أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1037

جلسة 31 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائي رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمود عزيز الدين سالم، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(195)
الطعن رقم 1362 لسنة 36 القضائية

(أ, ب) جمارك. مأمورو الضبط القضائي. إثبات. "إثبات بوجه عام".
(أ) مخبر الجمارك من مأموري الضبط القضائي بوصف كونه موظفا في مدلول المادة 6 من القانون 623 لسنة 1955.
(ب) القاضي الجنائي غير مقيد في الإثبات بدليل معين إلا فيما نص عليه صراحة.
(ج) جمارك. تفتيش. إثبات. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لموظفي الجمارك تفتيش الأمتعة والأشخاص في حدود منطقة المراقبة الجمركية.
عثورهم أثناء التفتيش على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام. جواز الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجرائم.
1 - يبين من استقراء القوانين الجمركية - في تواليها - أنها لم تغير شيئا من الأحكام الإجرائية التي تضمنتها نصوص اللائحة الجمركية وخاصة ما تعلق منها بحقوق رجال الجمارك في الضبط والتفتيش فقد نصت المادة 34/ 6 من اللائحة: "لموظفي مصلحة الجمارك ولكل موظف يصدر بتعينه قرار من وزير المالية والاقتصاد صفة مأموري الضبط القضائي لإثبات الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون". ونصت المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1905: "لموظفي وعمال الجمارك القبض على كل من يجدونه متلبسا بفعل التهريب". ونصت المادة السابعة منه: "يعتبر موظفو وعمال الجمارك من رجال الضبطية القضائية أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم". كما نصت المادة السادسة من القانون رقم 623 لسنة 1955: "لموظفي مصلحة الجمارك ولكل موظف يصدر بتعيينه قرار من وزير المالية والاقتصاد صفة مأموري الضبط القضائي لإثبات الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون". ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر مخبر الجمارك الذي قام بضبط الطاعن من مأموري الضبط القضائي بوصف كونه موظفا في مدلول المادة السادسة من القانون رقم 623 لسنة 1955، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله [(1)].
2- لم يقيد القانون القاضي الجنائي بأدلة معينة - إلا فيما نص عليه صراحة بل خوله أن يكون عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ويقتنع به، فلا على المحكمة إن هى استوفت دليلها في اعتبار نقطة "العوايد" داخله في نطاق المراقبة الجمركية، وفي اعتبار مخبر الجمرك من موظفيه الذين أسبغ عليهم القانون صفة الضبط القضائي أخذا بأقوال رئيس مباحث الجمرك وما نصت عليه القوانين الجمركية في هذا الشأن، ولا تثريب عليها إذ ما عدلت من قرار لها سبق أن أصدرته لتحقيق كلا الأمرين بطريق معين ما دامت قد حققت ما صدر القرار من أجل تحقيقه بطريق آخر، وهى من بعد ليست ملزمة ببيان علة هذا العدول.
