أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 375

جلسة من 8 أبريل سنة 1958

برئاسة السيد مصطفي فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(103)
طعن رقم 40 سنة 28 ق

(أ) إثبات. خبير. دفاع. طلب الدفاع إحالة المتهم إلى مستشفى الأمراض العقلية لفحصه. انتهاء المحكمة إلى أن هذا الطلب لا يستند إلى أساس جدي. سلطتها في عدم الاستعانة برأي الطبيب.
(ب) إثبات خبير. دفاع إلتفات المحكمة عن طلب المتهم إجراء مضاهاة البصمات في مكان الحادث. عدم رد الحكم على هذا الطلب وأخذه المتهم بأقواله وبما نسبه إليه متهم آخر وبما ضبط لديه عن متحصلات الجريمة. لا عيب.
1- متى كانت المحكمة قد رأت وهي تقدر الوقائع المعروضة عليها في حدود حقها أن ما طلبه الدفاع من إحالة موكله إلى مستشفى الأمراض العقلية لفحص قواه العقلية أو السماح له بتقديم تقرير استشاري - لا يستند إلى أساس جدي للأسباب السائغة التي أوردتها, فإنها لا تكون في حاجة إلى أن تستعين برأي طبيب في الأمراض العقلية أو النفسية في أمر تبينته من عناصر الدعوى وما باشرته بنفسها من الإجراءات بالجلسة.
2- متى كان لا يؤثر في موقف المتهم أن يزداد عدد الجناة واحداً. بفرض أن مضاهاة البصمات التي طالب بهما كشفت عن وجود آخر في مكان الحادث في جريمة رأي الحكم أنها وقعت من أكثر من شخص وقد أخذه فيها, وهو في ختام حديثه عن الأدلة بصفة أساسية, بأقواله هو وبما نسبه المتهم الأول إليه وبما ضبط لديه من متحصلات الجريمة, فإن التفات المحكمة عن إجابة طلب المضاهاة - في واقعة هذه الدعوى - وعن الرد عليه ليس مما يؤثر في سلامة الحكم وهو لا يعيبه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قتلا عمداً مع سبق الإصرار بيوليون كوفلر وذلك بان عقدا العزم على قتله وتوجها إلى البنسيون الذي يديره لتنفيذ جريمتهما وفاجآة بأن كم المتهم الثاني فمه وأنفه وقام المتهم الأول بخنقه فاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وكان القصد من هذه الجناية ارتكاب جنحة السرقة محتويات البنسيون وقد سرق المتهمان فعلاً في الزمان والمكان سالفي الذكر النقود والأشياء الأخرى المبينة بالمحضر وصفاً وقيمة والمملوكة للمجني عليه ولمحي الدين أحمد عطية الناظر أحد نزلاء البنسيون الأمر المنطبق على المادة 317/ 1 - 4 - 5 من قانون العقوبات. والمتهم الأول أيضاً - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً (مسدسا) وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 230 و231 و234/ 3 من قانون العقوبات وبالمواد 1 و26/ 2 و30 من المرسوم بقانون رقم 394 لسنة 54 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 54 والبند أ من الجدول 3 المرافق وبجلسة 19 فبراير سنة 1957 طلبت النيابة إلى غرفة الاتهام إدخال متهم آخر وهو سيد عبد المنعم الصنافيري ووجهت فيه الاتهام بأنه: أخفى ولاعة ودبوس من الأشياء المسروقة من المتخلفات المضبوطة في هذه القضية مع علمه بأنها متحصلة من جناية الأمر المنطبق على المادة 44 من قانون العقوبات. فقررت بذلك, ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بالنسبة للمتهمين الأول والثاني مع تطبيق المادة 32 ع بالنسبة للمتهم الأول والمادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الثاني - أولاً - بمعاقبة مجدي يسى صدقي بالإعدام شنقاً. وثانياً - بمعاقبة حماية ميخائيل نعمة الله بالأشغال الشاقة المؤبدة. وثالثاً - ببراءة المتهم سيد عبد المنعم الصنافيري مما نسب إليه عملاً بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض........ الخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن الأول ينعي على الحكم المطعون فيه أنه أخل بحقه في الدفاع ذلك بأن محاميه طلب إلى محكمة الموضوع أن تحيله إلى مستشفى الأمراض العقلية لفحص قواه العقلية وأن تسمح له بتقديم تقرير استشاري فلم تجبه إلى ما طلب بمقولة إنها تبينت من تصرفاته ما يقنعها بسلامة عقله وتمتعه بالإدراك الكامل ذلك في حين أن الثابت علمياً أن الكثير من السلوك الشاذ يرجع إلى عيب في التركيب الكيمائي للمخ مما يدعو إلى تقدير العقوبة بمقدار الإرادة الحرة التي توفرها عوامل البيئة والوارثة والحالة العضوية والعقلية والنفسية لكل متهم, وإذ كان هذا مقرراً بالنسبة لجرائم الأحداث فهو أولى أن يتبع بالنسبة للجرائم التي يقضي فيها بالإعدام على أن تقدير هذه الحالة يجب أن يشترك في الأخصائيون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على ما طلبه الدفاع خاصاً بطلب فحص قوى المتهم العقلية بقوله "وحيث إنه باستعراض الوقائع المنسوبة للمتهم في هذه القضية والأفعال الأخرى التي ارتكبها في الحوادث التي نظرتها المحكمة مع هذه القضية في جلسة واحدة لم يتبين لها أي شذوذ في تصرفاته أو تأثره بأي مرض نفساني إلا أنه يميل بطبعه إلى الإجرام فقد كان له نصيب في هذه الحوادث جميعها كما أنه اعترف في القضية الخاصة بمقتل السيدة نبوية يوسف بأنه ارتكب حوالي 13 حادث سرقة وكلها عدا واحدة خاصة بسرقة سيارة - سرقات في المساكن وقدرت قيمة المسروقات فيها بمبالغ كبيرة وليس أدل على سلامة عقله من الطريق التي اتبعها في توجيه الاتهام إلى المتهم الثالث فقد نفى عنه اشتراكه معه في اعترافاته الأولى عندما تبين أنه من الممكن أن يحميه بسبب صلته ببعض ذوي النفوذ ولما تبين له فساد هذه الفكرة وجه إليه الاتهام وحمله تبعة أنه هو الذي قام بقتل المجني عليه دونه ودون شريكه المتهم الثاني وعلى ذلك ترى المحكمة من تصرفاته ما يقنعها بسلامة عقله وتمتعه بالإدراك الكامل وأن كل ما يطعن عليه ويسود تفكيره هو ميله للإجرام والانغماس فيه ولا محل بعد ذلك لإجابة طلب فحصه نفسانياً أو عقلياً". لما كان ذلك وكان هذا الذي أثبته الحكم هو تقدير للوقائع المعروضة على المحكمة في حدود حقها وما دامت قد رأت أن ما طلبه الدفاع لا يستند إلى أساس جدي للأسباب السائغة التي أوردتها فما كان بها من حاجة إلى أن تستعين برأي طبيب في الأمراض العقلية أو النفسية في أمر تبينته من عناصر الدعوى وما باشرته بنفسها من الإجراءات بالجلسة. وهذا هو ما تستقر عليه قضاء النقض. ومن ثم فإن هذا الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن مبنى طعن الطاعن الثاني هو الإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد والقصور فقد طلب الدفاع عن هذا الطاعن إلى المحكمة أن تأمر بمضاهاة بصمات الشاهد أحمد جابر على بصمات المجهول التي وجدت بمكان الحادث فلم تجب هذا الطلب مع أهميته في توجيه التحقيق وجهته الصحيحة وفي توثيق الصلة بين هذا الشاهد وبين الجريمة ثم في تقدير قيمة شهادته على الطاعن هذا إلى أن الحكم نسب إلى الطاعن بغير حق أنه اعترف بأنه توجه مع الطاعن الأول إلى محل الحادث وحضر وقوعه ورتب على ذلك نتائجه القانونية في حين أن أوراق الدعوى خالية من مثل هذا الاعتراف ولا يؤثر في ذلك ما قد يعترض به من حق المحكمة في الاستنتاج لما بين الاستنتاج وبين الحقيقة التي توهمها الحكم خطأ من فارق مما أدى به في غالب الأمر إلى رفض طلب مضاهاة البصمات الذي أشير إليه في الوجه السابق وأخيراً فقد قصر الحكم في الرد على ما ساقه الطاعن