أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 24 - صـ 1172

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1973

برياسة السيد/ المستشار حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، ومصطفى الاسيوطى، ومحمد عادل مرزوق.

(239)
الطعن رقم 1005 لسنة 43 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها فى استخلاص للصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفى إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره. لا بالحس الظاهر. استخلاص نية القتل موضوعي. مثال لتسبيب سائغ لاستظهار نية القتل.
(2) إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفنى ليس بلازم فى كل جزئية. كفاية أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق. مثال عن مسار العيار فى جريمة قتل.
1 - قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه. واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن من استعماله سلاحاً قاتلاً بطبيعته (مسدس) وتصويبه نحو المجنى عليه وهو على مسافة قريبة جداً منه وإطلاقه منه عيارا ناريا اصابة فى مقتل، ومن سبق وجود نزاع بينه وبين المجنى عليه ومن مجاهرته بعد الحادث واعترافه لرجال الشرطة بأنه القاتل ومقاومته لهم وقت الضبط مهدداً إياهم بإطلاق عيارى نارى آخر وإطلاقه ذلك العيار بالفعل وإصابته جدار مبنى مركز الشرطة، فإن هذا حسبه للتدليل على توافر نية القتل كما هى معرفة به فى القانون.
2 - الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى فى كل جزئية بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق وإذ كان ما حصله من أقوال الشاهد يتواءم ومضمون التقرير الفني، وهو وإن لم يعتد بأقوال ذلك الشاهد بمحضر الجلسة من أن المجنى عليه كان أطول قامة من المتهم (الطاعن) بما لا يتفق وما أورده التقرير الفنى من أن مسار العيار كان بميل قليل إلى أسفل مطرحاً تلك الجزئية من أقواله على سند من أنها قول مرسل لا دليل عليه من أوراق الدعوى، فإن هذا منه لا يعد مسخا أو بترا لفحوى شهادة الشاهد بما يحيلها عن معناها المفهوم من صريح عبارتها وإنما هى تجزئة لأقواله أخذت منها المحكمة بما تطمئن إليه وأطرحت ما عداها وهذا من اطلاقاتها لتعلقه بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى. وما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدليل وفى وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 31 يناير سنة 1969 بدائرة مركز كوم حمادة محافظة البحيرة: قتل ..... و.... عمدا بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من مستشار الاحالة احالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234/1 من قانون العقوبات. فقرر ذلك بتاريخ 13 من أكتوبر سنة 1969. وادعى والدا القتيل مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً بتاريخ 5 مايو سنة 1971 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه أن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ خمسة آلاف جنيه مناصفة بينهما والمصاريف المناسبة ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعن بجدول المحكمة برقم 226 سنة 42 قضائية. بتاريخ 7 مايو سنة 1972 قضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات دمنهور لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة سمعت الدعوى من جديد وقضت حضوريا بتاريخ 12 مايو سنة 1973 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وإلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحق المدنى مبلغ خمسة آلاف جنيه مناصفة بينهما والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ عشرين جنيهاً أتعاباً للمحاماة. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وخطأ فى الإسناد، ذلك بأن ما أورده بياناً لنية القتل لا يكفى لاستظهارهما ولا يسوغ به التدليل على توافرها فى حق الطاعن فضلاً عن أن ما جرى به حديثه عن تصويب العيار النارى نحو المجنى عليه لا دليل عليه من أقوال الشهود. وقد عول فى قضائه على اقوال الشاهد ..... مع تعارضها مع التقرير الطبى وهو حين عرض لها تدخل فيها على وجه يخرج بها عن مضمونها. أما ما تحدث به عن واقعة ثبوت إطلاق الطاعن للعيار النارى - فى مقام التدليل على توافر نية القتل لديه - فهو لا يعدو أن يكون سرداً للوقائع لا يصلح بذاته دليلاً على إثبات توافر ذلك الركن الشرعى للجريمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التى دان الطاعن بها، وأقام عليها فى حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود ومن التقارير الطبية الشرعية ومن اعتراف الطاعن بإطلاق العيار النارى الذى أصاب المجنى عليه، وهى أدلة سائغه تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه. واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن من استعماله سلاحاً قاتلاً بطبيعته (مسدس) وتصويبه نحو المجنى عليه وهو على مسافة قريبة جداً منه واطلاقه منه عياراً نارياً أصابه فى مقتل، ومن سبق وجود نزاع بينه وبين المجنى عليه ومن مجاهرته بعد الحادث واعترافه لرجال الشرطة بأنه القاتل ومقاومته لهم وقت الضبط مهدداً إياهم بإطلاق عيار نارى آخر وإطلاقه ذلك العيار بالفعل وإصابته جدار مبنى مركز الشرطة، فإن هذا حسبه للتدليل على توافر نية القتل كما هى معرفة به فى القانون. لما كان ذلك، وكان حديث الحكم فى شأن تصويب العيار نحو جسم المجنى عليه له سنده وأصله الثابت فى الأوراق - على ما يبين من اقوال الشاهد .... بتحقيقات النيابة ومحضر جلسة المحاكمة الأولى أمام محكمة الجنايات - فإن دعوى الخطأ فى الإسناد لا تكون مقبولة. وإذ كان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى فى كل جزئية بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان ما حصله الحكم من أقوال الشاهد...... يتواءم ومضمون التقرير الفني، وهو وإن لم يعتد بأقوال ذلك الشاهد بمحضر الجلسة من أن المجنى عليه كان أطول قامة من المتهم (الطاعن) بما لا يتفق وما أورده التقرير الفنى من أن مسار العيار كان بميل قليل إلى أسفل مطرحا تلك الجزئية من أقواله على سند من أنها قول مرسل لا دليل عليه من أوراق الدعوى، فإن هذا منه لا يعد مسخاً أو بتراً لفحوى شهادة الشاهد بما يحيلها عن معناها المفهوم من صريح عبارتها وإنما هى تجزئة لأقواله أخذت منها المحكمة بما تطمئن إليه وأطرحت ما عداها وهذا من أطلاقاتها لتعلقه بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى. وما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير الدليل وفى وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير اساس متعينا رفضه موضوعا.