مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1791

(166)
جلسة 27 من يونيه 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 389 لسنة 8 القضائية

( أ ) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - موظف - ترقية - مدرس - اختصاص القضاء الإداري بنظر الطعن في قرارات الترقية إلى وظيفة أعلى في مدارج السلم الإداري ولو لم يترتب عليها نفع مادي أو تأثير على الترقية إلى الدرجة المالية التالية - تطبيق ذلك على النقل من وظيفة مدرس أول بوزارة التربية والتعليم.
(ب) تفويض - قرار إداري - النص في القرار الوزاري على تكليف وكلاء الوزارة المساعدين بتنفيذه - لا يعني تفويض هؤلاء في تعديل القرار أو إضافة شروط جديدة لم ترد فيه - التفويض يجب أن ينص عليه صراحة - مثال.
1 - أنه ولئن كانت الترقية التي جعل القانون الطعن في القرارات الصادرة في شأنها ينصرف أساساً إلى تعيين الموظف في درجة مالية أعلى من درجته إلا أنه لا شك في أنه يندرج في مدلولها وينطوي في معناها تعيين الموظف في وظيفة تعلو بحكم طبيعتها الوظيفية التي يشغلها في مدارج السلم الإداري إذ أن الترقية بمعناها الأعم هي ما يطرأ على الموظف من تغيير في مركزه القانوني يكون من شأنه تقديمه على غيره وتسنمه مدارج السلم الوظيفي والإداري ويتحقق ذلك أيضاً بتقليد الموظف وظيفة تعلو وظيفته الحالية في مجال الاختصاص وأن لم يصاحب هذا التقليد نفع مادي.
ومن حيث إنه ولئن كان التعيين في وظيفة مدرس أول بوزارة التربية والتعليم لا يصحبه منح درجة مالية إلا أنه يعتبر بمثابة ترقية حقيقية لأن هذه الوظيفة كما هو واضح من القرار الوزاري رقم 255 الصادر في 16 من يونيو سنة 1955 من وزير التربية والتعليم بشأن القواعد التي تتبع في شغل الوظائف الفنية أو في مدارج السلم الإداري من وظيفة مدرس وقد جاء النص صريحاً على أن من يرشح لوظيفة مدرس أول يجب أن يكون حاصلاً على مؤهل فني في التدريس لا يقل عن مستوى الدرجات الجامعية وأن يكون قد اشتغل بالتدريس مدة لا تقل عن عشر سنوات منها ست على الأقل بالمدارس الثانوية وألا تقل تقديراته عن "جيد جداً" في سنتين على الأقل من السنوات الأخيرة ولا تقل عن جيد في أي سنة منهما. كما ينص القرار 255 سالف الذكر على أنه عند الترقية إلى وظائف المدرسين الأوائل يرتب المرشحون حسب أقدميتهم في كشوف الترشيح وفق الشروط السالف بيانها وترتب الأماكن حسب أفضليتها ويعطى الأقدم المكان الأفضل وهكذا وعلى مقتضى ذلك يكون النقل من وظيفة مدرس أول معتبراً بمثابة الترقية في مدارج السلم الإداري مما يجعلها خاضعة لرقابة القضاء الإداري ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير سليم ولا متفقاً مع القانون.
2 - لا حجة فيما استمسكت به الحكومة من أن المدعي قد رسب في الامتحان الذي استوجبه القرار الصادر من وكيل الوزارة المساعد لأن جميع القواعد المنظمة للترقية قد تضمنها القرار الصادر من وزير التربية والتعليم ولم يتضمن هذا القرار إطلاقاً أي تفويض لوكيل الوزارة المساعد في إضافة قواعد أو شروط جديدة علاوة على ما ورد في القرار الوزاري بل أن هذا القرار الأخير قد نص في المادة الثامنة منه على تكليف وكلاء الوزارة المساعدين بتنفيذ هذا القرار. والمستفاد من هذا النص هو القيام بتنفيذ الأحكام الواردة في قرار الوزير وبطبيعة الحال لا يفهم من ذلك أن المقصود به هو تفويض الوكيل المساعد في التعديل أو الإضافة لأن التفويض يجب أن ينص عليه صراحة كما أنه من المسلمات أنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تعدل في قرار تنظيمي عام صادر من سلطة أعلى - وإذ أصدر وكيل الوزارة المساعد قراره بإضافة شروط جديدة إلى القواعد الواردة في القرار الصادر من وزير التربية والتعليم رقم 255 سنة 1955 في شأن قواعد الترقية إلى وظائف المدرسين الأوائل - وهو أمر غير جائز ولا يترتب عليه أي تعديل في الأحكام الواردة في قرار الوزير - فإنه لا يعول على هذه الشروط ولا يحتج بها على المدعي.


