مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 396

(61)
جلسة 6 من يونيه سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف وعلي لبيب حسن وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 778 لسنة 13 القضائية

النيابة الإدارية "مرحلة المحاكمة التأديبية - مرحلة الطعن". المحكمة الإدارية العليا "طعن ذوي الشأن".
النيابة الإدارية هي وحدها التي تقيم الدعوى وتتولى الإدعاء أمام المحكمة التأديبية - اختلاف الأمر بالنسبة لها في مرحلة الطعن في أحكام المحكمة التأديبية أمام المحكمة الإدارية العليا - عبارة "ذوي الشأن" الذين يكون لهم الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا تشمل من لم يكن طرفاً في الدعوى إذا تعدى أثر الحكم الصادر فيها إلى المساس بحقوقه ومصالحه بطريقة مباشرة.
إنه وإن كان صحيحاً - كما هو المستفاد صراحة من المواد 4، 22، 23 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - إن النيابة الإدارية هي وحدها التي تحمل أمانة الدعوى أمام المحكمة التأديبية فهي التي تقيم الدعوى وتتولى الإدعاء أمام هذه المحكمة، بل أنها تدخل في تشكيلها بحيث لا يكون هذا التشكيل صحيحاً إلا إذا حضر من يمثلها بجلسات المحكمة، إنه إن كان هذا صحيحاً، إلا أنه واضح أن مجال الأخذ به هو مرحلة المحاكمة أمام المحكمة التأديبية، ولا يصدق بالنسبة إلى مرحلة الطعن في أحكامها أمام المحكمة الإدارية العليا، فهذا الطعن تنظمه المادة 32 من قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 والمادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، ومن مقتضى أحكام هاتين المادتين أن يكون الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا التي لا تدخل النيابة الإدارية في تشكيلها - لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة، ومن المقرر أن عبارة "ذوي الشأن" لا تنصرف إلي الأطراف في الخصومة فقط، بل إنها - وفق ما سبق أن قضت به هذه المحكمة - تشمل الغير الذي لم يكن طرفاً في الدعوى إذا تعدى أثر الحكم الصادر فيها إلى المساس بحقوقه ومصالحه بطريقة مباشرة ولا يغير من ذلك أن المادة 32 المشار إليها تضمنت نصاً على أنه يعتبر من ذوي الشأن رئيس ديوان المحاسبة ومدير النيابة الإدارية والموظف الصادر ضده الحكم، إذ أنه من الجلي أن هذا النص ليس نصاً حاصراً لمن يعتبرون من ذوي الشأن ومن ناحية أخرى فإن النيابة الإدارية فيما تباشره من إجراءات أمام المحكمة التأديبية إنما تنوب قانوناً عن الجهة الإدارية أو غيرها التي يتبعها العامل المقدم للمحاكمة والتي تعتبر الخصم الأصلي في الدعوى، وبهذه المثابة فإن لهذه الجهة باعتبارها خصماً في الدعوى أن تطعن في الحكم الصادر فيها أمام المحكمة الإدارية العليا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن النيابة الإدارية كانت قد أودعت في 8 من فبراير سنة 1967 سكرتارية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة العاملين بوزارة الثقافة تقرير اتهام ضد محمد محمود إبراهيم، العمل النقابي بمصانع إسماعيل للسجاد، لمحاكمته عما نسب إليه في هذا التقرير من أنه خلال عام 1966 بصفته المذكورة، خرج على مقتضى الواجب في أداء عمله بأن:
1 - امتنع عن تنفيذ الأمر الصادر إليه بنقله من العمل بقسم حفر السجاد للعمل بقسم الأنوال.
2 - لم يقم بأي عمل في المدة من 19 من سبتمبر سنة 1966 إلى 26 من سبتمبر سنة 1966.
3 - دأب على التغيب بدون إذن أو عذر مقبولاً.
4 - رفض تنفيذ ما صدر إليه من أوامر ومنها أمر نقله إلى أسيوط رغم ما أبدته إدارة المصانع من تسهيلات لإقامته في البلد المنقول إليها.
وأنه بذلك يكون العامل المذكور قد ارتكب المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المواد 51 ب، ج، 53 من القرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962 - وطلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمادتين سالفتى الذكر، وتطبيقاً لنص المادة (14) من القانون رقم 117 لسنة 1958، والمادة (5) من القانون رقم 19 لسنة 1959، وقرار رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام.
