أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 715

جلسة 28 من أكتوبر سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، ومختار رضوان، وأحمد موافي.

(129)
الطعن رقم 989 لسنة 33 القضائية

( أ ) دفوع. تفتيش. "إجراءاته". بطلان. محكمة الموضوع. مواد مخدرة.
الدفع ببطلان إجراءات التفتيش. دفع موضوعي. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) تفتيش. "إذن التفتيش". "تنفيذه". مأمورو الضبط القضائي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تلبس.
لمأموري الضبطية القضائية إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة بإجراء تفتيش أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض منه. عدم التزامهم بطريقة بعينها. ما داموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون. مثال.
(ج) تفتيش. "إذن التفتيش". "إصداره". دفوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
انقضاء الأجل المحدد للتفتيش في الأمر الصادر به. لا يترتب عليه بطلانه. عدم جواز تنفيذ مقتضاه بعد ذلك إلى أن يجدد مفعوله.
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التفتيش متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. مثال.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". "معاينة".
الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً. منها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي. لا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة. يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها، ومنتجه في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه. مثال.
1 - الدفع ببطلان إجراءات التفتيش، دفع موضوعي، أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها واطمأنت منها إلى أن التفتيش قد أسفر عن العثور على المخدر المضبوط. وإذ كان الطاعن لم يبد دفعاً ببطلان إجراءات التفتيش أثناء المحاكمة، وقد خلا الحكم المطعون فيه مما يدل على هذا البطلان، فلا يجوز أن يثير ذلك أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر قانوناً أن لمأموري الضبطية القضائية إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة بإجراء تفتيش أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض منه دون أن يلتزموا في ذلك بطريقة بعينها، ما داموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون. فلا تثريب على الضابط المنتدب للتفتيش فيما قام به لتنفيذ الإذن من طرق باب منزل الطاعن والإعلان عن شخصيته ثم النظر إلى داخل المنزل من خلال واجهة باب الزجاجية ليتبين علة ما سمعه من هرج فيه مما أثار شكوكه في مسلك المتهم - ولما كان الحكم لم يعول بصفة أصلية في القضاء بالإدانة على دليل مستمد من قيام حالة التلبس بالجريمة حال ارتكابها كما شاهدها الضابط، بل على ما أسفر عنه التفتيش المأذون له بإجرائه من ضبط المخدر في حيازة الطاعن. فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال في غير محله.
3 - من المقرر أن انقضاء الأجل المحدد لتفتيش في الأمر الصادر به لا يترتب عليه بطلان، وإنما لا يصح تنفيذ مقتضاه بعد ذلك إلى أن يجدد مفعوله، والإحالة عليه أو على التحريات التي بنى عليها بصدد تجديد مفعوله جائزة ما دامت منصبة على ما لم يؤثر فيه انقضاء الأجل المذكور. ومتى كانت النيابة حين أصدرت الإذن بالتفتيش قد رأت أن التحريات كافية لتسويغ هذا الإجراء، وأصدرت أمرها بالتجديد بناء على استقرار تلك التحريات التي لم يؤثر فيها انقضاء الأجل المذكور. وإذ أثبت الحكم أن أمر التفتيش وتجديده قد صدرا من النيابة تأسيساً على ما تحققته من تلك التحريات، وكان تقدير كفاية التحريات وجديتها متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وقد أقرتها على سلامة تقديرها فإنها تكون محقة في رفض الدفع ببطلان إذن التفتيش.
