أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1104

جلسة 14 من نوفمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(207)
الطعن رقم 1743 لسنة 36 القضائية

(أ, ب) اختلاس أموال أميرية. جريمة.
(أ) جناية الاختلاس. قيامها: تسليم المال موضوع الاختلاس إلى الجاني بأمر من رؤسائه. كفايته لاعتباره مسئولا عنه. هذا التسليم يتلازم معه أن يكون أمينا عليه؛ ما دام أنه قد أؤتمن بسبب وظيفته على حفظه. اختلاسه له. استحقاقه للعقوبة المغلظة المنصوص عليها في المادة 112/ 2 عقوبات.
(ب) جناية الاختلاس. تمامها: بمجرد إخراج الأمين المال المؤتمن عليه من المكان المخصص لحفظه بنية اختلاسه.
(ج) حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
خطأ المحكمة في فن التحقيق. لا يعيب حكمها. ما دام الطاعن لم يعترض عليه أمامها.
(د, هـ, و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "اعتراف".
(د) التناقض الذي يعيب الحكم: هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي منها قصدته المحكمة.
(هـ) لمحكمة الموضوع الاستناد في إدانة المتهم إلى أقوال متهمين آخرين.
(و) لمحكمة الموضوع الاعتماد على أقوال المتهم ولو عدل عنها.
1- من المقرر أنه يكفي أن يكون المال موضوع الاختلاس المنصوص عنه في المادة 112 من قانون العقوبات والتي يخضع الطاعن لحكمها بوصفه مستخدما بإحدى الشركات العامة طبقا للمادة 111 من القانون نفسه - قد سلم إلى الجاني بأمر من رؤسائه حتى يعتبر مسئولا عنه. ولما كان تسليم البضاعة المختلسة على الصورة التي أوردها الحكم واستظهرها من أقوال الشهود وسائر أدلة الدعوى يتلازم معه أن يكون الطاعن أمينا عليها ما دام أنه قد أؤتمن بسبب وظيفته على حفظها فإنه إذا اختلسها عد مختلسا لأموال عامة مما نصت عليه المادة المذكورة وحق عقابه عن جناية الاختلاس بالعقوبة المغلظة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 112 سالفة البيان. ومن ثم فإن منازعة الطاعن حول حقيقة صفته كأمين للمخزن الذي جرت فيه واقعة الاختلاس ودعواه بأن لهذا المخزن أمينا آخر كان غائبا وأمينا مساعدا وقع على إذن تسليم البضاعة التالفة الذي كان تحت بصر المحكمة، كل أولئك لم يجديه ما دام الحكم قد أثبت في حقه - أخذا بشهادة الشهود - أنه كان مسئولا عن الرسالة موضوع الاختلاس بصفته من أمناء مخازن الشركة مما يوفر في حقه فضلا عن عنصر التسليم بسبب الوظيفة صفته كأمين من أمناء الودائع.
2- جريمة الاختلاس تتم بمجرد إخراج الأمين ما هو مؤتمن عليه من مهمات ومواد من المخزن أو المكان المخصص لحفظها بنية اختلاسها.
3- خطأ محكمة الموضوع في فن التحقيق لا يؤثر في سلامة حكمها، ما دام الطاعن لم يعترض عليه أمامها.
4- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي منها قصدته المحكمة.
5- لمحكمة الموضوع أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهمين آخرين ما دامت قد اطمأنت إليها وارتاحت لها.
6- لمحكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال المتهم - ولو عدل عنها - متى رأت أنها صحيحة وصادقة وبغير أن تلتزم ببيان علة ما ارتأته، إذ مرجع الأمر إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 4 سبتمبر سنة 1964 بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة القاهرة: بصفته مستخدما عموميا بإحدى شركات القطاع العام "أمين مخزن شركة الدلتا الصناعية" إختلس البضائع المبينة وصفا وقيمة بالمحضر والمسلمة إليه باعتباره من الأمناء على الودائع. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 111 و112 و118 و119 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا بتاريخ 28 مارس سنة 1966 عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنين وبعزله من وظيفته وبتغريمه مبلغ 631 ج و800 م (ستمائة وواحد وثلاثين جنيها وثمانمائة مليم). فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى أوجه الطعن الأول والثاني في شقه الأول والخامس والسابع هو الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه دانه طبقا للمادة 112 من قانون العقوبات بمقولة إنه اختلس البضاعة المنسوب إليه اختلاسها وهو أمين عليها وأنها كانت مسلمة إليه بسبب وظيفته في حين أن البين من شهادة شاهدي الإثبات إلياس حبيب رئيس المخازن وسمير عساف مدير الاحتياجات بالشركة أن الطاعن لم يكن أمينا لمخزن البلاستيك الذي وقعت فيه واقعة الاختلاس المسندة إليه بل له أمين آخر تصادف غيابه وقتذاك وأمين مساعد هو زكريا أبو النجا الذي وقع على الإذن بتسليم البضاعة وقد قدم الطاعن هذا الإذن للمحكمة تأييدا لدفاعه من أنه لم يكن أمينا للمخزن المشار إليه وإنما قام بمهمة تسليم البودرة التالفة إلى مندوب شركة التأمين بناء على تكليف مفاجئ من رئيسه مما ينتفي معه عنصر التسليم بسبب الوظيفة وهو شرط لازم لتوافر الركن المادي لجريمة الإختلاس التي دين بها إلا أن المحكمة لم تأبه لذلك بل وأسندت إليه - على غير حق - أنه أقر بتسليم البودرة التالفة بصفته أمينا للمخزن المذكور هذا وقد دانه الحكم عن جريمة اختلاس تامة في حين أن أمرها قد اكتشف قبل تمامها، كما قعد عن بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا كافيا تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها.
وحيث أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الاختلاس التي دان بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق وانتهى إلى مساءلته عنها في قوله: "وحيث إن جريمة الاختلاس المنسوبة إليه قد ثبتت أخذا بأقوال الشهود من أن تلقي الأمر بتسليم الكميات البالغ وزنها 1865 كيلوجرام من البودرة التالفة المجنبة بالمخزن الأمين عليه والمسئول عن استلام ما يدخله وتسليم ما يطلب منه تسليمه وأنه هو الذي قام بتسليم الكمية المضبوطة من الأصناف الجيدة بعد أن وزنها بنفسه فبلغ عند الضبط 2440 كيلوجرام أي بزيادة 575 كيلوجرام. ولا عبرة بإنكاره إزاء ذلك وإزاء ما قرره عمال المصنع من أنه لم يكلفهم بتعبئة الأجولة بل استدعاهم بعد أن قام حمالان من قبل مندوب شركة التأمين بالتعبئة وأمرهم بحملها إلى السيارة رغم حظر ذلك. وحيث إن الثابت بأن المتهم يعمل أمينا لمخزن شركة الدلتا الصناعية وهى إحدى شركات القطاع العام وقد اختلس مسحوق البلاستيك المسلم إليه باعتباره من الأمناء عليه ونقله من المخزن المحفوظ به إلى خارج المصنع بما تتوافر به أركان الجريمة المنصوص عنها في المادة 112 من قانون العقوبات". ولما كان ما أثبته الحكم له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان من المقرر أنه يكفي أن يكون المال موضوع الاختلاس المنصوص عنه في المادة 112 من قانون العقوبات والتي يخضع الطاعن لحكمها بوصفه مستخدما بإحدى الشركات العامة طبقا للمادة 111 من القانون نفسه قد سلم إلى الجاني بأمر من رؤسائه حتى يعتبر مسئولا عنه، وكان تسليم البضاعة المختلسة على الصورة التي أوردها الحكم واستظهرها من أقوال الشهود وسائر أدلة الدعوى يتلازم معه أن يكون أمينا عليها ما دام أنه قد أؤتمن بسبب وظيفته على حفظها فإذا اختلسها عد مختلسا لأموال عامة مما نصت عليه المادة المذكورة وحق عقابه عن جناية الاختلاس وبالعقوبة المغلظة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 112 سالفة البيان، ومن ثم فإن منازعة الطاعن حول حقيقة صفته كأمين لمخزن البلاستيك الذي جرت فيه واقعة الاختلاس ودعواه بأن لهذا المخزن أمينا آخر كان غائبا وأمينا مساعدا وقع على إذن تسليم البضاعة التالفة الذي كان تحت بصر المحكمة، كل أولئك لا يجديه ما دام الحكم قد أثبت في حقه - أخذا بشهادة الشهود - أنه كان مسئولا عن الرسالة موضوع الإختلاس بصفته من أمناء مخازن الشركة مما يوفر في حقه فضلا عن عنصر التسليم بسبب الوظيفة، صفته كأمين من أمناء الودائع. لما كان ذلك، وكانت واقعة الدعوى كما أوردها الحكم توفر في حق الطاعن جريمة الاختلاس تامة، لما هو مقرر من أن هذه الجريمة تتم بمجرد إخراج ما هو مؤتمن عليه من مهمات ومواد من المخزن أو المكان المخصص لحفظها بنية اختلاسها، وهو ما لم يخطئ الحكم في بيانه، ومن ثم فيكون ما يثيره الطاعن في هذه الأوجه في غير محله.
