المستحقة فقد ثبت من الأوراق أن المدعين سددوها بالكامل حتى 31 من مارس سنة 1959، ولما كان الترخيص قد ألغي اعتباراً من 27 من مارس سنة 1959، فإنه لا تستحق إتاوة بعد هذا التاريخ, وما دام قد بان أن للجهة الإدارية مستحقات قبل المدعين ومن حقها توقيع الحجز الإداري لاستيفائها، وقد وقفت طلبات المدعين عند طلب الحكم بعدم أحقية جهة الإدارة في اقتضاء أي مبلغ منهم وببطلان الحجوز الإدارية الموقعة ضدهم فإنه يتعين رفض هذه الطلبات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الطاعنين طلبوا في صحيفة دعواهم وفي مذكراتهم الحكم بعدم أحقية هيئة النقل المائي في تحصيل مبلغ 678 جنيهاً، 60 مليماً، ولكن المحكمة أغفلت الفصل في هذا الطلب ولم تشر إليه في منطوق حكمها، وهذا يعتبر مخالفة صريحة للقانون الذي يلزم المحكمة بالفصل في جميع الطلبات المرفوعة بها الدعوى, وأن المحكمة انتهت إلى أن الطاعنين مدينون بمبلغ 457 جنيهاً، 800 مليم على أساس أن ثمة محاضر دلت على أنهم سيروا المعدية بعد إلغاء الترخيص الممنوح لهم اعتباراً من 27 من مارس سنة 1959 إلى 23 من أغسطس سنة 1959، بيد أن المحكمة لم تتحقق من صحة هذه المحاضر خاصة وأنها من صنع جهة الإدارة موقعة الحجز وكان الأحرى بها أن تتحقق من مدى جديتها, هذا وبالرغم مما انتهت إليه المحكمة من أن الطاعنين مدينون بمبلغ 457 جنيهاً، 800 مليم ومما هو ثابت من أن الحجز الإداري وقع وفاء لمبلغ 678 جنيهاً، 60 مليماً فلم تشأ المحكمة إبطال الحجز فيما يجاوز حدود المديونية.
ومن حيث إن الطعن في الحكم يثير المنازعة في الدعوى برمتها أمام هذه المحكمة، ومن ثم فإن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، والدفع بسقوط الدعوى اللذين أبدتهما هيئة النقل المائي أمام محكمة القضاء الإداري يعتبران مطروحين أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إن الجهة الإدارية دفعت بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، مؤسسة دفعها على أن التكييف الصحيح للدعوى أنها من قبيل دعاوى المنازعة في صحة الحجوز الإدارية وبطلانها، والتي يحكمها وينظم إجراءاتها وطريق الطعن عليها قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955، وأن المتفق عليه فقهاً وقضاء أن هذه الإجراءات ليست من قبيل القرارات الإدارية التي تحدد لها اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، ومن ثم كان القضاء العادي هو جهة الاختصاص بنظر كافة المنازعات التي تثور حول قرارات الحجز الإداري وإجراءات تنفيذها وفقاً للطريق القانوني الذي حدده الشارع للمنازعة في إجراءات الحجز الإداري في المادة 27 من القانون رقم 308 لسنة 1955، وأنه متى صح الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى على هذا النحو فلا يقدح في ذلك القول بانعقاد الاختصاص لمحكمة القضاء الإداري بنظرها بحسبانها المحكمة المختصة أصلاً بنظر ما يثور من منازعة بين الإدارة وبين المرخص لهم بتسيير المعدية حول الالتزامات أو الحقوق التي ترتبها شروط الترخيص في شأنهم, ذلك أن الثابت من الأوراق أن الترخيص الذي كان ممنوحاً للمدعين بتسيير المعدية قد ألغي اعتباراً من 27 من مارس سنة 1959، وأن واقعة تسيير المدعين للمعدية خلال المدة من 27 من مارس سنة 1959 حتى 23 من أغسطس سنة 1959 دون ترخيص إنما هي واقعة تالية لإلغاء الترخيص، وإذا كان ذلك فإن المبلغ المحجوز من أجله إنما يمثل قيمة ضعف الإتاوة المستحقة لجهة الإدارة عن تلك المدة بمقتضى حكم المادة 20 من قرار وزير الأشغال رقم 9040 لسنة 1957، ومن ثم فإن المبلغ المحجوز به إداريا لا يدخل ضمن عناصره أية إتاوة مستحقة على المدعين سواء عن المدة السابقة على إلغاء الترخيص أو عن مدة لاحقة، وبالتالي فإن أحقية الإدارة في المبلغ المحجوز من أجله ليس مرجعه إلى ما كانت ترتبه لها شروط الترخيص من حقوق، وإنما سنده هو حكم المادة 20 من قرار وزير الأشغال السابق الإشارة إليه، ولا يغير من ذلك أن تكون شروط الترخيص قد تضمنت أحكام هذا القرار ومنها المادة 20.