من قرائن للتدليل على كذب الطاعن الأول في أقواله وعلى أنه أخفى الحقيقة لعلة في نفسه كما أنه لم يناقش طلب إجراء المضاهاة ولم يرد عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شانها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك كان لا يؤثر في موقف الطاعن أن يزداد عدد الجناة واحداً ـ بفرض أن المضاهاة كشفت عن وجود أحمد جابر في مكان الحادث في جريمة رأي الحكم أنها وقعت من أكثر من شخص وقد أخذه فيها وهو في ختام حديثه عن الأدلة بصفة أساسية بأقواله هو وبما نسبه الطاعن الأول إليه وبما ضبط لديه من متحصلات الجريمة وبما كشف عنه قضية نظرت في نفس الجلسة من أن علاقته بالطاعن الأول وبزمرته إنما تقوم على اشتراكهم في الإجرام لما كان ما تقدم فإن التفات المحكمة عن إجابة طلب المضاهاة في واقعة هذه الدعوى وعن الرد عليه ليس مما يؤثر في سلامة الحكم وهو لا يعيبه, هذا ولما كان الحكم قد أورد أقوال الطاعن على حقيقتها في موضعين قال في الأخير منهما "واعترف حماية ميخائيل نعمة الله "المتهم الثاني" الطاعن في البوليس والنيابة وأمام غرفة الاتهام بأن المتهم الأول قابله في شارع سليمان باشا وسأله عن المتهم الثالث سيد عبد المنعم وانتظراه عند الأمريكين ولما لم يحضر اخبره أنه كان يريده ليذهب معه لصاحب بنسيون كان قد أخذ منه أربعة جنيهات كربون للسكني عنده وتعليمه الموسيقى وأنه قد عدل عن ذلك يرغب في استرداد المبلغ منه وعرض عليه أن يرافقه بدلاً من سيد عبد المنعم ليرجو الخواجة لإعطائه المبلغ فذهب منه ودفع مجدي شراعة الباب ومد يده فتح الترباس ودخل الشقة وأبقاه في حجرة الصالون وذهب يبحث عن صاحب الشقة ثم عاد إليه وأخبره بأنه لم يجده وسيأخذ الشنطة وبها الملابس في نظير المبلغ ثم طلب إليه أن يريه الحجرة التي استأجرها وأدخله حجرة وجد بها المجني عليه ملقى على الأرض ومخنوقاً بكرفاته ثم أحضر به سكيناً وطلب منه تقطيع الجثة ليضعها في حقيبة ثم ينقلانها بسيارة سيد عبد المنعم إلى مكان خاص ولكنه رفض وتركا الشقة ونزلاً وعلم منه في الطريق أنه قتل المجني عليه لأنه كان قد اخبره عندما حضر أحمد جابر أنه قريب لكاتب الأستاذ محمود عيسى المحامي الذي يقع مكتبه خلف سكن المجني عليه وطلب منه عدم التبليغ وإلا ضربه بالنار وهدده بمسدس كان معه أخبره أنه أخذه من شقة المجني عليه ثم تقابلا مع سيد عبد المنعم - وأعطاه مجدي الحقيبة لأنه أفهمه أنه غير محتاج إليها إذ أنه اخذ أربعة جنيهات من المجني عليه وعشرة جنيهات من الساكن وعندما انصرف فتح الحقيبة فوجد بها بذلة وبنطلون شاركسكين وقميص وساعة بدلاية عبارة عن بوصلة وولاعة فأعطى البدلة للترزي فارس حنا سعد أصلحها له وأعطى البنلطون لعباس توفيق الخطيب فأصلحه له أيضاً ثم ألقى بالحقيبة في شارع طوسون بعد أن أخذ باقي محتوياته لمنزله هذا الذي ذكره" الحكم بعد أن سبق له أن أورد مؤداه صحيحا في موضع آخر لا يمكن منه القول بأن الحكم أخطأ في فهم أقوال الطاعن وأنه نسب إليه اعترافاً لم يصدر منه فهو من كان قد أخذ الطاعن بأنه حضر واقعة القتل ولم يكن ذهابه إلى مكان الحادث بعد وقوعه فقد هداه إلى ذلك استنتاج سليم أملته هذه الأقوال بصورتها التي أثبتها الحكم والتي خلص منها بما ساقه من أدلة إلى النتيجة الصحيحة التي رتبها عليها مما لا محل معه للقول بخطأ الحكم في الإسناد, لما كان كل ذلك وكان سكوت الحكم عن الرد على ما أثاره الطاعن من دفاع موضوعي ليس مما يعيبه إذ أن في الأخذ بأدلة الإدانة ما يكفي للرد عليه ومن ثم فإن هذا الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعاً.