أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 729

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وحسين السركي، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ.

(132)
الطعن رقم 2943 لسنة 32 القضائية

( أ ) استئناف. "التقرير به". حكم. "تسبيبه". "تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
الطعن بالاستئناف - طبيعته: عمل إجرائي. لا يشترط القانون لرفعه سوى إفصاح الطاعن عن رغبته في الاعتراض على الحكم وذلك بالتقرير به في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم خلال الأجل المحدد قانوناً.
حضور طالب الاستئناف إلى قلم الكتاب وتقريره أمام الكتاب المختص شفاهة برغبته في رفعه. تدوين الكاتب هذه الرغبة في التقرير المعد لهذا الغرض والتوقيع عليه منه. قيام الاستئناف قانوناً، ولو لم يوقع عليه من المقرر. دخوله في حوزة المحكمة الاستئنافية واتصالها به. مثال في استئناف من النيابة.
(ب، جـ) قانون. تفسير. مهندسون. نقض. "أحوال الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون".
(ب) لا وجه للترابط بين المادتين الأولى والخامسة من القانون 296 لسنة 1956 لاختلاف نطاق كل منهما وبيان المصدر التشريعي لكل. المادة الأولى مقصورة على المتخرجين الجدد من كليات الهندسة في الجامعات المصرية. المادة الخامسة تتناول المهندسين العاملين فعلاً في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها. الأمر في تحديدهم يرجع فيه إلى أحكام القانون 89 لسنة 1946. إسباغ القانون الأخير لقب المهندسين ليس فقط على الحاصلين على درجة البكالوريوس في الهندسة من إحدى الجامعات المصرية. شموله الحاصلين على دبلوم الفنون والصناعات أو على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة (قسم العمارة) أو على شهادة هندسية معادلة لأيهما معترف بها من وزارة المعارف العمومية.
استخلاص الحكم المطعون فيه أن الطاعن حاصل على لقب مهندس. عدم منازعة الطاعن في هذه الصفة. إدانته طبقاً للمادة الخامسة من القانون 296 لسنة 1956. إنزال الحكم صحيح القانون.
(جـ) عنوان القانون ليس له قوة نصه الصريح، وما يقتضيه منطوق ألفاظ هذا النص.
(د) نقض. "سلطة محكمة النقض". استئناف. معارضة. مهندسون.
لمحكمة النقض نقض الحكم لمصلحة الطاعن. المادة 35/ 2 من القانون 57 لسنة 1959.
(مثال) قضاء الحكم الابتدائي الغيابي بتغريم الطاعن عشرة جنيهات على خلاف مؤدى نص المادة 6 من القانون 296 لسنة 1956 - التي تقضى بعدم النزول بالغرامة عن خمسين جنيهاً - استئناف النيابة الحكم الصادر في المعارضة التي قرر بها الطاعن دون الحكم الغيابي. ليس للمحكمة الاستئنافية وقد اتجهت إلى إدانة الطاعن أن تقضى عليه مما يجاوز حد الغرامة المحكوم عليه بها غيابياً - علة ذلك: حتى لا تسوئ مركزه. إذ لا يصح أن يضار المعارض بناء على المعارضة التي رفعها. لمحكمة النقض نقض الحكم لمصلحة الطاعن نقضاً جزئياً وتصحيحه بتغريمه عشرة جنيهات.
