أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الثانى - السنة 35 - صـ 2194

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ عبد العزيز عبد العاطى إسماعيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مدحت المراغي، جرجس إسحق، عبد الحميد سليمان والسيد السنباطى.

(416)
الطعن رقم 1276 لسنة 47 القضائية

(1، 2) حكم "الأحكام الجائز الطعن فيها". القبول المانع من الطعن". خبرة.
1 - الحكم بندب خبير لتحقيق الريع. حكم غير منه للخصومة فى الدعوى. عدم جواز الطعن عليه استقلالا. تعرض الحكم لصحة الورقة موضوع التداعى وتكييفه لها. لا أثر لذلك.
2 - عدم اعتراض الطاعن على مباشرة الخبير لمأمورية أو مناقشته لتقريره. لا يعد رضاء بالحكم الصادر بندبه ولا بما ورد فيه من أسباب جواز الطعن عليه مع الطعن فى الحكم المنهى للخصومة.
(3) اختصاص. "اختصاص ولائي". عقد "عقد إداري".
المطالبة بريع عقار ممن يضع يده عليه غصباًًًًً. اختصاص القضاء العادى بنظره. تكييف المحكمة لسند وضع اليد ولو كان عقد اداريا. مؤداه انتفاء واقعة الغصب. لا أثر لذلك فى الاختصاص.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها فى تفسير العقود والإقرارات".
تفسير الإقرارات والاتفاقات وسائر المحررات من سلطة محكمة الموضوع. شرطه. ألا تخرج بالتفسير إلى معنى آخر، التكييف القانونى لما قصده العاقدان، وإنزال حكم القانون عليها. خضوعه لرقابه محكمة النقض.
(5) عقد "العقود الإدارية". هبة.
اشتراط المقابل فى الهبة. أثره. عدم اعتبارها من التبرعات المحضة. التبرع بتقديم عقار لجهة إدارية لإقامة مشروع ذى نفع عام تتحمل الإدارة بقيمة نفقاته. اعتباره عقداًًًًً إدارياًًًًً وليس هيئة مدنية. عدم وجوب إفراغه فى ورقة رسمية.
1 - من المقرر وفقاًًًًً لنص المادة 212 من قانون المرافعات أنه لا يجوز الطعن فى الأحكام التى تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهى بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهى للخصومة كلها وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري، لما كان ذلك وكان الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في....... بندب خبير لتحقيق الريع يعد من الأحكام التى لا تنهى الخصومة كلها فى الدعوى ولا يغير من ذلك أن يكون قد تعرض فى أسبابه لصحة الورقة موضوع التداعى مبيناًًًًً أنها صدرت عن رضاء صحيح وغير مشوب بالإكراه ثم تصدى لتكيفها مقررا أنها عقد هبة للعقار محل النزاع ثم وصفه تبعاًًًًً لذلك بالبطلان لأنه لم يقرع فى الشكل الرسمى ومن ثم كان من غير الجائز الطعن فى هذا الحكم استقلالاًًًًً إلا بعد صدور الحكم المنهى للخصومة.
2 - عدم اعتراض الطاعنين على مباشرة الخبير لمأموريته تنفيذاًًًًً لذلك الحكم أو مناقشتهم لتقريره بعد ذلك لا يعد بذاته إرضاءً بما تضمنه الحكم المذكور من قضاء ولا بما ورد بمدوناته من أسباب ولا يعتبر بدوره قبولاًًًًً مانعاًًًًً لهم من الطعن عليه وذلك إزاء ما كفله لهم القانون من الحق فى هذا الطعن عند الطعن فى الحكم الصادر فى الموضوع والمنهى للخصومة كلها.
