أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 309

جلسة 18 من مارس سنة 1958

برياسة السيد مصطفي فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومحمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(86)
طعن رقم 1546سنة 27 ق

(أ) إثبات. قرائن. استنباط المحكمة صورة الواقعة بطريق الاستنتاج والاستقراء. جائز.
(ب) جريمة. توافق المتهمين على ارتكابها. جواز وقوعه فجأة في اللحظة التي تسبق وقوعها.
(ج) مسئولية جنائية. مجرد توافق المتهمين على ارتكاب الجريمة. عدم مساءلة كل من المتهمين إلا عن نتيجة فعله.
1- لا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد ذكره على ألسنة بعض الشهود وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق.
2- التوافق على ارتكاب الجريمة إنما يقع بين المتهمين فجأة في اللحظة التي تسبق وقوعها ولا تعارض بين انتفاء سبق الإصرار وبين التوافق على ارتكاب الجريمة.
3- مجرد التوافق وإن كان لا يترتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية بل يجعل كلاً منهم مسئولاً عن نتيجة فعله الذي ارتكبه, إلا أنه إذا أثبت الحكم في حق كل من المتهمين أنه ساهم في إحداث الإصابات التي أدت إلى وفاة المجني عليه ودانهما على هذا الاعتبار فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1- نادي يونس عبد الله و2- طه حمزة أمين و3- دويدار بدوي غنوم و4- مرغني محمد غنوم بأنهم: المتهمان الأول والثاني - قتلا يس محمد عبد العال عمدا بأن انهالا عليه ضرباً بعصا وبلطة قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته والمتهمون الثاني والثالث والرابع ضربوا حسنية محمد عبد العال عمداً فأحدثوا بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم الأول والثاني بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات والثاني أيضاً والثالث والرابع بالمادة 242/ 1 من القانون المذكور. فقررت بذلك. وادعت حسنية فايز محمد "زوجة القتيل" بحق مدني قدره مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين الأولين متضامنين. ومحكمة جنايات بمني سويف قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات للأول والمادتين 234/ 1, 242/ 1 من القانون المذكور مع تطبيق المادة 32/ 2 منه أيضاً للثاني والمادة 242 من نفس القانون المذكور للثالث والرابع بمعاقبة كل من نادي يونس عبد الله وطه حمزة أمين بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا إلى المدعية بالحق المدني حسنية فايز محمد مبلغ مائة جنيه والمصاريف المدنية وخمس جنيهات أتعاباً للمحاماة بمعاقبة كل من دويدار بدوي غنوم ومرغني محمد غنوم بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من تقريري الطعن هو القصور وفساد الاستدلال نذلك أن الحكم دلل على توفر نية القتل لدى الطاعنين من تعدد الإصابات التي حدثت بالمجني عليه مع احتمال أن تكون بعض هذه الإصابات حدثت من آخرين بل أنه في أقوال الشاهدين اللذين اعتمد الحكم على أقوالهما وهما حسنية أخت المجني عليه والشاهد كمال عبد الحق طنطاوي ما يقطع بأن آخرين قد ساهموا في هذا الاعتداء حيث ذكرا أن الطاعن الأول لم يضرب المجني عليه بعصاه أكثر من ضربتين وأن الطاعن الثاني ضربه بسن البلطة لا برأسها ولا بعصاها وبذلك يكون الضربات التي أحدثها هذا الطاعن لا تتجاوز عدد الإصابات القطعية التي وجدت بجسم المجني عليه وقد أثبت التقرير الطبي الشرعي أن بجسم المجني عليه نحو ثلاثين إصابة بين قطعية ورضية ومن هذه الإصابات جروح قطعية في غير مقتل كالفخذ الأيسر والشفة العليا. هذا إلى أن الحكم جاء بواقعة جديدة لم يرد لها ذكر في الأوراق ولم يلفت الدفع إليها وهي اتجاه إرادة الطاعنين قبل ارتكاب الجريمة على قتل المجني عليه وأنهما باشرا بأنفسهما تنفيذ هذا الاتفاق وهو ما لم يقل به أحد ولا دلالة عليه في الأوراق بل أن في ظروف الدعوى ووقائعها ما يشير إلى أن اعتداء الطاعنين على المجني عليه كان وليد المصادفة بمناسبة خروج المجني عليه وأخته إلى الحقل بحثاً عن أخيهما الذي قيل بأن أعيرة أطلقت عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه يبين واقعة في قوله "من حيث إن الواقعة الدعوى حسبما استبان للمحكمة من التحقيقات وما درا بالجلسة يتحصل في وجود عداء بين آل غنوم وآل عبد العال من ناحية طرشوب من أعمال مركز ببا. وحدث منذ حوالي شهر سابق على تاريخ الحادث موضوع الدعوى الحالية أن قتل محمد غنوم وهو والد المتهم الرابع مرغني محمد غنوم وهو المتهم الثالث دويدار بدوي غنوم - وقريب المتهم الأول نادي يونس عبد الله وابن عمه المتهم الثاني طه حمزة أمين واتهم في قتله محمود محمد عبد العال أخو يس محمد عبد العال وحسنية محمد عبد العال المجني عليهما في الدعوى الحالية - وحدث في صباح يوم 16 يونيه سنة 1955 أن أطلقت أعيرة نارية على محمود محمد عبد العال وهو في طريقه من الغيط إلى البلدة واتهم في اطلاقها عليه اثنان من أقارب محمد غنوم وترامي إلى سمعه يس وحسنية المجني عليهما في الدعوى الحالية أن أخاهما محمود محمد عبد العال قد أطلقت عليه أعيرة نارية هو في غيطه فهبا من دارهما لنجدته وجرى يس من خلفه أخته حسنيه ولدى مرورهما على دار المتهم الأول نادي يونس عبد الله الطاعن الأول تصدى لهما المتهم المذكور وضرب يس بعصا غليظة في رأسه ثم أعقبها بضربة أخرى في رأسه كذلك فسقط يس على أثرها في الأرض وجاء المتهم الثاني طه حمزة أمين وفي يده بلطة وأنهال بها ضرباً على يس وهو ملقى على الأرض وانكفأت حسنية على أخيها يس لتحميه من ذلك العدوان وكان أن أصيبت من البلطة والمتهم الثاني يهوى بها على أخيها يس ثم جاء المتهمان الثالث والرابع دويدار بدوي غنوم ومرغني محمد غنوم واعتدي على حسنية بالصرب وكانت النتيجة أن لفظ يس أنفاسه في نفس يوم الحادث في المستشفى بسبب إصابته وقرر لعلاج حسنية مدة لا تزيد على عشرين يوماً, ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي وحصل شهادة الشاهدة حسنية أخت القتيل من "أنها خرجت تجري هي وأخوها المجني عليه علي أثر سماعهما بمقتل أخيهما محمود محمد عبد العال ولدى مرورهما بمنزل الطاعن الأول رأياه واقفاً أمامه فتصدى لهما وضرب المجني عليه بعصا غليظة على رأسه مرتين سقط على أثرهما مغشياً عليه وجاء الطاعن الثاني وهو ابن عم الأول وفي يده بلطة وانهال بها ضرباً على المجني عليه وهو ملقى على الأرض وأيد الشهادة حسنية قي أقوالها كل من عبد الحق طنطاوي وحسن نصر حسين ونافع عثمان إبراهيم أما التقرير الطبي فقد ثبت به أن المجني عليه مصاب بكسر شرخي بعظمة الجبهة وجروح رضية متعددة بفروة الرأس وكسور بالأضلاع السفلية ورض شديد بالبطن نتيجة لضرب بجسم صلب راض. وجروح قطيعة بالفخذ الأيسر نتيجة الضرب بجسم صلب وكسر بالفك العلوي وجرح قطعي بالشفة العليا وأورد الطبيب الشرعي أن بجسم المجني عليه نحو ثلاثين ضربة في رأسه ووجهه وصدره وبطنه وذارعيه وفخذيه وأن اغلب إصابته من جسم صلب راض كالعصا أو ما شابهها وبعضها من آلة راضة ذات حافة حادة كسن أو قرن فأس أو بلطة أو ما شابه ذلك وأن الوفاة نشأت عن حالة ارتجاج دماغي مع صدمة عصبية مضاعفة لكسور عظمية دماغية وجبهية وضلعية ويدوية مع تكدم رئوي وما صاحب ذلك من نزيف وانسكابات دموية بصفة غزيرة ظاهراً وباطناً نتيجة مجموعة العلامات الإصابية الموجودة به وأنه ليس في مقدور أي من كافة تلك العلامات الإصابة بمفرده إحداث الوفاة - أما الإصابات القطعية الرضية فإنها بمفردها لا تكفي وحدها لحصول الوفاة ولكنها ساهمت في التعجيل بحصول الوفاة بما أضافته إلى المأزق الصحي الحرج من الزيادة في إضعاف المقاومة الحيوية الجسمانية حيث ناء المجني عليه بحمل مجموعها ومن ثم كانت مفارقته للحياة, ثم دلل الحكم على توفر نية القتل لدى الطاعنين فقال: "وحيث إن نية القتل لدى المتهمين الأول والثاني ثابتة من التحقيقات ومن استعمال المتهم الأول عصا غليظة وضربه بها المجني عليه في رأسه ضربتين سقط على أثرهما في الأرض مغشياً عليه ومن استعمال المتهم الثاني بلطة وضربه بها المجني عليه في عدة مواضع من جسمه وإحداثهما به تلك الإصابات العديدة المبينة بتقرير الطبيب الشرعي والتي أودت بحياته بعد بضع ساعات من إصابته والذي استخلصته المحكمة مما تقدم ومن مقتضى وقائع الدعوى وظروفها أن المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) كل منهما قصد بلا شك قتل المجني عليه وإزهاق روحه حيث بادره المتهم الأول بالضرب بعصا غليظة في رأسه ضربتين هدتا قواه فسقط في الأرض مغشياً عله وأقدم المتهم الثاني وانهال عليه ضرباً بالبلطة ووقائع الدعوى وظروفها تدل على أن المتهمين المذكورين اتحدت إرادتهما واتفقت نيتهما على قتل المجني عليه وباشر الاثنان الاعتداء عليه على الوجه السابق بيانه تنفيذاً للغرض الإجرامي الذي اتفقا عليه وشهادة حسنية التي تطمئن إليها المحكمة قاطعة في أن المتهم المذكورين هما الضاربان لأخيها المجني عليه دون غيرهما وترى المحكمة أن تعدد الإصابات الرضية بجسم المجني عليه يشير إلى أن المتهم الثاني كان يضرب بسن البلطة أحياناً وأحياناً برأسها وأحياناً بيدها - ويدها عبارة عن عصا مركب في طرفها قطعة الحديد المسماة بالبلطة" - لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر له العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعنين بها وكانت الأدلة التي أخذ بها الحكم وعول عليها في الإدانة سائغة مقبولة ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها وكان لا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد ذكره على ألسنة بعض الشهود وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق وكانت المحكمة قد استخلصت من أقوال الشاهدة حسنية أن الطاعنين دون غيرهما هما اللذان أحدثا إصابات المجني عليه وأن الطاعن الثالث كان بضرب أحياناً بسن البلطة وأحياناً برأسها أو بيدها - وكان ما قاله الحكم سائغاً في استخلاص نية القتل العمد لدى الطاعنين وصحيحا في القانون ـ لما كان ما تقدم وكان الحكم قد اثبت وجود الطاعنين معاً قبل الحادث وخروجهما للاعتداء على المجني عليه لدى رؤيته وقيام الضغينة بينهما وبينه وصلة القربى التي تربطهما واستخلص من ذلك كله اتخاذ إرادتهما على قتل المجني عليه قبل مقارفه الجريمة وكان ذلك منه استخلاصاً سائغاً إذ التوافق على ارتكاب الجريمة إنما يقع بين المتهمين فجأة في اللحظة التي تسبق وقوعها ولا تعارض بين انتفاء سبق الإصرار وبين التوافق على ارتكاب الجريمة. مجرد التوافق وإن كان لا يترتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية بل يجعل كلاً منهم مسئولاً عن نتيجة فعله الذي ارتكبه إلا أن الحكم أثبت في حق كل من الطاعنين أنه ساهم في إحداث الإصابات التي أدت إلى الوفاة ودانهما على هذا الاعتبار - لما كان ما تقدم وكان باقي ما يثيره الطاعن في التقرير الثاني لا يعدو أن يكون جدلاً فق موضوع الدعوى تقدير الأدلة فيها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.