1 - من المقرر أن الطعن بطريق الاستئناف إن هو إلا عمل إجرائي لم يشترط القانون لرفعه سوى إفصاح الطاعن عن رغبته في الاعتراض على الحكم بالشكل الذي ارتآه القانون وهو التقرير به في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في خلال الأجل الذي حدده في المادة 406 من قانون الإجراءات الجنائية، فمتى حضر طالب الاستئناف في قلم الكتاب وقرر أمام الكاتب المختص شفاهاً برغبته في رفعه وقام هذا الأخير بتدوين تلك الرغبة في التقرير المعد لهذا الغرض والتوقيع عليه منه هو فإن الاستئناف يعد قائماً قانوناً بصرف النظر عن التوقيع عليه من المقرر أو عدم توقيعه ويترتب على هذا الإجراء دخول الطعن في حوزة المحكمة الاستئنافية واتصالها به. ولما كان الحكم قد أثبت قيام الدليل على حصول الاستئناف من النيابة العامة بالأوضاع التي نص عليها القانون وأطرح ما قدمه الطاعن من أوراق مستمدة من جداول قيد القضاياً بنيابة المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف تأسيساً على أن هذه الجداول لا شأن لها بإثبات التقرير بالاستئناف على الوجه الذي حدده القانون. وهو استخلاص سائغ يحمل قضاء الحكم في هذا الشأن، فإنه لا جدوى للطاعن من النعي على الحكم التفاته عن طلب ضم ملف تقارير الاستئناف طالما أن المحكمة قد واجهت أسانيد دفاعه واطمأنت إلى سلامة طعن النيابة بالاستئناف وحصوله في الميعاد القانوني.
2 - مؤدى نصوص المواد من 1 إلى 5 من القانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية - أنه لا وجه للترابط بين المادتين الأولى والخامسة لاختلاف نطاق كل منهما عن الأخرى وتباين المصدر التشريعي لكل، إذ أن المادة الأولى مقصورة على المتخرجين الجدد في كليات الهندسة في الجامعات المصرية، بينما المادة الخامسة تتناول المهندسين العاملين فعلاً بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها - والأمر في تحديدهم يرجع فيه إلى أحكام القانون رقم 89 لسنة 1946 - بإنشاء نقابة للمهن الهندسية - الذي يسبغ هذا اللقب ليس فقط على الحاصلين على درجة البكالوريوس في الهندسة من إحدى الجامعات المصرية بل إنه يشمل الحاصلين على دبلوم الفنون والصناعات أو على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة (قسم العمارة) أو على شهادة هندسية معادلة لأيهما معترف بها من وزارة "المعارض العمومية" والذي اعتبرهم القانون المذكور مهندسين مساعدين - وصرح باعتبارهم مهندسين وذلك بشروط معينة نص عليها في الفقرة (جـ) من المادة الثالثة منه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعن - وهو من خريجي مدرسة الفنون والصناعات - حاصل على لقب مهندس، وكان الطاعن لا ينازع في هذه الصفة، فإنه إذ دانه طبقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 يكون قد أنزل عليه صحيح القانون.
3 - من المقرر أن عنوان القانون ليس له قوة نصه الصريح وما يقتضيه منطوق ألفاظ هذا النص.
4 - لمحكمة النقض إعمالاً للرخصة المخولة لها بمقتضى المادة 35/ 2 من القانون رقم 57 لسنة 1959 - في شأن حالات وإجراءات الطعن بالنقض - أن تنقض الحكم المطعون فيه لمصلحة الطاعن. ولما كانت النيابة لم تستأنف الحكم الابتدائي الغيابي الذي قضى بتغريم الطاعن عشرة جنيهات - على خلاف مؤدى نص المادة السادسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 - التي تقضى بعدم النزول بالغرامة عن خمسين جنيهاً - وإنما استأنفت الحكم الصادر في المعارضة التي قرر بها الطاعن، فإنه ما كان يسوغ للمحكمة الاستئنافية وقد اتجهت إلى إدانة الطاعن - أن تقضى عليه بما