وتخلص واقعات هذه الدعوى في أن المتهم المذكور كان قد التحق بموجب عقد عمل مؤرخ أول أبريل سنة 1961 نص فيه على أنه عامل سجاد، ثم نقل إلى وظيفة عامل حفر سجاد، إلا أنه استدعى للتجنيد، ولما عاد في أول سبتمبر سنة 1966 رأت إدارة المصانع نقله للعمل على النول، أي عامل سجاد، نظراً لقلة العمل على السجاد المحفور لعدم الإقبال على شرائه، وصدر أمر إداري بذلك في 19 من سبتمبر سنة 1966، وعين معه ثلاثة من عمال المصنع ليشرف على أعمالهم، فرفض المتهم تنفيذ هذا الأمر، وظل ممتنعاً عن العمل حتى 26 من سبتمبر سنة 1966 فاعتبرته الشركة مستقيلاً من عمله، وطلبت من النيابة الإدارية تقديمه للمحاكمة التأديبية باعتباره عاملاً نقابياً لفصله من الخدمة وأن النيابة الإدارية قد أضافت إلى تهمة الامتناع عن العمل، أنه دأب على التغيب بدون إذن أو عذر مقبول خلال شهر مايو ويونيه سنة 1965، كما أضافت إليه تهمة رفض تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر، ومنها أمر نقله إلى أسيوط في 28 من أغسطس سنة 1965.
وبجلسة 16 من أبريل سنة 1966، حكمت المحكمة برفض الدعوى، وأقامت قضاءها تأسيساً على أن الواقعة الثانية في حق المتهم من واقع شهادة الشهود وأقواله أنه امتنع عن تنفيذ الأمر الصادر بنقله للعمل على النول بقسم السجاد من 19 من سبتمبر سنة 1966 حتى 26 من سبتمبر سنة 1966 تاريخ اعتباره مستقيلاً من الخدمة، وأن حجة المتهم في هذا الامتناع أنه اشتغل زهاء سنتين في العمل بقسم السجاد المحفور، وقد زاد أجره على أساس هذا العمل، وأنه لا يحق للمصنع أن يعيده إلى عمله الأصلي، وأنه لم يمتنع عن العمل كلية وإنما امتنع عن العمل بقسم السجاد، ولما طلب إعادته إلى العمل بعد هذا الامتناع رفضت الشركة تحقيق هذا الطلب تمهيداً لاتخاذ إجراءات فصله - وأنه لما كان امتناع العامل عن العمل يشكل بلا جدال مخالفة لأحكام العقد، تستوجب المساءلة التأديبية، إلا أن التهمة بالصورة المعروضة لا تقتضي الفصل من الخدمة، إذ أنها لا تعد غياباً بدون إذن، بل امتناعاً عن عمل معين، كما أنها لا تعد إخلالاً بالالتزامات الجوهرية بهذا العمل، فضلاً عن أنه عن تهمة رفضه تنفيذ النقل إلى أسيوط، فإن المصنع قد عدل عن قراره في حينه، ومن ثم رأت المحكمة التأديبية أن طلب الفصل غير قائم على أساس سليم من القانون يتعين رفضه، وانتهت إلى الحكم برفض الدعوى، كما سلف البيان.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب لمخالفته القانون، وذلك للأسباب الآتية:
1 - إن المحكمة أخطأت في اعتبار ما صدر من المتهم تغيباً عن العمل لا امتناعاً إذ يبين من الوقائع أنه كان يحضر إلى المصنع يومياً ليثبت حضوره فقط ويحصل على أجره دون عمل.
2 - إن المحكمة أخطأت في عدم تطبيق لائحة الجزاءات الخاصة. بالمصنع، والتي تنص في المادة (32) منها أن رفض العامل بلا مبرر العمل الموكول إليه يعتبر استقالة.
3 - إن هذا الامتناع ثابت في أوراق التحقيق في جميع مراحله ومنها الخطابات المسجلة التي أرسلها المصنع إلى المطعون ضده ولم يقم بالاعتراض على جميع ما وجه إليه من إجراءات، سواء بالأمر الإداري أو الخطابات المسجلة أو أمام النيابة.
4 - إن المتهم، وهو عضو نقابي، كان من الواجب عليه أن يكون قدوة طيبة لزملائه.
5 - إن العامل المذكور ادعى بأنه رفض العمل لأن صاحب العمل أسند إليه عملاً آخر يختلف اختلافاً جوهرياً عما كان يقوم به قبل تجنيده - إلا أن الواقع يخالف ذلك، إذ أنه عين أصلاً عامل سجاد، واستمر يباشر هذا العمل حتى أسند إليه "عمل حفر سجاد" وهو لا يختلف عن ذات العمل الذي عين عليه، وعمل به زهاء سنة تقريباً، إلا أن المصنع وجد أن هذا النوع لا يقبل عليه العملاء، فاضطر إلى إلغائه، وأن لصاحب العمل مطلق الحرية في أن يسند إلى العامل العمل في أي قسم من الأقسام طالما كان هذا لصالح العمل.
