أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 700

جلسة 28 من أكتوبر سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: حسين صفوت السركي، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد حمزاوي.

(127)
الطعن رقم 774 لسنة 33 القضائية

(أ، ب، جـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". شهود.
( أ ) تطابق أقوال الشهود على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها. غير لازم. يكفى أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة، يتلاءم به ما قاله كل منهم بالقدر الذي رواه الآخر.
(ب) لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. علة ذلك: الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً. منها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي.
(جـ) المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو منه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن هذا السياق. مثال.
(د) تفتيش. "إذن التفتيش". "إصداره". دفوع. نقض "المصلحة في الطعن".
تقدير جدية التحريات التي بنى عليها إذن التفتيش. موكول لسلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع. مثال.
صدور الإذن بتفتيش المأذون بضبطه بسيارة الطاعن. دفع الطاعن ببطلان هذا الإذن بدعوى تعميم مداه وامتداده إلى كافة سيارات الأجرة التي يوجد بها المأذون بضبطه وتفتيشه. غير مقبول. علة ذلك. انتفاء مصلحته في هذا الدفع.
(هـ) تفتيش. "إذن التفتيش". "تنفيذه". مأمور الضبط القضائي. تلبس. قبض.
تنفيذ إذن التفتيش موكول إلى القائمين به، يجرونه بالقدر اللازم لتحقيق الغرض المقصود منه.
لمأمور الضبط القضائي في سبيل تنفيذ مهمته المأذون له بها أن يستعين بمرؤوسيه على الوجه الذي يراه محققاً للغرض من التفتيش. مثال.
1 - الأصل أنه لا يشترط أن تتطابق أقوال الشهود على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفى أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله كل منهم بالقدر الذي رواه الآخر.
2 - لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي. فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
3 - البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة من هذا السياق. ومن ثم فلا يؤثر في سلامة الحكم ما يعيبه عليه الطاعن من ترديه في الخطأ في خصوص موقف الشرطي السري وقت إطلاقه الأعيرة النارية على سيارته إذ أن هذه الواقعة بفرض قيام الخطأ فيها لا تمس منطق الحكم أو النتيجة التي خلص إليها.
4 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات التي بنى عليها إذن التفتيش موكول لسلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع فمتى أقرت تلك السلطة على ما ارتأته في هذا الصدد فلا سبيل لمصادرتها في عقيدتها. ولما كان موضوع الإذن قد انصب على تفتيش المأذون بضبطه وتفتيشه بالسيارة المعينة بذاتها - وهى سيارة الطاعن - فلا يقبل من هذا الأخير التحدث عن بطلان هذا الإذن بدعوى تعميم مداه وامتداده إلى كافة السيارات الأجرة التي يوجد بها ذلك المأذون بضبطه وتفتيشه لانتفاء مصلحة الطاعن في هذا الدفع.