وحيث إن مبنى الشق الثاني من الوجه الثالث من أوجه الطعن هو الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب وآية ذلك التفات الحكم عن مناقشة ما دلت عليه شهادة رئيس المخازن أمام المحكمة والإقرار المقدم لوكيل نيابة مصر الجديدة من اشتراك المتهمين الثاني والثالث والرابع - الذين برئوا - في تعبئة البودرة التي قيل باختلاسها وكان ذلك نتيجة خطأهم نظرا لتكدس الأجولة بالمخزن على الرغم من أن ذلك مؤيد لدفاع الطاعن من أنه لا دخل له فيما أسند إليه وأنه أمر العمال بتعبئة البودرة التالفة بعد أن أراهم إياها وأن الخطأ خطؤهم. وقد اعتمد الحكم فيما اعتمد عليه في إدانة الطاعن على ما نسبه لهؤلاء المتهمين من أن مهمتهم كانت مقصورة على نقل الأجولة بعد أن تمت تعبئتها بمعرفة حمالين أحضرهما مندوب شركة التأمين مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة المفردات المضمومة أن الحكم إنما أهدر دفاع الطاعن - القائم على أن الخطأ يرجع إلى المتهمين الثاني والثالث والرابع وهم الذين تولوا تعبئة الأجولة - اعتمادا منه على ما اتفقت عليه كلمتهم سواء في محضر جمع الاستدلالات أو في التحقيق الذي أجرته النيابة العامة من أنهم لم يشتركوا في تعبئة الأجولة وإنما اقتصرت مهمتهم على نقلها إلى السيارة التي كانت معدة لنقلها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهمين آخرين ما دامت قد اطمأنت إليها وارتاحت لها ولا يغير من ذلك ما يثيره الطاعن من أن هؤلاء المتهمين قد أقروا فيما بعد بأن الحادث يرجع إلى خطئهم إذ لا يعدو ذلك أن يكون عدولا منهم عن أقوالهم الأولى، وكان لمحكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال المتهم - ولو عدل عنها - متى رأت أنها صحيحة وصادقة وبغير أن تلتزم ببيان علة ما ارتأته إذ مرجع الأمر إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون أن تعرض عنه. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد شابه التناقض والقصور في التسبيب ذلك بأن قضى بتبرئة المتهم الخامس مع أن منطق الاتهام لا يستقيم مع ذلك إذ قيل بأن الاختلاس إنما وقع لصالحه كما أن الحكم لم يستظهر توافر القصد الجنائي للجريمة التي دان الطاعن بها.
وحيث إنه من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي منها قصدته المحكمة. لما كان ذلك، وكان قضاء المحكمة بإدانة الطاعن - للأسباب السائغة التي أوردتها - باعتباره فاعلا أصليا في جناية الاختلاس ولا يتعارض مع قضائها ببراءة المتهم الخامس - الذي أسند إليه اشتراكه في الجريمة المذكورة - لما ساورها من شك حول صلته بها، ومن ثم فيكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه السادس من أوجه الطعن هو بطلان الإجراءات الذي أثر في الحكم، ذلك بأن الطاعن تمسك منذ بداية نظر الدعوى بطلب مناقشة زكريا أبو النجا بصفته أمين المخزن تحقيقا لهذه الصفة إلا أن المحكمة سألته بعد أن كانت قد استمعت إلى شهادة رئيسه في الدعوى مما جعله مقيدا بما قالا به وفاتت الغاية التي هدف إليها الطاعن من طلبه مما أخل بدفاع الطاعن.
وحيث إن الثابت من مطالعة محضر الجلسة أن الدفاع عن الطاعن لم يطلب إرجاء سماع شاهدي الإثبات المشار إليهما بوجه طعنه حتى يتم سؤال زكريا أبو النجا الذي طلب من المحكمة سماعه وترافع في الدعوى دون أن ينعى على ذلك بشئ ما. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون تخطئة للمحكمة في فن التحقيق، وكان خطأ محكمة الموضوع في فن التحقيق، بفرض وقوعه،لا يؤثر في سلامة حكمها ما دام الطاعن لم يعترض عليه أمامها، ومن ثم فلا يقبل منه إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.