أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 763

جلسة 11 من نوفمبر سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، عبد المنعم حمزاوي.

(137)
الطعن رقم 28 لسنة 33 القضائية

(أ، ب) ارتباط. نقض. "أحوال الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون وتأويله". محكمة الموضوع.
( أ ) مناط تطبيق المادة 32/ 2 عقوبات: أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعه الوحدة الإجرامية.
(ب) الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع. ثبوت أن وقائع الدعوى كما أوردها الحكم لا تتفق قانوناً مع ما انتهت إليه المحكمة من قيام الارتباط بينها. اعتباره من الأخطاء القانونية في تكييف علاقة الارتباط التي تحددت عناصره في الحكم. وجوب تدخل محكمة النقض. مثال في جريمتي رشوة واختلاس.
1 - مناط تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة المذكورة.
2 - جرى قضاء محكمة النقض على أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم لا تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه من قيام الارتباط بينها، فإن ذلك يكون من الأخطاء القانونية في تكييف علاقة الارتباط التي تحددت عناصره في الحكم والتي تستوجب تدخل محكمة النقض - لأنه وإن كان تقدير عناصر الدعوى من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أن تكييف تلك العناصر وإنزال حكم القانون الصحيح عليها هو مما يخضع لرقابة محكمة النقض. ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه عن واقعة الدعوى لا يتوافر فيه أي ارتباط بين جريمتي الرشوة والاختلاس اللتين دان المتهم بهما، بل يكشف عن تمام الاستغلال بينهما بما يمتنع معه تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات، فإنه إذ انتهى الحكم بالرغم من ذلك إلى قيام الارتباط بين هاتين الجريمتين استناداً منه إلى ما أورده من ثبوت وحدة الغرض الاجرامى الذي يتمثل على حد قوله في "السعي إلى المال الحرام بأي طريق" يكون منطوياً على فهم خاطئ لمعنى الغرض في مدلول المادة المذكورة فضلاً عن إغفال الالتفات إلى ما يستلزمه النص من عدم قابلية الجرائم المرتبطة للتجزئة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 6/ 5/ 1958 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة. أولاً: بصفته موظفاً عمومياً (موظف بأقسام حركة مصر) طلب لنفسه وأخذ مبلغ 50 جنيهاً من عبد العظيم أحمد قمصان على سبيل الرشوة ليؤدى له عملاً من أعمال وظيفته وهو إجراء صرف كشف الاستحقاقات الخاص بوالد المجني عليه أحمد قمصان عن مدة أجازته المرضية. ثانياً: باعتباره موظفاً عمومياً (موظف بأقسام حركة مصر) اختلس طوابع الدمغة المبينة بالمحضر وصفاً وقيمة المسلمة إليه بسبب وظيفته. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 103 و111 و112 و 118 و119 من قانون العقوبات. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بتاريخ 15/ 10/ 1961 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنين وبتغريمه ألف جنيه وأيضاً بعزله من وظيفته وبتغريمه خمسمائة جنيه. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض في...... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون إذ طبق في شأن جريمتي الرشوة والاختلاس اللتين دان المتهم بارتكابهما حكم المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمقولة إنهما مرتبطتان ارتباطاً لا يقبل التجزئة لوحدة الغرض الإجرامي فيهما وهو السعي إلى المال الحرام مع أن ذلك لا يوفر الارتباط بينهما فالرشوة ارتكبت بقصد انجاز المتهم عملاً من أعمال وظيفته لصالح من يدعى أحمد قمصان في حين أن الاختلاس انصب على استيلائه على طوابع دمغة نزعها من طلبات قدمت إليه بسبب وظيفته.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على المتهم لأنه في يوم 6/ 5/ 1958 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة: أولاً - بصفته موظفاً عمومياً بالسكة الحديد أخذ لنفسه مبلغ خمسين قرشاً على سبيل الرشوة من عبد العظيم أحمد قمصان ليؤدى له عملاً من أعمال وظيفته هو تسوية مدة الإجازات المرضية المستحقة لوالده أحمد قمصان الموظف بالسكة الحديد وحصرها توطئه لصرف مرتبه المستحق عنها. ثانياً - اختلس طوابع دمغة قيمتها خمسون قرشاً بأن نزعها من على طلبات الإجازات التي كانت ملصقة عليها والمسلمة إليه بسبب وظيفته باعتباره الكاتب المختص بطلبات الإجازات وفحصها وحصرها في أقسام حركة مصر بالسكة الحديد - وطلبت النيابة العامة معاقبته بالمواد 103 و111 و112 و118 و119 من قانون العقوبات. وقضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة المتهم (المطعون ضده) بالسجن لمدة ثلاث سنين وبتغريمه ألف جنيه وأيضاً بعزله من وظيفته وبتغريمه خمسمائة جنيه - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مفاده أن أحمد قمصان كان قد قدم طلباً لتسوية أجازاته المرضية وأنه كلف ولده عبد العظيم بمواصلة السعي لإنهاء هذه التسوية فقصد إلى المتهم بوصفه الموظف المختص فظل يماطله إلى أن طلب منه خمسين قرشاً لانجاز الطلب فأبلغ الأمر لرجال الشرطة فأعدوا الترتيب اللازم لضبط المتهم وأسفر تفتيشه عن وجود مبلغ الرشوة في جيبه، كما عثر معه أيضاً على طلب أجازة لأحد الموظفين نزع عنه طابع التمغة وعلى طوابع أخرى منزوعة من أوراقها بلغت قيمتها خمسين قرشاً - واستند الحكم في إدانة المطعون ضده على أقوال شهود الإثبات بالتحقيقات - لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت إلى تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات وتوقيع العقوبة المنصوص عليها في الجريمة الأشد بقولها - "وبما أن هاتين الجريمتين مرتبطتان في الواقع ارتباطاً لا يقبل التجزئة وذلك لوحدة الغرض الاجرامى فيهما والذي أساسه السعي إلى المال الحرام بأي طريق مما يتعين معه تبعاً لذلك اعتبار الجريمة الأشد وهى جريمة الرشوة وتوقيع عقوبتها هي دون غيرها عملاً بنص المادة 32 من قانون العقوبات وذلك مع مراعاة توقيع العقوبات التكميلية التي تقتضيها جريمة الاختلاس وهى الغرامة والعزل لأنها عقوبات نوعية لازمة عن طبيعة الجريمة التي تقتضيها إذ مهما تكن العقوبة المقررة للجريمة المرتبطة بها وهى الرشوة فإن تطبيقها لا ينبغي أن يجب تلك العقوبات كما يجب العقوبة الأصلية التابعة هي لها بل لا يزال واجباً الحكم بها مع الحكم بعقوبة الجريمة الأشد". ولما كان مناط تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة 32 المذكورة - وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم لا تتفق قانونا مع ما انتهت إليه من قيام الارتباط بينها، فإن ذلك يكون من الأخطاء القانونية في تكييف علاقة الارتباط التي تحددت عناصره في الحكم والتي تستوجب تدخل محكمة النقض - لأنه وإن كان تقدير عناصر الدعوى كما سلف من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها إلا أن تكييف تلك العناصر وإنزال حكم القانون الصحيح عليها هو مما يخضع لرقابة محكمة النقض - وكان ما أورده الحكم المطعون فيه عن واقعة الدعوى لا يتوافر فيه أي ارتباط بين جريمتي الرشوة والاختلاس اللتين دان المتهم بهما، بل يكشف عن تمام الاستقلال بينهما بما يمتنع معه تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات فإنه إذ انتهى الحكم بالرغم من ذلك كله إلى قيام الارتباط بين هاتين الجريمتين استناداً منه إلى ما أورده من ثبوت وحدة الغرض الاجرامى الذي يتمثل على حد قوله في "السعي إلى المال الحرام بأي طريق" يكون منطوياً على فهم خاطئ لمعنى الغرض في مدلول المادة 32/ 2 من قانون العقوبات فضلاً عن إغفال الالتفات إلى ما يستلزمه النص من عدم قابلية الجرائم المرتبطة للتجزئة - ذلك أن فهمه لوحدة الغرض على النحو المتقدم إنما مرده إلى خلطه بين الباعث الدافع إلى ارتكاب جرائم الاعتداء على المال عموماً - ذلك الباعث الذي لا يعدو أن يكون من صور الانحراف ولا يؤثمه القانون على إطلاقه - وبين الغرض الذي يستهدفه الجاني من مقارفته الجريمة المحددة التي انعقدت عليها نيته. والذي هو مناط تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات. ولما كان تصحيح هذا الخطأ لا يخضع لأي تقدير موضوعي بعد أن قالت محكمة الموضوع كلمتها من حيث ثبوت إسناد الواقعتين اللتين دانت المتهم - فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بتوقيع العقوبة الأصلية لجريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات مع مراعاة حكم المادة 17 من ذلك القانون التي طبقتها محكمة الموضوع بالإضافة إلى العقوبات الأخرى المقضي بها.