5 - تنفيذ إذن التفتيش موكول إلى القائمين به يجرونه بالقدر اللازم لتحقيق الغرض المقصود منه. فلمأمور الضبط القضائي في سبيل تنفيذ مهمته المأذون له بها أن يستعين بمرؤوسيه على الوجه الذي يراه محققاً للغرض من التفتيش. ومن ثم فإن إطلاق الشرطي السري النار على إطارات السيارة لاستيقافها تنفيذاً لأمر رئيسه الضابط عندما شاهدها تحاول الفرار بعد أن أطلق هذا الأخير النار على إطاراتها أمر لا غبار عليه قانوناً. فإذا ما توقفت السيارة وانطلق منها الطاعن حاملاً لفافة محاولاً إلقاءها في الترعة المجاورة، فإن تعرض الشرطي المذكور له للحيلولة دون فراره والتخلص من جسم الجريمة وإكراهه على الوقوف حتى لحق به الضابط للكشف عن حقيقته بعد أن وضع نفسه موضع الشبهات والريب، لا يكون باطلاً. وإذا ما شاهد الضابط كل ذلك وأدرك ما تدل عليه تلك الظروف التي تنبئ بذاتها عن صلة الطاعن بالجريمة - فإن من حقه والجريمة تعد في حالة تلبس جاء كشفه عن طريق مشروع أن يقبض على الطاعن وأن يضبط المخدر الذي ألقى به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 28 يونيه سنة 1960 بدائرة مركز بلبيس محافظة الشرقية: - أحرز بقصد الاتجار جواهر مخدرة "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و34/ 1 – 2 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1962 والجدول رقم 1 المرافق. فقررت الغرفة ذلك. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات الزقازيق دفع الحاضر مع المتهم ببطلان القبض وما ترتب عليه من إجراءات. ثم قضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 21/ 12/ 1961 عملاً بالمواد 1 و2 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة سبع سنوات وبغرامة قدرها ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المادة المخدرة المضبوطة والسيارة التي استخدمت في نقلها. وقد ردت على الدفع قائلة: إنه في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون إذ دان الطاعن بجريمة إحراز مخدر قد شابه فساد وخطأ في الاستدلال وقصور في التسبيب كما أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه عول في الإدانة على أقوال شهود الإثبات بقوله إنها جاءت مؤيدة لبعضها البعض في حين أن مؤدى شهادتهم هو أن المخدر المضبوط وجد بجوار السيارة قيادة الطاعن على أثر فرار شخصين كانا يركبان في المقعد الخلفي ولم ير أحد من أولئك الشهود الطاعن وهو يلقى المخدر أو يتخلص منه سوى المخبر "عبد الباسط حسن قنصوه" الذي شهد بأنه كان في مكمنه المنخفض عن مستوى الطريق بمترين فأطلق النار على السيارة وهو في مكمنه هذا - على خلاف ما أورده الحكم من أنه أطلقها وهو خارجه على عكس ما تضمنته الأوراق - فوقفت ورأى الطاعن ينزل منها فاستدار حتى واجهه وأطلق عليه مقذوفاً نارياً فسقطت اللفافة على الأرض أما باقي الشهود فجاءت شهادتهم مقصورة على ضبط الطاعن دون أن يرى أحد منهم شيئاً معه. هذا إلى أن المكان الذي كمن به المخبر لا يستطيع أن يرى منه من بالسيارة أو أن يطلق النار على إطاراتها ورتب الطاعن على ذلك أن الشخصين اللذين فرا من السيارة هما اللذان ألقيا بالمضبوطات دون الطاعن. كما دفع ببطلان التفتيش والقبض عليه تأسيساً على أن الإذن قد صدر بالقبض على ممن يدعى "حسن جبريل" وهو ما انصبت عليه التحريات التي بنى عليها الإذن - وتفتيشه والسيارة رقم 540 أجرة شرقية التي يوجد بها أو أية سيارة أخرى يوجد بها، ومثل هذا الإذن ينطوي على إهدار للحريات العامة وإطلاق يد السلطة التي تتولى القبض في إجرائه قبل ركاب السيارات جميعاً وبصفة عامة وهو ما لا يصح قانوناً. واستطرد الطاعن إلى القول بأنه لما كان الثابت من مدونات الحكم أن الضابط ومرافقيه الذين تولوا الضبط والتفتيش، ما كانوا يعرفون شخص المأذون لهم بضبطه وتفتيشه فإنه كان من المستحيل عليهم القبض عليه إلا بالقبض على جميع ركاب السيارات وتفتيشهم والبحث عن بطاقاتهم الشخصية، وما كان يجوز تفتيش سيارة الطاعن - المشار إليها بالإذن أو القبض عليه أو محاولة ذلك قبل التحقق من وجود "حسن جبريل " مما يبطل تلك الإجراءات إذ أنه ما كان يسوغ للضابط إطلاق النار على السيارة متخذاً من جهله شخصية المأذون له بالتفتيش مبرراً للقبض غير القانوني على الطاعن بعد أن ثبت من أقوال الشهود أن السيارة وقفت بالفعل بجوار الضابط مباشرة الذي رأى من فيها في وضح النهار ثم تابعت سيرها ولم يكن بها "حسن جبريل". وما كان يجوز أيضاً الاحتماء بالدلائل الكافية المبررة للقبض إذ أن المقصود بتلك الدلائل تلك التي تتجه إلى قيام الجريمة وليس تلك التي تتجه إلى شخص المأذون بتفتيشه، هذا فضلاً عن أن ما ذهب إليه الحكم من تبرير القبض على الطاعن بما تجمع لدى رجال الضبط من دلائل كافية أمر لا سند له من القانون لأن مؤداه أن الحكم قد سلم ببطلان الإذن وما ترتب عليه، هذا بالإضافة إلى أن الحكم قد أسس تلك الدلائل على ما ذكره من عدم استجابة الطاعن لطلب رخص السيارة بعد أن وقف، وهذا التصرف منه مع ثبوت عدم رؤية الضابط للمأذون له بتفتيشه لا يؤدى إلى ما رتبه عليه الحكم. هذا إلى أن المخبر - وهو من غير رجال الضبط القضائي - قد قام بالقبض على الطاعن بعيداً عن سمع الضابط وبصره فامتنعت بذلك رقابته عليه، ومن ثم يكون تخلى الطاعن عن اللفافة المضبوطة إنما كان نتيجة إجراء باطل. ولم يعن الحكم بالرد على هذا الدفع اكتفاء بما قاله من أن التحريات كانت جدية وهو ما لا يصلح رداً على أوجه البطلان التي تقدم بها الطاعن، فضلاً عن أنه بفرض أن التحريات كانت جدية بالنسبة إلى "حسن جبريل" فإنها لم تكن كذلك بالنسبة إلى الطاعن الذي لم يرد اسمه فيها. هذا إلى أن الإذن بتفتيش ذلك الشخص والسيارة التي يوجد بها مؤداه قصر التفتيش على المقاعد الموجود فيها، أما السيارة ذاتها فلا يجوز تفتيشها إلا إذا كان هو فيها، مما يعيب الحكم بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن رئيس مكتب مكافحة المخدرات بالزقازيق استصدر أمراً بضبط وتفتيش السيارة رقم 540 أجرة شرقية التي يتواجد بها "حسن محمد جبريل" أو أية سيارة أجرة يتواجد بها لضبط ما يحوزه أو يحرزه من مخدرات وعهد تليفونياً إلى الملازم أول فهمي رياض غراب وكيل المكتب تنفيذ الإذن بعمل كمين بنقطة مرور انشاص لضبط السيارة سالفة البيان عند مرورها وبها المأذون بضبطه وتفتيشه. فقام الضابط بتوزيع مرافقيه في الأمكنة التي حددها بجوار نقطة المرور وطلب من الجندي المعين بها إيقاف السيارة عند مرورها أمام النقطة بدعوى التفتيش على الرخصة، وأفهم كلاً من مرافقيه الدور الذي يقوم به عند سماعه الأعيرة النارية التي سيطلقها نحو عجلات السيارة المذكورة وأمر الشرطي السري عبد الباسط حسين قنصوه أن يعترض سيرها إذا استمرت في السير وأن يطلق النار نحو عجلاتها لإيقافها، واختفى الضابط خلف شجرة على مقربة من نقطة المرور حتى قدمت السيارة رقم 540 أجرة شرقية - قيادة الطاعن - ولما طلب منه جندي المرور رخصتي السيارة والقيادة رفض واستمر في السير بها فخرج الضابط من مكمنه وأطلق عياراً نحو العجل أصاب العجلة الخلفية اليمنى ولكن الطاعن استمر منطلقاً بسيارته إلى أن أصبح مقابل المكان الذي اختفى به الشرطي السري عبد الباسط حسنين الذي كان قد خرج من مكمنه عقب سماعه العيار الذي أطلقه الضابط وأطلق بدوره عيارين أصاباً العجلة اليسرى الخلفية فوقفت السيارة على الأثر. وخرج منها الطاعن الذي كان يجلس بمفرده أمام عجلة القيادة ونزل من بابها الأيمن الأمامي حاملاً معه لفافة مغلفة بورق الجرائد فلحق به الشرطي السري وشاهده يحمل تلك اللفافة محاولاً الجري بها نحو الترعة الواقعة على يمين السيارة لإلقائها بها فأطلق الشرطي عياراً آخر فوق الطاعن فوقف هذا الأخير وأسقط اللفافة إلى الأرض تحت قدميه وأمره الشرطي وهو مصوب بندقيته نحوه بعدم التحرك