مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1781

(165)
جلسة 27 من يونيو سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 177 لسنة 8 القضائية

موظف - ترقية - ندب - الندب إلى وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي يعتبر بمثابة ترقية إلى هذه الوظيفة - أساس ذلك - مثال.
لا يغير من طبيعة القرار المطعون فيه، وكونه منطوياً على ترقية وظيفية ما نص عليه من أن نقل المطعون على ترقيته إلى وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا هو على سبيل الندب؛ ذلك أن الندب في الحالة مثار النزاع له مدلوله الخاص، وأحكامه التي ينفرد بها، ولا ينصرف إلى الندب المؤقت المنصوص عليه في المادة (48) من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة، وآية ذلك ما نصت عليه المادة السادسة من القرار رقم 255 لسنة 1955 - باب الأحكام العامة - من أنه "إذا كان عدد المرشحين المستوفين للشروط في أية حالة أقل من العدد المطلوب يجوز التجاوز عن بعض الشروط التي تؤهل للترشيح، وفي هذه الحال يكون شغله للوظيفة بطريق الندب إلى أن يستوفى الشروط" ويتضح من ذلك أن هذا النص لا ينفي حسب مؤداه أن إسناد الوظيفة للمرشح هو بمثابة ترقية أو أن شغله لها يقع مآلاً بصورة دائمة مستقرة يقطع في ذلك أن تقلد الموظف إحدى الوظائف المشار إليها في القرار التنظيمي سالف الذكر حسبما سلف الإيضاح يتم عن طريق الترقية إليها وما ورد في محضر لجنة شئون الموظفين التي صدر عنها الترشيح للترقية المطعون عليها من أنها اجتمعت للنظر في ترقيات وتنقلات بعض موظفي التعليم الزراعي، ومن أن المطعون على ترقيته ظل شاغلاً لهذه الوظيفة حتى صدر الأمر التنفيذي رقم 287 بتاريخ 19 من أغسطس سنة 1960 بنقله من وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا إلى وظيفة معادلة لوظيفته طبقاً للقرار رقم 255 لسنة 1955 المشار إليه وهي وظيفة مفتش علوم بمنطقة القاهرة.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكانت وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا تعادل وظيفة ناظر مدرسة ثانوية زراعية، وتعلو في مدارج السلم الإداري الوظيفة الأدنى منها وهي وظيفة وكيل المدرسة أو المدرس الأول، وتخول شاغلها حسب طبيعة اختصاصها الإشراف على التعليم الزراعي بالمنطقة فإن إسناد هذه الوظيفة إلى المطعون على ترقيته ينطوي بلا مراء على ترقية له في مدارج السلم الوظيفي بوزارة التربية والتعليم.


إجراءات الطعن

بتاريخ 11 من يناير سنة 1962 أودع السيد الأستاذ الوكيل عن الأستاذ حافظ أبو الغيط عريضة طعن عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1961 في القضية رقم 843 لسنة 13 القضائية والقاضي بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات، وبطلب الطاعن للأسباب الواردة بعريضة الطعن قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر في 6 من يناير سنة 1959 من وزارة التربية والتعليم فيما تضمنه من ترقية محمد صادق رمضان من وظيفة وكيل مدرسة ثانوية زراعية إلى وظيفة رئيس قسم بالتعليم الزراعي مع إلزام الوزارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1964 فقررت بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا حيث نظر بجلسة 21 من مارس سنة 1965 وفيها سمعت الملاحظات على الوجه المبين بالمحاضر وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل حسبما يبين من أوراقها في أن حافظ عبد الوهاب أبو الغيط أقام الدعوى رقم 843 لسنة 13 القضائية ضد وزير التربية والتعليم بعريضة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 21 من