مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1747

(161)
جلسة 26 من يونيه 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1199 لسنة 10 القضائية

موظف - ترك الخدمة - دعوى تسوية - دعوى إلغاء - هدف المشرع من إصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 - هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين والتخلص من الدرجات الشخصية قدر المستطاع - هذه الحكمة التشريعية ترتب قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة - سلطة الإدارة في قبول أو رفض طلبات ترك الخدمة المقدمة من هؤلاء الموظفين بالتطبيق لأحكام هذا القانون هي سلطة مقيدة - الأمر يختلف بالنسبة إلى الموظفين الشاغلين لدرجات أصلية - قيام المصلحة العامة في تركهم الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المذكور متروك لتقدير جهة الإدارة - أثر ذلك: الدعوى التي يرفعها الموظفون الشاغلون لدرجات شخصية بطلب تطبيق أحكام هذا القانون هي دعوى تسوية - أما الدعوى التي يرفعها الموظفون الشاغلون لدرجات أصلية فتعتبر دعوى إلغاء.
إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع قد هدف أصلاً من إصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 إلى علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية قدر المستطاع وهذه الحكمة تعبر بذاتها عن مصلحة عامة تقوم عليها قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس في تحقيق هذه المصلحة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية وبالتالي فإنه يلزم قبول طلبات ترك الخدمة المقدمة منهم بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 المشار إليه متى توافرت فيهم الشروط المطلوبة في هذا القانون دون أي قيد آخر لم يرد فيه، إذ أن السلطة في قبول أو رفض هذه الطلبات إنما هي سلطة مقيدة بالقانون فلا تملك الجهة الإدارية أن تضيف في هذه الحالة حكماً أو قاعدة تنظيمية لا ترقى إلى مرتبة القانون على خلاف أحكامه.... أما بالنسبة للموظفين الشاغلين لدرجات أصلية فإن أمرهم يختلف. إذ أن قيام المصلحة العامة في تركهم الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المنوه عنه لا يزال أمراً متروكاً لتقدير الجهة الإدارية ولهذه الجهة أن تضع من القواعد التنظيمية أو التعليمات ما ترى إتباعه عند النظر في طلبات تركهم الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المذكور... وتفريعاً على ذلك، وإذا كانت الجهة الإدارية تلزم بقبول طلبات ترك الخدمة بالنسبة للموظفين الشاغلين لدرجات شخصية، فإن الدعوى التي يرفعها هؤلاء الموظفون تعتبر - ولا شك - دعوى تسوية لأن صاحب الحق يطالب بحق ذاتي مقرر له مباشرة في القانون، ومن ثم فإن ما تصدره جهة الإدارية من تصرفات وأوامر في هذه المناسبة هو مجرد أعمال تنفيذية تهدف إلى مجرد تطبيق القانون على حالة الموظف وتوصيل ما نص عليه القانون إليه وبالتالي لا يكون هذا التصرف قراراً إدارياً بالمعنى المفهوم بل يكون مجرد إجراء تنفيذي أو عمل مادي لا يصل إلى مرتبة القرار الإداري ولا يمكن أن تكون الدعوى من دعاوى الإلغاء...... وعلى عكس ذلك إذا لم يكن مركز الموظف قد نشأ عن القاعدة التنظيمية بل استلزم صدور قرار إداري خاص يخوله هذا المركز القانوني فإن الدعوى تكون من دعاوى الإلغاء وينطبق هذا على أصحاب طلبات ترك الخدمة من شاغلي الدرجات الأصلية طبقاً لأحكام ذلك القانون والذي يتعين أن تصدر جهة الإدارة في شأنهم قرارات إدارية منشئة لحقهم في ترك الخدمة بناءً على السلطة التقديرية المخولة لها في القانون - على ما سبق بيانه - ... ولما كان المدعي (المطعون عليه) من شاغلي الدرجات الأصلية فإن دعواه تكون من دعاوى الإلغاء الأمر الذي يستتبع ضرورة إتباع الإجراءات الخاصة بمواعيد هذه الدعوى.