4 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه. ولما كان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة تؤدى في مجموعها إلى ما رتبه عليها، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن من اطراح الحكم بعض تفصيلات المعاينة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 24/ 4/ 1958 بدائرة قسم مصر القديمة محافظة القاهرة: "أحرز جواهر مخدرة "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانونا". وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً لمواد الاتهام فأحالته الغرفة إلى هذه المحكمة بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة دفع الحاضر مع المتهم ببطلان إذن التفتيش الثاني وردت المحكمة على هذا الدفع بأنه في غير محله. ثم قضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 22/ 4/ 1962 عملاً بالمواد 1 و2 و34/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند رقم 12 من الجدول رقم 1 المرافق له إعمالاً لنص المادة 5/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنين وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المادة المخدرة المضبوطة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال. ذلك أن الثابت من الحكم المطعون فيه أن ضبط المواد المخدرة لم يكن نتيجة التفتيش الذي أذنت به سلطة التحقيق. بل كان وليد مشاهدة الضابط للطاعن محرزاً لهذه المواد من خلال ثقب في "شراعة" باب منزله. وهو إجراء سابق على التفتيش وفيه مساس بحرمه المسكن. ومنافاة للآداب العامة. ولا يخوله إذن التفتيش ولا تنهض به حالة التلبس التي يشترط لتوافرها أن تقوم على سبب مشروع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فيما محصله أنه بناء على إذن صادر من النيابة العامة مستوف لشرائطه القانونية انتقل معاون مكتب مكافحة المخدرات بالقاهرة مع زميل له في يوم 24/ 4/ 1958 لتفتيش المتهم ومسكنه لضبط ما يحرزه من مواد مخدرة ولما وصلا إلى منزله وطرق أولهما بابه. معلناً عن شخصيته. سمع هرجاً في الداخل فنظر من خلال زجاج شفاف بشراعة باب المسكن وشاهد المتهم يخرج من إحدى الحجرات إلى أخرى ثم يعود منها حاملاً كيسا ًمن الورق تبدو منه أطراف طرب الحشيش المضبوط ويلقيها من النافذة فأخطر زميله بذلك وطلب منه الإسراع لضبط هذه المواد حيث ألقيت ثم كسر الباب وبادر إلى سطح المنزل وأرشد زميله إلى مكان تلك المخدرات التي كانت قد أستقر بعضها عقب إلقائها على حائط فرن مجاور للمنزل والبعض الآخر أسفل هذا الحائط ثم قام بتفتيش مسكن المتهم فعثر به على سكين تحت حشية السرير اعترف المتهم بملكيتها وتبين من التحليل أنها ملوثة بآثار الحشيش ودلل الحكم على صحة هذه الواقعة بأقوال هذين الشاهدين ونتيجة التحليل. ولما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن اقتصر على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية ولم يتعرض لإجراءات التفتيش ذاتها كما أثارها في وجه طعنه. وفرق بين الدفع ببطلان إذن التفتيش وبين الدفع ببطلان إجراءاته. وإذ كان الطاعن لم يبد دفعاً ببطلان إجراءات التفتيش أثناء المحاكمة وقد خلا الحكم مما يدل على هذا البطلان فلا يجوز له أن يثير ذلك أمام محكمة النقض لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها واطمأنت منها إلى أن التفتيش قد أسفر عن العثور على المخدر المملوك للطاعن. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً ما تقدم أن لمأموري الضبطية القضائية إذ ما صدر إليهم إذن من النيابة بإجراء تفتيش أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض منه دون أن يلتزموا في ذلك طريقة بعينها ما داموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون. فلا تثريب على الضابط المنتدب للتفتيش فيما قام به لتنفيذ الإذن من طرق باب منزل الطاعن والإعلان عن شخصيته ثم النظر إلى داخل المنزل من خلال واجهة بابه الزجاجية ليتبين علة ما سمعه من هرج فيه مما أثار شكوكه في مسلك الطاعن. لما كان ذلك، وكان الحكم لم يعول بصفة أصلية في إدانة الطاعن على دليل مستمد من قيام حالة التلبس بالجريمة حال ارتكابها كما شاهدها الضابط. بل على ما أسفر عنه التفتيش المأذون له بإجرائه من ضبط المخدر في حيازة الطاعن. فإنه لا محل لما يثيره الطاعن في هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو الخطأ في القانون والفساد في الاستدلال فقد دفع الطاعن ببطلان إذن التفتيش لأنه لم يبن على تحريات جدية إذ استصدر معاون مكتب مكافحة المخدرات إذناً من النيابة بتفتيش الطاعن ومسكنه بناء على ما ثبت له من