أبريل سنة 1958 طالباً فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الوزاري رقم 70 في 6 من يناير سنة 1959 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا وبطلان ما ترتب على هذا القرار من إجراءات وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تخرج من كلية الزراعة عام 1938 والتحق بوظيفة مدرس ثم رقي إلى وظيفة مدرس أول عام سنة 1951، وإلى وظيفة وكيل مدرسة ثانوية زراعية في عام سنة 1955 وندب للعمل بإدارة التعليم الفني بطنطا التعليمية سنة 1957، وأسندت إليه المنطقة أعمال وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بها، وقد أدى العمل بها على أكمل وجه منح من أجله تقدير ممتاز في سنتي 1957، 1958 مما جعله يطلب من إدارة التعليم الزراعي شغله لهذه الوظيفة، إلا أنه فوجئ بإشغالها بالسيد محمد صادق رمضان بالقرار المطعون فيه مع أنه أحدث من المدعي تخرجاً وترقية إلى وظيفة وكيل مدرسة وكان بالنسبة له مرؤساً فأصبح بهذا القرار رئيساً، وذكر المدعي أنه تظلم من هذا القرار بتاريخ 11 من يناير سنة 1959، ثم أقام الدعوى في 21 من أبريل سنة 1959 ناعياً على القرار المطعون فيه من أنه بالنسبة لما ذكر من أنه يشترط لشغل هذه الوظيفة أن يكون المرشح حاصلاً على تقدير جيد جداً على الأقل في سنتين من السنوات الثلاث الأخيرة ولا تقل في أية واحدة عن جيد، بأن إدارة التعليم الزراعي لم تذكر تقديره في سنتي 1957، 1958 وقد حصل فيهما على تقدير ممتاز وإنما ذكرت تقديره في سنتي 1955، 1956 وكان سبب انخفاض التقدير في هاتين السنتين ما كان بينه وبين ناظر مدرسة بني سويف الثانوية الزراعية من سوء تفاهم كما أن ترقيته إلى وكيل مدرسة ثانوية سنة 1955 لابد وأن يكون مبنياً على تقدير جيد جداً في السنوات السابقة، وأضاف المدعي أن عدم تسبيب لجنة شئون الموظفين لتخطيه في الترقية يجعل قرارها باطلاً، وأن ما ورد بتقرير التعليم الزراعي المقدم لمفوض الدولة من أنه سينظر في ترقيته في العام القادم في ضوء تقريره في سنة 1958 يتنافى مع ما ذكر من ضرورة الحصول على تقدير جيد جداً على الأقل في سنتين، فردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي وإن كان أقدم من محمد صادق رمضان إلا أن هذا الأخير أكفأ لشغل المنصب وأن المدعي رقي لوظيفة وكيل المدرسة الثانوية الزراعية ببني سويف في سبتمبر سنة 1955 بينما رقي أقران له متساوون معه في الأقدمية إلى وظائف وكلاء مدارس ثانوية زراعية في سبتمبر سنة 1954 وذلك لأفضليتهم عليه في التقديرات والكفاية، وأن المدعي قضى عامي 1955/ 1956، 1956/ 1957 في هذه الوظيفة ولكن عمله وإنتاجه طوال هذه الفترة كان محدوداً وظروفه الصحية لا تساعده على العمل مما استرعى انتباه التفتيش وجود شخص في حجرة وكيل المدرسة طوال اليوم الدراسي لا يغادرها وذلك بسبب حالته الصحية ولذلك قامت الإدارة في سبتمبر سنة 1957 بتحقيق رغبته الملحة بإسناد عمل إليه يتناسب مع ظروفه الصحية إذ جاء بأمر النقل برقم 5 في 12 من سبتمبر سنة 1957 أمام اسمه ما يلي "وكيل ثانوي يندب بمنطقة طنطا الفنية حتى يتم شفاؤه" ولم تقم الإدارة بندبه للعمل كرئيس قسم في أي وقت كما أنه لم ترشحه بالاختيار للترقية إلى الدرجة الثالثة لأن درجاته السرية لا تسمح بذلك وتقاريره السرية عن عامي 1955/ 1956، 1956/ 1957 لا تسمح بترقيته إلى هذه الوظيفة حسب قواعد الترقيات وأنه بافتراض حصوله على أقصى تقدير في عام 1957/ 1958 فهو لا يغير من الوضع شيئاً طالما أنه لم يحصل على تقدير جيد جداً في التقريرين السابقين، وأن الإدارة ستقوم بالنظر في حالته في العام القادم على ضوء نشاطه وتقديراته في العام الحالي.
وقدم مفوض الدولة بمحكمة القضاء الإداري تقريراً في الدعوى انتهى فيه إلى طلب الحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى إذ أن القرار المطعون فيه انطوى على ندب محمد صادق رمضان لوظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا وليس هذا القرار قرار تعيين أو ترقية مما يختص به القضاء الإداري، وعقب المدعي على تقرير المفوض بأن القرار المطعون فيه تضمن ندب المطعون في ترقيته ندباً غير مؤقت إلى وظيفة أعلى هي وظيفة رئيس قسم بالتعليم الزراعي المعادلة لوظيفة ناظر مدرسة ثانوية زراعية بعد أن كانت وظيفته الأولى وكيلاً بالمدارس الثانوية الزراعية، وهذا الندب المستديم يدخل في مدلول الترقية لأنه نوع من التدرج في سلم الوظائف وقد أفصحت لجنة شئون الموظفين عن ذلك عندما ذكرت في محضرها للنظر في ترقيات وتنقلات بعض موظفي التعليم الزراعي، وأن من نقل منهم نقلاً عادياً لم يكتب أمام أسمائهم أية ملاحظات أو كتبت عبارة "يصرف النظر عن ترقيته ندباً" أي أن الندب في هذا المجال هو ترقية للموظف، هذا ولم تجادل الوزارة في حصول تخط في الترقية إذ قررت ذلك لعدم توافر شروط الترقية، وأضاف المدعي بأن طعنه على القرار يقوم على ما يأتي: أولاً - هناك عيب جوهري شاب القرار إذ أن لجنة شئون الموظفين لم تجر في شأنه بحثاً وأوصت بالموافقة على اقتراح الإدارة العامة للتعليم الزراعي دون اطلاع على الملفات أو التقارير السنوية، ويؤيد ذلك ما جاء في الخطاب المرسل من الإدارة العامة للتعليم الزراعي للسيد مفوض الدولة - رداً على التظلم الذي كان قد قدمه المدعي لها عن تخطيه في الترقية - أن تقرير المدعي السري عن عام 1957/ 1958 لا تعلم عنه شيئاً من أن هذه الإدارة هي التي وضعت الحركة ولا شك أن ذلك ينطوي على إغفال ضمانة أساسية تستوجبها طبيعة بحث حالات الترقية مما يؤدي إلى بطلان القرار المستند إلى محضر لجنة شئون الموظفين وأضاف المدعي أن الثابت من قرار لجنة شئون الموظفين التي اجتمعت في الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء الموافق 30 من ديسمبر سنة 1958 وأوصت بالموافقة على ترقيات وتنقلات السادة الموضحة أسماؤهم بحسب الموضح أمام كل منهم بالأمر التنفيذي رقم 70 بتاريخ 6 من يناير سنة 1959 (وهو القرار الذي لم يكن قد صدر بعد وقت عمل محضر بل هو تال لتاريخ واجتماع اللجنة بأسبوع)، وهذا يقطع بأن محضر لجنة شئون الموظفين هو محضر صوري، وجاء برد الإدارة العامة للتعليم الزراعي على التظلم الإداري المقدم من المدعي أن الإدارة ستقوم بالنظر في حالته على ضوء نشاطه وتقديراته في العام الحالي أي أن تقدير سنة واحدة يكفي، هذا والتقرير السنوي للمدعي عن عام سنة 1958 ثابت به ترشيح الموقعين عليه للمدعي للترقية لوظيفة رئيس قسم لكفايته ودرايته التامة بالعمل، ولم ير الرؤساء وجهاً لوضع أي تحفظ خاص بشروط أخرى، مما يدل على عدم إتباع قواعد خاصة للترقية غير قواعد الاختيار العادية، وأنه لو أن الوزارة كانت تتبع القواعد التي تشير إليها في الدعوى لما كتبت للمدعي ولغيره في 9 من سبتمبر سنة 1959 خطاباً يطلب حضوره إلى إدارة التعليم الزراعي يوم 16 من سبتمبر سنة 