أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 394

جلسة 8 من أبريل سنة 1958

برئاسة السيد مصطفي فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(106)
طعن رقم 45 سنة 28 ق

تحقيق. إجراءات. إثبات. محكمة الموضوع. دفاع. فقد أوراق التحقيق بعد رفع القضية أمام المحكمة. التزام المحكمة تولى التحقيق بنفسها. اعتمادها في إدانة المتهم على أقوال شاهد من واقع صورة اطلاع محررة بالقلم الرصاص. إخلال بحق الدفاع.
دلت المادة 558 من قانون الإجراءات الجنائية على أن الفصل بين سلطتي الاتهام والمحكمة يقتضي حرصاً على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية أن تكون محكمة الموضوع هي صاحبة الشأن وحدها في أن تتولى هي - دون غيرها - ما تراه من التحقيق في حالة فقد أوراق التحقيق بعد رفع القضية أمامها والعبرة تكون بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ومن ثم فإذا اعتمدت محكمة الجنايات حين نظرت الدعوى بصفة أصلية في ثبوت التهمة على المتهم - على أقوال الشاهد الغائب - من واقع صورة الاطلاع المحررة بالقلم الرصاص - وهي ليست أوراق التحقيق أو صورة رسمية منه فإنها تكون قد أخلت بحق المتهم في الدفاع ولا يؤثر في ذلك اكتفاء المتهم بتلاوة أقوال الشاهد مما يعد تسليمها منه بصحة صورة الاطلاع لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز المواد المخدرة (حشيشاً) الموصوف بتقرير المعامل الكيماوية في غير الأحوال التي تصرح بها القوانين وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و33 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول (أ) المرفق به فقررت بذلك. وأمام محكمة جنايات المنصورة دفع الحاضر مع المتهم ببطلان القبض والتفتيش. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1 و2 و34 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 52 والبند 12 من الجدول رقم (أ) الملحق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه 500 جنيه ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط وذلك على اعتبار أن الإحراز كان بقصد التعاطي وقد ردت المحكمة في أسباب حكمها على الدفعين قائلة بأنها في غير محلهما. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض...... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه - أنه أخطأ في تطبيق القانون وبنى على بطلان في الإجراءات - ذلك أن الحكم استند في إدانة الطاعن - إلى أقوال اليوزباشي إبراهيم إبراهيم عبد الله عبد الله - التي تليت في الجلسة في حين أنه لا يوجد في الأوراق ما يدل على أن هذه الأقوال التي صارت تلاوتها هي أقوال الشاهد المذكور - إذ أن التحقيقات التي أجريت في الدعوى قد فقدت بعد إحالة القضية إلى محكمة جنايات المنصورة - والملف الذي كان معروضا على المحكمة - لم يكن هو محضر التحقيق الأصلي أو صورة رسمية منه - بل هي صورة - قيل أن نساخ المحكمة أحضرها - من اطلاع محامي الطاعن على أوراق الجناية وكان يتعين على المحكمة - طبقاً للفقرة الثانية من المادة 558 من قانون الإجراءات أن تقوم بنفسها بإجراء ما تراه من تحقيق وألا تستند في حكمها إلا على ما تجريه من تحقيق أمامها.
وحيث إن هذه المحكمة في سبيل تحري الحقيقة في الطعن قد اطلعت على مفردات الدعوى وتبين منها أن النيابة العامة اتهمت الطاعن بأنه بدائرة بلقاس أحرز جواهر مخدرة (حشيشاً) بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً - الأمر المعاقب عليه بالمواد 1 و2 و34 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 والبند (12) من الجدول رقم 1 الملحق. وبتاريخ 25 من نوفمبر سنة 1953 أصدرت غرفة الاتهام قراراً بإحالة القضية إلى محكمة جنايات المنصورة وأرسلت أوراق القضية إلى محكمة استئناف المنصورة وتحدد لنظرها أمام محكمة الجنايات جلسة 16 من مايو سنة 1956 وفي محضر تلك الجلسة أثبت ما يأتي "قالت النيابة إن القضية لم يتم نسخها حتى الآن حيث لم تصلها النسخة المطبوعة - والمحكمة استدعت رئيس قلم النسخ فحضر السيد كمال توفيق إبراهيم رئيس قلم النسخ وقرر أن القضية لم يعثر عليها حتى الآن - ولازلنا نبحث عنها - وعند العثور عليها سيتم نسخها" وتأجلت القضية لدور مقبل حتى يتم العثور على القضية ونسخها - وطلب رئيس محكمة استئناف المنصورة بكتابه المؤرخ في 10 يوليو سنة 1956 من المحامي العام مخابرة نيابة بلقاس لإعادة تحقيق القضية استناد إلي النصوص المواد 554 ما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية - ولكن النيابة وقد ظهر لها أن أوراق التحقيق قد فقدت بعد صدور قرارا الإحالة أي بعد رفع الدعوى إلى المحكمة - لم تر من حقها أن تباشر أي إجراء وتركت الأمر للمحكمة وفي تلك الأثناء أحضر النساخ عبد المطلب عبد الرحمن - الذي كان بعهدته الدوسيه الأصلي قبل فقده - أحضر صورة وصفت بأنها صورة طبق الأصل من اطلاع بقلم الرصاص على أوراق الجناية من مكتب محامي المتهم - ونسخت هذه الصورة بمعرفة قلم النسخ وأرسلت إلى المحكمة وهي التي كانت محل نظر المحكمة يوم أول أكتوبر سنة 1957 المحدد للمحاكمة - وفي تلك الجلسة - لم يحضر شاهد الإثبات الأول اليوزباشي إبراهيم عبد الله وسمعت أقوال غيره من الشهود الحاضرين وتليت أقوال الشاهد الغائب بموافقة الدفاع والنيابة وفي تلك الجلسة صدر الحكم بإدانة الطاعن واعتمد الحكم في إدانة الطاعن - بصفة أصلية إلى أقوال اليوزباشي إبراهيم عبد الله - الشاهد الغائب - ولما كانت المادة 558 من قانون الإجراءات وهذا نصها "إذا فقدت أوراق التحقيق كلها أو بعضها قبل صدور قرارا فيه - يعاد التحقيق فيما فقدت أوراقه - وإذا كانت القضية مرفوعة أمام المحكمة تتولى هي إجراء ما تراه من التحقيق" قد دلت على أن الفصل بين سلطتي الاتهام والمحكمة يقتضي حرصاُ على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية أن تكون محكمة الموضوع هي صاحبة الشأن وحدها في أن تتولى هي - دون غيرها - ما تراه من التحقيق في حالة فقد أوراق التحقيق بعد رفع القضية أمامها والعبرة تكون بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها - فلا يجوز للقاضي أن يأخذ بدليل قدم إليه من غير أن يمكن من وجه عليه هذا الدليل من مناقشة وإدحاضه. لما يترتب على ذلك من الإخلال بحق الدفاع, لما كان ذلك وكانت محكمة الجنايات حين نظرت الدعوى وحكمت فيها قد اعتمدت, بصفة أصلية في ثبوت التهمة على الطاعن على أقوال الشاهد الغائب من واقع صور الاطلاع المحررة بالقلم الرصاص وهي ليست أوراق التحقيق أو صورة رسمية منه - فيكون الحكم قد بنى على هذا الاعتبار على دليل وهمي - ليس له أصل ثابت في الأوراق ولم يسمع الشاهد بالجلسة وبذلك تكون المحكمة قد أخطأ لمخالفتها نصا صريحاً في القانون ويكن حكمها معيبا - ولا يرفع عنه العيب أن المحكمة استندت في الإدانة على أدلة أخرى ذكرتها غير أقوال الشاهد المذكور فإن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضا والمحكمة تكون عقيدتها منها مجتمعة لا من كل منها على حدة مما لا يستطاع معه الوقوف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل في الرأي الذي انتهت إليه أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم - ولا يؤثر في صحة هذا الوجه من النظر - القول بأن الدفاع عن الطاعن اكتفى بتلاوة أقوال الشاهد مما يعد تسليما منه بصحة صورة الاطلاع لأن ما أجرته المحكمة على ما سلف ذكره وقع مخالفاً للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية لاعتبارات سائغة تتعلق بالعدالة في ذاتها ويتعين نقض الحكم وإحالة الدعوى إلى محكمة جنايات المنصورة للحكم فيها مجدداً من دائرة أخرى على ما يقضي به القانون وذلك دون حاجة إلى بحث باقي وجوه الطعن الأخرى.