6 - إن المحكمة أخطأت في أنها لم ترد على جميع التهم الواردة بقرار الاتهام ولم تتعرض إلا لحالة واحدة وأصدرت الحكم مخالفة لما أورده التحقيق وانتهى الطاعنان إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبفضل العامل محمد محمود إبراهيم وذلك في مواجهة السيد المعلن إليه الثاني بصفته.
ومن حيث إن المطعون عليه قدم مذكرة بدفاعه، دفع فيها بعدم قبول الطع شكلاً لرفعه من غير ذي صفة، تأسيساً على أن سلطة تحويل الدعوى التأديبية، والطعن في أحكام المحكمة التأديبية منوطة بالنيابة الإدارية فحسب، وإن الطاعنين لم يكونا خصماً في الدعوى المذكورة، حتى يمكنهما الطعن على الحكم الصادر منها - أما عن الموضوع، فقد طلب المطعون عليه في مذكرته رفض الطعن محتجاً في ذلك بأن الفقرة (5) من المادة (76) من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 لا تنطبق على حالته، بمقوله أنه لم يتغيب عن عمله بل كان، حسب إقرار الطاعنين، يحضر يومياً إلى مقر عمله وأنهما كانا السبب في عدم قيامه بعمله - كما أبان العامل المذكور في مذكرته بأنه لا صحة لما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه، من أنه صدر بالمخالفة للقانون، وذلك لأن لائحة الجزاءات لا ترقى إلى مرتبة التشريع، وما ينص عليه قانون العمل من إهدار كل نص من هذه اللوائح يخالف أحكام القانون المذكور، وأن المشرع نظم حالات الفصل للغياب، وأن هذا النص هو الواجب التطبيق إذا تعارض مع لائحة الجزاءات، وقال المطعون عليه أيضاً أن لائحة الجزاءات لا تسري عليه، لأن المشرع انتزع سلطة التأديب بالنسبة له، وأصبحت المحكمة التأديبية هي المختصة بذلك - وانتهى إلى طلب الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً، لرفعه من غير ذي صفة، واحتياطياً في الموضوع برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه، وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
عن الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه من غير ذي صفة:
ومن حيث إن هذا الدفع المبدي من المطعون عليه مبناه أن النيابة الإدارية هي الجهة التي خولها القانون سلطة تحريك الدعوى التأديبية، وسلطة الطعن على أحكام المحكمة التأديبية وأن الطاعن لم يكن خصماً في الدعوى التأديبية حتى يمكنه الطعن في الحكم الصادر فيها.
ومن حيث إنه وأن كان صحيحاً - كما هو المستفاد صراحة من المواد 4، 22، 23 من القانون 117 لسنة 1958 - أن النيابة الإدارية هي وحدها التي تحمل أمانة الدعوى أمام المحكمة التأديبية، فهي التي تقيم الدعوى وتتولى الإدعاء أمام هذه المحكمة، بل أنها تدخل في تشكيلها بحيث لا يكون هذا التشكيل صحيحاً إلا إذا حضر من يمثلها بجلسات المحكمة، إنه إن كان هذا صحيحاً، إلا أنه واضح أن مجال الأخذ به هو مرحلة المحاكمة أمام المحكمة التأديبية، ولا يصدق بالنسبة إلى مرحلة الطعن في أحكامها أمام المحكمة الإدارية العليا، فهذا الطعن تنظمه المادة 32 من قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 والمادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، ومن مقتضى أحكام هاتين المادتين أن يكون الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - التي لا تدخل النيابة الإدارية في تشكيلها - لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة، ومن المقرر أن عبارة "ذوي الشأن" لا تنصرف إلى الأطراف في الخصومة فقط، بل إنها - وفق ما سبق أن قضت به هذه المحكمة - تشمل الغير الذي لم يكن طرفاً في الدعوى إذا تعدى أثر الحكم الصادر فيها إلى المساس بحقوقه ومصالحة بطريقة مباشرة، ولا يغير من ذلك أن المادة 32 المشار إليها تضمنت نصاً على أنه يعتبر من ذوي الشأن رئيس ديوان المحاسبة ومدير النيابة الإدارية والموظف الصادر ضده الحكم، إذ أنه من الجلي أن هذا النص ليس نصاً حاصراً لمن يعتبرون من ذوي الشأن.