تحرياته من أنه من كبار تجار المخدرات وأنه يختزنها لدى امرأة عينها وإذ انقضى الأجل المحدد لإجراء التفتيش في 23/ 4/ 1958 دون تنفيذه صرحت له النيابة بمد هذا الأجل لمدة خمسة أيام أخرى بناء على ما أثبته ضابط آخر من أنه أعاد التحري عن الطاعن فتبين له أن حالته ما زالت كما هي موضحة في التحريات الأولى وأقوال الضابطين هي من العموم والإبهام بحيث تعجز سلطة التحقيق عن ممارسة حقها في تقدير تلك التحريات. وليس أدل على عدم جديتها من أن التفتيش لم يسفر عن ضبط مواد مخدرة في منزل الطاعن أو في منزل تلك المرأة ولكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع ورد عليه رداً غير سديد مما يعيبه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لهذا الدفع ورفضه بقوله "إنه في غير محله لأن ضابط البوليس عندما طلب مد مدة الإذن كان هذا الإذن والتحريات الخاصة به موجودين أمام وكيل النيابة وقد كانا محل تقديره عندما أصدر الأمر بامتداد سريان ذلك الإذن وهو محق في ذلك ولا ترى المحكمة في الإذن بالامتداد ما يشوبه قانونا". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن انقضاء الأجل المحدد للتفتيش في الأمر الصادر به لا يترتب عليه بطلانه وإنما لا يصح تنفيذه مقتضاه بعد ذلك إلى أن يجدد مفعوله. وكانت الإحالة عليه أو التحريات التي بنى عليها بصدد تجديد مفعوله جائزة ما دامت منصبة على ما لم يؤثر فيه انقضاء الأجل المذكور. ومتى كانت النيابة حين أصدرت الإذن الأول بالتفتيش قد رأت أن تحريات معاون مكتب مكافحة المخدرات كافية لتسويغ هذا الإجراء وأصدرت أمرها بالتجديد بناء على استقرار تلك التحريات التي لم يؤثر فيها انقضاء الأجل المذكور وإذ أثبت الحكم أن أمر التفتيش وتجديده قد صدرا من النيابة بناء على ما تحققته من تلك التحريات وكان تقدير كفاية التحريات وجديتها متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وقد أقرتها على سلامة تقديرها فإنها تكون محقة في رفض هذا الدفع ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الوجه في غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك أن الحكم المطعون فيه استند إلى المعاينة كدليل مؤيد لأقوال شاهدي الإثبات دون أن يعنى ببيان تفصيلات معينة فيها وهى أن باب مسكن الطاعن وجد مغلقاً ولم يثبت وجود كسر به خلافاً لما قرره الضابط في تحقيق النيابة من أنه اضطر لكسر الباب منذ مشاهدته الطاعن محرزاً للمواد المخدرة. وأن نافذة الحجرة المقول بأن الطاعن ألقى المواد المخدرة من خلالها وجدت مزودة بقضبان طويلة من الحديد. وأنه توجد منافذ أخرى للحجرة غير تلك النافذة بعيدة عن مرأى من يختلس النظر من ثقب الباب. وأن ثمة منازل أخرى غير منزل الطاعن تطل نوافذها على المكان الذي عثر فيه على المواد المخدرة المضبوطة ويمكن إذا ألقيت منه أشياء أن تستقر في هذا المكان. ولكن المحكمة أغفلت تلك التفصيلات الجوهرية التي لو فطنت إليها لأمكن أن تتزعزع عقيدتها في إدانة الطاعن. وقد عول الحكم على الدليل المستمد من ضبط سكين ملوثة بالمخدر تحت فراش الطاعن مع أن هذه الواقعة وحدها لا تكفى لحمل قضائه بالإدانة.
وحيث إن الحكم أورد مؤدى المعاينة في قوله "إنه تبين للنيابة أن طرب الحشيش المضبوطة إذا وضعت في الكيس الذي كانت به يظهر منها خارجه حوالي ربعها مما يؤكد أقوال الشاهد الأول. كما ثبت من المعاينة التي قامت بها النيابة أنه كان في إمكان ذلك الشاهد أن يرى الوقائع التي قرر أن المتهم قام بها وذلك من خلال الزجاج الشفاف الموجود بباب المنزل وأن المخدرات المضبوطة وجدت تحت النافذة التي ألقى بها المتهم منها وقد أجريت تجربة ألقى فيها بشئ يناسب حجمه وزن المضبوطات من النافذة فسقط على مقربة من مكان العثور على المخدرات".
لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين مضمون المعاينة وذكر مؤداها بما يكشف عن وجه استشهاده بها واتخاذها دليلاً مؤيداً الأدلة الإثبات الأخرى التي أوردها وكان لا يعيبه أنه أغفل إيراد بعض تفصيلاتها لأن مفاد ذلك أنه أطرحها ولم ير فيها ما يزعزع عقيدته في الإدانة. وكانت الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة تؤدى في مجموعها إلى ما رتبه عليها فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن من اطراح الحكم بعض تفصيلات المعاينة. أما ما يثيره في صدد واقعة العثور على السكين الملوثة بالمخدر فهو جدل موضوعي حول دليل من أدلة الإدانة التي اطمأنت المحكمة إليها في حدود سلطتها التقديرية مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن غير سديد.
وحيث إنه مما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.