مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1723

(159)
جلسة 26 من يونيه 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس، وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1440 لسنة 8 القضائية

( أ ) موظف - ترك الخدمة - قدامى الموظفين - درجات شخصية - طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 - رخصة مباحة للموظف متى تحققت فيه الشروط التي يتطلبها هذا القانون - هدف المشرع من إصدار هذا القانون هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين والتخلص من الدرجات الشخصية قدر المستطاع - هذه الحكمة التشريعية ترتب قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة - لا يسوغ بأداة تشريعية أدنى الحد من إطلاق حكم المادة الأولى من القانون المذكور فيما يتعلق بالمدة الباقية لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش - لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون سالف الذكر - أساس ذلك: المشرع قدر مقدماً ما يترتب على تطبيق أحكام هذا القانون من نتائج - لا وجه للتفرقة بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية بسبب السن أو مصلحة العمل ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه [(1)].
(ب) طعن - المحكمة الإدارية العليا - هيئة مفوضي الدولة - الطعن المقدم للمحكمة الإدارية العليا من هيئة مفوضي الدولة بفتح الباب أمام المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين - الطعن المقدم من الخصوم ذوي الشأن يحكمه أصل مقرر وهو ألا يضار الطاعن بطعنه ولا يفيد منه سواه من المحكوم عليهم الذين أسقطوا حقهم في الطعن - على أن الطعن القائم في شق من الحكم يثير الطعن في الشق الثاني إذا كان مترتباً على الشق الأول ويرتبط به ارتباطاً جوهرياً - أساس ذلك: تجنب قيام حكمين متعارضين [(2)].
1 - إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع جعل اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1951 رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون وإذ كان هدف المشرع من إصدار القانون المذكور هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها المشرع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم تسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها. ولا يسوغ بأداة تشريعية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قدر إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابها في المعاش قد يجاوز به سن الستين. كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية. بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون سالف الذكر ما دام هذا أمراً أباحه المشروع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة - بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل - بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
2- إنه ولئن كان صحيحاً أن الطعن المقدم للمحكمة الإدارية العليا من هيئة مفوضي الدولة، التي ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة وإنما تتمثل فيها الحيدة التامة لصالح القانون وحده، يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين. إلا أن الطعن من غير هذه الهيئة، أي من الخصوم ذوي الشأن الذين إنما يطعنون لصالحهم وحدهم، يحكمه أصل مقرر بالنسبة للطعن في الأحكام وهو ألا يضار الطاعن بطعنه ولا يفيد منه سواه من المحكوم عليهم الذين أسقطوا حقهم في الطعن. على أنه في حالة قيام ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وبين شق آخر غير مطعون فيه - فإن كان هذا الشق الآخر مترتباً على الشق الأول بحيث يتأثر الحكم فيه بنتيجة الحكم في الشق الأول - فإنه لا مندوحة تجنباً لقيام حكمين متعارضين، من أن يعتبر الطعن القائم في الشق الأول منهما مثيراً للطعن في الشق الثاني.