يجاوز حد الغرامة المحكوم عليه بها غيابياً لأنها بذلك تكون قد سوأت مركزه - وهو ما لا يجوز - إذ لا يصح أن يضار المعارض بناء على المعارضة التي رفعها. ومن ثم ترى المحكمة أن تنقض الحكم المطعون فيه لمصلحة الطاعن نقضاً جزئياً وأن تصححه بتغريمه عشرة جنيهات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3/ 1/ 1956 بدائرة شبرا: "امتنع عن تأدية أعمال وظيفته". وطلبت عقابه طبقاً للقانون رقم 296 لسنة 1956. ومحكمة جنح شبرا قضت غيابياً بتاريخ 22/ 6/ 1959 عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم عشرة جنيهات بلا مصروفات. فعارض المحكوم عليه في هذا الحكم وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم الغيابي وبراءة المتهم بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم الأخير. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 14/ 11/ 1961 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم خمسين جنيهاً وأعفته من المصروفات الجنائية. فطعن محامى الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم الابتدائي وإدانة الطاعن بجريمة الامتناع عن تأدية أعمال وظيفته كمهندس بإحدى الوزارات قد انطوى على إخلال بحقه في الدفاع وقصور في التسبيب ذلك بأنه دفع بعدم قبول استئناف النيابة العامة شكلاً لرفعه بعد الميعاد واستند إلى شهادة استخرجها من واقع جدول محكمة أول درجة دالة على عدم استئناف الحكم الابتدائي القاضي ببراءته في خلال الأجل القانوني وقد تراخى إعلانه بالجلسة التي حددت لنظر الاستئناف نحو ثمانية عشر شهراً من تاريخ الحكم الابتدائي وخلا تقرير استئناف النيابة من رقم التتابع وجاء به أن تاريخ رفع الاستئناف في 11/ 11/ 1959 وحددت جلسة 16/ 5/ 1961 لنظره مما يكشف عن أن النيابة لم تقرر بالاستئناف في الميعاد القانوني ومما يؤيد هذا النظر أن رقم قيد القضية بجدول المحكمة الاستئنافية قيد سنة 1961 لا في سنة 1959 وقت رفع الاستئناف وقد طلب الطاعن ضم ملف تقارير الاستئناف في التاريخ المقول بحصوله فيه تحقيقاً لصحة دفاعه غير أن المحكمة التفتت عن إجابته إلى ما طلب. كما قدم الطاعن صورة من قرار وكيل وزارة الأشغال برفع اسمه من سجلات الوزارة المذكورة لتغيبه عن العمل بالمصلحة لمدة خمسة عشر يوماً متتالية بغير إذن واستند هذا القرار على كتاب نيابة شمال القاهرة رقم 4567 في 26/ 9/ 1960 الموضح به أن الحكم الصادر في هذه الدعوى قد أصبح نهائياً وطلب إلى المحكمة الاستئنافية ضم خطاب نيابة شمال القاهرة غير أن المحكمة أغفلت طلبه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض للدفع بعدم قبول استئناف النيابة ورد عليه بما مجمله "إن استئناف النيابة العامة يعتبر قائماً بمجرد إثبات الكاتب المختص رغبة المستأنف في التقرير المعد لهذا الغرض والتوقيع عليه من الكاتب بصرف النظر عن توقيع المقرر بالاستئناف أو عدم توقيعه ولا يؤثر في صحة هذا التقرير أو في سلامة التاريخ الذي أثبت به خلو جدول جنح النيابة من التأشير باستئناف النيابة قرين رقم القضية إذ أن هذه الجداول أعدت أصلاً لرصد القضاياً وتنظيمها والغرض من إعدادها بعيد عن إثبات حصول الاستئناف وتاريخ رفعه. أما ما يتحدى به الطاعن من تحديد جلسة بعيدة لنظر الاستئناف خلافاً لما تقضى به المادة 410 من قانون الإجراءات الجنائية فمردود بأن الغرض من الموعد المحدد بهذه المادة هو منح فرصة للخصوم لإعداد دفاعهم ولا يترتب على الإخلال بها أي بطلان ولم تر المحكمة في تحديد مثل هذه الجلسة البعيدة ما يجعلها تشك في صحة تقرير