إجراءات الطعن

بتاريخ 29/ 1/ 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 20/ 11/ 1961 في الدعوى رقم 418 لسنة 15 القضائية المقامة من السيد/ مفيد أمين سعد ضد وزارة التربية والتعليم القاضي بإلغاء القرار الصادر في 24/ 10/ 1960 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مدرس أول بالمدارس الثانوية مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفضها موضوعاً مع إلزام المطعون ضده في كل حالة بالمصروفات والأتعاب وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 26/ 5/ 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12/ 12/ 1964 وأخطرت الحكومة والمدعي في 26/ 11/ 1964 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 28/ 2/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح بالمحضر أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء قرار الترقية رقم 495 الصادر في 24 أكتوبر سنة 1959. فيما تضمنه من تخطية في الترقية إلى وظيفة مدرس أول بالمدارس الثانوية مع إلزام الحكومة بالمصروفات وأتعاب المحاماة وقال في بيان ذلك أنه شغل وظيفة مدرس فلاحة بساتين بمدرسة طنطا الثانوية الزراعية علاوة على قيامه بعمل ضابط التدريب العسكري ورعاية الشباب وأمضى أكثر من 10 سنوات في درجة مدرس بين التعليم العام والتعليم الزراعي وحصل على تقدير جيد جداً وممتاز عن العام الماضي والأعوام السابقة وأصبح من حقه أن يرقى إلى مدرس أول ولكن وزارة التربية والتعليم أصدرت القرار المطعون فيه متضمناً حركة ترقيات إلى وظائف مدرسين أوائل وأبلغ القرار للمدعي في 31/ 10/ 1959 ولم يشمل هذا القرار ترقية المدعي بدعوى أن لجنة الاختبار الشخصي التي اجتمعت يوم 28/ 9/ 1959 وأجرت اختباراً شفوياً للمدعي رفضت ترقيته إلى وظيفة مدرس أول وهي لجنة لا تستند إلى أي نص قانوني فضلاً عن أنها ناقضت نفسها إذ من بين أعضائها المفتش الأول الذي أعطى المدعي درجة ممتاز كما أنها لم تسر على أي قواعد في الاختيار إذا اختارت أشخاصاً وتركت آخرين دون أن تبين سبب الاختيار مما يجعل قرارها باطلاً، وردت وزارة التربية والتعليم على الدعوى بأن إدارة التعليم الزراعي وضعت اعتباراً من العام الدراسي 1959/ 1960 نظاماً لترقية موظفيها على أساس اختيار الذين يرقون إلى وظائف أعلى من بين الحاصلين على تقدير لا يقل عن جيد جداً في متوسط التقديرات للثلاث سنوات الأخيرة أو السنتين الأخيرتين فقط بالنسبة لمن لم يقضوا في التعليم الزراعي أكثر من سنتين ومنهم المدعي مضافاً إليها تقدير اختبار شخصي تجريه الإدارة للمرشحين ووافق السيد وكيل الوزارة المساعد لشئون التعليم الفني على ذلك في 23/ 9/ 1959 وقامت لجنة من السادة مدير التعليم الزراعي رئيساً ومن السادة المديرين المساعدين وكبير المفتشين بالتعليم الزراعي ومفتش أول المادة المختص في حالة الترقية إلى وظيفة مدرس أول باختبار المرشحين لوظائف أعلى من بين رجال التعليم الزراعي مراعية في ذلك مدى توافر الصفات والقدرات التي تتطلبها كل وظيفة لدى المرشحين للترقية إليها ولم يرق هذا العام إلا من اجتاز الاختبار ورأت اللجنة أن الصفات والقدرات التي تتطلبها وظيفة مدرس أول بالتعليم الزراعي الثانوي لا تتوافر لدى المدعي وعلى ذلك لم تشمله الحركة المطعون فيها.