ومن حيث إنه من ناحية أخرى فإن النيابة الإدارية فيما تباشره من إجراءات أمام المحكمة التأديبية إنما تنوب قانوناً عن الجهة الإدارية أو غيرها التي يتبعها العامل المقدم للمحكمة والتي تعتبر الخصم الأصلي في الدعوى، وبهذه المثابة فإن لهذه الجهة باعتبارها خصماً في الدعوى أن تطعن في الحكم الصادر فيها أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن الطاعنين - بوصفهما صاحبي المصانع التي كان المطعون عليه يعمل بها - يعتبران أحد طرفي الخصومة في المحاكمة التأديبية التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، أي من ذوي الشأن الذين يحق لهم الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، بل أنه لو سلم جدلاً بأن الطاعنين لم يكونا طرفا في الخصومة أمام المحكمة التأديبية وأن النيابة الإدارية لم تكن نائبة عنهما وإنما كانت تمارس اختصاصاً أصيلاً لها، لو سلم بهذا جدلاً لحق مع ذلك للطاعنين أن يطعنا أمام المحكمة الإدارية العليا - وفق ما سبق بيانه - في حكم المحكمة التأديبية لمساسه بمصلحة مباشرة لهما بوصفهما صاحبي المصانع التي قضى الحكم برفض طلب فصل المطعون عليه منها.
ومن حيث إنه لذلك يكون الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة في محله قانوناً يتعين الرفض.
عن الموضوع:
ومن حيث إنه فيما يتعلق بموضوع هذه المنازعة، فإنه ثابت من الأوراق والتحقيقات ومن واقع شهادة الشهود الثابتة في تحقيقات النيابة الإدارية ومن أقوال المتهم المذكور، أن الواقعة الثابتة في حقه أنه امتنع عن تنفيذ الأمر الصادر بنقله للعمل على النول بقسم السجاد منذ 19 من سبتمبر سنة 1966 حتى 26 من سبتمبر سنة 1966 تاريخ اعتباره مستقيلاً من الخدمة، وحجة المتهم في هذا الامتناع أنه عمل زهاء سنتين بقسم السجاد المحفور، وأن أجره زاد على أساس هذا العمل وأنه لا يحق للمصنع أن يعيده إلي عمله الأصلي، وأنه لم يمتنع عن العمل كلية، وإنما امتنع عن العمل بقسم السجاد، وأنه لما طلب إعادته إلى العمل بعد هذا الامتناع، رفض المصنع تحقيق هذا الطلب تمهيداً لاتخاذ إجراءات فصله.
ومن حيث إن مناط الفصل في هذا النزاع هو فيما إذا كان امتناع العامل المذكور عن تنفيذ الأمر الصادر بنقله للعمل على النول بقسم السجاد بدلاً من العمل بقسم السجاد المحفور، يعتبر إخلالاً من جانبه بالالتزامات الجوهرية المترتبة على عقد العمل المبرم معه، ومن ثم يحق لصاحب العمل اتخاذ الإجراءات التي رسمها القانون لفصله - ولما كان يتبين من الرجوع إلى الأوراق أن العامل المذكور كان قد التحق بمصانع الطاعنين كعامل سجاد بموجب عقد عمل فردي في أول أبريل سنة 1961 وأنه بسبب تغيبه المستمر عن العمل بدون إذن أو عذر مقبول، أرسل إليه المصنع خطاباً مسجلاً بعلم الوصول في 25 من يونيه سنة 1965 يخطره فيه بضرورة العودة إلى العمل حتى لا تضطر الإدارة إلى تطبيق الفقرة (5) من المادة (76) من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959، إلا أنه رفض استلام هذا الخطاب، وأنه في 28 من أغسطس سنة 1965 أخطر بخطاب مسجل بعلم الوصول يفيد نقله إلى أسيوط ولكنه اعترض على ذلك ورفض تنفيذ هذا الأمر، فعمل له محضر إداري في 8 من سبتمبر سنة 1965 ثابت فيه امتناعه عن الامتثال إلى ذلك الأمر ويبين من شهادة الشهود أنه رفض العمل الموكول إليه، وفي 23 من أكتوبر سنة 1965 جند في القوات المسلحة وأعفى منها في أول سبتمبر سنة 1966، ويبين من الأوراق أنه في 19 من سبتمبر سنة 1966 أصدرت إليه إدارة المصنع أمراً إدارياً للعمل على الأنوال رقم (107، 58) حسب عقد العمل الخاص به، ولكنه رفض استلام هذا الأمر وامتنع عن استلام العمل الموكول إليه، فأرسل إليه المصنف خطاباً مسجلاً بعلم الوصول في 20 من سبتمبر سنة 1966 يفيد ضرورة استلامه العمل حسب الأمر الإداري المذكور، وإلا اتخذت ضده الإجراءات القانونية، ولكنه لم ينفذ ذلك الأمر، فعمل له محضر إداري في 21 من سبتمبر سنة 1966 ثبت فيه امتناعه عن العمل، ثم استمر يذهب إلى المصنع ولا يعمل شيئاً إلى أن أرسلت إليه الإدارة المذكورة خطابها المسجل في 26 من سبتمبر سنة 1966 تخطره فيه بأنها اعتبرته مستقيلاً من العمل حسب نص المادة (32) من لائحة الجزاءات الخاصة بالمصنع، المعتمدة من الجهات المختصة والصادرة استناداً إلى قانون العمل - ويجري نصها كالأتي:
"32 - رفض العامل بلا مبرر العمل الموكول إليه بشرط ألا يختلف اختلافاً جوهرياً عن عمله الأصلي".. نوع الجزاء: "يثبت الامتناع في محضر ويعتبر العامل مستقيلاً".