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود عليه بأنه إذا كان المستقر فقهاً وقضاء أن القرارات التي تصدر بتوقيع الحجز الإداري ليست من قبيل القرارات الإدارية بالمعنى المقصود من القرار الإداري، وبالتالي فإن القضاء الإداري لا يختص بالدعوى التي ترفع بصفة أصلية بالطعن على هذه القرارات، إلا أن الوضع يختلف اختلافاً جوهرياً إذا ما أثيرت المنازعة في صحة أو بطلان الحجز باعتبارها طلباً تبعياً للطلب الأصلي الخاص بأصل الحق أو بالدين الذي يستوفى بإتباع إجراءات الحجز الإداري على نحو ما سنفصله فيما بعد، وقد رفعت الدعوى الحالية - حسبما - يبين من صحيفتها - بطلبين أحدهما أصلي وهو الحكم بعدم أحقية هيئة النقل في تحصيل مبلغ 678 جنيهاً، 60 مليماً من المدعين نظير الإيجار وضعف الإتاوة الواردة في عقد الإيجار، وآخر تبعي وهو بطلان محاضر الحجز الإداري الموقعة ضد المدعين وفاء لهذا المبلغ، فلا محل للاجتهاد في بيان موضوع الدعوى والقول بأن التكييف الصحيح لها أنها من قبيل دعاوى المنازعة في صحة الحجز الإداري، إذا المسألة من الوضوح بحيث لا محل للجدال في تكييفها، أما ما ذهبت إليه الإدارة من أن أحقيتها في المبلغ المحجوز من أجله ليس مرجعه إلى ما كانت ترتبه لها شروط الترخيص من حقوق، وإنما سنده هو حكم المادة 20 من قرار وزير الأشغال السابق الإشارة إليه، فهو قول يقوم على خطأ في الاستدلال وفي فهم الواقع معاً، ذلك أن المادة 20 من قرار وزير الأشغال لا تتحدث عن غرامة تستحق في حالة تسيير معدية بدون ترخيص حتى يقال أن المبلغ المحجوز من أجله إنما يستند إلى حكم المادة 20 من القرار، وإنما تتحدث عن غرامة تستحق عند قيام المرخص له بتسيير المعدية بعد إلغاء الترخيص الممنوح له، خلافاً لما تقضى به الشروط المنصوص عليها في العقد وأحكام قرار وزير الأشغال التي أحالت إليها هذه الشروط، فالمبلغ المحجوز من أجله في هذه الحالة إنما يستحق استناداً إلى ما ترتبه شروط الترخيص من حقوق والتزامات سواء تضمنتها شروط الترخيص أو أحكام قرار وزير الأشغال الواجبة الإتباع في هذا الشأن، ويكفي في دحض ما ذهبت إليه جهة الإدارة أن يكون تحديد قيمة الغرامة المستحقة في هذه الحالة - وهي ضعف الإتاوة المنصوص عليها في الترخيص - غير متيسر إلا بالرجوع إلى نصوص العقد الذي يحكم العلاقة بين الطرفين لمعرفة مقدار الإتاوة، الأمر الذي لا يستقيم معه القول بأن الغرامة مرجعها إلى المادة 20 من قرار وزير الأشغال وليس إلى نصوص العقد أو الترخيص.
ومن حيث إن قانون الحجز الإداري قد خلا من أي نص من شأنه أن يؤثر أو يعدل في الاختصاص المقرر طبقاً للقانون والقواعد العامة سواء بالنسبة إلى القضاء العادي أو القضاء الإداري، كل في حدود اختصاصه، بالنظر في المنازعات التي تثور حول الديون التي تستوفى بإتباع إجراءات الحجز الإداري أو صحة أو بطلان إجراءات هذا الحجز، وقد أحالت المادة 75 من قانون الحجز الإداري فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون على أحكام قانون المرافعات، ومن ثم فإنه يتعين الرجوع في تحديد الاختصاص بنظر المنازعات التي يثيرها قانون الحجز الإداري إلى قانون المرافعات وغيره من القوانين المنظمة لاختصاص الجهات القضائية.
من حيث إنه متى ثبت أن المنازعة الماثلة تدور - حسبما سلف البيان - بصفة أصلية حول مدى استحقاق الجهة الإدارية للمبالغ التي تطالب بها المدعين نتيجة تنفيذ عقد استغلال المعدية ولا خلاف بين الطرفين في أن هذا العقد هو عقد إداري، ولما كان من المقرر أن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يختص بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية بما له من ولاية كاملة في هذا الشأن، فلا تثور ثمة شبهة في اختصاصه بنظر موضوع الطلب الأصلي في الدعوى، وإنما يثور الجدل حول مدى اختصاص هذا القضاء بالفصل في موضوع الطلب التبعي بصحة أو بطلان الحجز.
ومن حيث إن الفصل في المنازعات المتعلقة باستحقاق الهيئة للمبالغ التي قررت الحجز من أجلها على المدعين - وهي من اختصاص القضاء الإداري على نحو ما تقدم - يؤثر تأثيراً حتمياً في قضائها بالنسبة إلى صحة أو بطلان الحجز، ولذلك فقد استقر في الفقه والقضاء أن الطلب الذي يبدى في شأن الحجز يعد طلباً تبعياً بالنسبة إلى المنازعة التي تثور بصفة أصلية حول الدين الذي يجرى الحجز وفاء له.
ومن حيث إن من المبادئ المقررة أن المحكمة التي تنظر في الطلب الأصلي تختص بالفصل في الطلب الفرعي، عملاً بقاعدة أن الفرع يتبع الأصل على أساس أن الطلب الفرعي لا يضيف شيئاً في الواقع إلى موضوع الطلب الأصلي ولا يثير إلا منازعة تابعة للنزاع الذي أقيمت به الدعوى، ولا سيما إذا لم يكن في ذلك خروج على نص صريح من النصوص المحددة للاختصاص الولائي أو النوعي - وقد أوضحنا فيما تقدم أن قانون الحجز الإداري قد خلا من أي نص في هذا الشأن - وهذا المبدأ واجب الإتباع من باب أولى بالنسبة إلى الطلب التبعي الذي يعتبر أوثق في اتصاله بالطلب الأصلي من الطلب الفرعي.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القضاء الإداري مختصاً بالفصل في الدعوى الماثلة بطلبيها الأصلي والتبعي، طالما أن اختصاصه بنظر الطلب الأصلي ليس محل منازعة، ومن ثم فلا سند من القانون للدفع المبدي بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، ويتعين لذلك رفضه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الدفع بسقوط الخصومة في الدعوى استناداً إلى أن المدعين قد عجلوا دعواهم بعد فوات ميعاد السنة المنصوص عليه في قانون المرافعات، حيث لم تعجل إجراءات السير في الدعوى إلا بتاريخ 26/ 12/ 1965 في حين أن الحكم الصادر بانقطاع سير الخصومة في الدعوى قد صدر في 15/ 11/ 1964، فمردود عليه بأن الثابت من الأوراق أنه في 15 من نوفمبر من 1964 حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة لزوال صفة الوزارة المدعى عليها (وزارة المواصلات)، وفي أثناء انقطاع سير الخصومة وقبل أن تنقضي مدة السنة المقررة لسقوط الخصومة في الدعوى، وعلى وجه التحديد في 6 من أكتوبر سنة 1965 توفى قرقار عرابي أبو رحاب أحد المدعين، وبوفاته قام في حق المدعين - بحكم القانون - سبب جديد من أسباب انقطاع الخصومة ومدة جديدة للسقوط.
ومن حيث إن مدة السقوط هذه لا تبدأ - طبقاً لما تقضي به المادة 302 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 الذي كان سارياً أثناء نظر الدعوى - إلا من اليوم الذي يقوم فيه من طلب الحكم بسقوط الخصومة بإعلان ورثة خصمه الذي توفى، وذلك لاحتمال أن يجهل هؤلاء وجود الدعوى. ولما كانت الثابت أن الهيئة المدعى عليها لم تقم من جانبها بإعلان ورثة المدعي الذي توفى، فإن مدة السقوط لم تبدأ. أما ما ذهبت إليه الجهة الإدارية من أنه إذا افترض جدلاً أن ثمة وجهما لقبول ما قضت به المحكمة من رفض هذا الدفع بالنسبة إلى ورثة المرحوم قرقار عرابي أبو رحاب، فإنه لا يمكن قبول ما اتجهت إليه من رفض الدفع بالنسبة إلى السيدين/ أحمد حسن علي وعزيز عبد المنعم شرف، وذلك أن الدعوى الماثلة إنما تنطوي في حقيقتها على ثلاثة طلبات يستقل كل طلب منها عن الآخر، إذا الثابت أن ثمة حجوزاً إدارية ثلاثاً قد أوقعتها الإدارة حتى تستوفى مستحقاتها قبل المدعيين وأنها قد اختصت كلاً من المدعين الثلاثة الأصليين في الدعوى بحجز منها، وإذ قامت الدعوى بالطعن على هذه الحجوز وبطلانها، فإن مصلحة كل من هؤلاء المدعين تتحدد بالطعن على الحجز الموقع عليه دون الحجزين الآخرين الموقعين على زميليه، ولا يغير من هذا الواقع أن يكون المبلغ المحجوز من أجله واحداً في الحجوز الثلاثة نتيجة التضامن القائم بين المدعين في الالتزام به، أما ما ذهبت إليه الإدارة في هذا الشأن فقد تولت الرد عليه المادة 303 من قانون المرافعات السابق الإشارة إليه حيث تنص على أن يقدم طلب الحكم بسقوط الخصومة إلى المحكمة المقامة أمامها الخصومة المطلوب إسقاطها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوي، ويجوز تقديم هذا الطلب على صورة الدفع إذا عجل المدعي دعواه بعد انقضاء السنة، ويكون تقديمه ضد جميع المدعين أو المستأنفين وإلا كان غير مقبول، وإذا قدم أحد الخصوم استفاد منه الباقون، وواضح من هذا النص أن المشرع قصد إما إسقاط الخصومة برمتها أو الإبقاء عليها برمتها حتى ولو كان موضوع الخصومة مما يقبل التجزئة بطبيعته وقد أفصحت عن ذلك المذكرة التفسيرية للقانون حيث جاء بها أن هذه المادة نبهت إلى وجوب أن يقدم طلب سقوط الخصومة أو الدفع بسقوطها ضد جميع المدعين أو المستأنفين وإلا كان غير مقبول، وذلك لأن هذا السقوط لا يصح أن يتجزأ بالنسبة إلى الخصوم وإلا فاتت حكمته.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون الدفع المبدى من المدعى عليها بسقوط الخصومة في الدعوى لا سند له من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الموضوع فقد انتهى الحكم المطعون فيه بعد استعراض جميع المراحل التي مر بها التعاقد، وتصفية الحساب بين الطرفين ومناقشة مستنداتهما في شأن المبالغ التي سددت وفاء لالتزامات المدعين، إلى أن المدعين سددوا الإتاوة المستحقة عليهم بالكامل حتى آخر مارس سنة 1959، وقد ذكرت المحكمة ذلك صراحة في أسباب حكمها، ولم تطعن الهيئة على قضاء المحكمة في هذا الشأن، كما لم تبد أي اعتراض على سلامة هذه النتيجة التي وصلت إليها المحكمة في دفاعها أو مذكراتها أمام هذه المحكمة، من ثم فقد انحصر النزاع من الناحية الموضوعية في مسألتين: أولهما - أحقية الهيئة في مطالبة المدعين بغرامة توازي ضعف قيمة الإتاوة عن المدة التي سيروا فيها المعدية بعد أن أخطروا بإلغاء ترخيصها، وهي المدة من 27 من مارس سنة 1959 تاريخ إلغاء الترخيص إلى 23 من أغسطس سنة 1959 حيث تم التعاقد مع آخرين على استغلال المعدية، وثانيهما - أحقية المدعين في خصم مبلغ التأمين السابق دفعه منهم وقدره 238 جنيهاً.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى المسألة الأولى فالثابت من الأوراق أن المدعين تأخروا في سداد الإتاوة المستحقة عليهم مما حدا بالهيئة إلى تكرار مطالبتهم وإنذارهم بالسداد بل وتوقيع عدة حجوزات إدارية عليهم، كما أنهم لم يقوموا حتى انتهاء التعاقد بدفع النصف الثاني من التأمين والذي كان يتعين دفعه منذ بدء التعاقد، ومن ثم فإن من حق الهيئة، وقد خالف المدعون شروط التعاقد على هذا النحو، إلغاء الترخيص دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر طبقاً لما تقضى به شروط الترخيص وأحكام قرار وزير الأشغال السابق الإشارة إليه والتي أحالت إليها هذه الشروط.
ومن حيث إن المدعين لم ينازعوا في حق الهيئة طبقاً لشروط التعاقد ولأحكام قرار وزير الأشغال في تقاضي ضعف الإتاوة في حالة تسيير المعدية بعد إلغاء الترخيص، كما أنهم لم ينازعوا في قيمة هذه الغرامة، أو يذهبوا إلى أنهم سددوا شيئاً منها، وإنما تركز دفاعهم في هذا الشأن في أنهم لم يقوموا بتسيير المعدية بعد إلغاء الترخيص, وأنه ما كان يجوز للمحكمة أن تعتمد في إثبات هذه المخالفة على المحاضر التي هي من صنع الهيئة دون أن تتثبت من صحتها وجديتها وقد اقتصر المدعون على هذا القول المرسل دون أن يبينوا وجه عدم صحة أو دقة هذه المحاضر.
ومن حيث إنه لا يمكن إطراح هذه المحاضر وهي أوراق رسمية قام بتحريرها موظفون مختصون ولها حجية كاملة في إثبات ما تضمنته في نطاق ما أعدت لإثباته، لمجرد ادعاء مرسل لم يقم عليه أي دليل، ولا يقدح في ذلك أن تكون هذه المحاضر صادرة عن الهيئة وهي الطرف الثاني في المنازعة إذ أن الهيئة لم تحرر هذه المحاضر بصفتها طرفاً في خصومة، وإنما باعتبارها الهيئة العامة القائمة على إدارة مرفق النقل المائي، وبما لها من سلطات واختصاصات في هذا الشأن.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى المسألة الثانية فقد نعى المدعون على الحكم أنه بالرغم مما خلص إليه من أنهم مدينون بمبلغ 457 جنيهاً، 800 مليم بعد خصم قيمة التأمين السابق دفعه منهم من قيمة الغرامة المستحقة، إلا أنه لم يقض ببطلان الحجوز الموقعة فيما يجاوز هذه المديونية، والمدعون على حق فيما يذهبون إليه من نعي على الحكم في هذا الشأن، إذ كان يتعين بعد أن قامت المحكمة بتصفية الحساب بين الطرفين، والانتهاء إلى أن المدعين مدينون بمبلغ 457 جنيهاً، 800 مليم أن لا تقضي برفض طلبهم بشأن بطلان الحجوزات الموقعة فيما يجاوز مبلغ المديونية، وما ذهبت إليه المحكمة وهي بصدد رفض هذا الطلب من أنه وقد ثبتت مديونية المدعين فإن طلبهم الحكم ببطلان الحجوزات الموقعة يكون في غير محله، لا ينهض سبباً للحكم برفض طلب بطلان محاضر الحجز فيما يجاوز مبلغ المديونية.
ومن حيث إن ما ذهب إليه الدفاع عن الهيئة من أن المحكمة كانت على حق حينما قضت برفض طلب المدعين لبطلان محاضر الحجوزات بالرغم مما انتهت إليه في أسباب حكمها من أحقيتهم في خصم مبلغ التأمين استناداً إلى أن المحكمة انتهت إلى ذلك من باب الاستطراد وليس قضاء منها بأحقية المدعين في استرداد قيمة التأمين، لأن هذا القضاء كان خارجاً عن نطاق الدعوى، وقد ردد الدفاع عن الهيئة أن التكييف القانوني السليم للدعوى أنها من قبيل دعوى بطلان الحجز الإداري، ما ذهب إليه الدفاع عن الهيئة في هذا الشأن مردود عليه بأن نطاق الدعوى لم يكن قاصراً على بطلان الحجز وإنما كان شاملاً لتصفية حساب ما ولده العقد الإداري المبرم بين الطرفين من حقوق والتزامات على نحو ما توضح فيما تقدم.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون المدعون على حق في طعنهم بالنسبة إلى هذا الشق من الحكم، ويتعين لذلك إلغاء الحكم المطعون عليه والقضاء بعدم أحقية الجهة الإدارية في اقتضاء ما يجاوز مبلغ 457 جنيهاً، 800 مليم من المدعين وبطلان الحجوز الإدارية الموقعة عليهم بما يجاوز هذا المبلغ وإلزام كل من طرفي الخصومة بنصف المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم أحقية الجهة الإدارية في اقتضاء ما يجاز مبلغ 457 جنيهاً، 800 مليم (أربعمائة وسبعة وخمسين جنيهاً وثمانمائة مليم) من المدعين وببطلان الحجوز الإدارية الموقعة عليهم فيما يجاوز هذا المبلغ وألزمت كلاً من طرفي الخصومة بنصف المصروفات.