أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 256

جلسة 10 من مارس سنة 1958

برياسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومحمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(71)
طعن رقم 121سنة 27 ق

(أ) دعوى مدنية. تعويض. متى يكون المتبوع مسئولاً عن خطأ تابعه؟ م 174 مدني.
(ب) نقض "سبب جديد" دعوى مدنية. حضور محامي الشركة المسئولة عن الحقوق المدنية جميع جلسات المحاكمة الابتدائية والاستئنافية دون أن يذكر شيئاً من تغيير صفة مدير الشركة. إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز.
1- يكفي لمساءلة المتبوع عن الضرر الذي يحدث تابعه بعملة غير المشروع أن تكون هناك علاقة سببية وثيقة بين الخطأ والوظيفة بحيث يثبت أن التابع ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ أو ما كان يفكر في ارتكابه لولا الوظيفة ويستوي أن يتحقق ذلك عن طريق مجاوزة التابع لحدود وظيفته أو عن طريق الإساءة في استعمال هذه الوظيفة أو عن طريق استغلالها ويستوي كذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به, علم به أو لم يعلم, كما يستوي أن يكون التابع في ارتكابه للخطأ قد قصد خدمة متبوعه - يستوي كل ذلك ما دام التابع لم يكن ليستطيع ارتكاب الخطأ أو لم يكن ليفكر في ارتكابه لولا الوظيفة.
2- متى كان الثابت أن الشركة المسئولة عن الحقوق المدنية حضر عنها من يمثلها أمام محكمة أول درجة وأمام المحكمة الاستئنافية من غير أن يذكر شيئاً عن تغيير صفة مدير الشركة, فلا يجوز لها أن تثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1- أحمد عبد السلام النشار 2- عبده عبده الكراكتلي - بأنهما تسببا بغير قصد ولا تعمد في إصابة عبد العزيز أحمد فرج (المطعون ضده) بالإصابات الموضحة بالكشف الطبي وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم مراعاتهما اللوائح بأن قاد الأول السيارة دون أن يكون حائزاً على رخصة قيادة ولم يلتزم الجانب الأيمن للطريق أثناء السير وبأن قاد الثاني السيارة بسرعة ينجم عنها الخطر على حياة الجمهور وممتلكاته واحتك بسيارته السيارة التي كان يقودها الأول وتسبب عن احتكاك السيارتين إصابة المجني عليه الذي كان يركب في السيارة التي كان يقودها المتهم الأول وطلبت عقابهما بالمادة 244 من قانون العقوبات. وقد ادعى عبد العزيز فرج بحق مدني قبل المتهمين متضامنين ومحمد محمود الريس بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية مع المتهم الثاني وكذلك شركة الشرق للتامين بمبلغ 2000 جنيه ألفي جنيه بصفة تعويض. ومحكمة المنزلة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام ببراءة المتهم الأول وحبس المتهم الثاني ثلاث شهور مع الشغل وكفالة ثلاثة جنيهات لوقف التنفيذ وإلزام المدعي عليه عبده عبده الكراكتلي ومحمد محمود الريس بأن يدفعا إلى عبد العزيز محمد فرج المدعي بالحق المدني مبلغ ثلاثمائة جنيه والمصاريف المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات فاستأنفت النيابة هذا الحكم ـ كما استأنفه المتهم الثاني واستأنفه أيضاً المسئول المدني عن الثاني والمدعي المدني. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة المنصورة الابتدائية طلب المدعي المدني إدخال السيد فايز لطفي بصفته مديراً لشركة سكة حديد وجه بحري مسئولاً عن الحقوق المدنية مع المتهم الأول كما طلب تنازله عن دعواه المدنية قبل شركة الشرق للتامين وطلب أيضاً تعديل مبلغ التعويض إلى خمسة آلاف جنيه قبل المتهمين والمسئولين عن الحقوق المدنية بصفة تعويض. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً أولاً - بعدم جواز استئناف النيابة العامة بالنسبة للمتهمين. ثانياً - بقبول استئناف المتهم الثاني شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة وأمرت بوقف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم. ثالثاً - إثبات تنازل المدعي بالحق المدني عن دعواه المدنية قبل شركة الشرق للتأمين وألزمته بمصروفاتها. رابعا- قبول الاستئنافين المقدمين من المدعي الحق المدني والمسئول عن الحقوق المدنية شكلا وفي الموضوع وبإجماع الآراء وبالنسبة للادعاء المدني إلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الأول وللمسئول عن الحقوق المدنية وتعديله