أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 612

جلسة 14 من أكتوبر سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، وأحمد موافي، ومحمد عبد الوهاب خليل.

(113)
الطعن رقم 695 لسنة 33 القضائية

( أ ) نصب. نقض. "أحوال الطعن بالنقض". "مخالفة القانون". دعوى مدنية.
استظهار المحكمة أن عقد البيع تضمن شرطاً بإخلاء الأرض المبيعة من المبنى القائم عليها، وأن اتفاقاً تم بين الطرفين على جزاء معين عند الإخلال بشروط العقد. انتهاء المحكمة في حدود سلطتها التقديرية إلى أن استيلاء المتهم على المبلغ المدفوع حصل تنفيذاً لهذا العقد وأنه كان يعتقد قدرته على الوفاء بالتزامه. انتفاء أركان جريمة النصب. الحكم برفض الدعوى المدنية. لا مخالفة للقانون.
(ب) وصف التهمة. نصب. نقض "أحوال الطعن بالنقض". "مخالفة القانون". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دعوى مدنية.
للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من كافة ظروفها وأدلتها المطروحة والتي دارت عليها المرافعة.
لا يعيب الحكم الابتدائي فصله في تهمة النصب المسندة للمتهم على أساس انتحاله صفة الوكالة كذباً عن جميع ملاك العقار المبيع ولو كان بعضهم لم ترد أسماؤهم في وصف التهمة. ما دام أن هذه الواقعة كانت من بين ما تناوله التحقيق الابتدائي وتعرض لها الدفاع أمام تلك المحكمة اتهاماً ودفاعاً. وما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل. وطالما أن المتهم لم يسأل في النتيجة إلا عن جريمة النصب التي كانت معروضة على بساط البحث.
اعتبار الحكم المطعون فيه انتحال المتهم صفة الوكالة كذباً عن بعض ملاك العقار المبيع لم ترد أسماؤهم في وصف التهمة بمثابة تهمة جديدة ما كان لمحكمة أول درجة أن تعرض لها. مخالف للقانون. حجب هذا الخطأ للمحكمة عن البحث في توافر العناصر القانونية لجريمة النصب التي رفعت بها الدعوى. قضاؤها برفض الدعوى المدنية. مشوب بالقصور. وجوب نقض الحكم والإحالة.
(جـ) نصب. جريمة. نقض. "أحوال الطعن بالنقض". مخالفة القانون".
جريمة النصب لا تقوم إلا على الغش والاحتيال. الطرق الاحتيالية التي بينها القانون في المادة 336 عقوبات. وجوب توجيهها إلى خدع المجني عليه وغشه. استخلاص المحكمة أن غشاً لم يقع علي المجني عليه. النعي على الحكم بمخالفة القانون. لا محل له.
1 - متى كانت المحكمة قد تبينت أن عقد البيع يتضمن شرطاً بإخلاء الأرض المبيعة من المبنى القائم عليها، وأن ثمت اتفاقاً بين طرفي العقد على جزاء معين عند الإخلال بشروط العقد، ورأت في حدود سلطتها التقديرية أن استيلاء المطعون ضده الأول على المبلغ المدفوع قد حصل تنفيذاً لهذا العقد وأنه كان يعتقد قدرته على الوفاء بالتزامه مما تنتفي به أركان جريمة النصب، فإن حكمها برفض الدعوى المدنية لا مخالفة فيه للقانون.
2 - يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من كافة ظروفها وأدلتها المطروحة، والتي دارت عليها المرافعة. ولما كانت الدعوى الجنائية أقيمت على المطعون ضده الأول بوصف أنه توصل بطريق الاحتيال إلى الاستيلاء على بعض المبالغ من المجني عليه بادعائه الوكالة كذباً عن بعض ملاك العقار المبيع، فإنه لا يعيب الحكم الابتدائي أن يفصل في التهمة المسندة للمتهم على أساس انتحاله صفة الوكالة عن جميع ملاك العقار المبيع ما دام أن هذه الواقعة كانت من بين ما تناوله التحقيق الابتدائي وتعرض لها الدفاع عن طرفي الخصومة أمام تلك المحكمة اتهاماً ودفاعاً، وكان الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل، وطالما أن المتهم لم يسأل في النتيجة إلا عن جريمة النصب التي كانت معروضة على بساط البحث. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن انتحال صفة الوكالة كذباً عن بعض ملاك العقار الذين لم ترد أسماؤهم في وصف التهمة يعتبر بمثابة تهمة جديدة ما كان يسوغ لمحكمة أول درجة أن تعرض لها يكون قد خالف القانون - ولما كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن البحث عن توافر العناصر القانونية لجريمة النصب التي رفعت بها الدعوى، فإن حكمها برفض الدعوى المدنية يكون مشوباً بالقصور مما يوجب نقضه والإحالة.