3- لموظفي الجمارك تفتيش الأمتعة والأشخاص في حدود منطقة المراقبة الجمركية، فإذا هم عثروا أثناء التفتيش الذي يجرونه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجرائم لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 6 يونيه سنة 1963 بدائرة قسم الأربعين محافظة السويس: أحرز بقصد الاتجار جوهرا مخدرا "أفيونا" في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و34/ 1- 2 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند الأول من الجدول المرافق. فقرر بذلك. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات السويس دفع الحاضر مع المتهم ببطلان القبض وما تلاه من إجراءات. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بتاريخ 8 أكتوبر سنة 1963 عملا بالمواد 1 و2 و37 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 الملحق به بمعاقبة المتهم بالسجن خمس سنوات وبتغريمه ألفي جنيه وبمصادرة المادة المخدرة المضبوطة وقد ردت على الدفع قائلة إنه في غير محله. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بجلسة 2 نوفمبر سنة 1964 بقبوله شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات السويس لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى. وقضت المحكمة سالفة الذكر بهيئة جديدة حضوريا بتاريخ 12 يناير سنة 1966- بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه ألف جنيه ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية … الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر في غير الأحوال المصرح بها قانونا قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون. ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش وما أسفر عنه من ضبط الجوهر المخدر استنادا إلى انعدام صفة مخبر حرس الجمارك في إجرائه في غير حالة تلبس بالجريمة خارج نطاق الدائرة الجمركية من شخص لا يجيز له القانون ذلك لأنه من غير رجال الضبطية القضائية غير أن المحكمة رفضت هذا الدفع بقوله إن مخبر الجمرك يعتبر من مأموري الضبط القضائي وأن ضبط الطاعن قد تم في نطاق المراقبة الجمركية التي تخول له ضبط البضائع المهربة، وأن المخدرات لا تعدو أن تكون من الممنوعات التي أجازت قوانين الجمرك لرجاله البحث عنها وضبطها، واعتمدت في ذلك على شهادة شاهد دون أن تعبأ بتنفيذ قرارها الذي أصدرته في هذا الشأن لتستبين به - من إدارة الجمارك - وجه الحق في صفة مخبر الجمرك وسلطته فيما آتاه ودون أن تبرر عدولها عن تنفيذ قرارها بما يسوغه - كما أنها اعتبرت حرم مدينة السويس على بعد كيلو مترين داخل المدينة دائرة جمركية في حين أن هذه الدائرة لا تعدو الجمرك المسور المحجوز في أمكنة خاصة لا تولج إلا بترخيص ممن يملكه، وأسبغت صفة مأمور الضبط على مخبر الجمرك على غير سند من القانون مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها في قوله: "تتحصل في أنه بينما كان الشرطي محمد عبد العال من قوة مباحث جمرك السويس معينا يوم الحادث للمراقبة بمنطقة العوايد الداخلة في المنطقة الجمركية، أقبلت نحو النقطة في نحو الساعة العاشرة صباحا سيارة الأجرة 76 دمياط تحمل عددا من الركاب بينهم المتهم (الطاعن) فطلب إلى قائدها الوقوف لتفتيشها، وبعد أن عاين الجندي محتويات مخزنها الخلفي سأل ركابها كل منهم بدوره عما يخصه من محتويات الخزانة فنزلوا وأرشده كل منهم إلى ما أراد عدا المتهم فظل في مكانه في المقعد الأمامي بجوار السائق بلا حراك, ولما سأله لم يحر جوابا ثم لاحظ عليه ظهور الارتباك بصورة واضحة إذ اعتراه اصفرار اللون، فوق ما لاحظه الجندي من انتفاخ واضح بصدر المتهم فاستوقف السيارة بسبب هذه الريبة الملابسة لموقف المتهم وتحفظ عليه ثم اتصل برؤسائه ومنهم محمد أحمد المقدم رئيس مباحث الجمرك الذي أذن له مدير الجمرك باتخاذ اللازم، فانتقل إلى محل الحادث بعد أن أخطر هذا بدوره رئيس مكتب مكافحة المخدرات وخف إلى مكان الحادث ولما سأل رئيس مكتب المخدرات المتهم في محل الحادث عما يحمله اعترف له بأنه يحمل لفافة أفيون واحدة ففتشه فاستخرج من جيوب جلبابه وصديريه ثلاث لفافات من الأفيون تزن جميعا 3.630 ثلاثة كيلوجرامات وستمائة وثلاثين جراما. ثم ساق الحكم الأدلة التي بنى عليها قضاءه وقد استمدها من أقوال محمد عبد الحميد أحمد المخبر بمباحث الجمرك ومحمد ياقوت عبد الجليل العريف بمرور السويس وفوزي عبد الرازق شرطي المرور والنقيب أحمد فهمي سيد رئيس مكتب المخدرات ومحمد أحمد المقدم مفتش مباحث الجمرك وحسين علي العلايلي وعطية عوض الله ومحمد الشيخ إبراهيم وهم من ركاب السيارة التي ضبط بها الطاعن وما ثبت من تقرير التحليل.
ثم عرض للدفع الذي أبداه الطاعن ببطلان القبض والتفتيش وما ترتب عليهما واستعرض التشريعات الجمركية وشهادة رئيس مباحث الجمرك وانتهى إلى أن الضبط والتفتيش قد وقعا في نطاق المراقبة الجمركية وأن المخبر محمد عبد العال أحمد يتمتع بصفة رجل الضبط القضائي الجمركي ورتب على ذلك قضاءه برفض الدفع. لما كان ذلك، وكانت منطقة المراقبة الجمركية هى دائرة معينة حددت المادة الثانية من اللائحة الجمركية الصادر بها الأمر العالي في 2 أبريل سنة 1882 نطاقها على مسافة كيلومترين من الحدود البرية أومن سواحل البحر المالح أومن ضفتي قنال السويس والبحيرات التي تمر بها، وجعلت تخزين ونقل البضائع التي قطعت خط الجمارك تحت مراقبة عمال الجمرك في هذا النطاق، وكان الشاهد أحمد محمود المقدم رئيس مباحث جمرك السويس قد شهد بجلسة المحاكمة بأن "نقطة العوايد" التي ضبط الطاعن عندها تدخل في نطاق المراقبة الجمركية كما حددها القانون، وأن جميع المخبرين ورجال المباحث بالجمرك من مأموري الضبط القضائي. ولما كان يبين من استقراء القوانين الجمركية - في تواليها- أنها لم تغير شيئا من الأحكام الإجرائية التي تضمنتها نصوصها وخاصة ما تعلق منها بحقوق رجال الجمارك في الضبط والتفتيش. فقد نصت المادة 34/ 6 من اللائحة الجمركية "لموظفي مصلحة الجمارك ولكل موظف يصدر بتعينه قرار من وزير المالية والاقتصاد صفة مأموري الضبط القضائي لإثبات الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون". ونصت المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1905 "لموظفي وعمال الجمارك القبض على كل من يجدونه متلبسا بفعل التهريب" ونصت المادة السابعة منه "ويعتبر موظفو وعمال الجمارك من رجال الضبطية القضائية أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم". كما نصت المادة السادسة من القانون رقم 623 لسنة 1955، "لموظفي مصلحة الجمارك ولكل موظف يصدر بتعيينه قرار من وزير المالية والاقتصاد صفة مأموري الضبط القضائي لإثبات الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون". وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر مخبر الجمارك محمود عبد العال أحمد - الذي قام بضبط الطاعن - من مأموري الضبط القضائي بوصف كونه موظفا في مدلول المادة 6 من القانون رقم 623 لسنة 1955، وكان القانون لم يقيد القاضي الجنائي بأدلة معينة - إلا فيما نص عليه صراحة - بل خوله أن يكون عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ويقتنع به، فلا على المحكمة إن هى استوفت دليلها في اعتبار "نقطة العوايد" داخلة في نطاق المراقبة الجمركية، وفي اعتبار مخبر الجمرك من موظفيه الذين أسبغ عليهم القانون صفة الضبط القضائي أخذا بأقوال رئيس مباحث جمرك السويس وما نصت عليه القوانين الجمركية في هذا الشأن، ولا تثريب عليها إذا ما عدلت عن قرار لها سبق أن أصدرته لتحقيق كلا الأمرين بطريق معين ما دامت قد حققت ما صدر القرار من أجله تحقيقه بطريق آخر، وهى من بعد ليست ملزمة ببيان علة هذا العدول. لما كان ذلك، وكان لموظفي الجمارك - على ما سلف بيانه - تفتيش الأمتعة والأشخاص في حدود منطقة المراقبة الجمركية فإذا هم عثروا أثناء التفتيش الذي يجرونه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجرائم لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن التفتيش قد تم في نطاق المنطقة الجمركية المحددة قانونا وأن الشرطي محمد عبد العال هو من رجال حرس الجمارك المخول لهم حق إجراء التفتيش طبقا لأحكام المادة السادسة من القانون رقم 623 لسنة 1955 المعمول به في الوقت الذي أجرى فيه الضبط والتفتيش، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.


[(1)] القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك حل محل القانون رقم 623 لسنة 1955 بأحكام التهريب الجمركي.