من مكانه ولاحظ في هذه الأثناء أن شخصين كانا في المقعد الخلفي بالسيارة انتهزا فرصة انشغاله بمطاردة الطاعن وهرباً من بابها الأيسر إلى المزارع وبعد أن تمكن الشرطي من استيقاف الطاعن، كان الضابط قد وصل إلى مكان الضبط بعد أن جرى حوالي 200 متر من نقطة المرور وشاهد الطاعن واقفاً وأمامه اللفافة على الأرض والشرطي مصوباً بندقيته نحوه فتناول اللفافة وبفضها وجد بها كيسين أحدهما من النايلون والآخر من القماش الأبيض وبكل منهما أربع طرب من الحشيش بلغ وزنها 1900 جرام بعد استنزال وزن الأكياس الفارغة. وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الضابط ومرافقيه الشرطي السري وسائق سيارة مكتب مكافحة المخدرات ومن شهادة جندي المرور ومن المعاينة ومن شهادة وزن المخدر وتقرير المعمل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز المخدر التي دين الطاعن بها. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من فساد وخطأ في الاستدلال مردوداً بأنه يبين من مدونات الحكم أنه بعد أن أورد مؤدى شهادة الشهود الذين عول عليهم في الإدانة خلص منها إلى ما يظاهر الصورة التي ارتسمت في وجدانه عن واقعة الدعوى. والأصل أنه لا يشترط أن تتطابق أقوال الشهود على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفى أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله كل منهم بالقدر الذي رواه الآخر، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي. فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. ولما كان الحكم قد استخلص الإدانة من مجموع تلك العناصر استخلاصاً سائغاً فلا وجه للنعي عليه استناده إليها مجتمعة بقوله إن شطراً من الواقعة التي استقرت في عقيدة المحكمة إنما كان أساسه أقوال أحد الشهود وحده. ولا يقدح في سلامة الحكم ما يعيبه عليه الطاعن من ترديه في الخطأ في خصوص موقف الشرطي السري وقت إطلاقه الأعيرة النارية على سيارته إذ أن هذه الواقعة بفرض قيام الخطأ فيها لا تمس منطق الحكم أو النتيجة التي خلص إليها، والأصل أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة من هذا السياق. أما ما يجادل فيه الطاعن من منازعة في مدى إمكان الشرطي السري رؤيته وهو في مكمنه أو إطلاق النار على إطارات السيارة فلا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها - واطمأنت إليها. وكذلك الحال بالنسبة إلى ما أثاره من نسبة المخدر المضبوط إلى الشخصين اللذين فرا من السيارة وقت الضبط ذاته فإنه دفاع متعلق بموضوع الدعوى لا يستأهل رداً اكتفاء بأدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومع ذلك فإنه عنى بالتصدي لهذا الدفاع ورد عليه بما يفنده. لما كان ذلك، وكان الحكم قد تناول ما أثاره الطاعن في صدد بطلان إذن التفتيش وبطلان القبض عليه وتفتيشه فرد عليه بما محصله أن المحكمة قد اطمأنت إلى ما ارتأته النيابة العامة من جدية التحريات التي بنى عليها الإذن الذي أصدرته بتفتيش "حسن محمد جبريل" وتفتيش السيارة رقم 540 أجرة شرقية - قيادة الطاعن - التي يتواجد بها المأذون بتفتيشه أو أية سيارة أخرى يستعملها في نقل المخدرات من بلبيس إلى بلدة كفر جترور مركز تلا منوفية ورتبت على ذلك صحة الأمر بالضبط والتفتيش لما ثبت لدى النيابة العامة من وقوع جريمة إحراز مخدرات وصحة نسبتها إلى المأذون بضبطه وتفتيشه وأنه لما كان الضابط، الذي نيط به تنفيذ هذا الأمر لا يعرف هو مرافقاه وجندي نقطة المرور التي كمنوا عندها، شخصية حسن جبريل المقصود بالإذن، فإن من حق هؤلاء أن يستوقفوا السيارة التي انصب عليها الإذن المذكور للتحقق من وجوده بها، فإذا ما مرت هذه السيارة