أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 772

جلسة 11 من نوفمبر سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محفوظ، وعبد المنعم حمزاوي.

(139)
الطعن رقم 807 لسنة 33 القضائية

( أ ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يشترط في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن يقطع كل دليل منها على حدة في كل جزئية من جزئيات الدعوى. ولا يلزم أن يكون صريحاً مباشراً في الدلالة على ذات الفعل موضوع الاتهام. يكفى أن يكون مؤدياً إلى تأييد الواقعة كما استقرت في يقين المحكمة.
(ب) محاكمة. "إجراءاتها". "حجز الدعوى للحكم". "فتح باب المرافعة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
حجز المحكمة الدعوى للحكم بعد سماعها. عدم التزامها بإجابة طلب فتح باب المرافعة لتحقيق طلب ضمنه الدفاع مذكرة بشأن مسألة يريد تحقيقها بالجلسة. ما دام أنها بررت رفض هذا الطلب تبريراً سائغاً ومقبولاً. مثال.
(ج) إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب ندب خبير آخر في الدعوى. ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.
1 - لا يشترط في الأدلة التي اعتمد عليها الحكم أن يقطع كل دليل منها على حدة في كل جزئية من جزئيات الدعوى، ولا يلزم أن يكون صريحاً مباشراً في الدلالة على ذات الفعل موضوع الاتهام، بل يكفى لسلامة الاستدلال أن يكون مؤدياً إلى تأييد الواقعة كما استقرت في يقين المحكمة. إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة تكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
2 - من المقرر أنه ما دامت المحكمة بعد أن سمعت الدعوى أمرت بقفل بابها وحجزتها للحكم فيها، فهي بعد غير ملزمة بإجابة طلب فتح باب المرافعة من جديد لتحقيق طلب ضمنه الدفاع مذكرة بشأن مسألة يريد تحقيقها بالجلسة. ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن إجابة طلب المدافع عن الطاعن الذي أورده في مذكرته، بتأجيل الدعوى لتقديم تقرير طبي استشاري ومناقشة كبير الأطباء الشرعيين.
3 - لا تلتزم المحكمة بندب خبير آخر في الدعوى، ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال اثنى عشر يوماً سابقة على 16/ 3/ 1960 بدائرة مركز بيلا محافظة كفر الشيخ: أحدث بفاطمة يوسف السقا الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية بأن ضربها بجسم صلب راض وكواها بجسم صلب محمى ولم يقصد من ذلك قتلها ولكن هذه الإصابات تضاعفت بالتهاب رئوي حاد أدى إلى وفاتها". وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 236/ 1 عقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضورياً بتاريخ 21/ 12/ 1961 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية الضرب المفضي إلى الموت قد شابه خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع - ذلك بأن مؤدى ما حصله الحكم من أقوال الضابط - يفيد أن المحكمة فهمت أقوال هذا الشاهد على غير حقيقتها - ذلك أن أقواله في مذكرة النيابة المرسلة للطبيب الشرعي أو في التحقيق المجدد أو بالجلسة لا تتعدى أن الطاعن ضرب المجني عليها بعصا دون بيان المواضع من جسمها التي وقع عليها الاعتداء، كما لم تتضمن أن الطاعن هو محدث الحروق بجسمها وأن زوجته منعته من ضرب المجني عليها - هذا وأن التقرير الطبي لا يفيد أن المجني عليها ضربت بعصا على أجزاء جسدها كله - ثم إن المحكمة فهمت أيضاً أقوال والدة المجني عليها على غير حقيقتها بدعوى أنها ذكرت سبباً للحادث في التحقيق وهو وقوع ابن الطاعن على الأرض وهى تحمله فضربها الطاعن مع أن الحكم أورد في بيانه للواقعة أن سبب الحادث يرجع إلى أن المجني عليها كانت تريد الذهاب إلى والدتها فمنعها الطاعن - كذلك لم يبين الحكم وجه استدلاله بأقوال الطاعن