إجراءات الطعن

في يوم 14 من يونيه سنة 1964 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزارة الخزانة سكرتارية هذه المحكمة صحيفة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بجلسة 15 من أبريل سنة 1964 في الدعوى رقم 454 لسنة 16 القضائية المرفوعة من السيد/ برسوم جرجس داود ضد وزارة الخزانة - الطاعنة - والذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبولها وفي الموضوع باستحقاق المدعي لتسوية معاشه وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات.. وقد طلبت الطاعنة - للأسباب الواردة بصحيفة الطعن إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلنت صحيفة الطعن للمطعون عليه في أول يوليه سنة 1964.... وقد قدم المطعون عليه مذكرة بالرد على الطعن طلب فيها القضاء برفضه. ثم قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام المطعون عليه المصروفات. وقدم المطعون عليه مذكرة بالتعقيب على تقرير هيئة مفوضي الدولة طلب فيها القضاء برفض الطعن وإلزام الحكومة المصروفات.. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16 من يناير سنة 1965 وأخطر بها الطرفان في 14 من ديسمبر سنة 1964 وفيها قررت الدائرة إحالته إلى هذه المحكمة حيث عين لنظره جلسة 8 من مايو سنة 1965 وأخطر بها الطرفان في 17 من أبريل سنة 1965 ومنها لجلسة 5 من يونيه سنة 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم ورخصت في تقديم مذكرات إلى ما قبل الجلسة بأسبوعين فقدمت الحكومة مذكرة صممت فيها على طلباتها كما قدم المطعون عليه مذكرة صمم فيها على طلباته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المطعون عليه السيد/ برسوم جرجس داود أقام الدعوى رقم 454 لسنة 16 القضائية ضد وزارة الخزانة (الطاعنة) بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" في 28 من يناير سنة 1962 طلب فيها الحكم بتسوية معاشه على أساس الطلب المقدم منه لوزارة الخزانة في 21 من مايو سنة 1960 وطبقاً لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وقال - بياناً لدعواه - أنه من مواليد 8 من مارس سنة 1901 والتحق بالخدمة في 7 من يوليو سنة 1920 في وظيفة كاتب من الدرجة الثامنة وتقلب في عدة وظائف إلى أن شغل وظيفة رئيس حسابات تفتيش ري أسيوط وفي ديسمبر سنة 1956 رقى للدرجة الرابعة الإدارية. وبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 8 من مارس سنة 1961.. ولما صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 تقدم في 21 من مايو سنة 1960 بطلب يعرب فيه عن رغبته في ترك الخدمة وتسوية معاشه على مقتضى أحكام المادة الأولى من القانون المذكور التي تقضي بضم سنتين إلى مدة خدمته ومنحه علاوتين من علاوات درجته واحتسابهما في المعاش. ولكنه أخطر في 14 من أغسطس سنة 1960 برفض طلبه فتظلم بعد ذلك في 15 من ذات الشهر وفي 15 من أكتوبر سنة 1960 رفض تظلمه.. ثم أبلغ في 16 من مارس سنة 1961 بانتهاء خدمته وتسلم سركي معاشه فتبين له أن الوزارة لم تسو معاشه على مقتضى أحكام القانون المذكور في حين أن طلب ترك الخدمة إعمالاً لنص المادة الأولى من هذا القانون هو بمثابة استقالة بدليل ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية من وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة التي تحكم الاستقالة وعلى الأخص المادة 110 منه عدا الحكم باعتبار الاستقالة، المقيدة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط، كأن لم تكن. وبذلك تلتزم الإدارة بمراعاة ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 110 سالفة الذكر من وجوب الفصل في طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون وذلك متى توافرت في حق الطالب الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون.. وأنه