ومن حيث إنه يبين من ناحية أخرى أنه ليس ثمة ما يمنع صاحب العمل من أن يكلف العامل بأي عمل غير متفق عليه، إذا كان لا يختلف عنه اختلافاً جوهرياً إذ تنص المادة (57) من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 على ما يأتي: لا يجوز لصاحب العمل أن يخرج على القيود المشروطة في الاتفاق أو أن يكلف العامل بعمل غير متفق عليه، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك منعاً لوقوع حادث أو لإصلاح ما نشأ عنه أو في حالة القوة القاهرة على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة. وله أن يكلف العامل بعمل غير متفق عليه إذا كان لا يختلف عنه اختلافاً جوهرياً.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، فإنه رغم أن صاحب العمل لم يكلف المتهم المذكور إلا بالعمل السابق الاتفاق عليه، إذ أنه عين أصلاً عامل سجاد عادي، فإذا ما أصدر صاحب المصنع أمراً إليه بالعودة إلى هذا العمل نظراً إلى أن قسم حفر السجاد قد ألغاه المصنع لقلة الإقبال عليه، فلا يكون قد عهد إليه بعمل يختلف اختلافاً جوهرياً عن العمل المتفق عليه، بل إن الأمر على العكس من ذلك، إذ أنه أعاده إلى عمله الأصلي الذي كان متفقاً عليه عند تعيينه بموجب عقد العمل سالف الذكر، الأمر الذي يبين منه أن المطعون عليه قد خالف الالتزامات الجوهرية المفروضة عليه بموجب عقد العمل المشار إليه، ومن ثم يحق للطاعنين فصل العمل المذكور إعمالاً لنص البند (6) من المادة (76) من قانون العمل الذي يبيح لصاحب العمل فسخ العقد، ويجري نصها كالآتي:
"لا يجوز لصاحب العمل فسخ العقد دون سبق إعلان العامل ودون مكافأة أو تعويض إلا في الحالات الآتية:
.....(6) إذا لم يقم بتأدية التزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل".
ومن حيث إنه متى كان الأمر على النحو السالف إيضاحه، فإن الحكم الطعون فيه يكون قد خالف القانون، عندما ذهب إلى أن التهمة المنسوبة للمتهم لا تقتضي الفصل من الخدمة بحجة أنها لا تعد غياباً بدون إذن، بل امتناعاً عن عمل معين، وأنها لا تعد إخلالاً بالالتزامات الجوهرية بهذا العمل، إلا أنه متى ثبت امتناع العامل المذكور عن تنفيذ الأمر الصادر إليه من صاحب العمل بنقله للعمل بقسم السجاد، نظراً إلي أن قسم حفر السجاد قد ألغاه المصنع لقلة الإقبال عليه كما سلف البيان، وظل ممتنعاً عن تنفيذ ذلك الأمر حوالي سبعة أيام إلى أن أرسلت إليه إدارة المصنع خطابها المسجل باعتباره مستقيلاً عن العمل، إعمالاً لنص المادة (32) من لائحة الجزاءات سالفة الذكر - الأمر الذي يبين منه أنه لم يقم بتأدية التزاماته الجوهرية المفروضة عليه بموجب عقد العمل ومن ثم يصح فصله وإنهاء خدمته.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، وقد جانب هذا النظر، يكون قد أخطأ في تفسير القانون وتطبيقه، ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه فيما قضي به، والحكم بفصل المطعون عليه مع إلزامه بمصروفات هذا الطعن.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبفصل العامل المطعون ضده محمد محمود إبراهيم وألزمته بالمصروفات.