وبجلسة 10/ 11/ 1960 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الوزاري الصادر في 24/ 10/ 1960 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مدرس أول بالمدارس الثانوية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي توافرت في حقه الشروط الواردة في القرار رقم 255 في 16/ 6/ 1955 الخاص بالقواعد التي تتبع في شغل الوظائف الفنية وأنه يفوق في التقديرات التي حصل عليها عن سنة 57، 1958 وسنة 58/ 1959 على من شملهم القرار المطعون فيه ومنهم عدلي حشمت جرجس ومحمد حسن محمد شعراوي ومحمد إسماعيل جعفر ومن ثم يكون تخطيه في الترقية بالقرار المطعون فيه قد جانب الحق والصواب ويتعين إلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مدرس أول ولا تأثير لما ذكرته الوزارة من أن المدعي رسب في الاختبار الشخصي الذي أجرته اللجنة لأن القرار رقم 255 لسنة 1955 لم يفوض أية جهة أخرى سلطة وضع نظم أو شروط أخرى عند الترقية أو النقل من وظيفة إلى أخرى ومن ثم تكون القواعد التي وضعها وكيل الوزارة والتي تقضي بإجراء اختبار شخصي للترقية أو النقل إلى وظائف أخرى قد صدرت من غير مختص ولا يعتد بها قبل من توافرت في حقه شروط الترقية التي تضمنها القرار رقم 255 لسنة 1955.
ومن حيث إن الطعن يقوم بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أنه كان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى شكلاً لأن قرارات الترقية من القرارات الإدارية التي أوجب المشرع التظلم منها قبل رفع الدعوى والمدعي لم يتظلم من هذا القرار وأن طلب المدعي إلى الإدارة العامة للتعليم الزراعي إعادة اختباره لا يعد بمثابة تظلم لأن القرار المطعون فيه هو قرار الترقية وليس قرار الاختبار أو نتيجته ولم يتضمن طلب المدعي الطعن على نتيجة الامتحان وإنما التماس إعادة اختباره وإعطائه فرصة ثانية للاختبار الأمر الذي لا يمكن معه وصف هذا الطلب بالتظلم لأن التظلم يجب أن يكون اعتراضاً على القرار المتظلم منه، هذا إلى أن طلب المدعي سالف الذكر قدم في 25/ 10/ 1959 أي عقب علم المدعي بنتيجة الاختبار وليس عقب علمه بالقرار المطعون فيه الذي أقر في عريضة دعواه أنه علم به في 31/ 10/ 1959 كما أن هذا الطلب قدم إلى الإدارة العامة للتعليم الزراعي وهي الجهة التي عقدت الاختبار الشخصي ولم يتقدم به إلى وكيل الوزارة الذي أصدر القرار المطعون فيه والإدارة العامة للتعليم الزراعي لم تكن هي مصدرة القرار أو جهة رئيسية لمن أصدره - ولما كان المدعي أقام دعواه بإلغاء قرار الترقية قبل التظلم منه فقد كان يتعين الحكم بعدم قبولها شكلاً. وقالت الحكومة عن الموضوع أنه ليس ثمت ما يمنع الإدارة من إضافة ما ترى من الشروط الأخرى التي لا تتعارض مع الشروط المنصوص عليها في القرار الوزاري التنظيمي رقم 255 بتاريخ 16/ 6/ 1955 ما دامت تستهدي الصالح العام وتهدف إلى اختيار أفضل المرشحين للترقية وهذه الشروط المضافة لا تخرج عن كونها قاعدة مجردة تطبق بالنسبة لكل المرشحين ولما كان المدعي لم تتوافر في حقه شرط اجتياز الاختبار لوظيفة مدرس أول وهي من الوظائف القيادية فإن القرار الصادر بتخطيه في الترقية إلى هذه الوظيفة يكون صحيحاً مطابقاً للقانون. وبتاريخ 18/ 3/ 1965 دفعت الحكومة في مذكرتها المقدمة للمحكمة بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن القاعدة في الترقيات أنها تكون من درجة مالية إلى درجة تعلوها وهو الحكم المستفاد من نصوص مواد القانون 210 لسنة 1951 الواردة في الفصل الثالث الخاص بالترقيات فكلها تتكلم عن الترقية من درجة مالية إلى درجة مالية تعلوها وعلى ذلك فإذا كان الأمر يتعلق بشغل وظائف معينة من بين شاغلي درجات مالية متساوية فإن الأمر لا يعدو في هذه الحال أن يكون توزيع عمل واختصاصات لشغل هذه الوظائف أياً كانت التسمية التي تطلقها الإدارة على عملها هذا أي سواء أسمتها ندباً أو نقلاً أو ترقية فهي في حقيقتها ما هي إلا إجراء إداري تختار به الإدارة الشخص المناسب لشغل الوظيفة المناسبة ولا يمكن اعتبار هذا الأمر ترقية إذ أنه لا يترتب عليه أية ميزة مالية ولا يسبق الشخص الذي يختار لوظيفة معينة كناظر أو مفتش في الترقية إلى الدرجة المالية تميزه عن زملائه الذين يشغلون نفس درجته المالية ولا يترتب على شغله هذه الدرجة أن يتقدم عليهم ويختار للترقية دونهم. يؤكد ذلك أن المشرع حين أراد أن يخرج على هذه القاعدة نص عليها صراحة كما هو الأمر بالنسبة لوظائف الكادر الفني العالي بمصلحة الري الواردة بالقانون رقم 152 لسنة 1958 إذ المستفاد من هذا القانون أن الترقية من درجة إلى الدرجة التي تعلوها تكون من بين شاغلي الوظائف العليا الموجودة قرين كل درجة فمثلاً في الترقية من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة يشترط أن يكون المهندس قد حصل على وظيفة مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة وعلى هذا الأساس يكون النقل من وظيفة مهندس إلى وظيفة مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة ترقية يطعن عليها الموظف الذي يتخطى فيها بالإلغاء - ومثل ذلك القانون رقم 493 سنة 1955 الخاص بوظائف الكادر الفني العالي بمصلحة الميكانيكا ومن البديهي أن تختلف هذه الحالة عن الحالة التي ترغب فيها الإدارة شغل وظيفة معينة كسكرتير قسم أو رئيس قلم مما لا يترتب عليه أية ميزة مالية لمن يشغل هذه الوظيفة ولا يترتب عليه أن يسبق غيره في الترقية إذ أن القانون رقم 210 لسنة 1951 لم يرتب على شغل مثل هذه الوظائف ميزة أو أفضلية للترقية إلى درجات مالية معينة. ومما يؤكد هذا المعنى أنه بصدور القانون رقم 208 لسنة 1959 أصبحت الترقية في درجات الكادرين الفني العالي والإداري إلى الدرجة الثانية وما دونها وفي درجات الكادرين الفني المتوسط والكتابي بالأقدمية المطلقة في الدرجة وذلك طبقاً لقواعد الترقية بالأقدمية المنصوص عليها في القانون رقم 210 سنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وعلى ذلك طالما أن المطعون ضده يشغل درجة أقل من الدرجة الثانية فإنه لا يترتب على شغله وظيفة معينة سواء أكانت هذه الوظيفة مدرس أول أو مفتش أو ناظر مدرسة ترقيته بالاختيار دون غيره من زملائه. ولما كان الأمر لا يعدو أن يكون توزيعاً للعمل فإنه يعتبر من الملاءمات المتروكة للإدارة فلها أن تضع من الشروط ما تشاء لاختيار من تراه صالحاً لشغل الوظائف الشاغرة لديها بما تراه محققاً للغاية والهدف الذي من أجله أنشأت هذه الوظائف وبلا معقب عليها في ذلك والقول بغير ذلك يؤدي إلى التدخل في طريقة إدارة المرفق العام ومن ثم يكون القرار الصادر من وزير التربية والتعليم رقم 255 سنة 1955 وكذلك القرار الصادر في 30/ 7/ 1960 والقرار الصادر في 15/ 4/ 1958 كلها قرارات صحيحة ومثلها في ذلك القرار الصادر من السيد وكيل الوزارة المساعد لشئون التعليم الفني بوجوب اجتياز المرشح للترقية لمدرس أول لاختبار شخصي. ولا محل للقول بعدم مشروعيتها ذلك لأنها قرارات داخلية تنظيمية تنظم بها الإدارة طريقة شغل بعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة ويتبين بها طريقة الموظف المناسب للعمل المناسب دون المساس بمركزه المالي ومن ثم فلا تثريب على الإدارة إذا وضعت ما تراه من الشروط لازماً لشغل الوظائف الشاغرة لديها ولا يمكن أن تحتج الإدارة في ذلك بتقارير الكفاية الموضوعة عن المطعون ضده إذ أن الكفاية الفنية قد تختلف عن نوع الكفاية التي تطلبها الإدارة لشغل منصب معين وأن اتخذت الإدارة الكفاية الفنية أحياناً عنصراً من عناصر تقديرها فإن هذا لا يعني أن تكون هي المعول الوحيد لشغل الوظائف الشاغرة فقد تتطلب هذه الوظيفة بجانب الكفاية الفنية كفاية إدارية أو مظهراً معيناً أو كفاية من نوع خاص فلا تثريب على الإدارة إذا راعت ذلك وشغلت الوظيفة بمن تراه أكفأ طبقاً للقواعد التنظيمية التي وضعتها والتزمت حدودها وانتهت الحكومة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبول الدعوى شكلاً ومن باب الاحتياط الكلي رفض الدعوى وإلزام المطعون ضده في جميع الحالات بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
أ - عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري:
من حيث إنه ولئن كانت الترقية التي جعل القانون الطعن في القرارات الصادرة في شأنها ينصرف أساساً إلى تعيين الموظف في درجة مالية أعلى من درجته إلا أنه لا شك في أنه يندرج في مدلولها وينطوي في معناها تعيين الموظف في وظيفة تعلو بحكم طبيعتها الوظيفية التي يشغلها في مدارج السلم إذ أن الترقية بمعناها الأعم هي ما يطرأ على الموظف من تغيير في مركزه القانوني يكون من شأنه تقديمه على غيره وتسنمه مدارج السلم الوظيفي والإداري ويتحقق ذلك أيضاً بتقليد الموظف وظيفة تعلو وظيفته الحالية في مجال الاختصاص وإن لم يصاحب هذا التقليد نفع مادي.
ومن حيث إنه ولئن كان التعيين في وظيفة مدرس أول بوزارة التربية والتعليم لا يصحبه منح درجة مالية إلا أنه يعتبر بمثابة ترقية حقيقية لأن هذه الوظيفة كما هو واضح من القرار الوزاري رقم 255 الصادر في 16 من يونيو سنة 1955 من وزير التربية والتعليم بشأن القواعد التي تتبع في شغل الوظائف الفنية الأرقى في مدارج السلم الإداري من وظيفة مدرس وقد جاء النص صريحاً على أن من يرشح لوظيفة مدرس أول يجب أن يكون حاصلاً عل مؤهل فني في التدريس لا يقل عن مستوى الدرجات الجامعية وأن يكون اشتغل بالتدريس مدة لا تقل عن عشر سنوات منها ست سنوات على الأقل بالمدارس الثانوية وألا تقل تقديراته عن "جيد جداً" في سنتين على الأقل من السنوات الأخيرة ولا تقل عن جيد في أي سنة منها. كما ينص القرار 255 سالف الذكر على أنه عند الترقية إلى وظائف المدرسين الأوائل يرتب المرشحون حسب أقدميتهم في كشوف الترشيح وفق الشروط السالف بيانها وترتب الأماكن حسب أفضليتها ويعطى الأقدم المكان الأفضل وهكذا وعلى مقتضى ذلك يكون النقل من وظيفة مدرس إلى وظيفة مدرس أول معتبراً بمثابة الترقية في مدارج السلم الإداري مما يجعلها خاضعة لرقابة القضاء الإداري ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير سليم ولا متفقاً مع القانون مما يتعين القضاء برفضه.
ب - عن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم التظلم من القرار المطعون فيه.
