أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 894

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(163)
الطعن رقم 987 لسنة 33 القضائية

(أ، ب) محاكمة. "إجراءاتها". شهود.
( أ ) استحلاف الشاهد: من الضمانات التي شرعت لمصلحة المتهم. القصد منه حمل الشاهد على قول الصدق. اتخاذ هذا الضمان لا يترتب عليه البطلان.
(ب) تنظيم المادة 278 من قانون الإجراءات الجنائية إجراءات المناداة على الشهود وسماع أقوالهم. مخالفة هذه الإجراءات أو عدم الإشارة إلى إتباعها في محضر الجلسة. لا بطلان.
(جـ) سبق الإصرار. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. طبيعته: حالة ذهنية بنفس الجاني. قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة. استخلاص توافره من وقائع وظروف خارجية. جواز استظهاره من الضغينة القائمة بين المتهم والمجني عليه.
(د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
(د) لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها. وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى. ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. هي ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة. لها استخلاص صورة الواقعة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية.
(هـ) لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل، فتأخذ في حق متهم دون الآخر.
(و) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي" محكمة الموضوع.
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيما حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي.
(ز، ح، ط، ى، ك، ل) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
شهود. دفوع.
(ز) البيان المعول عليه في الحكم. هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
(ح) جواز الاستشهاد بالشهادة المنقولة عن الغير. متى اطمأنت المحكمة إلى صحة صدورها ممن نقلت عنه.
(ط) أخذ الحكم بأقوال متهم على آخر. لا يضيره. متى وثقت المحكمة فيها وارتاحت إليها.
(ى) الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية. عدم استلزامه رداً صريحاً.
(ك) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة. طالما أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
(ل) اختلاف الشهود في تحديد أوصاف آلة الاعتداء. اعتماد الحكم على شهادتهم بالرغم من ذلك. لا يعيبه. ما دام قد أخذ من أقوالهم بما رآه صورة صحيحة للواقعة.
آلة القتل ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.
(م) محكمة الموضوع. خبرة.
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره. متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
1 - الأصل هو أن استحلاف الشاهد - عملاً بالفقرة الأولى من المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية التي أحالت إليها المادة 381 المعدلة بالقانونين رقمي 627 لسنة 1955 و107 لسنة 1962 في باب الإجراءات أمام محاكم الجنايات - هو من الضمانات التي شرعت فيما شرعت لمصلحة المتهم، ولا يجوز أن يترتب البطلان على اتخاذ هذا الضمان الذي قصد به حمل الشاهد على قول الصدق.
2 - من المقرر أن المادة 278 من قانون الإجراءات الجنائية والتي أحالت إليها المادة 381 من هذا القانون وإن كانت قد نصت على أن "ينادى على الشهود بأسمائهم وبعد الإجابة منهم يحجزون في الغرفة المخصصة لهم ولا يخرجون منها إلا بالتوالي لتأدية الشهادة أمام المحكمة. ومن تسمع شهادته منهم يبقى في قاعة الجلسة إلى حين إقفال باب المرافعة" فإنها لم ترتب على مخالفة هذه الإجراءات أو عدم الإشارة إلى إتباعها في محضر الجلسة بطلاناً.
3 - سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - ولا يضيره أن يستظهر هذا الظرف من الضغينة القائمة بين المتهم والمجني عليه والتي دلل على قيامها تدليلاً سائغاً.
4 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - وهى في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق دون تقييد هذا التصوير بدليل معين.
5 - لمحكمة الموضوع أن تجزئ الدليل فتأخذ به في حق المتهم دون الآخر لما هو مقرر لها من سلطة وزن عناصر الدعوى وأدلتها بما لا معقب عليها فيه.
6 - تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى، لمحكمة الموضوع الفصل فيها بلا معقب طالما كان استدلال الحكم سليماً يؤدى إلى ما انتهى إليه.
7 - البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
8 - يصح الاستشهاد بالشهادة المنقولة عن الغير متى اطمأنت المحكمة إلى صحة صدورها ممن نقلت عنه.
9 - لا يضير الحكم أن يأخذ بأقوال متهم على آخر متى وثقت المحكمة فيها وارتاحت إليها.
10 - الأصل أن الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً.
11 - لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحة دفاعه الموضوعي وفى كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه من ظروف الرأفة أو أقوال الشهود وترد عليه على استقلال، طالما أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
12 - اختلاف الشهود في تحديد أوصاف آلة الاعتداء واعتماد الحكم على شهادتهم بالرغم من هذا الاختلاف لا يعيب الحكم ما دام قد أخذ من أقوالهم بما رآه صورة صحيحة للواقعة، هذا فضلاً عن أن آلة القتل ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.
13 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 10 نوفمبر سنة 1959 بدائرة قسم الجمرك محافظة الإسكندرية: المتهمون الأول والثاني والثالث - قتلوا عبد المجيد عبد الفتاح الأشقر عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم وبيتوا النية على قتله وأعدوا سكيناً وقضيباً من الحديد وسيارة لنقل جثته بعد الإجهاز عليه وقام كل منهم بدوره المحدد فاصطحب الأول والثاني المجني عليه إلى مسكن أولهما وكانت المتهمة الثالثة في انتظارهم وذبحه الأول بالسكين وضربه الثاني بقضيب حديد فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهمان الرابع والخامس في التاريخ المشار إليه: اتفقا فيما بينهما وبين المتهم الأول على ارتكاب جنحة هي إخفاء جثة المجني عليه. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات للثلاث الأول و48/ 1 و231 من ذات القانون للرابع والخامس. فقررت الغرفة ذلك. وأثناء نظر الدعوى ادعى كل من 1 - عبد الفتاح عبد المجيد الأشقر والد المجني عليه عن نفسه وبصفته ولياً شرعياً على طارق وعبد الفتاح ونعيمة وتوفيق أولاد المرحوم عبد المجيد عبد الفتاح الأشقر و2 - زينب سالم سوكه أم المجني عليه و3 - زوجتي المجني عليه وهما هيبة إبراهيم جمعه وكريمة إبراهيم عمارة - مدنياً قبل المتهمين جميعاً بالتضامن بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل الأتعاب. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً بتاريخ 11 من مايو سنة 1963 عملاً بالمواد 230 و231 و13 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول وبالمواد سالفة الذكر مع تطبيق المادة 10 من ذات القانون بالنسبة للمتهم الثاني: أولاً - بإجماع آراء أعضائها بمعاقبة كامل إبراهيم سلامة بالإعدام شنقاً. وثانياً - بمعاقبة غيط إبراهيم سلامة بالأشغال الشاقة المؤبدة. ثالثاً: ببراءة المتهمين الثالثة والرابع والخامس مما أسند إليهم. رابعاً: بإلزام المتهمين الأول والثاني بأن يؤديا متضامنين للمدعين بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً مع إلزامهما المصروفات المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة - ورفض الدعوى المدنية قبل باقي المتهمين وقدرت لكل من الأساتذة المحامين المنتدبين أتعاباً قدرها ثلاثة جنيهات. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها في 22 يونيه سنة 1963 طلبت في ختامها، إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعن الأول.