3 - جريمة النصب لا تقوم إلا على الغش والاحتيال، والطرق التي بينها قانون العقوبات في المادة 336 كوسائل للاحتيال يجب أن تكون موجهة إلى خدع المجني عليه وغشه. ولما كانت المحكمة قد استخلصت أن غشاً لم يقع على المجني عليه، فإن النعي بمخالفة القانون لا يكون له محل.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن الطاعن تقدم بشكوى إلى نيابة الأزبكية ضد مصطفى أحمد عبد الرازق وحامد محمد عرفي متهماً إياهما بأنهما في يوم 11 سبتمبر سنة 1958 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة توصلاً بطريق الاحتيال للاستيلاء على المبالغ المبينة بالمحضر لعوض على الصياد. وطلب عقابهما بالمادتين 336 و215 من قانون العقوبات كما طلب أن يحكم له مدنياً قبل المتهم الأول بمبلغ 51 جنيهاً تعويضاً مؤقتاً. وبعد أن قامت النيابة بتحقيق الشكوى قدمت المتهم الأول للمحاكمة عن تهمة النصب. ثم أقام المدعى بالحقوق المدنية (الطاعن) دعوى جنحة مباشرة على المتهم الثاني متهما إياه بأنه اشترك مع المتهم الأول في جريمة النصب والتزوير. وطلب معاقبته بالمادتين 215 و336 من قانون العقوبات، وطلب أن يحكم له قبله بقرش صاغ تعويضاً مدنياً مؤقتاً. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الأزبكية دفع الحاضر مع المتهمين: أولاً - بعدم اختصاص المحكمة محلياً إذ أن الاختصاص لمحكمة قصر الدليل لأن عقد البيع حرر بجهة تتبع قصر النيل. وثانياً - بعدم قبول دعوى الجنحة المباشرة ضد المتهم الثاني لرفعها بغير الطريق القانوني لأن النيابة العامة لم تقيد القضية ضده بل قيدتها ضد المتهم الأول فقط. وقد أمرت المحكمة المذكورة بضم الدعويين إلى بعضهما وقضت فيهما حضورياً بتاريخ 22 يناير سنة 1961 - عملاً بالمادة 336 من قانون العقوبات: أولاً - برفض الدفعين المقدمين من المتهمين وثانياً: بحبس كل من المتهمين ستة شهور مع الشغل وكفالة 20 جنيهاً لكل لوقف التنفيذ بلا مصروفات جنائية وذلك في الدعوى الأولى وثالثاً: إلزام المتهم مصطفى عبد الرازق بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ جنيهين مقابل أتعاب المحاماة. ورابعاً: ببراءة المتهمين مما أسند إليهما في الدعوى الثانية. وخامساً: رفض الدعوى المدنية قبل المتهم حامد محمد عرفي وألزمت المدعى بالحق المدني بمصاريفها. استأنف المحكوم عليهما في هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 5 ديسمبر سنة 1961 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وألزمت المدعى بالحق المدني بالمصاريف عن الدرجتين. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.....


المحكمة

من حيث إن الطاعن قد تنازل بالجلسة عن طعنه بالنسبة إلى المطعون ضده الثاني فيتعين الحكم بإثبات هذا التنازل مع إلزام الطاعن بنصف مصروفات الطعن.
وحيث إن الطعن بالنسبة إلى المطعون عليه الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون. ذلك أن الثابت من الوقائع التي أوردها الحكم أن المطعون ضده الأول أوهم الطاعن بأن في مقدوره إخلاء مبنى المدرسة القائم على الأرض المبيعة، والحصول على الترخيص اللازم للهدم والبناء، وتسليم الأرض كلها فضاء، فانخدع الطاعن بهذا المشروع الكاذب ودفع له مبلغ ألفين من الجنيهات لإتمام عملية الإخلاء. ولكن الحكم انتهى إلى القضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية استناداً إلى أن المتهم يجب أن يعلم أنه يأتي طرقاً احتيالية لا يعتقد صحتها فإذا كان معتقداً إمكان نجاح المشروع الذي هو قادم عليه ولم يخب إلا بسبب الإهمال وكان في هذا حسن القصد فلا عقاب عليه في حين أنه لم يثبت من التحقيقات أن المطعون ضده الأول حاول إخلاء المدرسة فلم يوفق لسبب أو لآخر أو أنه كان يعتقد في صحة زعمه بل الثابت أنه أخفى مبلغ الألفي جنيه عن بقية المستحقين مما يوفر سوء القصد في حقه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد عرض إلى هذه الواقعة بقوله. "وحيث إن اتفاق المدعى بالحق المدني مع المتهم الأول على ما ثبت بالبند الخامس من العقد بصدد إخلاء المدرسة المقامة على الأرض المبيعة والذي تعهد بمقتضاه المتهم الأول أن يتفاهم مع الناظر على ذلك الإخلاء مقابل ما تقاضاه من مبلغ الألفي جنيه وذلك بالاشتراك مع المتهم الثاني لا يمكن عده إيهاماً بوجود مشروع كاذب وواقعة مزورة على أنها صحيحة بأن في مقدورهما إخلاء المنزل الذي تشغله المدرسة والحصول على الترخيص اللازم للهدم والبناء وتسليم الأرض فضاء مما حدا بالمدعى المدني إلى تسليم المبلغ لهما، ذلك أن النصب إذا كانت وسيلة الغش فيه هي الطرق الاحتيالية فإنه يجب أن يعلم المتهم أنه يأتي طرقاً احتيالية لا يعتقد صحتها وصدقها فإذا كان يعتقد إمكان نجاح المشروع الذي هو قادم عليه ولم يخب إلا بسبب عدم أخذه بالأسباب الموصلة إلى النجاح أو إهماله وكان في ذلك كله حسن القصد فلا عقاب لمجرد حبوط المشروع. هذا إلى أن ذلك الذي يتعلق بواقعة إخلاء المدرسة التي قدم المتهم الأول دليلاً على أن المدعى بالحق المدني يحصل إيجارها إنما التزام وارد في صميم عقد البيع الذي وقع على محل قائم - استلمه المشترى فعلاً وقد نص في البند السابع على شرط جزائي للإخلال في تنفيذ هذا الالتزام أو سائر الالتزامات المتعاقد عليها من البائعين أو المشترين وهو دفع تعويض قدره أربعة آلاف جنيه فضلاً عن التضمينات العامة التي يخولها القانون بطلب الفسخ من الطرفين فلا يسوغ على أي التصويرين أن يؤثم المتهم الأول كما ذهب الحكم المستأنف في تصويره للواقعة..." وخلص الحكم من ذلك إلى القضاء ببراءة المطعون عليه لعدم توافر أركان الجريمة المسندة إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. وهذا الذي أورده الحكم صحيح في القانون، ذلك أن المحكمة وقد تبينت أن عقد البيع يتضمن شرطاً بإخلاء الأرض المبيعة من مبنى المدرسة القائم عليها وأن ثمة اتفاقاً بين طرفي العقد على جزاء معين عند الإخلال بشروط العقد، ورأت في حدود سلطتها التقديرية أن استيلاء المطعون ضده الأول على المبلغ المدفوع قد حصل تنفيذاً لهذا العقد وأنه كان يعتقد في قدرته على الوفاء بالتزامه مما تنتفي به أركان جريمة النصب، فإن حكمها برفض الدعوى المدنية لا مخالفة فيه للقانون ويكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضده الأول من جريمة النصب وبرفض الدعوى المدنية بالنسبة إليه قد خالف القانون، ذلك أن الثابت من عقد البيع المؤرخ 11 سبتمبر سنة 1958 أن المطعون ضده المذكور عن نفسه وبوصفه وكيلاً مفوضاً بالبيع عن باقي ملاك العقار، باع إلى الطاعن قطعة أرض في حين أنه لم يكن وكيلاً مفوضاً من هؤلاء الأخيرين وقت البيع بما تتوافر به جريمة النصب ولا يغير من ذلك أن يكون المطعون ضده الأول قد حصل في تاريخ لاحق على توقيعات لبعض أقاربه من الملاك على عقد البيع الابتدائي. هذا فضلاً عن أنه لم يكن وكيلاً عن ورثة صالح البراد الذين لم يوقعوا على العقد. وقد ذهب الحكم إلى أن انتحال المطعون ضده الأول صفة الوكالة كذباً عن محمود عبد الرحمن الممثل الحقيقي لهؤلاء الورثة بمثابة تهمة جديدة لا يسوغ لمحكمة أول درجة أن تعرض لها ما دام لم يشتمل عليه وصف التهمة في حين أن الوقائع التي تناولها التحقيق تتضمن انتحاله لهذه الصفة، ومن واجب المحكمة أن تطبق القانون التطبيق الصحيح على الوقائع التي تناولها التحقيق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل أسباب الإدانة التي استند إليها الحكم المستأنف في أن المطعون ضده الأول استولى على مال للمجني عليه بإدعائه الوكالة عن جميع الملاك المبينة أسماؤهم في عقد البيع مما خدع المجني عليه وحمله على التعاقد، وتصرفه بالبيع في مال ثابت لا يملكه وليس له حق التصرف فيه، واشتراكه مع المطعون ضده الثاني في إيهامه بوجود مشروع كاذب وواقعة مزورة على أنها صحيحة وهى أنه في مقدورهما إخلاء مبنى المدرسة القائم على قطعة الأرض المبيعة والحصول على ترخيص بهدمها لكي تسلم الأرض شاغرة واستيلائهما عن هذا الطريق على مبلغ ألفى جنيه. بعد أن حصل الحكم ذلك عرض إلى ادعاء المطعون عليه الوكالة كذباً عن ملاك العقار المشار إليهم في عقد البيع بقوله. "وحيث إنه يخلص لهذه المحكمة على ضوء ما سلف بيانه من تفصيل لعناصر الدعوى ووقائعها أن النيابة العامة أسندت للمتهم الأول أنه انتحل صفة الوكالة كذباً عن كل من خليل وجميل ووحيد وقدرية وبثينة أحمد عبد الرازق لبيع قطعة أرض بما عليها من مباني فانخدع المجني عليه وسلمه المبلغ المدفوع بعد تحرير عقد البيع الابتدائي بالصفة المنتحلة.... وحيث إنه لما كان ذلك، فإن انتحال صفة الوكالة كذباً عن محمود عبد الرحمن ممثل ورثة البراد بعد التحديد السالف في وصف التهمة المسندة للمتهم الأول بمثابة تهمة جديدة ما كان يسوغ لمحكمة أول درجة أن تعرض لها لأن القانون لا يبيح لمحكمة الجنح أن تقيم الدعوى من تلقاء نفسها عن تهمة غير مرفوعة بها الدعوى العمومية. وذلك نزولاً على حكم القانون في المادة 307 إجراءات جنائية وبذا ينحصر نطاق الوكالة الكاذبة فيمن وردت أسماؤهم فقط في وصف التهمة كما ساقته النيابة. وحيث إن الثابت من صورة العقد الشمسية المقدمة من المدعى بالحق المدني أنهم جميعاً وقعوا كبائعين وأقروا في محضر جمع الاستدلالات على ما سبق سياقه بواقعة التوقيع على العقد الابتدائي وكان اشتراط توقيعهم في البند السادس من العقد بعد إخطارهم بعنوان وكيلهم المتهم الأول بشهر على الأكثر. وحيث إن مؤدى هذا الاشتراط وتمام تنفيذه من جانب من انتحل المتهم الأول صفة الوكالة عنهم الذين صدر العقد بأنهم جميعاً ضامنون متضامنون، بائعون كطرف أول، مؤدى ذلك ودلالته القاطعة، أن ثمة غشاً لم يقع من جانب المتهم الأول بله الثاني ذلك لأنه يشترط للعقاب على النصب أن يكون قد ارتكب بنية الغش ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان المتهم يعلم أنه يستولى على مال المجني عليه بطريق الاحتيال وأن يكون قد تعمد خدعه بالوسائل التي ارتكبها سواء كانت من قبيل الطرق الاحتيالية أم كانت باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أم بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له ولا له حق التصرف فيه وأن يكون قد رمى بذلك كله إلى سلب ثروة المجني عليه كلها أو بعضها. وحيث إن ثمة غشاً لم يعتور واقعة البيع لأن المالكين الأصليين وقعوا على العقد مع المتهم الأول عن نفسه وبذا تكون الصفقة حقيقية لا خداع فيها وينعدم القصد الجنائي وهو أحد أركان جريمة النصب. ولم يبع المتهم الأول على السياق المتقدم مالا ليس مملوكا له ولا له حق التصرف فيه طالما أن البائعين الموقعين على العقد هم المنصوص عليهم في صورة ضامنين متضامنين بل يكون البيع صدر صحيحاً ممن يملكه من المالكين الأصليين أو على الأقل أجازوه والإجازة تصحح العقد أو التصرف بأثر رجعى بلا جدال في ذلك".
