أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 137

جلسة 4 من فبراير سنة 1958

برياسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: ومصطفى كامل, السيد أحمد عفيفي، وإبراهيم عثمان يوسف, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(39)
طعن رقم 1579 سنة 27ق

نقض "المصلحة في الطعن" دفاع شرعي. تعدد الجرائم. قصر المتهم دفعه بقيام حالة الدفاع الشرعي على تهمة الجنحة. تطبيق الحكم م 32 ع وتوقيعه العقوبة الأشد وهي المقررة لجناية الشروع في القتل. نعيه على الحكم عدم تعرضه لحالة الدفاع الشرعي. لا مصلحة.
متى كان المتهم قد قصر دفعه بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس على تهمة الجنحة التي نسبت إليه, وكان الحكم قد طبق المادة 32 عقوبات وأوقع عليه العقوبة الأشد وهي المقررة لجناية الشروع في القتل, فإنه لا جدوى له من التمسك أمام محكمة النقض بعدم تعرض الحكم لما دفع به من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس ولم يرد عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1- عبد الشافي عبد الله إبراهيم (الطاعن) و2- عبد الفتاح عبد العزيز محمد. بأنهما: أولاً ـ المتهم الأول - شرع في قتل عزت عبد الفتاح محمد الإمام عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن انتوى قتله وأعد لذلك سلاحاً نارياً وترصده في مكان وجوده حتى إذا ما ظفر به أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. وثانياً ـ المتهم الثاني ـ اشترك مع المتهم الأول في ارتكاب الجناية سالفة الذكر في موافقته معه على ارتكابها وساعده على ذلك وصاحبه لمكان الحادث ليشد أزره فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وثالثاً ـ المتهمان الأول والثاني - اعتديا بالضرب على إبراهيم محمد النجدي فأحدثا به الإصابة الموضحة بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة أقل من عشرين يوماً وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 45 و46 و230 و231 و242/ 1 من قانون العقوبات فقرر بذلك, وادعى عزت عبد الفتاح الإمام (المجني عليه) بحق مدني قدره مائة جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين بالتضامن. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام للأول بالنسبة للتهمتين والمادة 242/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة للتهمة الثانية والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للتهمة الأولى للثاني. أولاً ـ بمعاقبة عبد الشافي عبد الله إبراهيم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين لما نسب إليه وبإلزامه بأن يدفع إلى المدعي بالحق المدني مبلغ مائة جنيه والمصروفات المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وثانياً ـ ببراءة عبد الفتاح عبد العزيز محمد من تهمة الجناية ورفض الدعوى المدنية قبله وبمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة شهرين عن تهمة الجنحة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن هو خطأ الإسناد والقصور والتناقض في التسبيب ذلك بأن الحكم المطعون فيه أثبت نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي أن إصابة المجني عليه حدثت من مسافة لا تقل عن عشرة أمترا مما يتفق وأقوال الشهود في حين أن الثابت بهذا التقرير أن مسافة الاطلاق لا تتجاوز ثلاث أمتار ويمكن تقديرها بمترين وقد جاء الحكم كذلك أن أقوال المجني عليه تأيدت بالتقرير الطبي ورغم ما بينهما من خلاف في تعيين اتجاه العيار إذ بينما يذكر المجني عليه أنه أصيب من الأمام يثبت التقرير الطبي أن الإصابة أتت من الخلف وإذ فعل الحكم ذلك فقد بنى قضاءه على غير الثابت بالأوراق, ويقول الطاعن إن الحكم قصر في الرد على ما دفع به من عدم إمكان تمييز المجني عليه للمتهم استناداً إلى ما يؤخذ من أقواله من أنه لم ير الجاني إلا عند الهرب وإلى ما تبين من وقوع الحادث بعد منتصف الليل, لكن الحكم قد أغفل هذا الدفاع الجوهري ولم يرد عليه كما قصر في التدليل على توفر نية القتل فلم يبين أن نية الجاني قد انصرفت إلى إزهاق في روح المجني عليه ولا يكفي في هذا المقام أن يقول الحكم إن المتهم استعمل سلاحاً قاتلاً بطبيعته أو أنه أصاب المجني عليه في مقتل, ويضيف الطاعن أن الحكم تناقض حين أخذ بأقوال المجني عليه في حقه ولم يأخذ بها في حق المتهم الذي قضى ببراءته وأنه لم يتعرض لما دفع به من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس لم يرد عليه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على ملف الدعوى الذي أمرت المحكمة بضمه تحقيقاً لأوجه الطعن أنه ورد بالتقرير الطبي الابتدائي أن المسافة بين الجاني والمجني عليه لا تقل عن عشرة أمتار - لما كان ذلك, فإن الحكم يكون قد أخطأ في الإسناد برجوعه في هذا التحديد إلى التقرير الطبي الابتدائي وإن خالف التقرير الطبي الشرعي في تقديره لهذه المسافة لأنه إذ أخذ بهذا التقدير فقد استند إلى ما له أصل في الأوراق - لما كان ما تقدم, وكان المجني عليه قد ذكر في التحقيق أن الجاني كان على يساره عند الإطلاق فلما سئل بالجلسة قال أنه يواجهه, لكنه لم يثبت على هذا القول, ومن ثم فإنه لا يبدو أن هناك خلافاً حقيقاً بين هذه الأقوال وبين ما أورده التقرير الطبي الشرعي في تحديده لموقف الضارب من أنه كان خلف المجني عليه وإلى يساره ولكن ما أثاره الطاعن في هذا الشأن لا يستأهل من المحكمة رداً خاصا, ولما كان ما دفع به الطاعن من عدم إمكان تعرف المجني عليه على شخصية الجاني إنما هو دفاع موضوعي لا تلزم المحكمة بالرد عليه اكتفاء بأخذها بأدلة الثبوت، وكان الحكم قد تحدث عن نية القتل فقال بعد أن عرض لما بين الطاعن والمجني عليه من نزاع إلى اعتداء الطاعن عليه وإجراء صلح بينهما "ولكن هذا الصلح لم يرق في نظر المتهم الأول (الطاعن) فعقد النية على الانتقام فأعد لذلك سلاحاً نارياً من طبيعته إحداث القتل وتربص به الفرص وما أن حانت الفرصة حتى فاجأه وهو يجلس مع بعض أبناء عمومته حول النار عند الطمبوشة التي كان يديرها لري أرضه وأطلق عليه عيارين ناريين من شأنهما إحداث القتل مسدداً سلاحه نحو المواضع الخطرة من الجسم فأصابه أحدهما في ساعده الأيسر وهو قريب من الصدر والبطن والجنب مما يعتبر مقاتل من جسم المجني عليه" ولما كان هذا الذي ذكره الحكم تتوفر به نية القتل بغير ما حاجة إلى استعمال تعبير بذاته لأداء هذا المعني كالذي أرداه الطاعن - لما كان كل ذلك، وكان لا يعيب الحكم أن يأخذ بأقوال المجني عليه في حق الطاعن وأن يطرحها بالنسبة لغيره لأن مرجع الأمر في ذلك إلى حق المحكمة في تقدير ما يعرض عليها من أدلة - ولما كان الطاعن قد قصر دفعه بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس على تهمة الجنحة التي نسبت إليه - وكان الحكم قد طبق المادة 32 عقوبات وأوقع عليه العقوبة الأشد وهي المقررة لجناية الشروع في القتل فإنه لا جدوى له من التمسك بهذا الدفع أمام محكمة النقض - لما كان ذلك كله, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.