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد القانوني إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم فهو غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثالث من الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول الطاعن الأول إنه على الرغم من أن أقوال أولياء دم المجني عليه قاطعة في نفى وجود ضغينة تحفز الطاعن على الاعتداء عليه وبالتالي تنفى ظرف سبق الإصرار فإن الحكم اعتمد في التدليل على توافر هذا الظرف على أقوال منتزعة من الخيال لا تؤدى إلى قيامه إذ أن حقيقة الواقع أن الطاعن الثاني حين قصد منزل شقيقه الطاعن الأول فاجأ المجني عليه في وضع مثير مع زوجة شقيقه فلم يتمالك نفسه وضرب القتيل وهو في ثورة الغضب بقطعة من الحديد وجدها بالمطبخ - وهو ما أقر به في كافة مراحل التحقيق والدعوى - ويظاهره أنه لا يتأتى في منطق العقل تدبير قتل المجني عليه في منزل الطاعن الأول الكائن في حي آهل بالسكان وقد كان في مكنته أن يقتله بعيداً عنه، فضلاً عن أن المعاينة لا تساند الحكم فيما استظهره من أن الطاعنين استدرجا المجني عليه إلى منزل أولهما حيث أغراه بزوجته - المقول بأنه ما تزوجها وما أعد منزل الزوجية إلا لهذا الغرض دون أن يكون هناك ثمة أساس لهذا القول - إذ ثبت من المعاينة وجود طعام وزجاجات خمر وكاسين فقط مما يقطع بأنه لم يكن بمسكن الطاعن الأول سوى زوجته والمجني عليه وهو ما يؤيد تصوير الطاعن الثاني، علماً بأنه بفرض أن الطاعن الأول قد اشترك في الاعتداء على أثر دخوله لمنزله ومشاهدته تلك الحالة فإنه يكون في حالة دفاع شرعي عن عرضه بما يعفيه من المسئولية الجنائية وعلى أسوأ الفروض فإنه يكون معذوراً مما يقتضى من الحكم تخفيف العقاب عليه وعدم إنزال عقوبة الإعدام فضلاً عن أن التقرير الطبي لم يحدد إن كانت الوفاة من ضرب السكين أو قطعة الحديد وبذلك لم يتعين شخص القاتل، ومن جهة أخرى فإنه بفرض أن الطاعن الأول قد استعمل السكين المضبوطة معه في الاعتداء على المجني عليه بعد أن أجهز عليه شقيقه الطاعن الثاني فإنه لا جريمة في الأمر لوقوع الاعتداء على جثة فارقت الحياة، هذا إلى أن الحكم أورد أن الطاعن الأول اتفق مع المتهمين الرابع والخامس على نقل جثة القتيل ثم انتهى إلى تبرئتهما دون أن يؤاخذ الطاعن بهذه الجريمة أو يشير إلى اندماجها في عقوبة الجريمة التي دانه بها مما يصم الحكم بالتناقض في الاستدلال.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه لخلاف بين المجني عليه ووالده من جهة وبين حسن أحمد خليل - المتهم السادس التي أمرت غرفة الاتهام بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة إليه لوفاته من جهة أخرى حول إدارة أعمال شركة النقل بالسيارات التي كونها والد المجني عليه وحسن أحمد خليل والتي يعمل بها المجني عليه كاتباً بفرعها بمدينة الإسكندرية، ونشأ فيها الطاعن الأول حمالاً لدى والد المجني عليه من قبل تكوين الشركة واستمر بها حتى أصبح رئيساً للحمالين، وأدى الخلاف بين الشريكين إلى التجاء والد المجني عليه إلى القضاء بطلب وضع الشركة تحت الحراسة واستفحل الخلاف بين الشريكين وكان من أثره طرد المجني عليه من عمله بالشركة بناء على إصرار الشريك ثم عودته إلى عمله بعدم إبرام الصلح بين الشريكين وبناء على ضغط من والده على شريكه الذي خص الطاعن الأول بعنايته وعطفه وجعل منه نائباً عنه في أعمال فرع الشركة بالإسكندرية وصادف هذا العطف هوى في نفس الطاعن الأول الذي كان يضيق بالمجني عليه ونشاطه في أعمال الشركة - خصوصاً بعد أن أخذ المجني عليه يحاسبه على ما يأتيه من عبث بأموال الشركة واختلاس للبضائع التي يعهد إليه بنقلها فانحاز الطاعن الأول إلى مصلحة الشريك على حساب مصلحة والد المجني عليه محتمياً بهذا الشريك حتى بلغ به الأمر إلى الاعتداء على والد المجني عليه في مكتب الشركة وانقلب إلى مصدر رعب للمجني عليه ووالده الذي دأب على النصح للمجني عليه بالاحتياط من الطاعن الأول وعدم الإسراف في مرافقته حتى اضطر والد المجني عليه إلى العمل على الخلاص من هذه الحال فوجه إنذاراً إلى شريكه حسن أحمد خليل بتاريخ سبتمبر سنة 1959 بفض الشركة ابتداء من سنة 1960 وطالبه بتقديم حساب عن إدارته لها وشفع بذلك بأن هدده بإبلاغ مصلحة الضرائب بما فوته عليها من حقوق نتيجة تلاعبه في دفاتر الشركة إخفاء لأرباحها الحقيقية وذلك بعد أن تمكن من الاستيلاء على هذه الدفاتر خلسة من مقرها بفرع القاهرة، فنشط الطاعن الأول للعمل وتطلع أن يكون شريكاً في الشركة بدلاً من والد المجني عليه وهداه تفكيره إلى أن الخلاص من الأخير لن يجديه بل يعقد عليه الأمر إذ سيبرز له ولده المجني عليه وهو لازال شاباً في مقتبل العمر فسولت له نفسه أن يزيح الأخير من طريقه ولما استقر عزمه على هذا الأمر أخذ في تدبير وسيلة لتنفيذ مأربه وهداه تفكيره أن يستدرج المجني عليه إلى مكان يتمكن فيه من الإجهاز عليه - مع ضمان مطاوعته له في ذلك - فاستأجر منزلاً جعل منه وكراً لارتكاب الجريمة وتزوج من المتهمة الثالثة قبل الحادث بسبعة عشر يوماً وهى من المعروفات باعوجاج السيرة - وهو المتزوج من أخرى ورب أسرة وجهز مسكنه الجديد ونزل به مع عروسه قبل الحادث بثمانية أيام ودعاً المجني عليه إلى زيارته ليلتقي بعروسه مبدياً ترحيباً اصطنع مظاهره في الأيام الأخيرة ليزيل النفور الذي نشأ بينهما بسبب التصادم في العمل. ولبى المجني عليه دعوته ثم دعاه مرة ثانية فسارع المجني عليه إلى قبول دعوته مدفوعاً بالأغراء الذي ولدته الزيارة السابقة في نفسه، وكان الطاعن الأول قد بيت النية مع شقيقه الثاني - الذي ألحقه بالعمل بالشركة منذ عام سابق - على الفتك بالمجني عليه بعد أن كاشفه بخطته ومنهجه، وأعد للمجني عليه مجلس شراب وأدوات لتدخين الحشيش ولم يفته إمعاناً في التدبير أن يرتب نقل جثة المجني عليه بعد إزهاق روحه في سيارة نقل كانت مملوكة من قبل لحسن أحمد خليل وباعها في ظروف مريبة لصهره وإن ظلت على تعامل مع الشركة القائمة بينه وبين والد المجني عليه وذلك بأن استمهل سائقها وتابعها المتهمان الرابع والخامس - لإرجاء سفرها من الإسكندرية إلى القاهرة في يوم الحادث على الرغم من إعدادها للسفر بإتمام شحنها قبل ارتكاب الجريمة بفترة تتجاوز الأربع ساعات، ولما تم للطاعن ترتيب الأمر على الوجه المتقدم تزود بسكين قاطعة وتجهز أخوه الطاعن الثاني بقطعة غليظة ثقيلة من الحديد على هيئة قضيب وسبقاً المجني عليه إلى منزل الأول بعد انصرافهما من العمل احدهما تلو الآخر حتى إذا ما حان موعد حضور المجني عليه - الذي انصرف بعدهما بقليل خف الطاعن الأول إلى استقباله خارج المنزل وعاد في صحيته حوالي الساعة السادسة مساء أما الطاعن الثاني فكان في انتظارهما بالمنزل حيث كانت زوجة أولهما - المتهمة الثالثة - به وقدمت الخمر واعدت وسائل تدخين الحشيش للمجني عليه ولما استقر به المقام نحو الساعة ابتدره الطاعنان بالاعتداء بأن انهال الثاني على رأسه ضرباً بالقضيب الحديد واعمل الأول سكينة في عنقه طعناً وذبحاً قاصدين من ذلك إزهاق روحه فأحدثا برأسه وعنقه الإصابات العديدة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وإذ تم لهما القضاء عليه وضعا جثته في غراره كان قد أحضرها معه الطاعن الثاني قبل الحادث لهذا الغرض تمهيداً لنقل الجثة بالعربة المعدة لذلك، غير أن إحدى جيران الطاعن الأول "فوزية أحمد الشامي" كانت قد ترامت إليها أصوات عنيفة من مسكن الطاعن فأطلت من نافذة مسكنها المطلة على المسكن مكان الجريمة فرأت القتيل ممدداً على الأرض وهو في حالة