إجراءات الطعن

في يوم 28 من يوليو سنة 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزارة الزراعة سكرتارية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجداولها تحت رقم 1440 لسنة 8 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 28 من مايو سنة 1962 في الدعوى رقم 520 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ محمد حسن عامر ضد وزارة الزراعة (الطاعنة) والقاضي بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد وأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وإلزام الوزارة المصروفات.... وقد طلبت الوزارة الطاعنة - للأسباب المبينة بصحيفة الطعن - إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به - من أحقية المطعون عليه في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وبرفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وقد أعلنت صحيفة الطعن للمطعون عليه في 19 من أغسطس سنة 1962.... وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون عليه في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة المصروفات.... وبعد أن انتهت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23 من يناير سنة 1965 وأخطر بها الطرفان في 24 من ديسمبر سنة 1964. وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 15 من مايو سنة 1965 - وأخطر بها الطرفان في 17 من أبريل سنة 1965..... وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم ورخصت في تقديم مذكرات لمن يشاء إلى ما قبل الجلسة بأسبوع فقدم المطعون عليه مذكرة طلب فيها الحكم بما رأته هيئة مفوضي الدولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المطعون عليه السيد/ محمد حسن عامر قد أقام الدعوى رقم 520 لسنة 8 القضائية بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين في 3 من سبتمبر سنة 1961 ضد وزارة الزراعة طالباً الحكم بتسوية معاشه على أساس قبول استقالته من الخدمة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 واحتياطيا الحكم بإلزام الوزارة بأن تدفع تعويضاً مؤقتاً قدره قرش صاغ واحد مع إلزامها بالمصروفات والأتعاب..... وقال - بياناً لدعواه - أنه من مواليد 6 من مارس سنة 1901 ويبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 5 مارس سنة 1961. وفي 18 من يوليو سنة 1960 تقدم بطلب لإحالته إلى المعاش مع ضم سنتين ومنحه علاوتين إعمالاً للقانون رقم 120 لسنة 1960. وقد حفظ هذا الطلب في 11 من أكتوبر سنة 1960 بعد أكثر من ثلاثين يوماً وبالتالي أصبحت استقالته مقبولة بقوة القانون.... ونعى على قرار الحفظ مخالفته للقانون آنف الذكر ولقصد المشرع من إصداره لأن هدفه الأساسي كان علاج مشكلة الموظفين المنسيين علاجاً شاملاً وتعويضهم تعويضاً عادلاً إلى جانب الرغبة الملحة في التخلص من الدرجات الشخصية كما أن هذا القانون قد جعل الاستقالة جوازيه للموظف دون جهة الإدارة التي جعل ذلك إجبارياً بالنسبة لها. وأن سبب الرفض هو أن المدة الباقية على بلوغه سن الإحالة إلى المعاش أقل من سنة وقال المدعي أن هذا الشرط باطل ومخالف للقانون ولقصد المشرع علاوة على أنه مناف لروح العدالة لأنه يخلق - أوضاعاً شاذة بحيث يغدق المزايا على الموظف الأقل سناً ودرجة فيجعله يتقاضي معاشاً يزيد عن زميله الأكبر سناً والأطول خدمة والقانون قد اشترط حداً أدنى لسن طالب الاعتزال ولكنه سكت عن تحديد الحد الأقصى... وانتهى المدعي إلى طلب الحكم له بطلباته.... وقد ردت الوزارة على الدعوى أن المدعي قدم طلباً في 15 من يونيه سنة 1961 التمس فيه إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد أشار السيد/ الوزير بحفظه وأبلغت إدارة الميزانية - التي كان يتبعها المدعي بذلك. وأنه قد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن على المصالح والهيئات الحكومية والوزارات البت في هذه الطلبات على ضوء المصلحة العامة... وقد عقب المدعي على رد الوزارة بمذكرة ضمنها أنه أخطر في 18 من أكتوبر سنة 1960 بعدم قبول طلبه فتظلم في 16 من ديسمبر سنة 1960 ولما لم يصله رد على تظلمه قام بتقديم طلب الإعفاء في 14 من أبريل سنة 1961 وأنه لذلك تكون الدعوى مقبولة شكلاً.... وأنه لما كان السيد/ الوزير لم يبت في طلبه خلال ثلاثين يوماً فتكون استقالته مقبولة.... ثم أودعت الوزارة صورة مذكرة مراقبة المستخدمين والمعاشات التي أشر عليها السيد/ الوزير بالحفظ كما ضمت ملف المدعي الشخصي وصورة من كتاب قسم التظلمات الإدارية المؤرخ في 13 من يناير سنة 1962.... وقد قدم السيد/ مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى أنه يرى:
أولاً - عدم قبول طلب إلغاء قرار الحفظ شكلاً.
