أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 649

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وحسين صفوت السركي، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ.

(119)
الطعن رقم 750 لسنة 33 القضائية

( أ ) إثبات. "معاينة". تحقيق. "إجراءاته". محكمة الموضوع. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
طلب المعاينة من إجراءات التحقيق. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابته. طالما أنه لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة، أو إثبات استحالة حصول الواقعة. مثال.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
طلب ضم قضية بقصد تجريح أقوال أحد الشهود. لا يقتضى من المحكمة رداً صريحاً مستقلاً: طالما أن الدليل الذي يستمد منه، ليس من شأنه أن يؤدى إلى البراءة أو أن يذهب بصلاحية الدليل المستمد من أقوال هذا الشاهد في الإثبات.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "شهود".
أخذ المحكمة بشهادة شاهد. مفاده: إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(د) فاعل أصلى. قتل عمد. شروع في قتل. مسئولية جنائية.
إثبات الحكم بأدلة سائغة وجود الطاعن على مسرح الجريمة لشد أزر زميله وقت إطلاقه النار على المجني عليهما تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه. تحقق مسئولية المتهمين معا عن جنايتي قتل أحد المجني عليهما عمداً والشروع في قتل الآخر - كفاعلين أصليين. يستوي أن يكون مطلق العيار الناري الذي قضى على المجني عليه الأول معلوماً ومعيناً بالذات أم لا. المادة 39/ 2 عقوبات.
(هـ) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. مرجعه إلى قاضى الموضوع. له كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لهذه التقارير والأخذ بما يطمئن إليه منها والالتفات عما عداه.
(و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "خبرة. شهود".
مطابقة أقوال الشهود لمضمون الدليل الفني. لا يلزم. يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفني، تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. مثال.
(ز) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفى لتبرير اقتناعها بالإدانة. ما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها. إغفال الإشارة إلى تحديد مسافة الإطلاق كما حددها التقرير الطبي الشرعي. لا يؤثر في سلامة الحكم.
(ح) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. إثبات. "شهود".
للمحكمة أن تعول في حكمها على ما تطمئن إليه من أقوال شاهد في التحقيق دون ما شهد به أمامها في الجلسة. لها أن تأخذ ببعض أقواله دون البعض الآخر.
(طـ) نقض. "أسباب الطعن". "ما لا يقبل من الأسباب". إثبات. "شهود". محكمة الموضوع.
المنازعة في القوة التدليلية لشهادة بعض الشهود. جدل موضوعي في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها. عدم قبول التصدي له أمام محكمة النقض. علة ذلك: وزن أقوال الشهود وتقديرها من سلطة محكمة الموضوع.
1 - من المقرر أن طلب المعاينة من إجراءات التحقيق التي لا تلتزم محكمة الموضوع بإجابته، طالما أنه لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود. ولما كان الظاهر من الرد الذي ذكره الحكم أن المحكمة لم تر في طلب المعاينة إلا أنه قصد به إثارة الشبهة في أقوال الشهود، وبررت رفضها بما أوردته من أساب سائغة، فإن المنازعة في هذا الذي انتهت إليه المحكمة في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى لا يكون مقبولاً.
2 - طلب ضم قضية بقصد تجريح أقوال أحد الشهود لا يقتضى من المحكمة عند رفضه رداً صريحاً مستقلاً، طالما أن الدليل الذي قد يستمد منه، ليس من شأنه أن يؤدى إلى البراءة أو أن يذهب بصلاحية الدليل المستمد من أقوال هذا الشاهد في الإثبات.
3 - الأصل أنه متى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - متى كان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي ساقها وجود الطاعن على مسرح الجريمة لشد أزر زميله وقت إطلاقهما النار على المجني عليهما تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه، فإن في هذا ما يتحقق به مسئولية المتهمين معاً عن جنايتي قتل أحد المجني عليهما عمداً والشروع في قتل الآخر - كفاعلين أصليين فيهما طبقاً لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات، يستوي في هذا أن يكون مطلق العيار الناري الذي قضى على المجني عليه الأول معلوماً ومعيناً بالذات أو غير معلوم.