1959 لتأدية الاختبار الشخصي لموظفي التعليم الزراعي المرشحين إلى وظائف أعلى أمام لجنة شئون الموظفين بالإدارة، لأن هذا الخطاب قاطع في أن الاختبار الشخصي له أثره في الترقية مع أن هذا الاختبار لم يأت بنص في القواعد التنظيمية التي تشير إليها الوزارة وأن الواقع أن تقارير المدعي والمطعون في ترقيته وغيرهم لم تعرض - ما عدا تقارير 57/ 1958 - على لجنة شئون الموظفين، ومن المسلم أن عدم استيفاء التقارير للضوابط التي رسمها القانون من شأنه أن يبطل القرار الذي استند إليها، وأضاف المدعي أن تقاريره على مدى العهود تشهد بكفايته عدا تقرير سنة 56/ 1957 إذ أن تقديره فيها قل عن درجة جيد وذلك لمرضه، مما لا يمكن معه أن يضار المدعي لهذا السبب وهو الذي شهد له رؤساءه بأنه في منتهى الإخلاص في عمله وطلبوا ترقيته للدرجة الثالثة فرقي إليها في شهر نوفمبر سنة 1959 وأصبح بهذه الترقية في درجة أعلى من رئيس القسم المطعون في ترقيته فالرئيس في الدرجة الرابعة والمرءوس في الدرجة الثالثة - وقد ذكرت الإدارة بعد ذلك في خطابها المؤرخ في 15 من يونيو سنة 1961 المرسل إلى مدير الشئون القانونية أنها قصدت من كتابها المؤرخ في 8 من فبراير سنة 1959 إلى السيد مفوض الدولة للوزارة بأنها ستقوم بإعادة النظر في حالة المدعي في العام التالي للحركة في ضوء نشاطه وتقديراته في هذا العام، أي أنه إذا كان تقديره في هذا العام عالياً، وكان تقديراته في السنوات الثلاث 56/ 57، 57/ 58، 58/ 59 مع بعضها تسمح له بالترقية حسب القواعد الخاصة بذلك أمكن ترقيته ولكن لم يكن تقديره في هذه السنة 58/ 59 مما يسمح بذلك.
وبجلسة 30 من نوفمبر سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعي المصروفات وأقامت قضاءها على أن القرار المطعون فيه تضمن ندب محمد صادق رمضان رئيساً لقسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا التعليمية، ومن ثم لم ينشأ بمقتضاه له مركز قانوني من شأنه أن يمس المركز القانوني للمدعي حتى يستعدى عليه ولاية قضاء الإلغاء ومن ثم فالقرار المذكور ليس بهذه المثابة بالقرار الإداري المعني بالمادة الثامنة من قانون مجلس الدولة التي حددت اختصاص القضاء الإداري على سبيل الحصر.
فأقام المدعي على هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في 11 من يناير سنة 1962 وطلب فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر في 6 من يناير سنة 1959 فيما تضمنه من ترقية محمد صادق رمضان من وظيفة وكيل مدرسة ثانوية زراعية إلى وظيفة رئيس قسم وأقام المدعي طعنه على وجهين: الأول - مخالفة القانون، وقال في بيان ذلك أن المحكمة فاتها أن القرار المطعون فيه تضمن انتداباً غير مؤقت إلى وظيفة أعلى فهو من نوع التدرج في تسلم الوظائف ومن ثم يدخل في مدلول الترقية التي يختص القضاء الإداري بالفصل في الطعون المقدمة عنها، ذلك أن وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي تخول شاغلها الإشراف على التعليم الزراعي في المحافظة كلها، وسلطته تمتد لرئاسة نظار المدارس الزراعية الثانوية والإشراف على أعمالهم وتوجيهم - والثاني: أن وقائع الدعوى تقطع بأن الأمر خاص بالطعن