أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 24 - صـ 1003

جلسة 18 من نوفمبر سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى، نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، وطه الصديق دنانة، ومحمد عادل مرزوق.

(209)
الطعن رقم 755 لسنة 43 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "شهود".
سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الأدلة. اطمئنانها لأقوال الشاهد يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(2، 3) إثبات. "بوجه عام". بطلان. دفوع. "الدفع ببطلان عملية العرض". تحقيق. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(2) الدفع ببطلان عملية العرض. عدم إبدائه أمام محكمة الموضوع. لا محل لإثارته أمام محكمة النقض.
(3) تعييب تحقيق المرحلة السابقة على المحاكمة. لا يصح أن يكون سبباً للطعن بالنقض.
(4) تحقيق. إجراءات محاكمة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. لا يجوز.
(5) دفوع. "الدفع بتعذر الرؤية". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع ما لا يوفره".
الدفاع المبنى على تعذر الرؤية. موضوعى. كفاية الرد عليه بالأخذ بأدلة الثبوت فى الدعوى.
(6) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه تسبيب غير معيب". دفوع: "الدفع بتعذر الرؤية". إثبات. "بوجه عام". اغتصاب أنثى.
وجوب سماع ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتحقيقه. متى يجوز للمحكمة الإعراض عنه مثال لتسبيب سائغ فى الرد على الدفاع بتعذر الرؤية وطلب إجراء تجربة.
(7) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اغتصاب انثى.
مثال تسبيب سائغ فى تبرير تضارب المجنى عليها فى تحديد لون ملابس الطاعن مع تمكنها من تميز ملامحه.
(8، 9) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات. "بوجه عام".
(8) الجدل الموضوعى فى تقدير أدلة الدعوى تستقل به محكمة الموضوع. عدم جواز مجادلتها أو مصادره عقيدتها فى شأنه أمام النقض.
(9) حق محكمة الموضوع فى الإعراض عن قاله شهود النفى.
1 - لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة فى تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليها منها، وفى اطمئنانها إلى أقوال المجنى عليها، ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، إذ أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع ولا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض.
2 - لما كان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع ببطلان عملية العرض التى أجراها محقق الشرطة وأسفرت عن تعرف المجنى عليها على الطاعن، فلا محل لإثارته أمام محكمة النقض.
3 - تعييب التحقيق الذى جرى فى المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصلح أن يكون سبباً للطعن بالنقض.
4 - ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
5 - الأصل أن الدفاع المبنى على تعذر الرؤية بسبب الظلام حيث لا يستحيل عادة بسبب قوة الاشياء هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى بحسب الحكم رداً عليها أخذه بأدلة الثبوت فى الدعوى.
6 - من المستقر عليه أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن المحكمة إذا كان قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين علة عدم إجابتها هذا الطلب. وإذ كان الحكم قد عرض للدفاع المبنى على تعذر الرؤية بسبب الظلام وطلب إجراء تجربة وأطرحه فى قوله: "وأما عن أن الوقت كان ظلاماً لا يسمح بالرؤية والإصرار على إجراء تجربة فإن وجود المصباح الغازى كاف لانبعاث ضوء منه يسمح بالرؤية من خلاله وإلا لما استعانت المجنى عليها به فى الإضاءة" وإذ كان هذا الذى أورده الحكم سائغا، وقد بان أن المنازعة فى إمكان الرؤية تستهدف إثارة الشبهة فى الدليل المستمد من أقوال المجنى عليها وهو ما أعرضت المحكمة عنه اطمئنانا منها لأدلة الثبوت التى عولت عليها وأوضحت علة رفضها له، فإن ما ينعاه الطاعن من إخلال بحقه فى الدفاع يكون غير سديد.