على ثبوت التهمة في حقه والحال أن أقواله لا تؤدى إلا إلى نفى التهمة عنه - وكما أن المحكمة رفضت طلب الدفاع عن الطاعن استطلاع رأى كبير الأطباء الشرعيين وتقديم تقرير طبي استشاري وردت عليه بما لا يصلح رداً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إن المتهم (الطاعن) استحضر المجني عليها من ناحية الكفر الشرقي وألحقها بخدمته قبل وفاتها بحوالي تسعة أو عشرة شهور وكانت خدمتها تنحصر في القيام بالأعمال المنزلية وتحمل ابنه الصغير وأرادت المجني عليها أخيراً في أن تذهب إلى والدتها وألحت في ذلك فمنعها المتهم واعتدى عليها بالضرب بعصا وكواها بالنار وحبسها في حجرة بمنزله وحبس عنها كمية الغذاء الطبيعية اللازمة الأمر الذي أدى جميعه إلى أن ساءت حالتها فتخوف من الأمر وذهب بها إلى مستشفى بيلا حيث تركها هناك يوم 16/ 3/ 1960 وانصرف ولما لاحظت المستشفى سوء حالتها أخطرت البوليس الذي سأل المجني عليها وحرز بذلك محضراً. ولما توفيت المجني عليها في مساء يوم إحضارها إلى المستشفى متأثرة بالإصابات المتقدم ذكرها أبلغت النيابة العامة بالواقعة فأجرت التحقيق فيها وقيد برقم 1810 سنة 1960 جنح بيلا ثم تبين أن هذا التحقيق قد فقد فأمر رئيس النيابة بإعادة التحقيق في الواقعة" وهو استخلاص لواقعة الدعوى تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين بها الطاعن - وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال النقيب محمد غنيم سالم والممرضة جميانه أسعد بانوب ووالدة المجني عليها ومن أقوال الطاعن في التحقيق ومن تقرير الصفة التشريحية وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها - فقد أورد مؤدى أقوال الضابط بأن المجني عليها أخبرته عند سؤاله لها في المستشفى قبل وفاتها أن الطاعن ضربها بعصا على أجزاء جسمها كله لأنها أرادت الذهاب إلى والدتها وحبسها في منزله ليمنعها عن ذلك ولما ساءت حالتها أحضرها إلى المستشفى وكانت زوجته تمنعه من الاعتداء عليها كما أورد الحكم مؤدى أقوال الممرضة جميانه وتتحصل في أنها سمعت المجني عليها وهى في المستشفى تقول للضابط إن الطاعن ضربها وعذبها بالنار وحبسها في حجرة الفرن وأنه لم يكن يعطيها طعاماً - وهى تتفق مع ما شهد به الشاهدان في جلسة المحاكمة - لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن استدلاله بأقوال الضابط والممرضة يكون في غير محله - ولما كان ما حصله الحكم من أقوال لوالدة المجني عليها في التحقيق من أنها علمت من امرأة لا تعرفها وبعد وقوع الحادث أن الطاعن ضرب ابنتها المجني عليها الضرب الذي أدى إلى موتها لأن ابنه وقع على الأرض وهى تحمله - فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن سبب الاعتداء على المجني عليها غير مؤثر على ثبوت الواقعة كما اطمأنت إليها المحكمة لأنه لا يعدو أن يكون باعثاً عليها. أما النعي على الحكم أنه استند في ثبوت التهمة ضد الطاعن إلى أقواله في التحقيق مع أن هذه الأقوال لا تفيد سوى نفى التهمة عنه فمردود بأن الحكم قد أخذ من أقوال الطاعن أن المجني عليها كانت تعمل في خدمته حتى نقلها إلى المستشفى - لما كان ذلك، وكان لا يشترط في الأدلة التي اعتمد عليها الحكم أن يقطع كل دليل منها على حدة في كل جزئية من جزئيات الدعوى ولا يلزم أن يكون صريحاً مباشراً في الدلالة على ذات الفعل موضوع الاتهام بل يكفى لسلامة الاستدلال أن يكون مؤدياً إلى تأييد الواقعة كما استقرت في يقين المحكمة إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة تكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك - وكانت الأدلة التي حمل عليها الحكم قضاءه بإدانة الطاعن سائغة ومقبولة لترتيب استخلاصه لواقعة الدعوى، وهى منتجة في إسناد جناية الضرب المفضي إلى الموت إلى الطاعن - فإن ما ينعى به الطاعن على الحكم من قالة الخطأ في الإسناد أو الفساد في الاستدلال يكون في غير محله. وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن من رفض طلب مهلة لتقديم تقرير طبي استشاري واستطلاع رأى كبير الأطباء الشرعيين ورد عليه بقوله "ومن حيث إنه عن طلب مهلة لتقديم تقرير طبي استشاري فقد استجابت المحكمة لهذا الطلب بجلسة 18/ 10/ 1961 وأجلت الدعوى لجلسة 16/ 12/ 1961 وصرحت للمتهم (الطاعن) بتقديم تقرير استشاري ولم يتقدم المتهم بهذا التقرير بجلسة 16/ 12/ 1961 وفيها قررت المحكمة قفل باب المرافعة في الدعوى والنطق بالحكم لجلسة 21/ 12/ 1961 وصرحت للمتهم أن يتقدم بمذكرة وتقرير طبي استشاري إن شاء إلى ما قبل الجلسة بيوم واحد وفى يوم 20/ 12/ 1961 تقدم الدفاع عن المتهم بالمذكرة المرفقة ولم يتقدم بتقرير طبي اشتشارى وطلب أجلاً آخر لتقديمه وجاء بطلب جديد وهو مناقشة كبير الأطباء الشرعيين ومما لا شك فيه أن المهلة التي أعطيت للمتهم لتقديم تقرير استشاري مهلة كافية ولم تر المحكمة الاستجابة إلى أكثر من ذلك كما تبين لها من أن هذا الطلب إنما قصد به مجرد إطالة إجراءات نظر الدعوى هذا فضلاً عن أن المحكمة قد اقتنعت بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي المرفق بالأوراق وما ورد من إيضاح له بمناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة والتي تبين منها بجلاء بطلان ما ذهب إليه المتهم من أن ما شوهد بالمجني عليها إنما نشأ عنه مجرد حالة مرضية كما يدعى". ومضى الحكم في رده على رفض طلب الطاعن استطلاع رأى كبير الأطباء الشرعيين بقوله: "وأما فيما يتعلق بطلب أخذ رأى كبير الأطباء فإن المحكمة لا ترى محلاً لإجابته إذ أن المحكمة قد اقتنعت من دراسة التقرير الطبي الشرعي المرفق بالأوراق ومناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة بأن الإصابات التي أدت إلى وفاة المجني عليها إنما هي إصابات حدثت من الضرب والكي والحرق والحبس والتجويع بقصد التعذيب المتعمد من قبل المتهم، فقد تبين من مناقشة الطبيب الشرعي أنه لم يشاهد بجثة المجني عليها سحجات ظفرية على الإطلاق الأمر الذي من شأنه أن يودع بدفاع المتهم الذي انصب على أن إصابات المجني عليها من هرشها بدنها بأظافرها الملوثة هرشا أدى إلى انتشار الصديد من مكان فيه إلى مكان آخر كما أن مسألة الهرش هذه لا يمكن أن تعلل قطعتي الأذنين والكدمات التي شوهدت في العينين كما ظهر من تقرير الطبيب الشرعي كما تقدم، هذا فضلاً عن أن الهرش في الجسد ليس من شأنه عقلاً أن يؤدى إلى وجود كدمات رضية شريطية وإصابات رضية بالرأس والوجنة والركبة وكدمات رضية بالعينين وإصابات قطعية بالأذنين تضاعف بعضها بالتقييح أي أن بعضها كان غير متقيح الأمر الذي تستبعد قطعاً معه المحكمة أن يخطئ الطبيب الشرعي في تعرف كنه مثل هذه الإصابات" لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ويصلح رداً لتبرير رفض المحكمة طلب الطاعن إمهاله لتقديم تقرير طبي استشاري وطلبه استطلاع رأى كبير الأطباء الشرعيين - كما هو كاف للرد على ما اتصل بهما من دفاع - وكان من المقرر أنه ما دامت المحكمة بعد أن سمعت الدعوى أمرت بقفل بابها وحجزت القضية للحكم فيها فهي بعد غير ملزمة بإجابة طلب فتح باب المرافعة من جديد لتحقيق طلب ضمنه الدفاع مذكرة بشأن مسألة يريد تحقيقها بالجلسة فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن إجابة طلب المدافع عن الطاعن الذي أورده في مذكرته ما دام أنها بررت رفض هذا الطلب تبريراً سائغاً ومقبولاً على ما سلف بيانه ولا يصح النعي على الحكم عدم إجابة الطاعن لندب خبير آخر في الدعوى - ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء. لما كان ذلك كله، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.