في قرار ترقية لوظيفة بصفة مستمرة وليس خاصاً بندب مؤقت، ثم تعرض المدعي في هذا الوجه من الطعن إلى التفاصيل الموضوعية الخاصة بالطعن بما لا يخرج عما ورد في عريضة دعواه أو في مذكراته الشارحة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً تعرضت فيه لأوجه الطعن فقالت أنه لئن كانت الترقية التي جعل القانون الطعن في القرارات الصادرة في شأنها من اختصاص القضاء الإداري تنصرف إلى تعيين الموظف في درجة مالية أعلى من درجته - إلا أنه لا نزاع - طبقاً لما استقر عليه قضاء محكمة القضاء الإداري وأيده قضاء المحكمة الإدارية العليا في أنه يندرج في مدلولها وينطوي في معناها تعيين الموظف في وظيفة تعلو بحكم طبيعة اختصاصها الوظيفية التي يشغلها في مدارج السلم الإداري، وأنه تطبيقاً لهذا المبدأ فإنه ولئن كان القرار الصادر بنقل المطعون في ترقيته محمد صادق رمضان وكيل المدرسة الثانوية بدمنهور إلى وظيفة رئيس قسم بالتعليم الزراعي بمنطقة طنطا قد استعمل لفظ الندب في إسناد أعمال هذه الوظيفة إليه، إلا أن هذا القرار لا يعني الندب المؤقت المشار إليه في المادة (48) من قانون نظام موظفي الدولة لأن الواضح من القرار أن هذا الإسناد تم على وجه الدوام وليس بصفة مؤقتة وأن آية ذلك أن القرار الوزاري رقم 200 بتاريخ 16 من يونيو سنة 1955 بشأن القواعد التي تتبع في شغل الوظائف الفنية والتنقلات قد تضمن قواعد منضبطة في هذا الصدد فإذا كانت وظيفة رئيس قسم بالتعليم الزراعي التي تعادل وظيفة ناظر تعلو في مدارج السلم الإداري الوظيفة السابقة عليها وهي المدرس الأول أو وكيل المدرسة، فضلاً عما تخوله هذه من الإشراف على التعليم الزراعي في المنطقة فإن إسناد هذه الوظيفة إلى صادق رمضان يعتبر ترقية إليها ولو نص على أن يكون ذلك ندباً، وخلص من ذلك أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون عندما قضي بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى مادام أن القرار المطعون يتضمن ترقية على النحو السالف بيانه وأنه يتعين تبعاً لذلك إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإعادتها لمحكمة القضاء الإداري للفصل فيها من جديد - ثم استطردت بقولها بأنها تتعرض للموضوع بصفة احتياطية، وبعد أن استعرضت وقائع الدعوى خلصت إلى قبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً.
ومن حيث إنه ولئن كانت الترقية التي جعل القانون الطعن في القرارات الصادرة في شأنها تنصرف أساساً إلى تعيين الموظف في درجة مالية أعلى من درجته، إلا أنه لا نزاع في أنه يندرج في مدلولها وينطوي في معناها تعيين الموظف في وظيفة تعلو بحكم طبيعتها الوظيفية التي يشغلها في مدارج السلم الإداري، إذ أن الترقية بمعناها الأعم هو ما يطرأ من تغيير في مركزه القانوني، يكون من شأنه تقدمه وتسلمه مدارج السلم الوظيفي والإداري، وإذا كان نقل الموظف من درجة مالية إلى درجة مالية أعلى هو الصورة الغالبة للترقية لما يحققه ذلك من ميزة مالية، فلا شك أن ذلك يتحقق أيضاً بتقليد الموظف وظيفة تعلو وظيفته المالية في مجال الاختصاص، ومن ثم يعتبر رفع الموظف إلى وظيفة عليا بمثابة الترقية الحقيقية.