ثانياً - استحقاق المدعي في مبدأ التعويض عن القرار المطعون فيه والحكم له بقرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وإلزام الوزارة المدعى عليها المصروفات.... وبجلسة 28 من مايو سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد. وبأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وإلزام الوزارة المصروفات... وأقامت قضائها - بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً - على أن المدعي علم بقرار الحفظ في 18 من أكتوبر سنة 1960 فتظلم منه في 16 من ديسمبر سنة 1960 أي في الميعاد ثم قدم طلب المعافاة في 24 من إبريل سنة 1961 فيكون - الطلب قد رفع بعد الميعاد لأن آخر ميعاد لتقديمه هو 15 من الشهر المذكور.... أما بالنسبة للطلب الاحتياطي فقد أقامت المحكمة قضاءها - بأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد - على أنه يستفاد من كتاب قسم التظلمات الإدارية المؤرخ في 13 من يناير سنة 1963 أن السيد/ الوزير قد بت في الطلب بالحفظ بعد مضي أكثر من ثلاثين يوماً على تاريخ تقديمه بالمخالفة لحكم المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وأنه من ناحية أخرى فإن جهة الإدارة قد خالفت حكم القانون رقم 120 لسنة 1960 بأن استندت في الحفظ إلى سبب لم ينص عليه هذا القانون الأخير - وهو أن المدة الباقية للمدعي على الإحالة إلى المعاش من تاريخ تقديم الطلب تقل عن سنة.... وأن تصرف جهة الإدارة على هذا الوجه يعد عملاً غير مشروع. ولما كان تطبيق القانون الأخير سيحقق للمدعي فائدة محتمة - هي ضم سنتين وحسابهما في المعاش ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين - وهناك رابطة قانونية بين خطأ الإدارة الناتج عن تصرفها والضرر الذي أصاب المدعي مما يتعين معه تعويضه عما أصابه من ضرر وإذا كان المدعي قد طالب بتعويض مؤقت قدره قرش واحد فلا يسع المحكمة إلا إجابته إلى طلبه.... وقد طعنت الوزارة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 28 من يوليو سنة 1962 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به - من أحقية المطعون عليه في تعويض مؤقت قدره قرش واحد - وبرفض دعواه مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.... وبنت طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ أولاً إذ بني قضاءه على أساس أن السيد/ الوزير قد حفظ الطلب بعد مضي ثلاثون يوماً من تاريخ تقديمه رغم أن هذه الواقعة غير ثابتة بالأوراق ولم يقم عليها دليل إذ أن الحكم نفسه قد أثبت أن التأشيرة المتضمنة رأي السيد الوزير كانت بدون تاريخ وفضلاً عن ذلك فإن مراجعة الأوراق تدل على أن تصرف الوزير قد يتم خلال المدة القانونية لأن طلب المدعي قدم في 15 من يونيه سنة 1960 وحررت مراقبة المستخدمين بالوزارة مذكرة في 22 من ذات الشهر أشر عليها السيد/ مصطفى الفار في 27 من الشهر نفسه للعرض على السيد الوزير ثم أشر مدير مكتب السيد الوزير بدون تاريخ بالآتي: (عرض وأشر عليه السيد الوزير بالحفظ) ويستنتج من هذا أن العرض عليه كان في تاريخ تال مباشرة لتاريخ التأشيرة السابقة.... خاصة وأن مدير المكتب قرر أنه لا يمكنه تذكر تاريخ الحفظ على وجه التحديد لمضي فترة طويلة.... ثم قالت الوزارة الطاعنة أن الحكم أخطأ كذلك في القول - بأنه لا يصح الاستناد في حفظ الطلب إلى أن المدة الباقية على بلوغ الطالب السن القانونية تقل عن سنة - ذلك لأنه يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960، أن الفصل في طلبات اعتزال الخدمة طبقاً للقانون المذكور يجب أن يتم في ضوء المصلحة العامة بصرف النظر عن مصلحة الموظفين وتحقيق المزايا المقررة أو حرمانهم منها فإذا كان هذا الهدف متحققاً بأعمال القواعد العامة المقررة في قانون الموظفين وذلك بانتهاء خدمة الموظف ببلوغه السن القانونية للإحالة إلى المعاش أو لأي سبب آخر من الأسباب الواردة في القانون فلا محل في هذه الحال لتطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 وإلا كان في ذلك تحميل للخزانة العامة بأعباء مالية بمنح الموظف ميزات مالية مما يعتبر خروجاً عن الهدف الذي قصده المشرع وانحرافاً في استعمال السلطة.... ثم قالت الوزارة الطاعنة أن هذا هو ما حاولت الجهة الإدارية تفاديه في حالة المطعون عليه إذ تبين أنه يبلغ السن القانونية للإحالة إلى المعاش في خلال مدة تقل عن سنة من تاريخ تقديم الطلب فلم تجد محلاً لتطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 - وهو تشريع استثنائي - طالما أن الغاية منه متحققة لا محالة طبقاً لأحكام القانون