7 - لما كان تبرير المحكمة لتضارب المجنى عليها فى تحديد لون ملابس الطاعن بحالة الإضاءة وبارتباك المجنى عليها نفسياً بسبب مفاجأة الطاعن لها وطعنها بمطواة طعنتين لا يتعارض عقلاً ومنطقاً مع القول بتمكن المجنى عليها من تمييز ملامح الطاعن والتعرف عليه ولو كان ضوء المصباح الغازى الذى يضئ المكان خافتاً، ذلك بأن الطاعن كان لصيقاً بها حينما هم بوقاعها كرهاً فهبت من نومها وأمسكت به مستغيثة فاضطر إلى طعنها بمطواة طعنتين، وهى أمور تسمح مجرياتها بل وتلح على المجنى عليها فى التعرف على شخصه، وليس كذلك الحال بالنسبة للون ملبسه، ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره فى هذا الشأن من قاله التناقض.
8 - الجدل الموضوعى فى تقدير أدلة الدعوى هو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض.
9 - لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قاله شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى ليلة 12 من مايو سنة 1970 بدائرة مركز الباجور محافظة المنوفية: المتهم الأول (أولاً) شرع فى مواقعه ....... بغير رضاها بأن فاجأها وهى نائمة فى مسكنها ورفع عنها ملابسها بقصد مواقعتها رغماً عنها وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو استيقاظ المجنى عليها واستغاثتها (ثانياً) أحدث عمدا بـ ........ الاصابات المبينة بالتقرير الطبى الشرعى والتى أعجزتها عن أشغالها الشخصية مدة لا تزيد على عشرين يوماً. المتهم الثانى - دخل بيت المجنى عليها سالفة الذكر المسكون بقصد ارتكاب جريمة فيه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً لمواد الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً بتاريخ 24 يناير سنة 1973 عملاً بالمواد 45 و46 و267/ 1 و242/ 1 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول والمادتين 370 و372/ 1 من هذا القانون بالنسبة للمتهم الثانى بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة عن التهمتين المسندتين إليه ومعاقبة المتهم الثانى بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول..... هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتى الشروع فى وقاع انثى بغير رضاها وإحداث جرح بها قد شابه الفساد فى الاستدلال والقصور والتناقض فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم عول فى إدانة الطاعن على أقوال المجنى عليها على الرغم من تضاربها فى لون ملابس المعتدى عليها وعدم إمكانها رؤيته والتحقيق من شخصه فى ظروف الحادث ليلا على ضوء المصباح الغازى، واتخذ من تعرفها عليه فى عملية العرض التى أجراها محقق الشرطة بغير انتداب من النيابة دليلاً قبله رغم بطلان هذا الاجراء. وقد أثار الطاعن فى دفاعه أن المجنى عليها تعرفه من قبل وسبق أن أشهدته فى جنحة ضرب فلم يؤازرها مما دعاها إلى اتهامه. كما تمسك بعدم إمكان الرؤية فى ظروف الحادث، هذا إلى أن الدفاع عن المتهم الثانى طلب إجراء تجربة عرض فى ظروف تماثل ظروف الحادث فلم تستجب المحكمة إلى هذا الطلب وأطرحت دفاعه دون أن تعن بتحقيقه، ولم تستقر على قول واحد فى شأن إمكان الرؤية إذ قطعت بذلك فى موضع من الحكم ثم عادت فأرجعت تضارب المجنى عليها فى لون ملابس الطاعن إلى تعذر الرؤية لقلة الضوء، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن الأول بهما وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال المجنى عليها والتقرير الطبى الشرعى ومعاينة النيابة لمكان الحادث، عرض لدفاع الطاعن وأطرحه أخذاً بأقوال المجنى عليها وسائر أدلة الثبوت التى اطمأن إليها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها، وفى اطمئنانها إلى أقوال المجنى عليها ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها إذ أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشهبات مرجعه إلى محكمة الموضوع ولا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، و كان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع ببطلان عملية العرض التى أجراها محقق الشرطة وأسفرت عن تعرف المجنى