الاستئناف. وحقيقة ما أثبت به من تاريخ ما دام هذا التقرير قد صدر بالوضع الذي يتطلبه القانون ووقع عليه الكاتب المختص بتحريره". وخلص الحكم إلى أن الاستئناف وقد رفع في الميعاد المقرر قانوناً واستوفى باقي شرائطه القانونية فإنه يكون مقبولاً شكلاً. وما ذهب إليه الحكم مما تقدم سائغ وصحيح في القانون ويتوافر به علة اطراح دفاع الطاعن والتفات المحكمة عن إجابته إلى ما طلبه، ذلك بأنه وإن كان يبين من الاطلاع على المفردات وعلى دفتر كعوب تقارير الاستئناف الخاص بالشهر الذي تم فيه استئناف الدعوى الذي أمرت المحكمة بضمه تحقيقاً لوجه الطعن أن المقرر بالاستئناف لم يوقع سواء على التقرير أو على الجزء المحفوظ بدفتر الاستئناف وأن الذي وقع هو الكاتب فقط، إلا أنه من المقرر أن الطعن بطريق الاستئناف إن هو إلا عمل إجرائي لم يشترط القانون لرفعه سوى إفصاح الطاعن عن رغبته في الاعتراض على الحكم بالشكل الذي ارتآه القانون وهو التقرير به في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في خلال الأجل الذي حدده في المادة 406 من قانون الإجراءات الجنائية فمتى حضر طالب الاستئناف في قلم الكتاب وقرر أمام الكاتب المختص شفاهاً برغبته في رفعه وقام هذا الأخير بتدوين تلك الرغبة في التقرير المعد لهذا الغرض والتوقيع عليه منه هو فإن الاستئناف يعد قائماً قانوناً بصرف النظر عن التوقيع عليه من المقرر أو عدم توقيعه ويترتب على هذا الإجراء دخول الطعن في حوزة المحكمة الاستئنافية واتصالها به ولما كان الحكم قد أثبت قيام الدليل على حصول الاستئناف من النيابة العامة بالأوضاع التي نص عليها القانون واطرح ما قدمه الطاعن من أوراق مستمدة من جداول قيد القضايا بنيابة المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف تأسيساً على أن هذه الجداول لا شأن لها بإثبات التقرير بالاستئناف على الوجه الذي حدده القانون. وهو استخلاص سائغ يحمل قضاء الحكم في هذا الشأن، فإنه لا جدوى للطاعن من النعي على الحكم التفاته عن طلب ضم ملف تقارير الاستئناف طالما أن المحكمة قد واجهت أسانيد دفاعه واطمأنت إلى سلامة طعن النيابة بالاستئناف وحصوله في الميعاد القانوني - كما أنه لا يقدح في سلامه الحكم إغفاله ضم كتاب نيابة شمال القاهرة إلى وزارة الأشغال الذي يستند إليه الطاعن في التدليل على عدم حصول الاستئناف في التاريخ المثبت بالتقرير، ذلك بأن الحكم قد برر في منطق سليم قصور جداول النيابة المعدة لرصد القضايا عن الاستدلال به على استئناف القضاياً، وإذا ما كان كتاب نيابة شمال القاهرة مستمداً بدوره من واقع البيانات المرصودة بجداول النيابة أسوة بالشهادة التي حصل عليها الطاعن والتفت عنها الحكم، فإنه لا تثريب على الحكم إن هو أطرح دفاع الطاعن في هذا الخصوص وأغفل تحقيقه بعد أن وضح الأمر للمحكمة وأصبح الاطلاع على ذلك الكتاب غير منتج في الدعوى. أما ما يثيره الطاعن من تراخى تحديد الجلسة المحددة لنظر الاستئناف نحو ثمانية عشر شهراً من تاريخ التقرير به وعدم قيد القضية بجدول المحكمة الاستئنافية إلا في سنة 1961 وخلو تقرير الاستئناف من رقم التتابع فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها في الدعوى مما لا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة وخاصة أن الطاعن لا يدعى أنه طعن بالتزوير في تقرير الاستئناف على الوجه المرسوم قانوناً بل إنه اكتفى بإثارة أوجه الدفاع التي ساقها والتي تخضع لتقدير محكمة الموضوع. لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الحكم دان الطاعن طبقاً للمادتين 5 و6 من القانون رقم 