العام.... وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون عليه في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة المصروفات... واستندت في ذلك إلى أن دعوى المطعون عليه تعد في حقيقتها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش ولذلك فهي لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها كما لا تخضع لميعاد الستين يوماً المقررة لطلبات الإلغاء وأن المطعون عليه على حق في طلبه الأصلي لأنه على درجة شخصية ويتعين إجابته إلى هذا الطلب ولا يمنع من ذلك أنه لم يطعن في الحكم المطعون فيه من الحكومة وذلك لأن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة.... ثم قدم المطعون عليه مذكرة طالباً الحكم بالطلبات الواردة بتقرير هيئة مفوضي الدولة استناداً إلى الأسانيد الواردة به أضاف إليها أنه لا يمنع من إجابة هذه الطلبات أن الطعن مقدم من الحكومة وليس من هيئة المفوضين لأن الوضع لا يتغير إذ أن المحكمة العليا تنزل حكم القانون على المنازعة الإدارية بغض النظر عن شخص الطاعن..... ثم أضاف المطعون عليه أن الأصل في التعويض هو التعويض العيني ما دام ممكناً وهذا هو ما قضت به المادة 171 من القانون المدني فقرة ثانية وهذه القاعدة المدنية عادلة ولا يوجد ما يمنع من سريانها في المنازعات الإدارية.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أنه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع جعل طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1951 رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون وإذ كان هدف المشرع من إصدار القانون المذكور هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها المشرع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة، وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم تسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها. ولا يسوغ بأداة تشريعية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قدر إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابها في المعاش قد يجاوز به سن الستين. كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية. بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون سالف الذكر ما دام هذا أمراً أباحه المشرع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل - بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون عليه من مواليد 6 من مارس سنة 1901 وكان سنه عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 في 3 إبريل سنة 1960 قد جاوزت الخامسة والخمسين وكان يشغل درجة شخصية. وفي 18 من يونيه سنة 1960 تقدم بطلب لإحالته إلى المعاش مع ضمن سنتين إلى مدة خدمته ومنحه علاوتين إعمالاًً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 فأشر السيد الوزير بحفظه ولما كانت الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون المذكور متوافرة في طلب المطعون عليه. ومن ثم يكون حفظ الوزارة لهذا الطلب غير قائم على أساس سليم من القانون ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى للمطعون عليه بما طلبه من تعويض مؤقت تأسيساً على خطأ الوزارة في عدم قبول طلبه المذكور - قد أصاب الحق في قضائه. ولذلك فإن طعن الوزارة على هذا الحكم، وهو ينصب على شقه الخاص بذلك - التعويض المؤقت كما هو ظاهر من أسباب الطعن، يكون غير سديد متعين الرفض.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة - وإن انتهت في تقريرها على ما سلف بيانه، إلى أن الطعن على غير أساس سليم من القانون - إلا أنها ذهبت في الوقت ذاته على أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة وأنه لا وجه للاعتداد بالطعن، وقد اقتصر على شقه الخاص بالتعويض، لا يثير المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء لأن مثار هذه المنازعة هو، في الواقع من الأمر، مشروعية أو عدم مشروعية موقف جهة الإدارة من عدم تسوية حالة المطعون عليه طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 فالتسوية والتعويض نتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد ومن ثم فهما مرتبطان ارتباطاً جوهرياً بحيث أن الحكم في أحدهما يؤثر في نتيجة الحكم الآخر إذ الحكم للمطعون عليه بالتسوية يجب طلبه الخاص بالتعويض ويغني عنه. وخلصت هيئة المفوضين من ذلك إلى أنها ترى القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون عليه في تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة المصروفات.