وبمقعدها الخلفي شخصين وعندما طلب جندي المرور من قائدها (الطاعن) الوقوف واطلاعه على مكمنه إلى السيارة للتحقق من وجود حسن محمد جبريل بها - رفض الطاعن الامتثال لأمر جندي المرور واستمر في قيادة سيارته بل وقادها بسرعة، فإن من حق الضابط في مثل هذه الظروف أن يحاول إيقاف السيارة بالقوة ليتحقق من وجود حسن محمد جبريل بها لتنفيذ أمر النيابة المذكور. ثم استطرد الحكم إلى القول بأن مؤدى ما تقدم أن الطاعن بفعله هذا قد أوجد لدى الضابط دلائل كافية مبررة لاعتقاده بوجود حسن محمد جبريل المأذون بضبطه وتفتيشه وبعض المواد المخدرة في السيارة فأطلق نحو عجلتها النار بقصد إيقافها فضلاً عن أن الطاعن استمر مندفعاً لمسافة 200 متر حتى أصبح مقابل مكمن الشرطي السري الذي حاول بدوره إيقافها بقصد القبض على حسن محمد جبريل تنفيذاً لأمر النيابة فأطلق النار نحو عجلاتها ولما وقفت على مقربة من الترعة ونزل منها الطاعن من بابها القريب من الترعة وكان يحمل لفافة، فإن كل ذلك دعا هذا الشرطي إلى محاولة استيقافه فأطلق في الهواء عياراً للإرهاب فأسقط الطاعن اللفافة أثناء محاولته الجري نحو الترعة لإلقائها بها، وفعل الشرطي هذا له ما يبرره وقد تناول الضابط وهو من رجال الضبط القضائي اللفافة من الأرض وفتحها فوجد بها ثماني طرب من الحشيش، فالتفتيش قد تم بمعرفة أحد رجال الضبط القضائي وإن كان الشرطي السري قد اشترك في الاستيقاف، وخلص الحكم مما تقدم إلى رفض الدفع. لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم سديداً في القانون وسائغاً في الرد على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص، ذلك بأنه من المقرر أن تقدير جدية التحريات التي بنى عليها إذن التفتيش موكول لسلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع التي متى أقرت تلك السلطة على ما ارتأته في هذا الصدد فلا سبيل لمصادرتها في عقيدتها. ولما كان موضوع الإذن قد انصب على تفتيش المأذون بضبطه وتفتيشه بالسيارة المعينة بذاتها وهى سيارة الطاعن، فلا يقبل من هذا الأخير التحدث عن بطلان هذا الإذن بدعوى تعميم مداه وامتداده إلى كافة السيارات الأجرة التي يوجد بها ذلك المأذون بضبطه وتفتيشه لانتفاء مصلحة الطاعن في هذا الدفع. وكان تنفيذ إذن التفتيش موكولاً إلى القائمين به يجرونه بالقدر اللازم لتحقيق الغرض المقصود منه. وكان الحكم قد أصاب صحيح القانون حين أقر ما قام به الضابط من إجراءات في سبيل تنفيذ إذن التفتيش من حيث استيقافه سيارة الطاعن في الظروف التي ساقها الحكم. وكان لمأمور الضبط القضائي في سبيل تنفيذ مهمته المأذون له بها أن يستعين بمرؤوسيه على الوجه الذي يراه محققاً للغرض من التفتيش ومن ثم فإن إطلاق الشرطي السري النار على إطارات السيارة لإسيتقافها تنفيذاً لأمر رئيسه الضابط عندما شاهدها تحاول الفرار بعد أن أطلق هذا الأخير النار على إطاراتها أمر لا غبار عليه قانوناً. فإذا ما وقفت السيارة وانطلق منها الطاعن حاملاً لفافة محاولاً إلقاءها في الترعة المجاورة، فإن تعرض الشرطي المذكور للحيلولة دون فراره والتخلص من جسم الجريمة وإكراهه على الوقوف حتى لحق به الضابط للكشف عن حقيقته بعد أن وضع نفسه موضع الشبهات والريب، لا يكون باطلاً. وإذا ما شاهد الضابط كل ذلك وأدرك ما تدل عليه تلك الظروف التي تنبئ بذاتها عن صلة الطاعن بالجريمة - فإن من حقه والجريمة تعد في حالة تلبس جاء كشفه عن طريق مشروع أن يقبض على الطاعن وأن يضبط المخدر الذي ألقى به. لما كان ذلك، فإن قضاء الحكم يكون محمولاً على ما ينتجه ولا يقبل من الطاعن ما أثاره في هذا الخصوص.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.