لئن كان من المقرر أن عقد المعاونة والمساهمة فى مشروع ذى نفع عام يعتبر فى ذاته من العقود الادارية إلا أنه لما كان البين من الأوراق أن حقيقته المنازعة المطروحة على محكمة الموضوع أنها دعوى مطالبة بريع العقار بمقولة أن الطاعنين يضعون يدهم عليه بطريق الغصب ودون سند من التعاقد أو القانون وهو ما ينعقد الاختصاص ببحثه والفصل فيه لجهة القضاء العادى وحده بصرف النظر عما قد يقتضيه هذا البحث من التعرض لتكييف سند الطاعنين فى وضع يدهم على عين النزاع إذ أن مؤدى ذلك ومع التسليم بكونه عقد إدارياًًًًً هو انتفاء واقعة الغصب المدعاة أساس الدعوى.
4 - من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير الإقرارات والاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها أو أصحاب الشأن فيما تستهديه بوقائع الدعوى وظروفها ما دامت لم تخرج فى تفسيرها عن المعنى الذى تحتمله عبارات المحرر وكان ما انتهى إليه من ذلك سائغاًًًًً ومقبولاًًًًً كما أن المقرر أن التكييف القانونى الصحيح لما قصده المتعاقدان وإنزال حكم القانون على المحرر هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمه النقض.
5 - من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الهبة التى يشترط فيها المقابل لا تعتبر من التبرعات المحضة وأن التبرع بتقديم عقار لجهة إدارية لإقامة مشروع ذى نفع عام على أن تتحمل الإدارة بقيمة النفقات وإقامة المشروع لا يعتبر عقد هبة يخضع للأحكام المقررة فى القانون المدنى من وجوب إفراغه فى ورقة رسمية، وإنما تعتبر عقداًًًًً إدارياًًًًً تضيق عليه الأحكام والقواعد الخاصة بالعقود الادارية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن مورث المطعون ضدهم أقام الدعوى رقم 1795 سنة 69 مدنى كلى المنصورة ضد الطاعنين طالباًًًًً الحكم بإلزامهم بأن يدفعوا له مبلغ ثمانية آلاف جنيه، وقال فى بيان دعواه أنه بتاريخ 17/ 12/ 1966 قامت محافظة الدقهلية بالاستعانة بالشرطة والمباحث الجنائية بالاستيلاء على منزله الكائن بناحية أخطاب مركز أجا دقهلية لحساب وزارة التربية والتعليم بقصد استغلاله مدرسة استناداًًًًً إلى ما ذهبت إليه الحافظة على خلاف الحقيقة من أنه تبرع بالمنزل لإقامة مدرسة، وأنه لما كان وضع يد وزاره التربية والتعليم لا سند له من القانون فقد أقام دعواه. قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى. استأنف مورث المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 217 سنة 23 ق المنصورة. أحالت المحكمة الاستئنافية الدعوى إلى التحقيق ليثبت مورث المطعون ضدهم أن تسليم منزل النزاع فى 17/ 12/ 1966 لم يكن وليد اختيار وقصد به إجازة هبة المنزل المذكور وأن هذا التسليم قد تم فى غيبته، وبعد أن استمعت إلى أقوال شاهديه قضت بانقطاع يد الخصومة لوفاة المورث ثم قام المطعون ضدهم بتعجيل الاستئناف. ندبت المحكمة الاستئنافية خبيراًًًًً فى الدعوى وبعد أن أودع تقريره أعادت المحكمة المأمورية إليه مرة أخرى ليقوم بتقديم ريع المنزل بعد أن انتهت فى أسباب حكمها إلى أن التصرف الصادر من المورث قد صدر عنه برضاء سليم غير مشوب بإكراه، وإذ قام الخبير بتقدير قيمة الريع فقد قضت المحكمة فى 11/ 6/ 1977 بإلغاء الحكم المستأنف وألزمت الطاعنين بأن يدفعوا للمطعون ضدهم مبلغ 3450 ريع المدة من 17/ 12/ 1966 حتى نهاية أكتوبر سنة 1969. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون ضدهم بعدم جواز الطعن. أبدت النيابة الرأى برفض الدفع وبنقض الحكم المطعون فيه. وعرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون ضدهم بعدم جواز الطعن أن الحكم الصادر من محكمة استئناف المنصورة ندبت الخبير قطع فى موضوع النزاع المتعلق بتكييف المحرر موضوع التداعى بأنه عقد هبة ثم انتهى إلى أنه وقع باطلاًًًًً لعدم إيداعه فى الشكل الرسمى وإذ لم يقم الطاعنون بالطعن فى هذا الحكم فى حينه فضلاًًًًً عن أنهم لم يبدوا أى تحفظ بشأنه بل وافقوا على تقدير ريع العقار بواقع 45 جنيه شهرياًًًًً وهو ما يعتبر بدوره قبولاًًًًً من جانبهم يمنعهم من الطعن بعد ذلك على الحكم.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن من المقرر وفقاًًًًًًًًًً لنص المادة 212 من قانون المرافعات أنه لا يجوز الطعن فى الأحكام التى تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهى بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهى للخصومة كلها وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجله والصادرة بوقف الدعوى الأحكام القابلة للتنفيذ الجبري. لما كان ذلك وكان الحكم الصادر من محكمة الاستئناف فى 9/ 11/ 76 بندب خبير لتحقيق الريع هو حكم غير منه للخصومة فى الدعوى، ولا يغير من ذلك أن يكون قد تعرض فى أسبابه بصحة الورقة موضوع التداعى مبيناًًًًً أنها صدرت عن رضاء صحيح وغير مشوب بالإكراه ثم تصدى لتكييفها مقرراًًًًً أنها عقد هبة للعقار محل النزاع ثم وصفه تبعاًًًًً لذلك بالبطلان لأنه لم يفرغ فى الشكل الرسمي، ومن ثم كان من غير الجائز الطعن فى هذا الحكم استقلالاًًًًً إلا بعد صدور الحكم المنهى للخصومة كلها. هذا إلى أن عدم اعتراض الطاعنين على مباشرة الخبير لمأموريته تنفيذاًًًًً لذلك الحكم أو مناقشتهم لتقريره بعد ذلك لا يعد بذاته رضاء بما تضمنه الحكم المذكور من قضاء ولا بما ورد بمدوناته من أسباب ولا يعتبر بدوره قبولاًًًًً مانعاًًًًً لهم من الطعن عليه وذلك إزاء ما كلفه لهم القانون من الحق فى هذا الطعن عند الطعن فى الحكم الصادر فى الموضوع والمنهى للخصومة كلها ومن ثم فإن الدفع يكون على غير اساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وقال فى بيان ذلك أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاص المحكمة ولائياًًًًً بنظر الدعوى لأنها تدخل فى اختصاص القضاء الإدارى باعتبار أن العقد موضوع التداعى هو من العقود الإدارية إذ أنه عقد معارضة أو مساهمة فى مرفق عام هو مرفق التعليم وأن القضاء الإدارى يختص وحده بنظر المنازعة التى تثور بشأنه إذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف قواعد الاختصاص الولائي.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله، ذلك لأنه ولئن كان من المقرر أن عقد المعارضة والمساهمة فى مشروع ذى نفع يعتبر فى ذاته من العقود الإدارية إلا أنه لما كان البين من الأوراق أن حقيقة المنازعة المطروحة على محكمة الموضوع أنها دعوى مطالبة بريع العقار بمقولة أن الطاعنين يضعون يدهم عليه بطريق الغصب ودون سند من التعاقد أو القانون وهو ما ينعقد الاختصاص ببحثه والفصل فيه لجهة القضاء العادى وحده بصرف النظر عما قد يقتضيه هذا البحث من التعرض لتكييف سند الطاعنين فى وضع يدهم على عين النزاع إذ أن مؤدى ذلك - ومع التسليم بكونه عقداًًًًً إدارياًًًًً هو انتفاء واقعة الغصب المدعاة أساس الدعوى - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون فى هذا الخصوص ويكون النعى عليه بما ورد فى هذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بباقى أسباب الطعن مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وفى بيان ذلك