ومن حيث إنه كان صحيحاً أن الطعن المقدم للمحكمة الإدارية العليا من هيئة مفوضي الدولة، التي ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة وإنما تتمثل فيها الحيدة التامة لصالح القانون وحده، يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين إلا أن الطعن من غير هذه الهيئة، أي من الخصوم ذوي الشأن الذين إنما يطعنون لصالحهم وحدهم، يحكمه أصل مقرر بالنسبة للطعن في الأحكام وهو ألا يضار الطاعن بطعنه ولا يفيد منه سواه من المحكوم عليهم الذين أسقطوا حقهم في الطعن. على أنه في حالة قيام ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وبين شق آخر غير مطعون فيه - فإن كان هذا الشق الآخر مترتباً على الشق الأول بحيث يتأثر الحكم فيه بنتيجة الحكم في الشق الأول - فإنه لا مندوحة تجنباً لقيام حكمين متعارضين، من أن يعتبر الطعن القائم في الشق الأول منهما مثيراً للطعن في الشق الثاني.
ومن حيث إنه بتطبيق هذه الأحكام على الطعن المطروح أمام المحكمة يبين أنه مقدم من الحكومة وحدها فلا يتسنى، وفق ما سلف إيراده، الحكم ضدها لصالح المطعون عليه بتعويض نهائي - نقداً أو في صورة تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 ما دام أن الحكم الذي طعنت فيه الحكومة وحدها دونه لم يقض له إلا بتعويض مؤقت فحسب. ولا يخفي أن مجال هذا التعويض النهائي هو في الدعوى التي يرفعها ضده استناداً إلى القضاء له بثبوت حقه في التعويض الذي حكم له منه بالمبلغ المؤقت الذي طلبه، وهو قرش واحد كما أن هذا الطعن من جانب الحكومة - في خصوص ما قضي به ضدها من تعويض مؤقت - لا يفتح الباب لنقض ما قضي به لصالحها على المطعون عليه من عدم القبول شكلاً بالنسبة للطلب الأصلي الخاص بتسوية حالته والذي طرحه أمام المحكمة الإدارية وسكت عن الطعن في الحكم الصادر فيه، هذا إلى أنه ليس ثمة ارتباط جوهري من قبيل ما سلف بيانه بين هذا الشق الذي لم يطعن فيه وبين الشق الآخر المطعون فيه والخاص بالتعويض المؤقت إذ أن الحكم في الطعن بما يؤكد حق المطعون عليه في التعويض أو بما ينفي حقه فيه لا يؤثر على ما حكم به في طلبه الأصلي سالف الذكر من عدم قبوله شكلاً فهذا الحكم الأخير مبني على تكييف طلب المطعون عليه بأنه طلب إلغاء لقرار إداري، لا طلب تسوية، وعلى أنه رفع بعد الميعاد القانوني وذلك دون تعرض لمشروعية أو عدم مشروعية قرار جهة الإدارة أو تصرفها بما قد يتعارض مع الأساس الموضوعي الذي يبني عليه الحكم في التعويض.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين الحكم برفض الطعن مع إلزام الحكومة بمصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة المصروفات.


[(1)] قضت المحكمة بمثل هذا المبدأ في القضيتين 1421، 1707 لسنة 7 ق المنشورتين بمجموعة مبادئ المحكمة الإدارية العليا السنة الثامنة ص 885 (قاعدة رقم 80) وص 1160 (قاعدة رقم 109/ جـ) وكذلك في القضية رقم 823 لسنة 9 القضائية جلسة 12 من يونيه سنة 1965.
[(2)] قضت المحكمة بمثل هذا المبدأ في القضية رقم 1301 لسنة 8 ق بذات الجلسة.