من حيث إن مبنى الطعن هو أن المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة قد استحدثت قاعدة تقضي بعدم قبول الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية التي عينتها ومنها قرارات الترقية وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم الذي يبين إجراءاته وطريقة الفصل فيه قرار يصدر من مجلس الوزراء. وقد صدر هذا القرار في 6 من أبريل سنة 1955، ولما كان المدعي لم يتظلم من القرار المطعون فيه وهو قرار صادر بالترقية - وفقاً لما تقضي به المادة (12) من قانون مجلس الدولة سالفة الذكر فإن دعواه تكون غير مقبولة ولا يشفع له الطلب المقدم منه والذي يلتمس فيه إعادة اختباره الأمر الذي لا يمكن معه وصف هذا الطلب بأنه تظلم من تخطية في الترقية.
ومن حيث إنه بأن لهذه المحكمة من استظهار أوراق الدعوى أن المدعي تقدم بطلب بتاريخ 24/ 10/ 1959، إلى السيد المدير العام للتعليم الزراعي أوضح فيه أنه يقوم بتدريس مادة البساتين وأن تقديراته في السنتين الماضيتين تؤهله للترقية إلى وظيفة مدرس أول ولكن عندما تقدم للاختبار الشخصي كان متعباً وفاته أن يذكر للجنة أنه مجهد وقد نال من التعب كل منال ولم يتمكن من طلب تأجيل الاختبار الشخصي ليوم آخر - والتمس في طلبه صرف النظر عن نتيجة الاختبار الشخصي السابق تأديته وإعادة امتحانه في يوم آخر كيلا تفلت منه فرصة الترقية عن هذا العام وقد أشر السيد ناظر المدرسة بتاريخ 25/ 10/ 1959 على الطلب برفعه إلى السيد مدير عام التعليم الزراعي مقترحاً إعادة امتحانه في الاختبار الشخصي - وبعرض الطلب على كبير المفتشين أفادت الإدارة العامة للتعليم الزراعي بكتابها المؤرخ 28/ 10/ 1959 والموجه إلى المدرسة الزراعية بطنطا بأنه ليس من الحكمة إعادة الاختبار الشخصي هذا العام وعلى أثر ذلك أقام المدعي دعواه بإيداع عريضتها في 23/ 12/ 1959.
ومن حيث إن الطلب المقدم من المدعي يتضمن بلا مراء تظلماً من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مدرس أول إذ أنه أورد فيه ما يفيد تمسكه بحقه ومطالبته باقتضائه وذلك أنه أشار صراحة فيه إلى أحقيته في الترقية إلى وظيفة مدرس أول لأن تقديراته في السنتين الماضيتين تؤهله لذلك ولما استشعر بأنه لم يوفق في الاختبار الشخصي الذي أجري بمناسبة الترقية إلى وظائف المدرسين الأول طالب بإعادة اختباره حتى لا تفوته فرصة الترقية وقد رفض تظلمه في 28/ 10/ 1959 وبعد صدور قرار الترقية المطعون فيه في 24/ 10/ 1959 وهو التاريخ الذي تظلم فيه بالفعل ومن ثم فلم يكن ثمة مقتض أو ضرورة لتكرار تظلمه مرة أخرى ولا مقنع فيما جاء بطعن الحكومة من أن المدعي لم يوجه تظلمه إلى الجهة مصدرة القرار أو إلى الجهة الرئيسية - ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التظلم من القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين والمنصوص عليها في المادة 12 من القانون رقم 165 سنة 1955 لا يعتبر باطلا إذا لم يقدم إلى الوزير المختص مصدر القرار بل وجه إلى هيئة رئيسية بالنسبة إلى المتظلم وبعد تقديمه إليها مضت في نظره وتحقيقه تمهيداً للبت فيه على النحو الذي رسمه الشارع تحقيقاً للغاية التي استهدفها من إيجابه ولا يغير من طبيعة هذا التظلم أو من إنتاجه أثره كونه لم يقدم إلى الوزير المختص لعدم ورود هذا القيد في المادة 12 من القانون رقم 165 سنة 1955 من جهة ولأن الإجراءات التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أبريل سنة 1955 على سبيل التوجيه والبيان في شأن تقديم التظلم وطريقة الفصل فيه لم يرتب المشرع على مخالفتها جزاء البطلان من جهة أخرى ولا سيما أن الجهة الإدارية صاحبة الشأن لم تعترض على تقديم التظلم في الشكل الذي اتخذه وأنه تحقق به الغرض الذي ابتغاه الشارع من استلزام هذا الإجراء قبل رفع الدعوى أمام القضاء الإداري. وبناءً على ما تقدم فإن التظلم المقدم من المدعي إلى الجهة الإدارية في 24/ 10/ 1959 يكون قد أحدث أثره القانوني وبالتالي فإن الدعوى تكون مقبولة شكلاً للتظلم من القرار المطعون فيه وفقاً لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة سالف الذكر ويتعين ترتيباً على ما تقدم القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم التظلم من قرار الترقية المطعون فيه.