ومن حيث إنه ولئن كان التعيين في الحالة المعروضة في وظيفة رئيس قسم بالتعليم الزراعي لا يصاحبه منح درجة مالية، إلا أنه يعتبر بمثابة ترقية حقيقية لأن هذه الوظيفة لا يولاها إلا من يشهد له رؤساؤه، ويزكيه عمله ويرفعه امتيازه، وأن هذا يبدو واضحاً باستقراء ما ضمنته الإدارة العامة للتعليم الزراعي كتابها إلى محكمة القضاء الإداري إذ أوضحت فيه هذه الإدارة أن ثمة قاعدة تنظيمية موضوعة من أجل الاختيار لوظائف رؤساء الأقسام ومعادلة هذه الوظائف وهي تنحصر في جعل وظيفة رئيس قسم معادلة لوظيفة ناظر مدرسة ثانوية زراعية، واختيار المرشحين لهذه الوظيفة من بين الفئات الآتية (1) وكلاء المدارس الثانوية الزراعية (2) مفتشو المواد الفنية بالتعليم الزراعي (3) وكلاء الأقسام بالتعليم الزراعي (4) نظار المدارس الإعدادية الزراعية - ويشترط فيمن يرشح طبقاً لهذه القواعد أن يكون من ذوي المؤهلات العالية التي لا تقل عن مستوى الدرجات الجامعية ومن المشهود لهم بالكفاية الإدارية وقوة الشخصية، وأن يكون حاصلاً على تقدير جيد جداً أو 75% على الأقل في سنتين على الأقل من السنوات الثلاث الأخيرة ولا يقل في أية واحدة منها عن تقدير جيد 65%، وباستظهار القرار الوزاري رقم 255 الصادر في 16 من يونيو سنة 1955 يتضح المبدأ السالف تقريره وحاصله أن الوظائف الفنية بوزارة التربية والتعليم قد تسلسلت في تدرج بحسب أهمية كل وظيفة، وقد جاء هذا القرار منظماً للقواعد التي تتبع في شغل الوظائف الفنية والتنقلات وناصاً في مادته الخامسة على أنه "عند الترقية إلى وظائف النظار والوكلاء والمفتشين والمدرسين الأوائل يرتب المرشحون حسب أقدميتهم في كشوف الترشيح وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القرار، وترتب الأمكنة حسب أفضليتها ويعطى الأقدم المكان الأفضل وهكذا....." ويؤخذ من هذا القرار التنظيمي في ضوء المبادئ التي تضمنها أن تقليد المستحقين الوظائف المشار إليها فيه إنما على سبيل الترقية.
ومن حيث إنه لا يغير من طبيعة القرار المطعون فيه، وكونه منطوياً على ترقية وظيفية ما نص عليه من أن نقل السيد محمد صادق رمضان المطعون على ترقيته إلى وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا هو على سبيل الندب؛ ذلك أن الندب في الحالة مثار النزاع له مدلوله الخاص، وأحكامه التي ينفرد بها، ولا ينصرف إلى الندب المؤقت المنصوص عليه في المادة (48) من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة، وآية ذلك ما نصت عليه المادة السادسة من القرار رقم 255 لسنة 1955 - باب الأحكام العامة - من أنه "إذا كان عدد المرشحين المستوفين للشروط في أية حالة أقل من العدد المطلوب يجوز التجاوز عن بعض الشروط التي تؤهل للترشيح، وفي هذه الحال يكون شغله للوظيفة بطريق الندب إلى أن يستوفى الشروط" ويتضح من ذلك أن هذا النص لا ينفي حسب مؤداه أن إسناد الوظيفة للمرشح هو بمثابة ترقية، أو أن شغله لها يقع مآلاً بصورة دائمة مستقرة، يقطع في ذلك أن تقلد الموظف إحدى الوظائف المشار إليها في القرار التنظيمي سالف الذكر حسبما سلف الإيضاح يتم عن طريق الترقية إليها وما ورد في محضر لجنة شئون الموظفين التي صدر عنها الترشيح للترقية المطعون عليها من أنها اجتمعت للنظر في ترقيات وتنقلات بعض موظفي التعليم الزراعي، ومن أن المطعون على ترقيته محمد صادق رمضان ظل شاغلاً لهذه الوظيفة حتى صدر الأمر التنفيذي رقم 287 بتاريخ 19 من أغسطس سنة 1960 بنقله من وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا إلى وظيفة معادلة لوظيفته طبقاً للقرار رقم 255 لسنة 1955 المشار إليها وهي وظيفة مفتش علوم بمنطقة القاهرة.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكانت وظيفة رئيس قسم التعليم الزراعي بمنطقة طنطا تعادل وظيفة ناظر مدرسة ثانوية زراعية، وتعلو في مدارج السلم الإداري الوظيفة الأدنى منها وهي وظيفة وكيل المدرسة أو المدرس الأول، وتخول شاغلها حسب طبيعة اختصاصها الإشراف على التعليم الزراعي بالمنطقة فإن إسناد هذه الوظيفة إلى السيد محمد صادق رمضان ينطوي بلا مراء على ترقية له في مدارج السلم الوظيفي بوزارة التربية والتعليم.
ومن حيث إنه إذا أخذ حكم محكمة القضاء الإداري بغير هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ويتعين من ثم الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها.