أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 971

جلسة 17 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(180)
الطعن رقم 1429 لسنة 36 القضائية

(أ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "خبرة".
ليس للمتهم النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها إجراءه.
تجريح أقوال أحد شهود الإثبات بسبب ما يصيبه من العشى ليلا. واقعة يمكن إدراكها بالحس بغير ما حاجة للجوء إلى ذوي الخبرة بشأنها. للمحكمة التعويل في إثبات ما قنعت به في خصوصها على أقوال الشهود.
(ب, ج) إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات موضوعي.
(ج) ندب خبير في الدعوى لا يسلب المحكمة حقها في تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت.
1- متى كان الثابت من محضر الجلسة أن المدافع عن الطاعنين اقتصر على تجريح شهادة أحد شهود الإثبات بسبب ما يصيبه من العشى ليلا، ولم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق ما في هذا الشأن، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع وأورد ما يسوغ به اطراحه - وهو في هذا الخصوص دفاع موضوعي متعلق بواقعة يمكن إدراكها بالحس بغير ما حاجة للجوء إلى ذوي الخبرة بشأنها، فلا تثريب على المحكمة إن هى عولت في إثبات ما قنعت به في خصوصها على أقوال الشهود، خاصة وأن الطاعنين قد سكتا عن طلب إجراء أي تحقيق فيها.
2- تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع. فلها وهى تقضي في الدعوى أن ترجح بين أقوال الخبراء المتعارضة.
3- ندب خبير في الدعوى لا يسلب المحكمة سلطتها في تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 2 نوفمبر سنة 1962 بدائرة مركز أسيوط محافظة أسيوط: (أولا) قتلا عبد الحفيظ أحمد عبد الرحيم عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن عقدا العزم على قتله وأعدا لذلك بندقيتين وترصداه في الطريق الذي أيقنا أنه سيمر منه وما أن ظفرا به حتى أطلق كل منهما صوبه عيارا من بندقيته قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانيا) المتهم الثاني. (أ) أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا "بندقية" (ب) أحرز ذخيرة "طلقات" مما تستعمل في الأسلحة النارية دون أن يكون مرخص له بإحراز السلاح أو حيازته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين على محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقا للمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات والمتهم الثاني أيضا بالمواد 1 و6 و26/ 2 - 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول 3 قسم أول "ب" فقررت بذلك. وادعت بحق مدني أرملة القتيل وطلبت القضاء لها بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا بتاريخ 6 نوفمبر سنة 1963 عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامهما متضامنين أن يدفعا للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقضى بتاريخ 29 مارس سنة 1965 بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات أسيوط للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى مع إلزام المطعون ضدها المصروفات المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة جنايات أسيوط التي قضت حضوريا في 28 ديسمبر سنة 1965 بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة وإلزامهما متضامنين أن يدفعا للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت، ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن محصل ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه هو أنه - إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد ران عليه القصور وأخل بحقهما في الدفاع. ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية القتل لديهما، واكتفى فيما انتهى إليه من أن المجني عليه كان قادرا على الكلام بتعقل عقب إصابته بما أسفرت عنه مناقشة أحد الأطباء الشرعيين في الجلسة ولم يستجب إلى ما طلبه الدفاع من أخذ رأي كبير الأطباء الشرعيين أو مناقشة الطبيب الشرعي الذي شرح الجثة بصدد مخالفة رأي الطبيب الشرعي الذي قال به في الجلسة، لرأي الطبيب المشرح ولما تضمنه التقرير الإستشاري المقدم من الطاعن في شأن سبب الوفاة وهل هى راجعة إلى النزيف أو إلى الصدمة العصبية مع اختلاف أثر كل من السببين على قدرة المجني عليه على الكلام، وفضلا عن ذلك فقد تمسك المدافع عن الطاعنين بأن أحد الشهود - الذين عول الحكم على أقوالهم - أعشى لا يبصر بعد الغروب - وهو التوقيت الذي وقع فيه الحادث - وطلب إجراء تجربة لبيان مدى قدرة الشاهد على الرؤية في مثل هذا الوقت أو إحالته إلى الطبيب الشرعي لتحقيق هذا الدفاع، غير أن المحكمة أطرحت هذا الطلب تأسيسا على ما شهد به باقي شهود الواقعة من عدم صحة ما يعيبه الطاعنان على سلامة إبصار الشاهد، وهو ما لا يسوغ التعويل عليه بصدد مسألة يرجع الرأي فيها لأهل الفن، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بارتكابها وأورد على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدي إليها عرض لبيان توافر نية القتل وسبق الإصرار والترصد لدى الطاعنين في قوله. "وحيث إن نية القتل قد توافر الدليل عليها من إعداد المتهمين - الطاعنين - لسلاحين ناريين قاتلين بطبيعتهما والتوجه به إلى مكان الحادث وإطلاقهما النار عليه فأصيب في مقتل من جسمه بإصابات أدت إلى وفاته، أما سبق الإصرار والترصد فقد قام الدليل عليه من أقوال شاهدي الرؤية اللذين أوضحا أن المتهمين كانا ينتظران بحارة الفوارس حيث علما بمرور المجني عليه في هذا المكان كما جرت العادة وقد تمكنا من ذلك بحكم ترددهما على حارة الفوارس حيث تقطن أختهما فتربصا للمجني عليه في هذا المكان يوم الحادث وقد بيتا النية على قتله وأعد كل منهما بندقية لإرتكاب فعلته وذلك أخذا بالثأر على الوجه السابق إيضاحه". وما أورده الحكم فيما تقدم ينطوي على عناصر تكفي ويسوغ بها استدلاله على توافر نية القتل لدى الطاعنين ويكون النعي عليه بالقصور في بيان تلك النية غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما تمسك به الطاعنان من أن المجني عليه ما كان يقدر على الكلام عقب الحادث ولما أثير بالجلسة حول سبب الوفاة فأورد في قوله: "وقد ناقشت المحكمة بجلسة 26/ 12/ 1965 رئيس قسم الطب الشرعي بمحافظة أسيوط في هذا الشأن فقرر بعد الإطلاع على التقرير الإستشاري لأحد الجراحين الذي قدمه الدفاع بالجلسة بأن المجني عليه المذكور يستطيع من الوجهة الطبية الشرعية أن يعيش فترة من الزمن يتعذر تحديدها ويستطيع أثناءها أن يتكلم بتعقل، ومن الممكن كما أوضح أن التقرير الاستشاري سالف الذكر لم يصبه التوفيق في هذا المنحى لأن النزيف الذي وجد بالتجويف البريتوني وهو عبارة عن لتر من الدم بالإضافة إلى ما حدث من نزيف من الجروح لا يمنع أن يعيش المجني عليه فترة وجيزة يتكلم خلالها بتعقل. ولا صحة لما قرره التقرير الاستشاري من أن الصدمة العصبية غلبت النزيف إذ النزيف استمر في هذه الحالة فترة، كما أن الإصابات التي بالمجني عليه ليست من الإصابات التي تحدث الوفاة مباشرة - كتهتك القلب أو المخ بل هى في مواضع أخرى ليس من شأنها وجوبا إحداث الوفاة مباشرة علما بأن الفترة التي يعيشها المصاب بمثل إصابات المجني عليه هى فترة وجيزة لا يمكن تحديدها، وأن الوفاة في خصوص حالة المجني عليه قد حدثت أساسا من النزيف وليس من الصدمة وهو في هذا يتفق مع ما ورد بقرير الصفة التشريحية الذي قدم النزيف على الصدمة العصبية كسببين للوفاة" وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع، كما أن ندب خبير في الدعوى لا يسلبها سلطتها في تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت، وكذلك فلها وهى تقضي في الدعوى أن ترجح بين أقوال الخبراء المتعارضة، وكانت المحكمة قد سلكت في سبيل تحقيق ما أبداه الطاعنان من دفاع استيضاح رئيس قسم طب شرعي أسيوط واستندت إلى رأيه للأسباب الفنية التي أبداها، وهو من حقها ما دام أن تكييف الواقع الذي شهد به الخبير وترتيب آثاره في الدعوى هو من خصائص قاضي الموضوع الذي له أن يسلك ما يراه مؤديا إلى فهم الواقع، ومتى تم له ذلك فلا يصح أن يصادر في اقتناعه وعقيدته بطلب مزيد من التحقيقات في الدعوى. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان من إخلال الحكم المطعون فيه بحقهما في الدفاع لعدم إجابة طلبهما دعوة كبير الأطباء الشرعيين أو مناقشة الطبيب الشرعي الذي شرح جثة المجني عليه ليرجحا بين التقرير الطبي الشرعي والتقرير الاستشاري لا يكون له أساس. لما كان ما تقدم، وكان النعي على الحكم بعدم استجابته إلى تحقيق دفاع الطاعنين القائم على أن أحد الشهود أعشى لا يبصر ليلا وتعويله في إطراح هذا الدفاع على أقوال باقي شهود الإثبات مردودا بأنه لما كان الثابت من محضر الجلسة أن المدافع عن الطاعنين اقتصر على تجريح شهادة أحد شهود الإثبات بسبب ما يصيبه من العشى ليلا، ولم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق ما في هذا الشأن، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع واطرحه بقوله: "أما ما قرره الدفاع عن أن أحد شاهدي الرؤية وهو محمد علي عبد الرحيم إمام مصاب بعشى البصر الذي يمنعه من الرؤية بمجرد حلول الظلام، وذلك أخذا بإشاعة تسامعها المتهمان في البلدة في هذا الشأن فمردود عليه بما قرره الخفير النظامي، وما قرره الشاهد أحمد عبد الغفار عبد الرازق بجلسة المحاكمة من أن هذا الزعم مكذوب مؤيدين في ذلك ما قرره الشاهد محمد علي عبد الرحيم من أنه غير مصاب بهذا المرض" وكان هذا الذي أورده الحكم مما يسوغ به إطراح دفاع الطاعن وهو في هذا الخصوص - دفاع موضوعي متعلق بواقعة يمكن إدراكها بالحس بغير ما حاجة للجوء إلى ذوي الخبرة بشأنها فلا تثريب على المحكمة إن هى عولت في إثبات ما قنعت به في خصوصها على أقوال الشهود، خاصة وأن الطاعنين قد سكتا عن طلب إجراء أي تحقيق فيها، ومن ثم فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.