بالنسبة للمتهم الثاني والمسئول عن الحقوق المدنية وإلزام المتهمين بالتضامن مع المسئولين عن الحقوق المدنية بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني مبلغ ستمائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات بلا مصاريف جنائية. فطعن الأستاذ فايز لطفي بصفته رئيساً لمجلس إدارة شركة سكك حديد وجده بحري باعتبارها مسئولة عن الحقوق المدنية عن المتهم الأول بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... وحيث إن حاصل أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في البيان ذلك أنه قضى بمسئولية الشركة الطاعنة عن فعل تابعها طبقاً للمادة 174 من القانون المدني في حين أن نص هذه المادة يوجب أن يكون الفعل الضار قد وقع من التابع حال تأديته وظيفته أو بسببها نقد أثبت الحكم أن المتهم الأول كان ناظراً لمحطة سيارات أوتوبيس تنحصر وظيفته في مراقبة سير السيارات ومواعيدها فهو لم يكن منوطاً به قيادة السيارة التي أحدثت الضرر بل كان لها قائدها الخالص الذي كان غائباً ولم ينتظر المتهم عودته فقاد السيارة لمقابلته عند ناحية العصافرة وبتصرفه هذا يكون قد خرج عن حدود وظيفته لم يعرض الحكم إلى أن قيادة السيارات تدخل في حدود وظيفته ناظر المحطة وما قاله الحكم من أن المتهم الأول أقر بأنه قاد السيارة بناء على أمر صدر له من الشركة الطاعنة ليس له سند من الأوراق كما أن الحكم رفع مبلغ التعويض الذي قضت به محكمة أول درجة من 300 جنيه إلى 600 جنيه دون أن يبين الأسباب الداعية إلى ذلك هذا إلى أن الحكم شابه بطلان في الإجراءات فقد وجه المدعي المدني طلباته أصلاً إلى السيد جوزيف كفوري بصفته ممثلاً للشرطة الطاعنة والذي زالت صفته في شهر مارس سنة 1955 وحل محله السيد إبراهيم محمد إبراهيم ومع ذلك فإن المدعي المدني لم يعلن هذا الأخير في الدعوى وبذلك يكون سير الخصومة قد انقطع بحكم القانون وفقاً لنص المادة 294 من قانون المرافعات مما يترتب عليه بطلان الحكم الابتدائي بالنسبة للشركة الطاعنة برغم قضائه برفض الدعوى المدنية الموجهة إليها. وكذلك بطلان الاستئناف المرفوع من المدعي بالحق المدني وبالتالي بطلان الحكم المطعون فيه طبقاً لنص المادة 297 من قانون المرافعات. كما أن الحكم المطعون فيه أخطا إذا أضاف تهمة جديدة إلى المتهم الأول لم توجه إليه كلية فقد رفعت ضده الدعوى أصلاً بأنه تسبب بغير قصد ولا تعمد في إصابة المجني عليه وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم مراعاته اللوائح بأن قاد سيارة دون أن يكون حائزا على رخصة قيادة ولم يلتزم الجانب الأيمن للطريق أثناء سيره ومع ذلك فقد نسب إليه الحكم المطعون فيه أنه قاد سيارة بسرعة كبيرة وبحالة ينجم عنها الخطر على حياة الجمهور وكان يتعين على المحكمة الاستئنافية أن تعلن المتهم بتلك التهمة الجديدة وكذلك المسئول مدنياً ليتمكن من مناقشة تلك التهمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد واقعة الدعوى وناقش الأدلة القائمة قبل المتهم الأول أحمد عبد السلام النشار انتهى إلى قوله "ومن حيث أنه يخلص من كل ما تقدم أن المتهم الأول كان يقود السيارة الأمنيبوس رقم 80 ملك شركة سكة حديد وجه بحري (الطاعنة) بدون رخصة قيادة بدلاً من قائدة الأصلي وكان يقود بسرعة كبيرة جداً محاولا أن يسبق السيارة الأمنيبوس الأخرى المملوكة لشركة درويش وقاطعاً عليها الطريق وغير مفسح لها أي مجال للافلات منه ولذلك كان يسير بالسيارة تارة بوسط الطريق أخرى على اليمين ولدى وصوله بمكان الطريق الذي يبلغ عرضه ست ياردات أي مكان ضيق حيث توجد قناة وبربخ تعترضان سير الطريق إذ به تقابل مع سيارة نقل تسير بسرعة هي الأخرى فيصطدمان سوياً وينتح من ذلك إصابة المجني عليه بكسر ذراعه الأيسر" ثم تحدث الحكم عن مسئولية الشركة (الطاعنة) فقال "ومن حيث إنه عن مسئولية الشركة عن أعمال مستخدميها فإن المتهم الأول يعمل بلا شك لدى الشركة المسئولة عن الحقوق المدنية كناظر محطة ومن مهمته مراقبة سير السيارات في ميعادها فإذا تأخر أحد قائديها عن ذلك فله أن يتصرف في حدود وظيفته بحيث يؤدي إلى وصول الركاب بالسيارة إلى مكان وصولهم في الموعد المحدد وفي دعوانا الحالية تأخر قائد السيارة ما كان من ناظر المحطة بعد أن هاج الركاب لعدم قيام السيارة في الميعاد إلا أن قاد السيارة وهي سيارة مملوكة لشركة المسئولة مدنياً قادها بصفته مستخدماً لديها أي تابعاً لها لهو يعمل في حدود وظيفته لكي يسلمها في مكان ما إلى قائدها فإذا ادعت الشركة أنها لا تسأل عن أعمال هذا التابع فإن قولها هاذ لا تلفت إليه هذه المحكمة لكونه قولاً منها غير مقبول ولا سديد ولم يبد إلا للتنصل من المسئولية في مجال لا يتطرق أي شك في تحملها إياها خصوصاً وقد قام المتهم بذلك العمل بناء على أمر صدر له من الشركة نفسها كما يقرر ذلك في أقواله. ومن حيث إنه بالنسبة للمسئولية عن الدعوى المدنية فإنها تنعقد في نطاق مسئولية المتبوع عن فعل التابع طبقاً للمادة 174 من القانون المدني". ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت على المتهم من وجود الخطأ الذي تسبب عنه إصابة المجني عليه أنه قاد السيارة بدون رخصة قيادة, ولم يلتزم الجانب الأيمن للطريق ما ورد بوصف الواقعة التي أقيمت بها الدعوى. وكان هذا الخطأ وحده كافياً لإقامة الحكم فلا محل لما تثيره الطاعنة من أن الحكم أضاف أوجه خطأ أخرى لم ترد قي وصف التهمة. لما كان ذلك وكان الحادث قد وقع في 17 فبراير سنة 1948 أي في ظل القانون المدني القديم, وكانت المادة 152 من هذا القانون تنص على أنه "يلزم السيد بتعويض الضرر الناشئ عن أفعال خدمه متى كان واقعاً منهم في حال تأدية وظائفهم" ـ ثم صدر القانون المدني الجديد ونصت المادة 174 فقرة أولى منه على أنه "يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها" وهذا النص لم يستحدث جديداً بل اقتصر على تسجيل الأحكام التي أقرها القضاء والتي اطردت على أن المتبوع يكون مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى وقع الخطأ من التابع وهو يقوم بأعمال وظيفته أو أن يقع الخطأ منه بسبب هذه الوظيفة وأنه يكفي أن تكون هناك علاقة سببية وثيقة بين الخطأ والوظيفة بحيث يثبت أن التابع ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ أو ما كان يفكر في ارتكابه لولا الوظيفة. ويستوي أن يتحقق ذلك عن طريق مجاوزة التابع لحدود وظيفته أو عن طريق الإساءة في استعمال هذه الوظيفة أو عن طريق استغلالها ويستوي كذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به أو علم به أو لم يعلم كما يستوي أن يكون في ارتكابه للخطأ قد قصد خدمة متبوعه. يستوي كل ذلك مادام التابع لم يكن ليستطيع ارتكاب الخطأ أو لم يكن يفكر في ارتكابه لولا الوظيفة. لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت أن المتهم الأول يعمل ناظراً لمحطة سيارات أوتوبيس لدى الشركة الطاعنة وكانت وظيفته هذه قد هيأت له قيادة السيارة التي ارتكب بها الحادث بدلاً من سائقها الغائب, على فرض أن الطاعنة لم تصدر له أمر بقيادة هذه السيارة ولم يكن هذا المتهم ليستطيع ارتكاب الخطأ لولا الوظيفة فتكون الطاعنة مسئولة عن خطئه باعتباره تابعاً لها, ولو لم تكن قيادة السيارات من أعمال وظيفته ذاتها. هذا ولما كان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الشركة الطاعنة حضر عنها من يمثلها أمام محكمة أول درجة حتى جلسة 15 نوفمبر سنة 1955 التي صدر فيها الحكم دون أن يثير أمام المحكمة شيئاً بشأن تغيير صفة مدير هذه الشركة وأمام المحكمة الاستئنافية قرر محامي المدعي المدني بجلسة 28 مايو سنة 1956 أنه يوجه دعواه المدنية إلى الأستاذ فايز لطفي رئيس مجلس إدارة شركة سكة حديد وجه بحري الطاعنة - ثم حضر عن هذه الشركة من يمثلها في الجلسات التالية ودفع بعدم جواز استئناف النيابة لأنها لم تطلب توقيعه أقصى العقوبة بالنسبة إلى المتهم الأول واستمر حضوره عن الشركة الطاعنة حتى جلسة 4 فبراير سنة 1957 التي حجزت فيها القضية للحكم من غير أن تذكر شيئاً عن تغيير صفة مدير الشركة. فلا يجوز للطاعنة أن تثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. ولما كان كل ما تقدم وكان الحكم فد أثبت على المتهم ارتكاب الجريمة التي بنت عليها المحكمة قضاءها بالتعويض وكان لا يعيب حكمها أنها لم تذكر موجبات كما حكمت به ورأته مناسباً من هذا التعويض إذ الأمر في ذلك متروك لتقديرها بغير معقب عليها لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة بالمصروفات المدنية والحكم عليها بالغرامة طبقاً للمادة 427 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 305 لسنة 1956.