لما كان من مواليد 8 مارس سنة 1901 وكان سنه تزيد على 55 سنة عند العمل بالقانون المذكور وتقدم في 21 من مايو سنة 1960 بطلب ترك الخدمة بالتطبيق لأحكامه ولم يخطر برفض طلبه إلا في 15 من أغسطس سنة 1960 ومن ثم يكون قرارها قد صدر بعد انقضاء ثلاثين يوماً من تقديم الطلب أي بعد أن اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون. وبذلك يكون قرار رفض طلبه قد ورد على غير محل وبالتالي يكون محقاً في طلب تسوية معاشه على أساس أحكام المادة الأولى من القانون سالف الذكر.. وقد ردت وزارة الخزانة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي تقدم بطلب في 23 من مايو سنة 1960 ورد للوزارة في 28 من ذات الشهر ولم يوافق السيد الوزير على هذا الطلب في 19 من يونيه سنة 1960 وأبلغ للسيد مراقب مالي مديرية أسيوط بذلك في 31 من يوليو سنة 1960 وطلب إليه إبلاغ المدعي ولما أبلغ هذا الأخير تظلم في 15 من أغسطس سنة 1960 ثم في 10 من أكتوبر سنة 1960 وفي 14 من نوفمبر سنة 1960 قررت الوزارة حفظ تظلمه الأول. وفي 26 من ديسمبر سنة 1960 أخطرته بحفظ تظلمه الثاني.. وأنه لما كان تكرار التظلمات لا يفتح ميعاداً جديداً للطعن فإنه كان يتعين على المدعي أن يرفع دعواه خلال 120 يوماً من تاريخ إخطار المراقبة المالية في 21 من يوليو سنة 1960 برفض طلبه ولكنه لم يرفع دعواه إلا في 28 من يناير سنة 1962 بعد أكثر من عام وبالتالي تكون دعواه غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد أما عن الموضوع فقد أوردت الوزارة بياناً عن حالة المدعي فذكرت تاريخ ميلاده في 8 من مارس سنة 1901 وتاريخ دخوله الخدمة في 7 من يوليو سنة 1920 وأن المدة المحسوبة له في المعاش بلغت 24 يوم و11 شهر و39 سنة وأنه لذلك لا يستفيد من أحكام القانون لأنه اشترط ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش 37.5 سنة... وأضافت الوزارة أن القانون رقم 120 لسنة 1960 صدر للتخلص من الدرجات الشخصية ألا أنه روعي إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان القانون أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط بالمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وأنه يستفاد من أحكام القانون المذكور ومذكرته الإيضاحية والقانون رقم 210 لسنة 1951 أن قبول الاستقالة جوازي لجهة الإدارة وأنه يتعين للإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 أن تفصح الإدارة صراحة عن إرادتها في قبول الطلب ومن ثم فإن سكوتها لا يعتبر قبولاً ولما كان السيد الوزير لم يوافق على طلب المدعي بموجب السلطة التقديرية المخولة له قانوناً لما في ذلك من مصلحة عامة فإن دعوى المدعي لا يكون لها سند من القانون وطلبت الوزارة لذلك رفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات... وقد عقب المدعي على مذكرة الوزارة بمذكرة قال فيها أنه لم يطلب إلغاء قرار وأن طلبه لا يعدو أن يكون منازعة في معاش مما تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل فيه دون أن يخضع للمواعيد المنظمة للطعن في القرار. وقال في الموضوع أن طلبه المقدم في 21 من مايو سنة 1960 لم يبت فيه فعلاً إلا في 14 من أغسطس سنة 1960 بإلغائه برفض طلبه وعلى ذلك فإنه لم يعلم بقرار الوزارة إلا بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وبذلك يكون طلبه مقبولاً بقوة القانون وأنه تقدم بطلبات أخرى لم يبت فيها جميعها بعدم القبول أو الحفظ إلا بعد ثلاثين يوماً وبذلك يكون حقه ثابتاً في تسوية معاشه على أساس أحكام المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 وأنه لا محل للقول بأن للوزارة سلطة تقديرية في قبول أو رفض الطلب لأن نص القانون صريح في أن سلطة الإدارة في ذلك سلطة مقيدة لا تنصرف إلا إلى تحري توافر الشروط التي فرضها القانون دون سواها.. وأنه حتى مع التسليم جدلاً - بأن للوزارة سلطة تقديرية في قبول أو رفض الطلب مراعاة للمصلحة العامة - فإن الوزارة أفصحت في مذكرتها إلى السيد الوزير بأنه "باق له (أي للمدعي) أقل من سنة على بلوغه سن الستين". وهذا السبب في ذاته لا يمكن أن يدخل نطاق المصلحة العامة لأنه ينطوي على تفرقة لا مبرر لها أصلاً فيتمتع بمزايا القانون الموظف الأصغر سناً والأقل خدمة بينما يحرم منها الموظف الأكبر سناً والأكثر خدمة وهذا أمر يتنافى ما شرع له القانون وما جاء بمذكرته الإيضاحية.. وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً في الموضوع برفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات.. وبجلسة 15 من أبريل سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبولها وفي الموضوع باستحقاق المدعي لتسوية معاشه وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات.. وأقامت قضاءها - برفض الدفع بعدم قبول الدعوى - على أنه يستفاد من نصوص القانون رقم 120 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة، ومذكرته الإيضاحية أن المشرع قد أجاز لطائفة من الموظفين - وهم الذين بلغوا سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة شهور من تاريخ نفاذ القانون في 3 من أبريل سنة 1960 - طلب ترك الخدمة بإرادتهم واختيارهم بصفة نهائية على أن يسوى معاش الموظف في هذه الحالة على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بها نهاية مربوط الدرجة. لا فرق في ذلك بين من بقى من مدة خدمته سنة أو أكثر عند تقديم طلب ترك الخدمة وبين من لم يبق عليها إلا أقل من سنة لتوافر العلة في الجميع. ذلك أن القانون سالف الذكر ليس فيه تخصيص لفئة من الموظفين الذين بلغوا سن الخامسة والخمسين أو يبلغوها خلال الثلاثة شهور المنوه عنها فالكل في مركز قانوني واحد من ناحية أحقيتهم في طلب ترك الخدمة بإرادتهم والإفادة من المزايا التي قررها القانون إذ ما توافرت الشروط المنصوص عليها فيه وأنه لم يعد هناك مجال للإدارة في حرية تقدير قبول الطلب أو رفضه. ومن ثم تكون الدعوى في حقيقتها منازعة في معاش لا تتقيد بالمواعيد والإجراءات المقررة في دعاوى الإلغاء وبالتالي يتعين رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء.... وأقامت المحكمة قضاءها في موضوع الدعوى على أنه كان يتعين على الوزارة - وقد توافرت في حق المدعي الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 - أن تقبل طلب اعتزاله الخدمة وتسوي معاشه وفقاً لأحكام القانون سالف الذكر.. وبصحيفة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في يوم 14 من يونيه سنة 1964 طعنت وزارة الخزانة في هذا الحكم وبنت طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه في قضائه بقبول الدعوى شكلاً وموضوعاً وقالت الوزارة الطاعنة في بيان ذلك أن مؤدي نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 - كما هو واضح من عباراته وعبارات المذكرة الإيضاحية - أن طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون المذكور يخضع لتقدير جهة الإدارة التي لها أن تقبله أو ترفضه حسبما تراه متفقاً مع صالح المرفق وحسن سير العمل به وأن قرار رفض استقالة المطعون عليه قد صدر خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه لذلك فإنه يعتبر بمثابة قرار إداري لأنه يشغل درجة أصلية لا شخصية فتكون دعواه من قبيل دعاوى الإلغاء لا التسوية.. ولما كان المطعون عليه قد أخطر بقرار رفض طلب اعتزاله الخدمة (21 من يوليو سنة 1960 وتظلم منه في 5 من أغسطس سنة 1960 ولم يرفع الدعوى إلا في 28 من يناير سنة 1962 فإن دعواه تكون غير مقبولة شكلاً وأنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب فيما قضى به من إجابة المطعون عليه إلى طلباته بدعوى أن جهة الإدارة ليس لها