5 - تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى قاضى الموضوع الذي له كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا كشأن سائر الأدلة، فله مطلق الرأي في الأخذ بما يطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، فلا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
6 - ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق. ولما كان تحديد المسافات أمراً تقديرياً، فليس من شأن الخلاف في ذلك بين أقوال الشاهد ورأى الخبير الفني أن يهدر شهادة الشاهد، ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها.
7 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفى لتبرير اقتناعها بالإدانة ما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها، فلا يؤثر في سلامة الحكم أن يغفل الإشارة إلى تحديد مسافة الإطلاق كما حددها التقرير الطبي الشرعي.
8 - للمحكمة أن تعول في حكمها على ما تطمئن إليه من أقوال شاهد في التحقيق دون ما شهد به أمامها في الجلسة وأن تأخذ ببعض قوله دون البعض الآخر.
9 - المنازعة في القوة التدليلية لشهادة بعض الشهود لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها بما لا تناقض فيه مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض، لما هو مقرر من سلطة محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتقديرها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر قضى "بانقضاء الدعوى لوفاته" بأنهما في ليلة 12/ 12/ 1950 الموافقة ليلة 2 ربيع الأول سنة 1370 بناحية النسايمة مركز المنزلة محافظة الدقهلية: أولاً: قتلاً عبد الرحيم أحمد عاشور عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن ترصدا له بجوار منزله حتى إذا ما ظفرا به آتياً أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: شرعا في قتل معين عبد الرحيم أحمد عاشور عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بالكشف الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و232 و45 و46 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1961 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار والترصد قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب كما أخطأ في الإسناد ذلك بأن المدافع عن الطاعن طلب من المحكمة إجراء معاينة مكان الحادث بحضور الشاهدين في وقت يتفق وظروف وقوعه للتحقق من فساد استعراف الشهود لتعذر الرؤية، ولكن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت عليه رداً غير سائغ. كما قاد دفاع الطاعن على أن ضابط الشرطة الذي زعم أنه كان موجوداً بالبلدة التي وقع فيها الحادث في وقت وقوعه لاستيفاء تحقيق في قضية الجناية رقم 867 سنة 1950 المنزلة لم يكن موجوداً حينذاك وإنما حضر من المركز عقب وقوع الحادث وبعد أن فاضت روح المجني عليه وأنه لم تكن هناك جناية بهذا الرقم جرى تحقيقها بمعرفة الضابط المذكور في ذلك اليوم وطلب الدفاع تحقيقاً لدعواه ضم تلك الجناية غير أن المحكمة أغفلت الرد عليه. كما ذهب الحكم إلى أن المتهم الأول - الذي توفى - كان يحمل مسدساً وأن الطاعن كان يحمل بندقية خرطوش في حين أنه ثبت أن "الطلقة" التي عثر عليها بمكان الحادث لا تطلق من المسدسات بل من بنادق "لي انفيلد" أو من المدافع، كما أن الطلقة الفارغة وجدت في فوهة المسدس المضبوط لدى المتهم الأول، وإذا ما كان الثابت من مدونات الحكم أن المجني عليه لم يطلق عليه سوى عيارين أحدهما "خرطوش" والآخر من سلاح من ذوى السرعة العالية وجدت طلقته في مكان الحادث، فإنه كان من المتعين بيان الظروف التي جمعت بين الأسلحة المشار إليها وتحديد السلاح الذي أطلق منه المقذوف الذي قضى على المجني عليه وتعليل سبب وجود السلاحين. هذا فضلاً عن أن الحكم قد أغفل بيان مؤدى معاينة النيابة والتجربة التي أجريت وعلة إطراحه التقرير الطبي الاستشاري على الزعم من أن أسانيده الفنية تختلف وما زعمه الشهود في خصوص تحديد المسافات في الوقت الذي حدد التقرير الطبي