أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1089

جلسة 14 من نوفمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(204)
الطعن رقم 1242 لسنة 36 القضائية

(أ)إثبات. "اعتراف". إكراه.
سلطان الوظيفة في ذاته أو مجرد الخشية منه لا يعد إكراها مبطلا للاعتراف ما دام لم يستطل إلى المتهم بالأذى ماديا أو معنويا.
(ب, ج) سرقة. ظروف مشددة. سلاح. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) ظرف حمل السلاح في جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 عقوبات. توافره: بحمل أحد المتهمين سلاحا ظاهرا أو مخبأ لأي سبب, وسواء كان حمل السلاح عرضا بحكم وظيفته أو عمدا بقصد السرقة.
(ج) تحديد وقت وقوع الحادث وإثبات ظرف حمل المتهمين للسلاح. أمر موضوعي.
(د) دفوع. "الدفع ببطلان القبض والتفتيش".
الدفع ببطلان القبض والتفتيش. من له حق الدفع به؟ من وقع في شأنه القبض والتفتيش.
(هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الحقيقة من جماع العناصر المطروحة عليها دون التقيد في ذلك بدليل بعينه.
1- سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها، ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى المتهم بالأذى ماديا كان أو معنويا. كما أن مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما.
2- استقر قضاء محكمة النقض على أن جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات تتحقق قانونا بالنسبة إلى ظرف حمل السلاح كلما كان أحد المتهمين حاملا سلاحا ظاهرا أو مخبأ أيا كان سبب حمله لهذا السلاح، وسواء كان الجاني يحمل السلاح عرضا بحكم وظيفته أو عمدا بقصد السرقة.
3- تحديد وقت وقوع الحادث من الليل أو بالنهار وإثبات ظرف حمل المتهمين للسلاح هو مما يستقل به قاضي الموضوع بغير معقب.
4- من المقرر أنه لا صفة لغير من وقع في شأنه القبض والتفتيش أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه، لأن تحقق المصلحة في الدفع لا حق لوجود الصفة فيه.
5- من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الحقيقة من جماع العناصر المطروحة عليها من غير أن تقصر استخلاصها على دليل بعينه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في ليلة 28 نوفمبر سنة 1964 بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة القاهرة: سرقوا الأشياء الموضحة بالمحضر وصفا وقيمة والمملوكة لشركة الطيران الهندية حالة كون الثلاثة الأول يحملون أسلحة ظاهرة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا بتاريخ 30 سبتمبر سنة 1965 عملا بالمادة 316 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن الأول - شوقي محمود عابد - ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية سرقة بحمل سلاح قد شابه تناقض في الاستدلال وقصور في التسبيب وخطأ في الإسناد ذلك بأن الحكم آخذه بإقراره بوجوده في مكان الحادث وأسمى هذا الإقرار اعترافا وهو ليس به ولا يدل حتما على أنه ضالع في السرقة، ثم عاد بعد ذلك ونقض ما أثبته من إقراره أخذا بدلالة المعاينة، ولم يرد على ما دفع به من بطلان إجراءات القبض والتفتيش التي تمت بشأن المتهمين الثاني والرابع لأن الأقوال التي نسبت إليه لتبرير إتخاذها صدرت وليد إكراه من قائد الحرس بسلطان الوظيفة، ولأنها حصلت قبل صدور الأمر بها من النيابة العامة، أما اعتراف المتهم الثاني عليه فوليد التحامل ردا على إقراره في شأنه - وافترضت المحكمة أن المتهمين كانوا يحملون أسلحتهم لأنهم كانوا قائمين بالحراسة ليلا، مع أن ساعة الحادث حددت بالخامسة صباحا، وهو وقت كانت الحراسة فيه قد انتهت كما أن ما ذكره الحكم من أنه لم يعترف ولم يبلغ إلا بعد أن بدأ أمره ينكشف لا سند له من الأوراق، ومن ثم فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أثبت بيانا لواقعة الدعوى أن الطاعنين جند في حرس جمرك مطار القاهرة الذي تعددت السرقات فيه، وآخرها ما وقع على مخزن "شركة الطيران الهندية" في ليلة 28 نوفمبر سنة 1964 إذ كسر المتهمون - وهم يحملون أسلحتهم النارية - المخزن وسرقوا بعض ما فيه من عطور وخمور وسجاير وجوارب وكرافتات تبلغ قيمتها خمسمائة جنيه وأخفوها لدى المحكوم عليه الرابع الذي لم يطعن على الحكم ثم نقل بعضها إلى منزل الطاعن الثاني الذي باع البعض لشخصين معينين نما عليه، وقد تم ضبط شئ من المسروقات لدى المتهمين (الثاني والرابع). وقد دلل الحكم المطعون فيه على هذه الواقعة بما ينتجهما من وجوه الأدلة وهي اعتراف الطاعن الثاني، وإقرار الطاعن الأول في التحقيق بوجوده على مسرح الجريمة، وما شهد به المشتريان