حرية رفض أو قبول طلبات اعتزال الخدمة وفقاً للقانون المنوه عنه وانتهت الوزارة الطاعنة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقد رد المطعون عليه على الطعن بمذكرة ردد فيها ما جاء بصحيفة دعواه وبمذكرته السابق تقديمها لمحكمة القضاء الإداري من أن الشرط الذي وضعته الوزارة - وهو أن المطعون عليه لم يبق له على ترك الخدمة إلا سنة واحدة أو أكثر من سنة لا يمت إلى الصالح العام بصلة بل يتنافى معه. يضاف إلى ذلك أنه يستمد مركزه من القانون مباشرة. وأن طلب الخدمة وإن كان يعتبر استقالة لا يخضع لنص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 إلا من حيث أنها استقالة مسببة تقبل على خلاف ما جاء في الفقرة الأخيرة من تلك المادة ولكنها تظل خاضعة بعد ذلك للقواعد الواردة في القانون رقم 120 لسنة 1960 ثم قال أن قول الوزارة الطاعنة - بأن الدعوى تعتبر دعوى إلغاء - قول يفتقر إلى أساس قانوني سليم لأن القانون لم يفرق بين الموظفين الذين يشغلون درجات شخصية وأولئك الذين يشغلون درجات فعلية وختم مذكرته أنه بعد خدمة استطالت إلى ما يقرب من أربعين سنة لم يصل في نهايتها إلى الدرجة الرابعة الإدارية وأنه رسب في إحدى الدرجات ثلاثاً وعشرين سنة متوالية وكان أولى به أن يعوض عن هذا الحرمان الصارخ لا أن ينكر حقه في الإفادة من مزايا القانون رقم 120 لسنة 1960 وهي إفادة جزئية إذ أنه لا يستفيد من ميزة ضم سنتين إلى مدة خدمته لتجاوزها الحد الأقصى لسني الخدمة المحسوبة في المعاش.. وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام المطعون عليه المصروفات واستندت في ذلك إلى أنه لما كان المدعي (المطعون عليه) من شاغلي الدرجات الأصلية فإن دعواه تكون دعوى إلغاء الأمر الذي يستتبع ضرورة إتباع الإجراءات الخاصة بمواعيد دعوى الإلغاء وأنه لما كان قد تقدم بطلب ترك الخدمة في 23 من مايو سنة 1960 وقد رفض السيد وزير الخزانة هذا الطلب في 19 من يونيه سنة 1960 وأبلغ به المدعي في 15 من أغسطس سنة 1960 وتظلم منه في ذلك التاريخ ولم ترد الجهة الإدارية عليه خلال الستين يوماً التالية لتقديمه التظلم الأمر الذي يعتبر معه ذلك رفضاً ضمنياً لتظلمه فكان يتعين عليه أن يرفع دعواه خلال الستين يوماً التالية لتحقق هذا الرفض الضمني أي في ميعاد أقصاه 13 من ديسمبر سنة 1961 وبذلك تكون دعواه - التي رفعت في 28 من يناير سنة 1962 قد رفعت بعد الميعاد القانوني.. وقد عقب المطعون عليه على تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرة فقال أن التفرقة في المعاملة بين الشاغلين لدرجات شخصية والشاغلين لدرجات أصلية لم تخطر ببال المشرع كما أن أحكام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية لم تلتفت أصلاً إلى هذه التفرقة كما أن المصالح الحكومية قد أجابت طلبات كثيرة لموظفين من أصحاب الدرجات الشخصية أو الأصلية على السواء.. ثم أورد المطعون عليه بياناً لحالته الوظيفية وقال أنه رقي للدرجة الرابعة الأصلية في 28 من ديسمبر سنة 1959 وكان سيمنحها بصفة شخصية في مارس سنة 1960 وأنه لو كان متصوراً أن هذه الدرجة ستكون سبباً مباشراً في حرمانه من الإفادة بأحكام القانون المشار إليه لكان خليقاً أن يتنازل عنها وأن ينتظر الشهور القليلة لترقيته بصفة شخصية.. وأضاف أنه علاوة على ما تقدم فإن قرار السيد الوزير برفض طلبه لم يبلغ له إلا في 15 من أغسطس سنة 1960 أي بعد ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم الطلب والعبرة بتاريخ إبلاغه بالقرار لا بتاريخ صدوره طبقاً لأحكام المادتين 110، 111 من القانون 210 لسنة 1951 وانتهى المطعون عليه إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الحكومة المصروفات.. ثم قدمت الحكومة مذكرة صممت فيها على طلباتها كما قدم المطعون عليه مذكرة ردد فيها ما جاء بمذكراته السابقة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع قد هدف أصلاً من إصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 إلى علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية قدر المستطاع وهذه الحكمة تعبر بذاتها عن مصلحة عامة تقوم عليها قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس في تحقيق هذه المصلحة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية وبالتالي فإنه يلزم قبول طلبات ترك الخدمة المقدمة منهم بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 المشار إليه متى توافرت فيهم الشروط المطلوبة في هذا القانون دون أي قيد آخر لم يرد فيه إذ أن السلطة في قبول أو رفض هذه الطلبات إنما هي سلطة مقيدة بالقانون فلا تملك الجهة الإدارية أن تضيف في هذه الحالة حكماً أو قاعدة تنظيمية لا ترقى إلى مرتبة القانون على خلاف أحكامه.... أما بالنسبة للموظفين الشاغلين لدرجات أصلية فإن أمرهم يختلف. إذ أن قيام المصلحة العامة في تركهم الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المنوه عنه لا يزال أمراً متروكاً لتقدير الجهة الإدارية ولهذه الجهة أن تضع من القواعد التنظيمية أو التعليمات ما ترى إتباعه عند النظر في طلبات تركهم الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المذكور..... وتفريعاً على ذلك، وإذا كانت الجهة الإدارية تلتزم بقبول طلبات ترك الخدمة بالنسبة للموظفين الشاغلين لدرجات شخصية، فإن الدعوى التي يرفعها هؤلاء الموظفون تعتبر - ولا شك - دعوى تسوية لأن صاحب الحق يطالب بحق ذاتي مقرر له مباشرة في القانون ومن ثم فإن ما تصدره جهة الإدارة من تصرفات وأوامر في هذه المناسبة هو مجرد أعمال تنفيذية تهدف إلى مجرد تطبيق القانون على حالة الموظف وتوصيل ما نص عليه القانون إليه وبالتالي لا يكون هذا التصرف قراراً إدارياً بالمعنى المفهوم بل يكون مجرد إجراء تنفيذي أو عمل مادي لا يصل إلى مرتبة القرار الإداري ولا يمكن أن تكون الدعوى من دعاوى الإلغاء...... وعلى عكس ذلك إذا لم يكن مركز الموظف قد نشأ عن القاعدة التنظيمية بل استلزم صدور قرار إداري خاص يخوله هذا المركز القانوني فإن الدعوى تكون من دعاوى الإلغاء وينطبق هذا على أصحاب طلبات ترك الخدمة من شاغلي الدرجات الأصلية طبقاً لأحكام ذلك القانون والذي يتعين أن تصدر جهة الإدارة في شأنهم قرارات إدارية منشئة لحقهم في ترك الخدمة بناءً على السلطة التقديرية المخولة لها في القانون - على نحو ما سبق بيانه - ولما كان المدعي (المطعون عليه) من شاغلي الدرجات الأصلية فإن دعواه تكون من دعاوى الإلغاء الأمر الذي يستتبع ضرورة إتباع الإجراءات الخاصة بمواعيد هذه الدعوى.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي قد تقدم بطلب ترك الخدمة في 23 من مايو سنة 1960 وقد رفض السيد وزير الخزانة هذا الطلب في 19 من يونيه سنة 1960 وأبلغ المدعي بهذا الرفض في 15 من أغسطس سنة 1960 فتظلم من نفس التاريخ ولم ترد الجهة الإدارية عليه خلال الستين يوماً التالية لتقديمه التظلم الأمر الذي يعتبر رفضاً ضمنياً لتظلمه وكان يتعين عليه أن يرفع دعواه خلال الستين يوماً التالية لتحقق هذا الرفض الضمني أي في ميعاد أقصاه 13 من ديسمبر سنة 1960.. ولما كان الثابت أن المدعي أقام دعواه في 28 من يناير سنة 1962 فتكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد المقرر قانوناً. ولا اعتداد في هذا الشأن بالتظلمات الأخرى التي قدمها المدعي بعد تظلمه الأول المقدم في 15 من أغسطس سنة 1960 إذ العبرة في مجال دعوى الإلغاء بالتظلم الأول دون ما يليه من تظلمات.. ولما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبعدم قبول دعوى المدعي شكلاً لرفعها بعد الميعاد وإلزامه المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت المدعي المصروفات.