الشرعي - الذي عول عليه الحكم - مسافة الإطلاق بما يزيد عن السبعة الأمتار، في حين أنها طبقاً لشهادة زوجة القتيل خمسة أمتار وفى تحديد هذه المسافة أهمية تمس إمكان الرؤية أو استحالتها إذ أن التجربة التي عول عليها الحكم كانت مسافة الرؤية فيها خمسة أمتار، فلما زادت لم تستطع الشاهدة أن ترى. كما نقل الحكم عن الضابط أن الرؤية كانت ممكنة على بعد عشرة أمتار في حين أن الثابت من أقواله بالجلسة أنه لم يكن في مقدوره أن يتبين الرؤية فضلاً عما تردى فيه الحكم من خطأ حين حدد المسافة التي كانت بين الزوجة والجناة بخمسة أمتار، ثم حددها بأربعة، في حين أن الثابت من شهادة تلك الزوجة بالجلسة أن المسافة قصبتان - أي سبعة أمتار - وهى المسافة التي أوردها الطبيب الشرعي في تقريره الذي اعتمد عليه الحكم كما عول الحكم على أقوال نائب العمدة، مع أن شهادته بالتحقيقات وبالجلسة تقطع بأنه سمع من المجني عليه أن الجناة كانوا في النخيل وهو يقع طبقاً للمعاينة على مبعدة عشرة أمتار واعتمد الحكم كذلك على شهادة الخفير السيد أحمد داود مع أن مؤدى أقواله أن معاون الشرطة حضر متأخراً وبعد وفاة المجني عليه، هذا إلى أن الحكم لم يعن ببيان واقعة الدعوى وظروفها مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعته بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي القتل العمد والشروع فيه اللتين دين الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن في خصوص إجراء المعاينة فاطرحه في قوله: "وحيث إنه فيما يتعلق بطلب الدفاع إعادة المعاينة على النحو الذي شرحه فلا ترى المحكمة فيه إلا وسيلة لإضعاف الدليل القائم في الدعوى، ولا محل لها بعد المعاينة والتجربة التي أجرتها النيابة عقب الحادث، وما قرره الطبيب الشرعي من إمكان القتيل الكلام بتعقل لفترة كالمذكورة في التحقيق، ومن إمكان حدوث إصابته على الوضع الذي ورد بأقواله وبأقوال أرملته وابنته....". وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ويحمل قضاؤه فيما انتهى إليه من رفض إجابة طلب المعاينة، ذلك بأنه من المقرر أن هذا الطلب من إجراءات التحقيق التي لا تلتزم محكمة الموضوع بإجابته طالما أنه لا يتجه إلا نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة - كما رواها الشهود، ولما كان الظاهر من الرد الذي ذكره الحكم أن المحكمة لم تر في طلب المعاينة إلا أنه قصد به إثارة الشبهة في أقوال الشهود وبررت رفضها بما أوردته من أسباب سائغة، فإن المنازعة في هذا الذي انتهت إليه المحكمة في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في خصوص التفات الحكم عن ضم قضية الجناية التي طلب ضمها، مردوداً بأن الظاهر من هذا الطلب أن القصد منه هو مجرد تجريح أقوال الضابط في صدد ما برر به وجوده في البلدة التي وقع فيها الحادث وفى وقت وقوعه، ومثل هذا الطلب لا يقتضى من المحكمة عند رفضه رداً صريحاً مستقلاً طالما أن الدليل الذي قد يستمد منه، ليس من شأنه أن يؤدى إلى البراءة أو أن يذهب بصلاحية الدليل المستمد من أقوال هذا الشاهد في الإثبات. و الأصل أنه متى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن من قصور الحكم في بيان الظروف التي جمعت بين السلاحين المستعملين في الحادث وفى تحديد أي منهما أودى بحياة القتيل، ما ينعاه من ذلك مردود بأن الثابت من الحكم أن الطاعن والمتهم الأول في الدعوى - الذي توفى - قد اتفقا على قتل المجني عليه الأول أخذاً بالثأر وترصدا له بجوار منزله وكان أحدهما يحمل مسدساً والآخر يحمل بندقية ولما ظفرا به أطلق عليه كل منهما عياراً نارياً بقصد قتله فأصاباه ونجله المجني عليه الثاني الذي كان يحمله على ظهره فحدثت بالقتيل الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي نشأت وفاته عن الإصابة النارية التي ببطنه والتي من الجائز حدوثها من مثل المسدس الذي ضبط لدى المتهم الأول أو من الطلقة التي وجدت بمكان الحادث والتي يجوز إطلاقها من بندقية "لي انفيلد" أو من مدفع رشاش وليس من المسدس المضبوط كما وجدت بالجثة خمس فتحات