256 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية - مع أنه من خريجي مدرسة الفنون والصناعات، وعنوان هذا القانون إلى جانب نص مواده الثلاث الأولى صريح في الدلالة على أن الخطاب فيه موجه إلى خريجي كليات الهندسة في الجامعات المصرية، فإذا جرى نص المادة الخامسة منه على حظر الامتناع عن تأدية أعمال وظائف مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها، فإن من الواضح أن الشارع قد قصد المهندسين العاملين بتلك الجهات من خريجي كليات الهندسة بالجامعات المصرية، وهو التفسير الذي يتفق والحكمة التي أفصح عنها الشارع في مذكرته الإيضاحية المصاحبة للقانون المذكور وهى مواجهة احتياجات الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة إلى المهندسين الجدد والإبقاء على الموجودين منهم بالخدمة بعد أن سقط السند القانوني للأمرين العسكريين رقمي 125 و127 لسنة 1955 - اللذين تكفلا بهذه الحالة - بصدور القانون رقم 270 لسنة 1956 بإلغاء الأحكام العرفية، ومؤدى ما تقدم أن المقصود بالمهندسين الموجودين في الخدمة الذين أشارت إليهم المادة الخامسة، هم المهندسون الجدد خريجو كليات الهندسة بالجامعات المصرية الذين حددتهم المادة الأولى وهو النطاق الذي قصر الشارع توجيه الخطاب فيه إليهم دون غيرهم. أما القول بامتداد الحظر إلى غير هؤلاء المهندسين ففيه اعتداء على الحرية الفردية بغير سند من القانون. هذا إلى أن الطاعن من خريجي الفنون والصناعات ومثله لا يصل إلى الدرجة الثالثة إذ أنه لم يصل بعد أربع عشرة سنة من عمله إلا إلى الدرجة السادسة على ما هو ظاهر من كتاب إدارة الميكانيكا والكهرباء المقدم منه. ولا يقدح في هذا النظر أنه حصل على لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية بمرور فترة من الزمن من تخرجه من مدرسة الفنون والصناعات إذ أن خريجي كلية الفنون الجميلة يمنحون هذا اللقب من نقابة المهن الهندسية فور تخرجهم ومع ذلك لا يطبق عليهم القانون رقم 296 لسنة 1956 بكافة مواده وأحكامه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن مصلحة الميكانيكا والكهرباء أبلغت النيابة بكتابها المؤرخ 17/ 3/ 1959 بأن الطاعن وهو مهندس من الدرجة السادسة الفنية الشخصية بالمصلحة وخريج الفنون والصناعات عام 1943 وحاصل على لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية قد تغيب عن عمله اعتباراً من 3/ 1/ 1959 ولم يعد لعمله على الرغم من استدعائه. وبعد أن عرض الحكم إلى قضاء محكمة أول درجة بتبرئة الطاعن تأسيساً على ما استخلصه من مؤدى نص المادة الأولى من القانون رقم 296 لسنة 1956 من أن أحكام القانون لا تطبق إلا على المهندسين المتخرجين في الجامعات دون غيرهم ومن ثم فلا يدخل الطاعن في زمرتهم بوصفه من خريجي مدرسة الفنون والصنائع. وهو ما ردده الدفاع عن الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية، عارض ذلك القضاء استناداً إلى أنه لا يصح تفسير المادة الخامسة من القانون سالف البيان مقيداً بما استلزمته المادة الأولى منه لاختلاف نص كل من المادتين واتجاه خطاب الشارع في كل منها إلى تنظيم حالة معينة، وأيد هذا النظر باختلاف المصدر التشريعي لكل من هاتين المادتين فالمواد الثلاثة الأولى من القانون نقلت من الأمر العسكري رقم 125 لسنة 1955 الذي كان ينظم حالة أوامر التكليف الصادرة إلى خريجي كليات الهندسة من الجامعات المصرية بينما المادة الخامسة أصلها الأمر العسكري رقم 127 لسنة 1955 الذي لم يرد به قيد التخرج من كلية هندسية من الجامعة بالنسبة إلى مهندسي الوزارات والهيئات