أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 166

جلسة 10 من فبراير سنة 1958

برياسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومصطفى كامل, ومحمد عطية إسماعيل, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(47)
طعن رقم 1823 سنة 27 ق

إثبات. اعتراف. حكم "تسبيب كاف". إدانة المتهم استناداً إلى الأدلة القائمة في الدعوى بعد استبعاد الاعتراف. التزيد الخاطئ. في الحكم بإمكان الأخذ بالدليل المستمد من الاعتراف غير الاختياري. لا عيب.
متى كان الحكم إذ استبعد الاعتراف الذي أدلي به المتهم أمام ضابط المباحث من عداد أدلة الدعوى, قد أفصح عن كفاية باقي الأدلة للقضاء بإدانته وكان ما أورده الحكم من ذلك سائغاً في العقل والمنطق وكافياً لحمله, فإن ما استطرد إليه الحكم تزيداً من القول بإمكان الأخذ بالدليل الذي يكشف عنه الاعتراف غير الاختياري - وهو تقرير قانوني خاطئ لا يتفق وفقه قانون الإجراءات الجنائية - لا يعيب الحكم ولا يؤثر على سلامته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من:1- زينهم يوسف خلف و2- عبد المعطي سالم العطار (الطاعنين) و3- قطب محمد الزيات و4- أحمد الشناوي ربيع. بأنهم قتلوا عمداً ومع سبق الإصرار سالم احمد أبو شادي بأن اتفقوا بينهم على قتله وبيتوا النية على ذلك واستدرجوه ليلاً إلى مكان الحادث ثم قاموا بسد مسالكه الهوائية قاصدين من ذلك قتله, فتوفي باسفكيا كتم النفس كما هو موضح بالتقرير الطبي الشرعي. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات, فصدر الأمر بذلك, ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) أولاً - بمعاقبة كل منهما بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة. وثانياً - ببراءة كل من قطب محمد الزيات وأحمد الشناوي ربيع مما أسنده إليهما. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه انطوى على تناقض وخطأ جوهريين ذلك أنه بعد أن قرر استبعاد الاعتراف الصادر من المتهمين لضابط البوليس لأنه وليد إكراه عاد الحكم فاعتمد أقوال الشهود الذين سمعوا هذا الاعتراف المشوب أمام الضابط - كما استند أيضاً إلى واقعة اكتشاف جثة القتيل التي أرشد عنها الطاعن وزميله تحت تأثير الإكراه والضرب وكان يتعين استبعاد كل دليل ترتب على الاعتراف الباطل - هذا إلى الحكم المطعون فيه لم يستظهر نية القتل في تدليل مستقل.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى عرض إلى أدلتها فتحدث عن اعتراف الطاعن وزميله في قوله "وحيث إنه بالنظر إلى الشكوك التي تحوم حول كيفية حصول ضابط المباحث على الاعتراف من المتهمين الأول والثاني والتي تأيدت بوجود إصابات بجسميهما فإن المحكمة تطرح هذا الاعتراف ولا تعول عليه كدليل في إثبات إدانة هذين المتهمين - وترى المحكمة أن القضية من الأدلة الأخرى الغير مستمدة من هذا الاعتراف ما يكفي لإقناعها بيقين باقتراف المتهمين المذكورين الجريمة المسندة إليهما." ثم أورد الحكم هذه الأدلة في قوله: "أن أقوال والدة المجني عليه ومحمد السيد بطة وإبراهيم بسيوني النبراوي وإبراهيم الفحل والخفير على النقيب قاطعة في أن هذين المتهمين حضرا إلى المجني عليه في منزله مساء يوم الحادث وصحباه إلى مقهى محمد بطة حيث أمضيا معه بعض الوقت ثم غادروا هم الثلاثة بلدة المرازقة متجهين نحو بدلتهما الشين مروا في طريقهم إليها على خفير النقطة الثابتة محمد على النقيب ثم اختفى المجني عليه بعد ذلك ولم يظهر له أثر حتى عثر على جثته في ترعة السماحات" ثم أشار الحكم بعد ذلك إلى اعتراف المتهمين أمام بعض الشهود في وقت لاحق للاعتراف الذي سبق أن أدليا به أمام الضابط فقال "وحيث إن الثابت من أقوال الشهود عبد الحفيظ عبد الغفار وبسيوني شعبان وعطية كامل حميدة على النحو السالف بيانه والتي تثق المحكمة بصدقها أن المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) اعترفا أمامهم بأنهما قتلا المجني عليه بطريق الخنق على حد قول الشاهد الأول وكتم النفس على حد قول الشاهدين الآخرين وأنهما ألقيا جثته في ترعة السماحات بعد أن أثفلاها بحجر وأنهما أيضاً أرشدا عن المكان الذي ألقيا الجثة فيه وقد عثر فعلاً على الحجر في هذا المكان ووجد مربوطاً بحبل كما عثر على الجثة على مسافة غير بعيدة من