لبعض المسروقات من الطاعن الثاني، وما أسفر عنه تفتيش منزله ومنزل المتهم الرابع في الدعوى من العثور على بعض المسروقات، وما دلت عليه المعاينة، وأعمل في حق المتهمين المادة 316 من قانون العقوبات. وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به أركان الجريمة التي دين الطاعنون فيها، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة منتجة. ولما كان الحكم المطعون فيه - على ما تقدم - قد آخذ الطاعن الأول بإقراره بوجوده في مكان الحادث مضافا إليه ما عدده من شواهد منها اعتراف الطاعن الثاني بإسهام الأول في مقارفة الجريمة، ولم يسم إقرار الأول اعترافا ولا هو حمله إلا المعنى المستفاد من عبارته بغير مسخ ولا تحريف، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الحقيقة من جماع العناصر المطروحة عليها من غير أن تقصر استخلاصها على دليل بعينه، وكان الحكم قد نقض عدول الطاعن بأدلة مؤدية ولم يطمئن إلى ما زعمه من كتمان الحقيقة أياما خشية بأس المتهمين الآخرين، أو قوله غير الحق في إقراره عليهم انصياعا لإكراه رئيسه ورضوخا لسلطانه، وكان سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى المتهم بالأذى ماديا كان أو معنويا، وكان مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بأنه وقع عليه إكراه بالمعنى الصحيح في القانون، فلا على محكمة الموضوع إن هى التفتت عن دعواه، وأخذته بإقراره. ولما كان أي من المتهمين الثاني والرابع لم يدفع ببطلان القبض والتفتيش، وكان من المقرر أن هذا البطلان لا صفة لغير من وقع في شأنه أن يدفع به ولو كان يستفيد منه، لأن تحقق المصلحة من الدفع لاحق لوجود الصفة فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولا، وكان تحديد وقت وقوع الحادث من الليل أو النهار وإثبات ظرف حمل المتهمين للسلاح هو مما يستقل به قاضي الموضوع بغير معقب، وكان حمل المتهمين لأسلحتهم أثناء الحراسة ليلا بصفتهم جندا أمرا مقبولا لا ينبو عن منطق العقل، وكان الحكم مع ذلك لم يلجأ إلى هذا الافتراض في إثبات هذا الظرف، بل أثبته بالاستناد إلى أقوال الطاعنين الأول والثاني، وكان أي منهما لم ينازع أمام محكمة الموضوع في توافر ظرف الليل أو ظرف حمل السلاح، وكان ما أثبته الحكم من ذلك من صميم نشاط قاضي الموضوع في فهم الواقع في الدعوى استمدادا من أدلته، فإن المجادلة في ذلك - ولأول مرة - أمام محكمة النقض لا تكون مقبولة كما لا يكون مقبولا ما أثاره الطاعن في سائر طعنه من جدل موضوعي يتعين القضاء برفضه.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني - حسن عبد اللطيف إبراهيم - الخطأ في القانون، ذلك بأن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين بجناية السرقة بحمل سلاح ليلا طبقا للمادة 316 من قانون العقوبات مع أن حملهم للسلاح إنما كان بمقتضى واجب الوظيفة بصفتهم جنودا في حرس الجمارك مما لا يتوافر به ظرف حمل السلاح ما دام هذا السلاح لم يحمل ولم يستعمل بغرض السرقة.
وحيث إن ما يثيره الطاعن الثاني في وجه طعنه مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات تتحقق قانونا بالنسبة إلى ظرف حمل السلاح كلما كان أحد المتهمين حاملا سلاحا ظاهرا أو مخبأ أيا كان سبب حمله لهذا السلاح، وسواء كان الجاني يحمل السلاح عرضا بحكم وظيفته أو عمدا بقصد السرقة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له سند من القانون.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثالث - محمد المهدي مراد - الخطأ في القانون للعلة التي سيقت في طعن الطاعن الثاني، والفساد في الاستدلال بدعوى أن الحكم دانه استنادا إلى اعتراف الطاعنين الأول والثاني عليه مع أن اعترافهما وليد إكراه وقع عليهما من رئيسهما قائد حرس الجمارك، أما فتحي بكري عابدين، وماري أنطوانيت المقول بأنهما اشتريا بعض المسروقات فلم يقل أحد منهما إن الطاعن باعهما شيئا منها، أو أنه كان حاضر وقت البيع، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن ما يثيره الطاعن الثالث مردود في شقه الأول بما سبق الرد به على طعن الطاعن الثاني. وأما عن الشق الثاني من الطعن فإن المحكمة آخذت الطاعن باعتراف المتهمين الأول والثاني عليه، واستعراف زوجة المتهم الرابع، ولم تآخذه بغير ذلك من الأدلة حتى يكون له أن يتشكى منه، وكان الطاعن قد أرسل دفاعه أمام محكمة الموضوع إرسالا، وكان ما ورد فيه لا ينطوي على منازعة جدية في صحة ما أخذ به الحكم من اعتراف عليه، وكان الطعن في حقيقته جدلا موضوعيا صرفا لا يثار لدى محكمة النقض فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض.