مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1715

(158)
جلسة 26 من يونيه سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1301 لسنة 8 القضائية

موظف - ترك الخدمة - قدامى الموظفين - درجات شخصية - دعوى تسوية - معاش - طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 - رخصة مباحة للموظف متى تحققت فيه الشروط التي يتطلبها هذا القانون - هدف المشرع من إصدار هذا القانون هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين والتخلص من الدرجات الشخصية قدر المستطاع - هذه الحكمة التشريعية ترتب قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة - لا وجه للتفرقة بسبب السن أو مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه - ليس للإدارة سلطة تقديرية في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم لاعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام هذا القانون - المرد في ذلك إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة - أثر ذلك أن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص تعتبر دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش [(1)].
إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع جعل طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون وإذا كان هدف الشارع من إصداره هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المسنين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعتبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة، وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها، وأنه لا وجه للتفرقة، بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل، ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه، وأنه بناءً على ما تقدم فإن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم منهم لاعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون المذكور ليس مرده إلى تقدير جهة الإدارة واختيارها وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث أنه لو توافرت فيهم هذه الشروط الواجبة قانوناً حقت لهم الإفادة من أحكام القانون وحق على جهة الإدارة تمكينهم من هذه الإفادة، وبهذه المثابة فإن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص تكون في حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً المقرر لدعاوى الإلغاء.


إجراءات الطعن

في 20/ 6/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير الزراعة بصفته سكرتارية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بجلسة 22/ 4/ 1962 في الدعوى رقم 152 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ يوسف الهياتمي ضد السيد وزير الزراعة والقاضي بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لتقديمه بعد الميعاد وأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وإلزام الوزارة بالمصروفات، وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد أعلن الطعن للمطعون ضده في 28/ 6/ 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 13/ 9/ 1965 وأبلغ الطرفان في 24/ 12/ 1964 بميعاد هذه الجلسة، وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) حيث حدد لنظره أمامها جلسة 15/ 5/ 1965 التي أبلغ بها الطرفان في 17/ 4/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات لذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 18/ 2/ 1961 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 152 لسنة 8 القضائية ضد السيد وزير الزراعة طالباً الحكم أصلياً بأحقيته في قبول استقالته وتسوية حالته طبقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار، واحتياطياً بإلزام المدعى عليه بالتعويض العيني أو النقدي عن قرار رفض طلب إحالته إلى المعاش وتسوية حالته طبقاً للقانون المذكور ومع إلزامه بالمصروفات والأتعاب وأورد المطعون ضده في صحيفة الدعوى أنه تقدم طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 بطلب إحالته إلى المعاش مع ضم سنتين ومنحه علاوتين ورغم استيفائه لكافة الشروط التي نص عليها هذا القانون إلا أنه صدر قرار بحفظ الطلب لأن المدة الباقية له بالخدمة تقل عن سنة وكان ذلك بعد فوات المدة التي حددتها المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وقال المطعون ضده أن هذا القرار مخالف للقانون رقم 120 لسنة 1960 وقصد المشرع من إصداره على نحو ما فصله في صحيفة الدعوى - وفي 22/ 4/ 1962 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها في الدعوى قاضياً بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد وأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وإلزام الوزارة المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بالطلب الأصلي على أن المدعي أودع صحيفة دعواه سكرتارية المحكمة في 18/ 2/ 1961 بعد أن رفض تظلمه بمذكرة مؤرخة 18/ 10/ 1960 وأبلغ له هذا الرفض في 21/ 10/ 1960 ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت بعد موعدها القانوني، وفيما يتعلق بالطلب الاحتياطي ذكرت المحكمة أن جهة الإدارة وإن كان لها سلطة البت في الطلبات المقدمة من الموظفين إعمالاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة وإنما مقيدة بما تتطلبه المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمها القانون وقد جاءت المذكرة الإيضاحية للقانون مفصحة بما لا يدع مجالاً للشك عن هذه الحدود التي يجب أن تلتزمها الإدارة فإن تحقق أن الجهة الإدارية رفضت الطلب أساساً لتحقيق المصلحة العامة التي تقضي بحسن سير المرفق وانتظامه مما يستلزم ذلك من أيد عاملة تقوم على خدمته والعناية بأمره كان قرارها سليماً ومطابقاً للقانون أما إذا نهجت جهة الإدارة منهجاً لا يرتبط بالمصلحة العامة ولا يتصل بها إنما ظهر بعيداً عن هذه المصلحة ولم يكن الدافع له إلا قرب نهاية خدمة الموظف لبلوغه السن القانونية كان تصرف الإدارة مجاوزاً لحدود سلطتها وانحرافاً بها انحرافاً ينم عن مخالفته لأحكام القانون، وأنه يبين من الأوراق أن المدعي تقدم بتاريخ 18/ 4/ 1960 للسيد مراقب مكافحة الآفات طالباً تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 والموافقة على إحالته إلى المعاش ابتداءً من 3/ 5/ 1960 وقد رفعت مذكرة للوزير في شأن هذا الطلب تضمنت أنه صدر قرار في 20/ 3/ 1960 برقم 1027 لسنة 1960 بإحالة المدعي إلى المعاش اعتباراً من 8/ 5/ 1960 وعلى هذا قرر الوزير بتاريخ 9/ 5/ 1960 بعدم الموافقة على الطلب، وأنه يتضح من ذلك أن صدور القرار الوزاري رقم 1027 لسنة 1960 بتاريخ 20/ 3/ 1960 وهو تاريخ سابق على طلب المدعي المقدم في 18/ 4/ 1960 كان سبباً مباشراً في صدور قرار برفض طلب المدعي طبقاً لما تفصح عنه الأوراق مما يصم الإدارة بالانحراف في السلطة ومن ثم يكون الخطأ قد ثبت في جانبها، وأن تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 كان سيحقق للمدعي فائدة محتمة هي ضم سنتين وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين وبذلك يكون عدم استجابة الإدارة إلى طلبه قد أصابته بضرر محقق يتعين تعويضه عنه، وأنه وقد طالب بتعويض مؤقت قدره قرش واحد فإنه لا يسع المحكمة إلا إجابته إلى طلبه.
وفي 20/ 6/ 1962 طعنت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزير الزراعة بصفته في الحكم المشار إليه طالبة القضاء بإلغائه ورفض دعوى المطعون ضده وأقامت طعنها على أن قرار الجهة الإدارية رفض استقالة المطعون ضده جاء متفقاً مع المصلحة العامة التي قصد إليها القانون رقم 120 لسنة 1960، إذ يتضح منه ومن مذكرته الإيضاحية أنه استهدف هدفاً خاصاً هو التخلص من الدرجات الشخصية وليس تحقيق أي ميزة للموظف وإذا كانت هذه الميزة تتحقق للموظف بتطبيق أحكام ذلك القانون عليه فإن ذلك لم يكن إلا وسيلة لجأ إليها المشرع للتشجيع على ترك الموظفين للخدمة تحقيقاً للهدف الذي دعي إليه وهو التخلص من الدرجات الشخصية فإذا تحقق هذا الهدف بالقواعد العامة في قانون التوظف وذلك بانتهاء خدمة الموظف لأي سبب من الأسباب الواردة فيه لم يعد هناك مجالاً لأعمال القانون رقم 120 لسنة 1960، وأن المطعون ضده تقدم بطلب لاعتزاله الخدمة في 18/ 4/ 1960 وكان أمام الجهة الإدارية مدة ثلاثين يوماً تنتهي في 18/ 5/ 1960 تبحث فيها هذا الطلب للبت فيه مما يحقق المصلحة العامة فإذا تبين لها أثناء بحثها أن المطعون ضده قد انتهت مدة خدمته لبلوغه السن القانونية في 8/ 5/ 1960 لم يعد هناك مجال لتطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 ما دام هدفه وهو التخلص من الدرجة الشخصية قد تحقق وفقاً للقواعد العامة، وأنه لو أن الإدارة قبلت استقالة المطعون ضده إعمالاً للقانون المذكور رغم خروجه إلى المعاش لكان عملها هذا هو الانحراف بالسلطة ومخالفة القانون إذ تكون قد حملت الخزانة أعباء مالية ولم تراع صالحها مع أن مراعاة صالح الخزانة هدف مفروض ومشروع ويجب أن يعلو ويسود.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني في الطعن أوردت فيه أن الصحيح في الأمر هو ما قضت به المحكمة الإدارية العليا من أن دعوى المنازعة في القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بمقتضى أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 تعد في حقيقتها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش وبهذه المثابة لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها كما لا تخضع لميعاد الستين يوماً المقرر لطلبات الإلغاء، وأن هدف المشرع أصلاً من إصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية أو التخفف منها قدر المستطاع وهذه الحكمة الشخصية تعبر بذاتها عن مصلحة عامة تقوم عليها قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس، وأن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة إذ المرد هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص كما أنه ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية في رقابتها للقرارات الإدارية سلطة تقصر عنها سلطة المحكمة العليا ومن ثم فلا وجه للاعتداد بأن الطعن وقد اقتصر على شق الحكم الخاص بالتعويض لا يثير المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء لأن مثار هذه المنازعة هو في الواقع من الأمر مشروعية أو عدم مشروعية موقف الإدارة من عدم تسوية حالة المطعون ضده طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 فالتسوية والتعويض نتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد ومن ثم فهما مرتبطان ارتباطاً جوهرياً بحيث أن الحكم في أحدهما يؤثر في نتيجة الحكم في الأخر وقد خلصت هيئة المفوضين إلى أن الطعن الحالي على غير أساس سليم من القانون وأنه يتعين الحكم بأحقية المطعون ضده في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار، ورأت لذلك الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون ضده في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة بالمصروفات، وقد قدم المطعون ضده مذكرة طلب فيها الحكم بالطلبات الواردة بتقرير هيئة المفوضين.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن المطعون ضده من مواليد 8/ 5/ 1900 وكان سنه عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 في 3/ 4/ 1960 قد جاوز الخامسة والخمسين، وقد رقى اعتباراً من 26/ 3/ 1960 إلى الدرجة الثالثة الفنية المتوسطة بصفة شخصية وتقدم في 18/ 4/ 1960 بطلب إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون المذكور، ورفعت مذكرة إلى السيد الوزير في شأن هذا الطلب تضمنت أن الطالب يبلغ السن القانونية في 7/ 5/ 1960 وأنه قد صدر قرار بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 8/ 5/ 1960، وقد أشر الوزير على المذكرة في 9/ 5/ 1960 بعدم الموافقة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع جعل طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون وإذ كان هدف الشارع من إصداره هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المسنين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع فإن قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة، وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها، وأنه لا وجه للتفرقة، بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل، ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه، وأنه بناءً على ما تقدم فإن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم منهم لاعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون المذكور ليس مرده إلى تقدير جهة الإدارة واختيارها وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث أنه متى توافرت فيهم هذه الشروط الواجبة قانوناً حقت لهم الإفادة من أحكام القانون وحق على جهة الإدارة تمكينهم من هذه الإفادة، وبهذه المثابة فإن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص تكون في حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً المقرر لدعاوى الإلغاء.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن عدم قبول الوزارة طلب المطعون ضده اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رغم أنه توافرت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون، يكون غير قائم على أساس سليم، ويكون الحكم المطعون فيه إذا قضى للمطعون ضده بما طلبه من تعويض مؤقت تأسيساً على خطأ الوزارة في عدم قبول طلبه المذكور، قد أصاب الحق في قضائه ومن ثم فإن طعن الوزارة على هذا الحكم - وهو ينصب على شقه الخاص بذلك التعويض المؤقت كما هو ظاهر من أسباب الطعن - يكون غير سديد ومتعين الرفض.
ومن حيث إن هيئة المفوضين وإن انتهت في تقريرها على ما سلف بيانه إلى أن الطعن على غير أساس سليم من القانون إلا أنها ذهبت في الوقت ذاته إلى أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة وأنه لا وجه للاعتداد بأن الطعن وقد اقتصر على شقه الخاص بالتعويض لا يثير المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء لأن مثار هذه المنازعة هو في الواقع من الأمر مشروعية أو عدم مشروعية موقف الإدارة من عدم تسوية حالة المطعون ضده طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 فالتسوية والتعويض نتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد ومن ثم فهما مرتبطان ارتباطاً جوهرياً بحيث أن الحكم في أحدهما يؤثر في نتيجة الحكم في الآخر. إذ الحكم للمطعون ضده بالتسوية يجب طلبه الخاص بالتعويض ويغني عنه، وخلصت هيئة المفوضين من ذلك إلى أنها ترى القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون ضده في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إنه بتطبيق هذه الأحكام على الطعن المطروح أمام المحكمة، يبين أنه مقدم من الحكومة وحدها، فلا يتسنى وفق ما سلف إيراده الحكم فيه ضدها لصالح المطعون ضده بتعويض نهائي، نقداً أو في صورة تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960، ما دام أن الحكم الذي طعنت فيه الحكومة دونه - لم يقض له إلا بتعويض مؤقت فحسب، ولا يخفي أن مجال هذا التعويض النهائي هو في الدعوى التي قد يرفعها المطعون ضده استناداً إلى القضاء بثبوت حقه في التعويض الذي حكم له منه بالمبلغ المؤقت الذي طلبه وهو قرش واحد، كما أن هذا الطعن من جانب الحكومة في خصوص ما قضي به ضدها من تعويض مؤقت لا يفتح الباب لنقض ما قضي به لصالحها على المطعون ضده من عدم القبول شكلاً للطلب الأصلي الخاص بتسوية حالته والذي طرحه أمام المحكمة الإدارية وسكت عن الطعن في الحكم الصادر فيه، هذا إلى أنه ليس ثمة ارتباط جوهري من قبيل ما سلف بيانه بين هذا الشق الذي لم يطعن فيه من الحكم وبين شقه الآخر المطعون فيه الخاص بالتعويض المؤقت إذ أن الحكم في الطعن بما يؤكد حق المطعون ضده في التعويض أو بما ينفي حقه فيه، لا يؤثر على ما حكم به في طلبه الأصلي المتقدم الذكر من عدم قبوله شكلاً، فهذا الحكم الأخير مبني على تكييف طلب المطعون ضده لأنه طلب إلغاء لقرار إداري لا طلب تسوية وعلى أنه رفع بعد الميعاد القانوني، وذلك دون تعرض لمشروعية أو عدم مشروعية قرار جهة الإدارة أو تصرفها بما قد يتعارض مع الأساس الموضوعي الذي قد يبنى عليه الحكم في التعويض.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإنه يتعين الحكم برفض الطعن مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة المصروفات.


[(1)] حكمت المحكمة بمثل هذا المبدأ في القضية رقم 823 لسنة 9 القضائية بجلسة 12 من يونيه 1965.