أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 236

جلسة 4 من مارس سنة 1958

برياسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومصطفى كامل, وعثمان رمزي, والسيد أحمد عفيفي, المستشارين.

(67)
طعن رقم 1729 سنة 27 ق

اختصاص. تنازع الاختصاص. غرفة الاتهام. تنازع الاختصاص بين غرفة الاتهام ودائرة الجنح المستأنفة. اختصاص محكمة النقض بالفصل فيه. م 226, 227 أ. ج.
إن مؤدي المادتين 226, 227 من قانون الإجراءات الجنائية يجعل طلب تعيين الجهة المختصة يرفع إلى الجهة التي يرفع إليها الطعن في أحكام وقرارات الجهتين المتنازعتين, وغرفة الاتهام إن هي إلا دائرة من دوائر المحكمة الابتدائية ولا يطعن في قراراتها أمام دائرة الجنح المستأنفة التي هي الأخرى إحدى دوائر المحكمة، ومن ثم فإن طلب الفصل في تنازع الاختصاص بين غرفة الاتهام وبدائرة الجنح المستأنف ينعقد لمحكمة النقض باعتبارها صاحبة الولاية العامة وعلى أساس أنها الدرجة التي يطعن في قرارات غرفة الاتهام أمامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنهم: الأول حدث عمداً بعبد الملك حسن سليم الإصابات المبينة بالكشف الطبي التي تقرر لعلاجها مدة لا تتجاوز العشرين يوماً والأول والثاني أحدثا عمداً بإبراهيم محمد إبراهيم الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوماً والثالث أحدث عمداً ببدوي صادق أحمد الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي لم يتقرر لها علاج. والثالث والرابع أحدثا عمداً بأحمد حسان حنفي الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تتجاوز العشرين يوماً. والرابع والخامس والسادس أحدثوا عمداً بصادق أحمد حسن الإصابات المبينة بالكشف الطبي التي تقرر لعلاجها مدة لا تتجاوز العشرين يوماً. والسابع والثامن أحدثا عمداً بنعيمة مصطفى الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تتجاوز العشرين يوماً. وطلبت عقابهم بالمادتين 240 و241/ 1 من قانون العقوبات. وادعى عبد الملك حسن سليم بحق مدني قبل المتهم الأول بمبلغ خمسة عشر جنيهاً كتعويض مؤقت ثم تنازل عن دعواه المدنية للصلح. ومحكمة أسيوط الجزئية قضت أولاً بإثبات تنازل المدعي بالحق المدني (عبد الملك حسن سليم) عن دعواه المدنية وألزمته بالمصاريف. وثانياً - عدم اختصاصها بنظر الدعوى العمومية مع إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها نظراً لما ثبت من التقرير الطبي الشرعي من أن إصابة المجني عليه الأول (عبد الملك حسن) تخلف عنها عاهة مستديمة تقلل من كفاءته على العمل بنحو20 - 30%. وبتاريخ 17 أبريل سنة 1956 قررت غرفة الاتهام بإحالة الدعوى إلى محكمة أبنوب لمحاكمة المتهمين بعقوبة الجنحة الأول بالمادتين 240/ 1 و17 من قانون العقوبات والباقين بالمادة 242/ 1 من نفس القانون. ومحكمة أبنوب قضت بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. فاستأنفت النيابة. ومحكمة أسيوط الابتدائية قضت بهيئة استئنافية بتأييد الحكم المستأنف, ثم تقدمت النيابة إلى محكمة أسيوط الابتدائية بتاريخ أول نوفمبر سنة 1956 تطلب إليها تعيين المحكمة المختصة وهذه قضت بعدم اختصاصها بنظر الطلب المتقدم ذكره تطبيقاً للمادة 227 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن السيد المحامي العام لدى محكمة استئناف أسيوط في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

... من حيث إن حاصل ما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه هو الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله, وقالت في بيان ذلك إن مفاد نص المادتين 226 و227 من قانون الإجراءات الجنائية أنه انحصر الاختصاص في جهتين تابعتين لمحكمة ابتدائية واحدة قضت كل منهما باختصاصها أو بعدم اختصاصها بنظر الدعوى, فإن دائرة الجنح المستأنفة في هذه المحكمة هي التي تتولى الفصل في هذا النزاع في مسألة الاختصاص طالما أنه انحصر داخل دائرة هذه المحكمة أما إذا تعداها وكان بين جهتين تابعتين لمحكمتين ابتدائيتين أو كان من محاكم الجنايات أو كان بين محكمة عادية وأخرى استئنافية أن بين محكمتين ابتدائيتين, فإن الطلب يرفع إلى محكمة النقض وانتهت النيابة إلى طلب نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أسيوط الابتدائية للفصل في الطلب مجدداً من هيئة أخرى - ومن باب الاحتياط اعتبار هذا الطعن بمثابة طلب تعيين الجهة المختصة بنظر الدعوى.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن الدعوى الجنائية رفعت أولاً في قضية الجنحة رقم 1795 سنة 1954 أبنوب بتهمة الضرب العمد المنطبقة على المادة 242 من قانون العقوبات فلما ثبت للمحكمة الجزئية أن إصابة أحد المجني عليهم قد تخلف عنها عاهة مستديمة قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وتولت النيابة العمومية التحقيق, ثم طلب من غرفة الاتهام بمحكمة أسيوط الابتدائية إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات, فصدر قرارا الغرفة بتاريخ 17 من أبريل سنة 1956 بالإحالة إلى المحكمة لمعاقبتهم على أساسا عقوبة الجنحة, ومحكمة جنح أبنوب قضت بتاريخ 24 من يونيه سنة 1956 بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم, فقضت المحكمة الجنح المستأنفة بمحكمة أسيوط الابتدائية في 15 من أكتوبر سنة 1956 بقبول الاستئناف شكلاً وفي موضوعه بالرفض وبتأييد الحكم المستأنف وفي أول نوفمبر سنة 1956 طلبت النيابة العمومية من دائرة الجنح المستأنفة بمحكمة أسيوط الابتدائية تعيين غرفة الاتهام باعتبارها الجهة المختصة بنظر الدعوى للأمر بإحالتها إلى محكمة الجنايات استناداً إلى أن هناك تناقضاً بين قرار غرفة الاتهام السابق صدوره بالإحالة إلى المحكمة الجزئية وبين الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة بتأييد حكم المحكمة الجزئية القاضي بعدم جواز الدعوى لسبق الفصل فيها بعدم الاختصاص وأسست النيابة طلبها هذا على مقتضى المادة 226 من قانون الإجراءات الجنائية, إلا أن محكمة الجنح المستأنفة المعروض عليها الطلب بعد أن استعرضت الأدوار التي مر بها هذا النزاع انتهت بحكمها المطعون فيه إلى أن المادة 227 من قانون الإجراءات الجنائية هي الواجبة التطبيق في مسألة الاختصاص دون المادة 226 من هذا القانون أسست قضاءها. أولاً - على أن مجال تطبيق المادة 226 أ. ج ينحصر في حالة ما إذا كانت جهتان من جهات التحقيق أو الحكم تابعتين, لمحكمة ابتدائية واحدة قررت كل منهما نهائياً باختصاصها أو بعدم اختصاصها وكان الاختصاص منحصراً فيهما وأن ظاهرة هذا النص يشير إلى وجوب أن تكون كلتا الجهتين درجة أولى من درجات التقاضي بالنسبة للمحكمة الابتدائية حتى يرفع الطلب إلى تلك المحكمة وليس الحال كذلك في خصوص الطلب المعروض عليها إذ التناقض قائم بين قرار غرفة الاتهام وحكم من دائرة الجنح المستأنف وكلتا الجهتين تكون محكمة ابتدائية من درجة الهيئة المعروض عليها الفصل في الناقض الحاصل بين قرارايهما. ثانيا - إن ما تطلبه النيابة من تعيين غرفة الاتهام للأمر بإحالة القضية إلى محكمة الجنايات يتعارض مع مبدأ قوة الأمر المقضي فيه بعد أن أصبح قرار الغرفة السابق نهائياً بالإحالة إلى المحكمة الجزئية. ثالثا - إن للنيابة العمومية طبقاً للمادة 227 من قانون الإجراءات الجنائية - أن ترفع طلبها بتعيين الجهة المختصة إلى محكمة النقض إذا ما تعارض قرار غرفة الاتهام مع حكم دائرة الجنح المستأنف - وبذلك انتهى الحكم المطعون فيه إلى القضاء بعدم اختصاص دائرة الجنح المستأنفة المعروض عليها الطلب بالفصل فيه.
وحيث أنه لما كان القرار الصادر خطأ من غرفة الاتهام في 17 من أبريل سنة 1956 بالإحالة إلى المحكمة الجزئية بمعاقبة المتهمين على أساس عقوبة الجنحة قد أصبح نهائياًَ ولم تطعن فيه النيابة رغم سبق الحكم في الدعوى بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظرها وكان لزاماً على محكمة الجنح بعد ذلك - جزئية أو استئنافية - أن تقضي بعدم جواز نظرها للدعوى بعد أن حكمت فيها نهائياً أيضاً بعدم الاختصاص ومن هنا ثار التنازع الذي رسم القانون الطريق لتلافي نتائجه. وكان لا يشترط لاعتبار التنازع قائماً أن يقع لزاماً من جهتين من جهات الحكم و جهتين من جهات التحقيق بل يصح أن يقع من جهتين إحداهما من جهات الحكم والأخرى من جهات التحقيق. لما كان ذلك وكان مؤدي المادتين 226 و227 من قانون الإجراءات الجنائية يجعل طلب تعيين الجهة المختصة يرفع إلى الجهة التي يرفع إليها الطعن في أحكام وقرارات الجهتين المتنازعتين وكانت غرفة الاتهام إن هي إلا دائرة من دوائر المحكمة الابتدائية ولا يطعن في قراراتها أمام دائرة الجنح المستأنفة التي هي الأخرى إحدى دوائر هذه المحكمة وكانت محكمة النقض هي الجهة صاحبة الولاية العامة بمقتضى المادة 227 من قانون الإجراءات الجنائية في تعيين الجهة المختصة بالفصل في الدعاوى عند قيام التنازع ولو كان واقعاً بين محكمتين إحداهما مادية والأخرى استئنافية, فإن الاختصاص بالفصل في الطلب المعروض ينعقد لهذه المحكمة العليا باعتبارها صاحبة الولاية العامة وعلى أساس أنها الدرجة التي يطعن في قرارات غرفة الاتهام أمامها وهي إحدى الجهتين المتنازعتين - عندما يصح الطعن قانونا. ومن ثم فإن ما انتهت إليه دائرة الجنح المستأنف بحكمها المطعون فيه - من عدم اختصاها بالفصل في تعيين جهة الاختصاص يكون سديداً في القانون.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون ما تنعاه النيابة على الحكم المطعون فيه على غير أساس ويتعين الأخذ بما التمسته على سبيل الاحتياط واعتبار هذا النعي بمجرد طلب يقدم إلى محكمة النقض لتعيين الجهة المختصة تطبيقاً لنص المادة 227 من قانون الإجراءات الجنائية, وقبول هذا الطلب وتعيين محكمة جنايات أسيوط للفصل في موضوع الدعوى.