أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 253

جلسة 10 من مارس سنة 1958

برياسة السيد مصطفي فاضل وكيل المحكمة , وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(70)
طعن رقم 115سنة 27 ق

تزوير أوراق رسمية. إثبات. إجراءات. جواز ادعاء المتهم بتزوير ورقة مقدمة في الدعوى ولو لم يسلك طريق الطعن بالتزوير.
إن المتهم عندما يدعي أثناء المحاكمة بتزوير ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى كدليل ضده لا يصح قانوناً مطالبته - ولو كانت الورقة من الأوراق الرسمية - بأن يسلك طريق الطعن بالتزوير وإلا اعتبرت الورقة صحيحة فيما تشهد به عليه فيما عدا ما ورد بشأنه نص خاص كالحالة المنصوص عنها في الفقرة الأخيرة من المادة 420 من قانون الإجراءات الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب السيد السيد زايد عمداً بآلة حادة "شرشرة" خلف عنقه فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وقد ادعى منصور السيد وزايد بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له قبله بمبلغ مائة جنيه بصفة تعويض. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وبإلزامه بأن يدفع إلى المدعي المدني منصور السيد زايد مبلغ خمسين جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقص..... الخ.


المحكمة

... حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخل بحقه في الدفاع بأن لم يستجيب إلى ما طلبه من سماع رجال الحفظ الذين يشهدون بأن المجني عليه قد فقد النطق على أثر إصابته بحيث لم يكن يستطيع أن يتهمه خلافاً لما شهد به السيد المغاوري ولما أثبته الضابط في محضره مما أخذ به الحكم استند إليه في قضائه بالإدانة وقد رد الحكم على هذا الطلب بما لا يصلح رداً بأن قال: "إن المحكمة لا ترى داعياً لإجابته لاقتناعها بصحة أقوال شهود الإثبات ولأنه ليس في التحقيق نقص يدعو لسؤال مزيد من الشهود فكان هذا بمثابة حكم سابق بكذب شهود لم تسمعهم المحكمة".
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال في رده على طلب سماعه شهادة رجال الحفظ "وكذلك لا ترى المحكمة داعياً لمناقشة رجال الحفظ الذين جاء ذكرهم في عريضة المتهم المذكور لاقتناع المحكمة بصحة أقوال الشهود الذين أخذت بأقوالهم حسبما سبق الحديث ولأن التحقيق ليس فيه نقص يدعو لسؤال مزيد من الشهود". واستطرد الحكم قائلاً: "وحيث إنه بالنسبة للطعن بالتزوير في محضر الضابط حسين كامل المحرر يوم الحادث فإن المتهم لم يتخذ إجراءات الطعن المنصوص عنها في المادة 295 من قانون الإجراءات الجنائية وما يليها مع عدم قيام ما يمنعه من اتخاذ هذه الإجراءات". لما كان ذلك وكان القانون وإن رسم الطريق التي يسلكها المتهم في إعلان الشهود الذين يرى لنفسه مصلحة في سماعهم أمام المحكمة بحيث إذا لم يسلكه كما فعل الطاعن فإن المحكمة تكون في حل من إجابته طلبه أو رفضه إلا أن ما رسمه القانون من ذلك إن هو إلا بعض ما وضعه لتنظيم إجراءات المحاكمة أمام محاكم الجنايات حتي لا يتأخر الفصل في القضايا وهو لم يقصد به الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمات الجنائية التي تقوم على أن المعول عليه صفة أصلية يجب أن يكون هو التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بنفسها في الجلسة وتسمع فيه الشهود إثباتا ونفياً فإذا ما بررت المحكمة رفضها لطلب سماع شهود الطاعن باقتناعها بصحة أقوال شهود الواقعة وبأنه ليس في التحقيق نقص يدعو بسؤال من الشهود فإنها تكون قد أخلت بحق الطاعن في الدفاع إذ أن ذلك منها بمثابة حكم سابق يكذب الشهود الذين يطلب الطاعن سماعهم وهو تفنيد لشهادتهم مقدماً بأقوال شهود الإثبات وقد يكون الواقع غير ما افترضته المحكمة كما أن الحكم في التحقيق الشفوي هو أن تقدر المحكمة شهادة الشهود لا بالقول المجرد الذي يصدر عنهم وحده ولكن بكيفية أدائهم للشهادة أيضاً وموقفهم ومسلكهم منها - لما كان ما تقدم وكانت المحكمة قد اتخذت من عدم طعن المتهم بالتزوير في محضر الضابط الذي أثبت فيه استجوابه للمجني علي سنداً يظاهرها فيما ذهبت إليه من عدم جدوى سماع شهود النفي فإنها تكون قد فهمت القانون على غير وجهه الصحيح ذلك لأن المتهم عندما يدعي أثناء المحاكمة بتزوير ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى كدليل ضده لا يصح قانوناً مطالبته - ولو كانت الورقة من الأوراق الرسمية بأن يسلك طريق الطعن بالتزوير وإلا اعتبرت الورقة صحيحة فيما تشهد به عليه إذ أن مناط الإثبات في المواد الجنائية بحسب الأصل وفيما عدا ما ورد بشأنه نص خاص كالحالة الممصوص عنها في الفقرة الأخيرة من المادة 420 من قانون الإجراءات الجنائية هو اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ذات الدليل المقدم إليه ومن ثم فإنه يجب ألا يتقيد في تكوين عقيدته بأي قيد من القيود الموضوعة للأدلة في المواد المدنية, وإذن فمتى كان المتهم قد ادعى بالتزوير وإن لم يسلك طريق الطعن به ـ فقد كان على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع كما تحقق سائر الدفوع وأن تقول كلمتها فيه وما دامت هي لم تفعله في ظروف تدل على أنها رأت نفسها مقيدة بغير حق بمسألة قانونية فإن ذلك يكون بالإضافة إلى ما سبق خطأ يوجب نقض الحكم بغير حاجة إلى بحث الشطر الثاني من وجه الطعن مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.