هذا المكان بعد أن انفصل الحجر عنها بفعل التيار وجرفها هذه المسافة - وحيث أن المحكمة ترى أن المتهمين الأولين حين اعترفا أمام هؤلاء الشهود بقتل المجني عليه وحين أرشد عن المكان الذي ألقيا فيه الجثة في ترعة السماحات كانا بكامل حريتهما واختيارهما ولم يكونا واقعين تحت تأثير أي تهديد أو إكراه وبفرض أنه وقع عليهما إكراه من الضابط أو من رئيس النقطة في وقت سابق كما يزعمان فإنه لم يكن لهذا الإكراه أي تأثير عليهما عندما اعترفا أمام الشهود بقتل المجني عليه وحين أرشدا عن المكان الذي عثرا فيه على الحجر والجثة وقد اعترف المتهم الأول (الطاعن) الأول في تحقيق النيابة بأنه أرشد فعلاً عن المكان الذي عثر فيه على الجثة في ترعة السماحات" ثم استطرد الحكم يسوق أدلته في قوله "وحيث إنه فوق هذا وذلك فإن أقوال المتهم الأول في المحضر المحرر بمعرفة مأمور مركز قلين المؤرخ في 19 مارس سنة 1955 تلك الأقوال التي صدرت منه هو بكامل اختياره إذ هو لم يدع لا في تحقيق النيابة ولا أمام المحكمة أن هذا المأمور اشترك في ضربه أو أكرهه بأي طريقة آخر على الإدلاء بهذه الأقوال - هذه الأقوال تعتبر دليلاً قائماً بذاته مستقلاً من الاعتراف الصادر من هذا المتهم أمام ضابط المباحث فيصح الاستدلال بها - وترى المحكمة أن هذه الأقوال تفيد أيضاً ارتكاب المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) الجريمة المسندة إليهما وقد اعترف المتهم الأول في تحقيق النيابة بصدور هذه الأقوال منه وادعى أنها غير صحيحة وهو ادعاء باطل إذ ليس ما يدعوه لأن يعترف كذباً طواعية واختياراً بما يفيد اشتراكه في ارتكاب جناية قتل عمد لم يرتكبها". لما كان ذلك, وكان الحكم إذ استبعد الاعتراف الذي أدلى به الطاعنان أمام ضابط المباحث من عداد أدلة الدعوى قد أفصح عن كفاية الباقي منها للقضاء بإدانتهما بما قاله من أنه يتخذ من اعتراف الطاعن الأول أمام مأمور المركز بارتكاب الجريمة مع زميله الطاعن الثاني دليلاً قائماً بذاته مستقلاً عن الاعتراف المشوب الصادر أمام ضابط المباحث ويصح الاستدلال به قبل المتهمين لأنه صدر عن حرية واختيارا - وكان ما أورده الحكم من ذلك سائغاً في العقل والمنطق وكافياً لمحله - أما ما استطرد إليه الحكم تزيداً من القول بإمكان الأخذ بالدليل الذي يكشف عنه الاعتراف غير الاختياري فهو تقرير قانوني خاطئ لا يتفق وفقه قانون الإجراءات الجنائية, إلا أنه لا يعيب الحكم المطعون فيه ولا يؤثر على سلامته - لما كان ذلك وكان الحكم قد استخلص نية القتل مما أورده مفصلاً عمن ظروف الدعوى وملابساتها ما انتهى إلهي تقرير الصفة التشريحية في قوله "إن المجني عليه والمتهمين (الطاعنين) ألفوا عصابة لسرقة المواشي وردها على أصحابها بالحلوان وقبل الحادث ببضعة أيام سرقوا جاموسة لقطب سلامة وتقابل المجني عليه مع صاحبها وعرض عليه ردها بالحلوان وبعد المساومة تم الاتفاق بينهما على مبلغ 28 جنيهاً دفعها صاحب الجاموسة للمجني عليه وفعلاً أعيدت الجاموسة إلى صاحبها صباح يوم الحادث (15 من مارس سنة 1955) وحدث عند اقتسام مبلغ الإتاوة بين المجني عليه وشريكيه بأن أخفى المجني عليه عنهما حقيقة المبلغ الذي قبضه وادعى أنه قبض أقبل منه بكثير وسلمهما نصيبهما على هذا الأساس غير أن المتهمين كشفا حقيقة الأمر في نفس اليوم عز عليهما أن يقدم المجني عليه على خداعهما والاستهتار بهما إلى هذا الحد فصمما على الانتقام منه وبيتا النية على قتله وأعدا عدتهما لذلك وقصدا في مغرب يوم الحادث إلى منزله ببلدة المرازقة حيث قابلاه واصطحباه إلى مقهى في نفس البلدة (لمحمد السيد بطه) حيث أمضوا معه بعض الوقت ثم انصرفوا سوياً وقت العشاء وساروا في الطريق المؤدي إلى بدلتنهما (الشين) ومروا في طريقهم إليها على نقطة السبيل الثابتة الواقعة في هذا الطريق ولما خلا الجو للمتهمين وسنحت لهما فرصة الانفراد بالمجني عليه انقضا عليه وكتما نفسه وأزهقا روحه...". ولما كان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من توافر نية القتل لدى الطاعن الثاني هو استخلاص سائغ من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه, فإن الحكم يكون سليماً لم يخطئ القانون في شيء ولا هو قد جاء قاصر الأسباب ومن ثم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.