الحكومية، ورتب الحكم على ذلك أنه يكفى لتطبيق المادة الخامسة من القانون المذكور أن يكون المهندس حاصلاً على هذا اللقب دون اشتراط تخرجه من إحدى كليات الهندسة من الجامعات المصرية وانتهى إلى انطباق هذا الوصف على الطاعن وخلص بإجماع الآراء إلى إلغاء الحكم المستأنف وإدانة الطاعن عملاً بأحكام المادتين الخامسة والسادسة. وما ذهب إليه الحكم فيما تقدم صحيح في القانون. ذلك أنه يبين من مقارنة نصوص القانون رقم 296 لسنة 1956 - في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصرين خريجي الجامعات المصرية - أن المادة الأولى منه تخاطب المهندسين وخريجي كليات الهندسة بالجامعات المصرية فقد جرى نصها على أنه "على كل مصري من خريجي كليات الهندسة في الجامعات المصرية أن يقدم خلال أسبوعين من تاريخ إعلان نتيجة الامتحان النهائي إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة 2 إقراراً باسمه وعنوانه والقسم الهندسي الذي تخصص فيه. وعلى مسجلي هذه الكليات أن يقدموا للجنة المذكورة خلال الميعاد المقدم بياناً بأسماء الخريجين وعناوينهم والقسم الهندسي الذي تخصص فيه كل منهم وتقديره العام في النجاح". ونظمت المواد الثانية والثالثة والرابعة إجراءات الترشيح والتكليف والمعارضة في أوامر التكليف بالنسبة إلى هذه الفئة أما المادة الخامسة فقد نصت على أنه "يحظر على مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن". ومؤدى ما تقدم أنه لا وجه للترابط بين المادتين الأولى والخامسة لاختلاف نطاق كل منهما عن الأخرى وتباين المصدر التشريعي لكل، إذ أن المادة الأولى مقصورة على المتخرجين الجدد في كليات الهندسة في الجامعات المصرية بينما المادة الخامسة تتناول المهندسين العاملين فعلاً بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها، وجلي عن البيان أن الأمر في تحديدهم يرجع فيه إلى أحكام القانون رقم 89 لسنة 1946 بإنشاء نقابة للمهن الهندسية الذي يسبغ هذا اللقب ليس فقط على الحاصلين على درجة البكالوريوس في الهندسة من إحدى الجامعات المصرية بل إنه يمد فيه حتى يشمل الحاصلين على دبلوم الفنون والصناعات أو على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة (قسم العمارة) أو على شهادة هندسية معادلة لأيهما معترف بها من وزارة (المعارف العمومية) والذين اعتبرهم القانون المذكور مهندسين مساعدين - وصرح باعتبارهم مهندسين وذلك بشروط معينة نص عليها في الفقرة ج من المادة الثالثة منه. وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية المصاحبة للقانون رقم 296 لسنة 1956 عن مراد الشارع حين بينت المصدر التشريعي له. وهو أمر الحاكم العسكري العام رقم 125 لسنة 1955 المتضمن جواز إصدار أوامر تكليف إلى خريجي كليات الهندسة الذين ترشحهم لجنة من وكلاء الوزارات التي يعينها الأمر لمدة لا تتجاوز سنتين والأمر التالي له رقم 127 لسنة 1955 الذي نهى مهندسي الوزارات والهيئات الحكومية من الدرجة الثالثة فما دونها عن الامتناع عن تأدية الأعمال التي يعهد إليهم بها ولو كان ذلك عن طريق الاستقالة إلا إذا انتهت مدة خدمتهم ببلوغ السن القانونية أو لأسباب صحية يقرها القومسيون الطبي العام - وحين أبرزت الغاية التي تغياها الشارع من سيره على نسق الآمرين العسكريين سالفى البيان وهى الحرص على عدم تعرض المشروعات الحكومية لخطر التوقف وتعويق سير الجهاز الحكومي بوجه عام نتيجة ما لوحظ من أن عدداً كبيراً من المهندسين في الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة قد رغبوا في التخلي عن وظائفهم مؤثرين العمل في المشروعات الخاصة والأعمال الحرة. فلا يستقم القول بأن الشارع قد اتجه مراده إلى الإبقاء على مهندسي الوزارات والهيئات الرسمية الذين هم من خريجي كليات الهندسة بالجامعات المصرية وحدهم دون غيرهم من المهندسين إذ أن هذا التفسير يتنافى مع إطلاق الحماية التي قصد الشارع أن يسبغها على المشروعات الحكومية دون الاعتداد بماهية المؤهل الدراسي الحاصل عليه القائم على تنفيذ تلك المشروعات. لما كان ذلك، وكان الجمع بين أحكام الأمرين العسكريين رقمي 125، 127 لسنة 1955 نتيجة سقوط السند القانوني لهما بإلغاء الأحكام العرفية وتنصيص أحكامهما في القانون رقم 296 لسنة 1956 لا يؤدى إلى القول بأن الشارع قد أراد الخروج عن مراده الذي قصد إليه عند إصدار كل من الأمرين سالفى الذكر والتمييز بين نطاق كل منهما على الوجه الذي سلف بيانه. ولا يقدح في هذا أن يكون عنوان القانون رقم 296 لسنة 1956 "في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية". إذ أنه من المقرر أن عنوان القانون ليس له قوة نصه الصريح وما يقتضيه منطوق ألفاظ هذا النص - كما أنه لا وجه لما يتحدى به الطاعن من استناده إلى ما تضمنته المذكرة الإيضاحية المصاحبة للقانون السالف الإشارة إليه من تعليل إصداره لمواجهة احتياجات الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة إلى المهندسين الجدد والإبقاء على الموجودين منهم بالخدمة. وتفسيره تلك العلة بانعطاف عبارة "الموجودين منهم بالخدمة" - المراد الإبقاء عليهم على "المهندسين الجدد" المتخرجين في كليات الهندسة من الجامعات المصرية إذ أن هذا التفسير فضلاً عن أنه يرتكن إلى ظاهر العبارات ولا يتفق ومرماها الصحيح، فإنه لا يتمشى مع سياق النصوص وصراحة تعبيرها واختلاف نطاق سريانها على الوجه الذي يكشف عنه اختلاف مأخذها التشريعي ومراد الشارع منها على ما سلف شرحه فيما سلف. لما كان ذلك، وكان لا يجدي الطاعن كذلك تحديه بوضع خريجي كلية الفنون الجميلة - وهو ليس منهم - طالما أن المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 تشمل من كان منهم من بين مهندسي المشروعات الحكومية التي صدر القانون لإسباغ الحماية عليها. أما ما يقوله الطاعن بأن من هم في مثل حالته لا يصلون إلى الدرجة الثالثة التي تحدثت عنها المادة الخامسة، فلا يعدو أن يكون جدلاً لا ينال من صحة الاعتبارات التي انتهى إليها الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم قد خلص إلى أن الطاعن حاصل على لقب مهندس وكان الطاعن لا ينازع في هذه الصفة، فإنه إذ دانه طبقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 يكون قد انزل عليه صحيح القانون، ومن ثم يكون الطعن برمته على غير أساس إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تستأنف الحكم الابتدائي الغيابي الذي قضى بتغريم الطاعن عشرة جنيهات - على خلاف مؤدى نص المادة السادسة من القانون سالف الذكر التي تقضى بعدم النزول بالغرامة عن خمسين جنيهاً - وإنما استأنف الحكم الصادر في المعارضة التي قرر بها الطاعن، فإنه ما كان يسوغ للمحكمة الاستئنافية وقد اتجهت إلى إدانة الطاعن - أن تقضى عليه بما يجاوز حد الغرامة المحكوم عليه بها غيابياً لأنها بذلك تكون قد سوأت مركزه - وهو ما لا يجوز - إذ لا يصح أن يضار المعارض بناء على المعارضة التي رفعها، ومن ثم ترى المحكمة إعمالاً للرخصة التي خولها القانون لها بالمادة 35/ 2 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، أن تنقض الحكم المطعون فيه لمصلحة الطاعن نقضاً جزئياً وأن تصححه بتغريمه عشرة جنيهات.