عليها على الطاعن، فلا محل لإثارته أمام محكمة النقض، فضلاً عن أن تعييب التحقيق الذى جرى فى المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصلح أن يكون سبباً للطعن بالنقض، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب تحقيقاً معيناً لإثبات أن المجنى عليها كانت تعرفه من قبل الحادث ولم يطلب ضم قضية الجنحة التى يزعم أنها حاولت أن تشهده فيها، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن الدفاع المبنى على تعذر الرؤية بسبب الظلام حيث لا يستحيل عادة بقوة الأشياء هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى بحسب الحكم رداً عليها أخذه بأدلة الثبوت فى الدعوى، وكان الحكم – مع هذا - قد عرض لهذا الدفاع بصدد الرد على طلب المتهم الثانى - الطاعن الثانى - إجراء تجربة وأطرحه فى قوله "وأما عن أن الوقت كان ظلاماً لا يسمح بالرؤية والاصرار على إجراء تجربة فإن وجود المصباح الغازى كاف لانبعاث ضوء منه يسمح بالرؤية من خلاله وإلا لما استعانت المجنى عليها به فى الإضاءة وإذ كان هذا الذى أورده الحكم سائغاً، وكان من المستقر عليه أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن المحكمة إذا كان قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين علة عدم إجابتها هذا الطلب، ومن ثم فإنه وقد بان أن المنازعة فى إمكان الرؤية تستهدف إثارة الشبهة فى الدليل المستمد من أقوال المجنى عليها وهو ما أعرضت المحكمة عنه اطمئنانا منها لأدلة الثبوت التى عولت عليها وأوضحت علة رفضها له، فإن ما ينعاه الطاعن من إخلال بحقه فى الدفاع يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان تبرير المحكمة لتضارب المجنى عليها فى تحديد لون ملابس الطاعن بحالة الإضاءة وبارتباك المجنى عليها نفسياً بسبب مفاجأة الطاعن لها وطعنها بمطواة طعنتين، لا يتعارض عقلاً ومنطقاً مع القول بتمكن المجنى عليها من تمييز ملامح الطاعن والتعرف عليه ولو كان ضوء المصباح الغازى الذى يضئ المكان خافتاً، ذلك بأن الطاعن كان لصيقاً بها حينما هم بوقاعها كرها فهبت من نومها وأمسكت به مستغيثة فاضطر إلى طعنها بمطواة طعنتين، وهى أمور تسمح مجرياتها بل وتلح على المجنى عليها فى التعرف على شخصه، وليس كذلك الحال بالنسبة للون ملبسه، ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره فى هذا الشأن من قاله التناقض، لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعا.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثانى ...... هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة دخول منزل مسكون بقصد ارتكاب جريمة، قد عاره الفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والتناقض فى التسبيب، ذلك بأن الحكم استدل على ثبوت الجريمة فى حقه بأقوال المجنى عليها على الرغم من تعذر الرؤية واستحالة تعرفها عليه فى ظروف الحادث وقد تمسك الدفاع بطلب إجراء تجربه فى ظروف مماثلة لها إلا أن المحكمة لم تجبه إلى مطلبه وأعرضت عن قاله شهود النفى الذين صادقوا الطاعن على مبيته بالحقل بعيداً عن مكان الحادث ليلة وقوعه، وتناقضت فى حكمها حين قطعت بتمكن المجنى عليها من التعرف على الطاعن وقت الحادث على ضوء المصباح الغازى ثم عادت فعللت عدم تحقق المجنى عليها من لون ملابس الطاعن الأول بتعذر الرؤية لقلة الضوء، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن الثانى بها وأورد على ثبوتها فى حقه الأدلة السائغة التى تؤدى إليها، وكان ما يثيره الطاعن بقالة الفساد فى الاستدلال والتناقض فى التسبيب أو بدعوى الإخلال بحقه فى الدفاع لعدم استجابة المحكمة إلى ما طلبه من إجراء تجربة فى ظروف تماثل ظروف الحادث مردوداً بما سلف بيانه فى الرد على الاوجه المماثلة من الطعن المقدم من الطاعن الأول فضلا عما أثبته الحكم من أنه - أى الطاعن الثانى - وهو جار للمجنى عليها فقد باتت معرفتها له ميسرة على ضوء مصباح الغاز، ومن ثم فإن ما ينعاه من ذلك لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قاله شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.