دخول نارية وجدت عبارة عن رش، ومؤدى ما تقدم أن الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي ساقها وجود الطاعن على مسرح الجريمة لشد أزر زميله وقت إطلاقهما النار على المجني عليهما تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه، وفى هذا ما يتحقق به مسئولية المتهمين معاً عن جنايتي القتل العمد والشروع فيه كفاعلين أصليين فيها طبقاً لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات، يستوي في هذا أن يكون مطلق العيار النار الذي قضى على المجني عليه الأول معلوماً معيناً بالذات أو غير معلوم. هذا إلى أن آلة القتل ليست من الأركان الجوهرية في جريمة القتل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مؤدى المعاينة والتجربة التي أجرتها النيابة العامة، ومن ثم يكون النعي عليه بالقصور من هذه الناحية غير سديد، ولما كان الأمر في تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى قاضى الموضوع الذي له كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فله مطلق الرأي في الأخذ بما يطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، فلا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعى على الحكم في خصوص تعويله في إدانته على التقرير الطبي الشرعي وعلى شهادة زوجة المجني عليه الأول على الرغم من اختلافهما في تقدير مسافة الإطلاق، مردوداً بأن الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق، وواقع الأمر في الدعوى المطروحة أن الحكم لم ينقل عن التقرير الطبي الشرعي تحديداً معيناً لمسافة الإطلاق، وكل ما أورده في صدد تحديد هذه المسافة بمعرفة أرملة القتيل أنه ذكر في معرض إيراده مؤدى المعاينة التي أجرتها النيابة العامة أن زوجة المجني عليه وابنته حددتا مسافة الإطلاق بنحو الأربعة أمتار وانتهى الحكم إلى ما خلص إليه تقرير الصفة التشريحية من أنه ليس هناك فنياً ما يتنافى مع حدوث إصابة المجني عليهما بالصفة التي وردت في أقوالهما وأقوال باقي الشهود، ولما كان الطاعن لا يجادل فيما أورده الحكم فيما تقدم، فإن هذا الذي ذكره الحكم لا تناقض فيه ولا يقدح في سلامة الحكم أن يغفل الإشارة إلى تحديد مسافة الإطلاق كما حددها التقرير الطبي الشرعي إذ أنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفى لتبرير اقتناعها بالإدانة ما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها. وأيا ما كان الأمر فإن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديرها وليس من شأن الخلاف في ذلك بين أقوال الشاهد ورأى الخبير الفني - بفرض قيامه - أن يهدر شهادة الشاهد ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من قالة الخطأ في الإسناد حين نسب إلى أرملة القتيل إنها حددت مسافة الإطلاق بخمسة أمتار أو أربعة على خلاف ما شهدت به بالجلسة من تحديدها إياها بقصبتين ما يثيره من ذلك مردود بأن الطاعن لا يجادل في صحة استناد الحكم إلى أقوال الشاهدة المذكورة في التحقيقات وإذ ما كان للمحكمة أن تعول في حكمها على ما تطمئن إليه من أقوال شاهد في التحقيق دون ما شهد به أمامها في الجلسة وأن تأخذ ببعض قوله دون البعض الآخر. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما نعاه الطاعن من خطأ الحكم في الإسناد لمخالفة ما أورده عن مؤدى شهادة الضابط بالجلسة في خصوص مدى الرؤية وقت الحادث عما رواه في التحقيقات، فإنه طالما أنه لا ينازع في أن ما ذهب إليه الحكم من ذلك له مأخذه من أقوال الضابط في التحقيقات، فلا يقبل منه هذا النعي. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في القوة التدليلية لشهادتي نائب العمدة والخفير السيد أحمد داود لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت مها محكمة الموضوع معتقدها بما لا تناقض فيه مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام هذه المحكمة لما هو مقرر من سلطة محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتقديرها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.