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على المطعون ضده الأول بوصف أنه توصل بطريق الاحتيال للاستيلاء على المبالغ المبينة بالمحضر لعوض الصياد بأن ادعى صفة كاذبة هي أنه وكيل عن كل من خليل وجميل ووحيدة وقدرية وبثينة أحمد عبد الرازق ومفوض عنهم ببيع قطعة أرض بما عليها من مباني فانخدع المجني عليه وسلم المبلغ المذكور له وتحرر عقد البيع الابتدائي بالصفة المنتحلة. ومحكمة أول درجة ذكرت في أسباب حكمها أن المتهم استولى على هذا المبالغ من المدعى بالحق المدني بادعائه الوكالة كذباً عن جميع ملاك العقار المبينة أسماؤهم في عقد البيع الابتدائي ومن بينهم محمود عبد الرحمن ممثل ورثة خليل صالح البراد وبتصرفه بالبيع في حصة هؤلاء الملاك بدون وجه حق وفصلت في الدعوى على هذا الأساس.
وحيث إنه وإن كان الوصف الذي رفعت به الدعوى تدخلا في انتحال المطعون ضده الأول صفة الوكالة عن محمود عبد الرحمن ممثل ورثة خليل البراد إلا أن هذه الواقعة كانت من بين ما تناوله التحقيق الابتدائي وتعرض لها الدفاع عن طرفي الخصومة أمام تلك المحكمة اتهاماً ودفاعاً. لما كان ذلك، فإنه لا يعيب الحكم الابتدائي أن يفصل في التهمة المسندة إلى المطعون ضده الأول على أساس أنه انتحل صفة الوكالة عن ممثل آل البراد بالإضافة إلى ملاك العقار الآخرين الذين وردت أسماؤهم في وصف التهمة ما دام أن الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى وهى تهمة النصب بالتعديل وما دام أنه يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحة لواقعة الدعوى من كافة ظروفها وأدلتها المطروحة، والتي دارت عليها المرافعة إذ أن المطعون ضده الأول لم يسأل في النتيجة إلا عن جريمة النصب التي كانت معروضة على بساط البحث. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن انتحال صفة الوكالة كذباً عن محمود عبد الرحمن ممثل ورثة خليل صالح البراد بمثابة تهمة جديدة ما كان يسوغ لمحكمة أول درجة أن تعرض لها يكون قد خالف القانون في هذا الشق من الدعوى. ولما كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن البحث في توافر العناصر القانونية لجريمة النصب التي رفعت بها الدعوى في هذا الشق منها، فإن حكمها برفض الدعوى المدنية يكون مشوباً بالقصور مما يوجب نقضه والإحالة بالنسبة إلى الدعوى المدنية في هذا الخصوص. أما في خصوص ما أثاره الطاعن من انتحال المطعون ضده الأول صفة الوكالة عن باقي ملاك العقار فيمن عدا آل البراد، فإن الثابت بالحكم المطعون فيه أن المحكمة في النطاق الذي أفصحت عن تقيدها به عرضت لعقد البيع الابتدائي الذي أبرمه المطعون ضده الأول مع الطاعن وتبينت أنه يشتمل على نص يشترط توقيع البائعين على العقد مع المطعون عليه بصفته وأن الملاك المبينة أسماؤهم في وصف التهمة قد وقعوا على هذا العقد بما يفيد إقرارهم للبيع واستخلصت المحكمة من ذلك أن غشاً لم يقع من جانب المطعون عليه وهو استخلاص سائغ قائم على أسباب تنتجه. كما أن ما يثيره الطاعن من أن الجريمة وقعت تامة في تاريخ التصرف في العقار بالبيع وذلك بادعاء المطعون عليه الوكالة كذباً عن ملاك العقار ولا يمحوها أن يكون قد حصل على توقيعات لهؤلاء الملاك في تاريخ لاحق فمردود بأن جريمة النصب لا تقوم إلا على الغش والاحتيال، والطرق التي بينها قانون العقوبات في المادة 336 كوسائل للاحتيال يجب أن تكون موجهة إلى خدع المجني عليه وغشه وقد استخلصت المحكمة كما تقدم أن غشا لم يقع من المطعون عليه. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشق من وجهي الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه مع نقض الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به من رفض الدعوى المدنية عن انتحال المطعون ضده الأول صفة الوكالة عن آل البراد لم يعد هناك محل لبحث الوجه الرابع المبنى على الإخلال بحق الدفاع بعدم إجابة المحكمة طلب الطاعن سؤال ممثلهم.