يقولون أن مورث المطعون ضدهم أراد المساهمة فى مرفق التعليم فعرض على مديرية التربية والتعليم تقديم المنزل لإنشاء مدرسة به فقلبت جهة الإدارة عرضه وانشأت مدرسة زودتها بكافة ما تحتاجه من مدرسين وأثاث ومعامل وأنه لذلك لا يعتبر العقد الصادر من المورث عقد هبة إنما هو عقد معارضة غير مسمى للمساهمة والمعارضة فى مرفق التعليم وهو من العقود الإدارية ولا يشترط فيه الرسمية لانعقاده، وإذ خالف الحكم هذه النظرة على سند من أن العقد يعتبر عقد هبة لعقار وأنه وقع باطلاًًًًً لعدم إفراغه فى ورقة رسمية ورتب على ذلك قضائه بالريع للمطعون ضدهم فإنه يكون معيباًًًًً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه لما كان من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير الإقرارات والاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها أو أصحاب الشأن فيما تستهديه بوقائع الدعوى وظروفها ما دامت لم تخرج فى تفسيرها عن المعنى الذى تحتمله عبارات المحرر وكان ما انتهت إليه من ذلك سائغاًًًًً ومقبولاًًًًً وكان من المقرر أيضاًًًًً أن التكييف القانونى الصحيح لما قصده المتعاقدان وإنزال حكم القانون على المحرر هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض وكان من المقرر كذلك - وعلى ما جرى به قضاء النقض - أن الهبة التى يشترط فيها المقابل لا تعتبر من التبرعات المحصنة، وأن التبرع بتقديم عقار لجهة إدارية لإقامة مشروع ذى نفع عام على أن تتحمل الادارة بقيمة النفقات وإقامة المشروع لا يعتبر عقد هبة يخضع للأحكام المقررة فى القانون المدنى من وجوب إفراغه من ورقة رسمية وإنما يعتبر عقد إدارياًًًًً تطبق عليه الأحكام والقواعد الخاصة بالعقود الإدارية، لما كان ذلك وكان الإقرار المؤرخ 5/ 12/ 1966 الصادر من مورث المطعون ضدهم قد تضمن تبرعه بالعقار موضوع التداعى لمديرية التربية والتعليم بالدقهلية لإقامة مدرسة وأن الجهة الإدارية قد قبلت ذلك وقامت بتنفيذه بإنشاء المدرسة المتفق عليها فعلاًًًًً وجهزتها بكافة ما تحتاجه من معدات وأثاث ومعامل وزودتها بالعدد اللازمة لإدارتها وتشغيلها من المدرسين والفنيين والإداريين فإن هذا التعاقد الذى تم صحيحاًًًًً بين عاقديه يكون فى حقيقته عقدا من عقود المعارضة غير المسماه وهو ما جرى الفقه والقضاء الإدارى على وصفه بأنه عقد تقديم معاونة أو مساهمة يلتزم بمقتضاه شخص بالمساهمة نقداًًًًً أو عيناًًًًً فى نفقات مرفق عام أو مشروع ذى نفع عام وهو بهذه المثابة لا يعتبر - وعلى ما جرى به قضاء النقض - هبة مدنية فلا تجب له الرسمية ولا يجوز الرجوع فيه وذلك على الرغم مما قد يكون وارداًًًًً فيه من ألفاظ التبرع أو التنازل أو الهبة إذ أن هذه الألفاظ إنما تساق لبيان الباعث وراء هذا التصرف دون أن تؤثر مجال على كيان العقد وحقيقته سالف البيان وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى أن هذا العقد هو عقد هبة لم تفرغ فى الشكل الرسمى ورتب على ذلك قوله ببطلانه وبأن وضع يد الطاعنين يضحى تبعا لذلك بغير سند فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله بما يستوجب نقضه لهذا السبب.
ولما تقدم يتعين نقض المطعون فيه.
وحيث إنه لما كان الموضوع صالحا للفصل فيه وكان الثابت - ترتيبا على ما سلف أن يد الطاعنين على المبنى موضوع التداعى تستند إلى سبب قانونى صحيح وهو ما ينفى عنها الادعاء بالغصب ويستوجب بدوره رفض دعوى المطعون ضدهم لانتفاء أساسها من الواقع والقانون وإذ انتهى الحكم الابتدائى المستأنف إلى هذه النتيجة الصحيحة فإنه يكون خليقاًًًًً بالتأمين.