جـ - عن الموضوع:
من حيث إنه يبين من استظهار ملف خدمة المدعي أنه حصل على بكالوريوس في العلوم الزراعية سنة 1945 وعلى دبلوم معهد التربية العالي سنة 1948 وقضى أكثر من عشر سنوات في التدريس منها ست سنوات قضاها في التعليم الثانوي وتقديراته في السنتين السابقتين على الترشيح لوظيفة مدرس أول تشهد بكفايته إذ أنه حصل على تقدير ممتاز عن سنة 57/ 1958 وتقدير جيد جداً عن سنة 58/ 1959 ومن ثم يكون قد توافرت في حقه الشروط التي استلزمها القرار الوزاري رقم 255 سنة 1955 في شأن الترقية إلى وظيفة مدرس أول بالاختيار وأنه يفضل بعض المرقين بالقرار المطعون فيه ومنهم عدلي حشمت جرجس الذي حصل على تقدير جيد في سنة 57/ 1958 وممتاز في سنة 58/ 1959 ومحمد حسن محمد شعراوي الذي حصل على تقدير جيد في 57/ 1958 وجيد جداً في سنة 58/ 1959 ومحمد إسماعيل جعفر الذي حصل على تقدير جيد في سنة 57/ 1958 وممتاز في سنة 1958/ 1959 وبناءً عليه يكون القرار المطعون فيه قد خالف القانون ويتعين القضاء بإلغائه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مدرس أول.
ولا حجة فيما استمسكت به الحكومة من أن المدعي قد رسب في الامتحان الذي استوجبه القرار الصادر من وكيل الوزارة المساعد لأن جميع القواعد المنظمة للترقية قد تضمنها القرار الصادر من وزير التربية والتعليم ولم يتضمن هذا القرار إطلاقاً أي تفويض لوكيل الوزارة المساعد في إضافة قواعد أو شروط جديدة علاوة على ما ورد في القرار الوزاري بل أن هذا القرار الأخير قد نص في المادة الثامنة منه على تكليف وكلاء الوزارة المساعدين بتنفيذ هذا القرار. والمستفاد من هذا النص هو القيام بتنفيذ الأحكام الواردة في قرار الوزير وبطبيعة الحال لا يفهم من ذلك تفويض الوكيل المساعد في التعديل أو الإضافة لأن التفويض يجب أن ينص عليه صراحة كما أنه من المسلمات أنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تعدل في قرار تنظيمي عام صادر من سلطة أعلى - وإذ أصدر وكيل الوزارة المساعد قراره بإضافة شروط جديدة إلى القواعد الواردة في القرار الصادر من وزير التربية والتعليم رقم 255 سنة 1955 في شأن قواعد الترقية إلى وظائف المدرسين الأول - وهو أمر غير جائز ولا يترتب عليه أي تعديل في الأحكام الواردة في قرار الوزير - فإنه لا يعول على هذه الشروط ولا يحتج بها على المدعي ومن ثم لا يسوغ التمسك بالشروط الواردة في قرار الوكيل المساعد وبالتالي فإن شروط الترقية إلى وظيفة مدرس أول تكون متوافرة جميعها في حق المدعي وإذ جاء الحكم المطعون فيه متفقاً مع هذا النظر فإنه يكون قد أصاب الحق والقانون في قضائه ويكون الطعن فيه قائم على أساس سليم ويتعين من ثم القضاء بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.