النزع فاستشعرت أن في الأمر جريمة وأنبأت أهلها بما رأت وتناقل الناس الخبر وطيروه إلى شرطة النجدة فخف رجالها إلى مكان الحادث حيث كشفوا عن جثة القتيل غارفة في الدماء في غراره وجدت مخبأة تحت سرير الطاعن وزوجته وضبطوا هذا الطاعن أمام المنزل بعد أن كان قد غادره إثر ارتكاب الحادث لدعوة المتهمين الرابع والخامس للحضور بسيارتهما لنقل الجثة كما ضبطوا الطاعن الثاني وزوجة الطاعن الأول بالمسكن وهما في حالة اضطراب ظاهر وعثر بجيب الطاعن الأول على خنجر ملوث بدماء لم تجف وضبطوا القضيب الحديدي وسط بقعة كبيرة من الدماء في حجرة المائدة كما لوحظ وجود إناء به ملابس للرجال مبتلة من أثر الغسيل وشوهد فوق المادة كأسان بهما آثار خمر وبقايا طعام وجوزه وموقد من الفخار ولا زال ساخناً من آثار فحم محترق به عدا كمية أخرى من الفحم إلى جواره. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مردودة إلى أصلها في الأوراق مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن أقوال المتهمين جميعاً ومن تفتيش مسكن الطاعن الأول ومعاينة مكان الحادث ومن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه وتقرير المعمل البكتريولجى بمصلحة الطب الشرعي ومن مجموع القرائن التي استخلصتها المحكمة من الأوراق وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دين الطاعن الأول بها - لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن عرض لنية القتل واستظهرها بما ينتجها تناول ظرف سبق الإصرار في قوله "أما سبق الإصرار فقد قام الدليل عليه أيضاً من تلك الضغائن التي تولدت بين المتهم - الطاعن الأول - وبين المجني عليه ووالده بسبب الخلاف الذي قام بين الشريكين في الشركة والذي ساهم المتهم الأول فيه بانحيازه للشريك الآخر حسن خليل ضد صالح المجني عليه ووالده وكانا يصبوان إليه من آمال حسباً أنها تتحقق بالخلاص من المجني عليه ولقد كانت الآية على هذه النية المبيتة ذلك الإعداد السابق للسيارة واستبقائها في الإسكندرية فترة طويلة بعد أن تهيأت للسفر ثم إحضار المتهم الثاني الغرارة التي رتب أمرها لنقل الجثة وتسلمها بعد ذلك بالقضيب من الحديد والسكين المشار إليهما آنفاً وأية أخرى على عمق هذا التدبير وبعد مداه هي استئجار ذلك المنزل وإعداده بعروس شابة لاكت اسمها الألسن وأحاطت بسلوكها الريب بما أثر دهشة من يعرفون المتهم الأول وذلك في غير ضرورة ملجئة بالنسبة لشخص متزوج ورب أسرة ثم اختيار طابق أرضى شمل مسطح البناء جميعه توخياً ألا يكون له جار ملاصق ثم تقدير الخمر للمجني عليه قبل ارتكاب الحادث ضماناً لعدم مقاومته اعتداءهما عليه". وما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره، ما دام موجب هذه الوقائع لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - ولا يضيره أن يستظهر هذا الظرف من الضغينة القائمة بين الطاعن الأول والمجني عليه والتي دلل على قيامها تدليلاً سائغاً، أما ما استطرد إليه الطاعن الأول من منازعة في التصوير الذي اعتنقه الحكم للحادث ونعيه عليه إطراحه الصورة التي أوردها الطاعن الثاني للحادث من مفاجأته للمجني عليه في وضع مثير مع زوجه أخيه الطاعن الأول واعترافه بقتله لهذا السبب فمردود بأن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هي واقع الحال في الدعوى المطروحة - وهى في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حم العقل والمنطق دون تقييد هذا التصوير بدليل معين. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الأول واطرح في منطق سائغ دعوى الطاعن الثاني من وجوده في حالة دفاع شرعي عن عرض أخيه، وكان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيها بلا معقب طالما كان استدلال الحكم سليماً ويؤدى إلى ما انتهى إليه ومن ثم فلا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الشأن ولما كان الحكم قد حصل مؤدى تقرير الصفة التشريحية وما تضمنه من وصف إصابات المجني عليه الرضية والقطعية والطعنية وأنها جميعها حيوية ويجوز حدوث الرضية منها من مثل القضيب المضبوط والقطعية والطعنية من مثل السكين المضبوط وأن وفاة المجني عليه نشأت من الإصابات الموصوفة بالتقرير وما صاحبها من نزيف وصدمة عصبية، وهو تحصيل مردود إلى أصله في الأوراق فإن ما يثيره الطاعن من افتراض حصول الاعتداء على جثة القتيل (المجني عليه) بعد أن فارقت الحياة لا يكون سديداً. ولما كان الحكم قد أثبت أن وفاة المجني عليه قد نشأت من الإصابات التي أسهم الطاعن الأول في إحداثها به ودلل على وجود الطاعن الأول مع شقيقه الطاعن الثاني على مسرح الجريمة التي بيتا النية على اقترافها وإتيانهما تلك الأفعال المادية تنفيذاً لمقصدهما المشترك، فإن الحكم إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم من قالة التناقض تأسيساً على أنه انتهى إلى تبرئة المتهمين الرابع والخامس من تهمة الاتفاق مع الطاعن الأول على نقل جثة المجني عليه بسيارتهما في الوقت الذي رمى الطاعن بهذه التهمة دون أن يؤاخذه عليها أو يشير إلى اندماجها في عقوبة الجريمة الأشد التي دانه بها، ما ينعاه الطاعن من ذلك مردود بأنه فضلاً عن أنه لا مصلحة له من هذا النعي، فإن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ الدليل فتأخذ به في حق متهم دون الآخر لما هو مقرر لها من سلطة وزن عناصر الدعوى وأدلتها بما لا معقب عليها فيه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين لا يكون سديداً.
وحيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه في الأوجه الثاني والرابع والخامس والسادس الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والبطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع، وفى تفصيل ذلك يقول الطاعن إن الحكم أسند إلى الشاهدة "فوزية الشامي" أنها رأت الحادث وشاهدت زوجة الطاعن الأول المتهمة الثالثة - تقف بقدميها على صدر القتيل الذي لفت نظرها إليه سماع الضوضاء وصوت الحشرجة في حين أنها لم تقل شيئاً من ذلك فضلاً عن أن باقي الشهود الذين عول الحكم على أقوالهم في الإدانة نقلوا عن تلك الشاهدة أنها أبلغتهم برؤيتها الطاعنين يعتديان على القتيل - ورؤيتها للمتهمة الثالثة أيضاً مع أن الشاهدة كذبتهم ونفت صدور هذا القول منها وأنها قررت والدتها زينب سالم سوكه أن ابنتها لم تقل لها أكثر من أنها شاهدت الجثة ممددة ورأت المتهمة الثالثة من ظهرها دون أن ترى أحداً آخر. وإذا كان الطاعن الثاني قد اعترف بارتكاب القتل وحده فإن ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن الأول تأسيساً على عناصر لا تحمل قضاءه يكون مشوباً بما يعيب استدلاله. وكان ما يسوغ التعويل على أقوال الكونستابل وما نقله من روايات المتهمة الثالثة وما نسبه إليها في إحدى روايتها من أن الطاعنين قتلا المجني عليه إذ أنها نفت ما عزى إليها في جميع مراحل التحقيق فضلاً عن أنها لا تصلح بذاتها للاستدلال لأنها لا تعدو أقوال متهم على متهم، هذا وقد اتخذ الحكم من ضبط السكين مع الطاعن الأول دليلاً على أنها استعملت في القتل واستند في هذا إلى التقرير الطبي قولاً من الحكم - على خلاف الواقع - أنه أثبت أن الدماء التي على السكين من دماء القتيل ورتب توافر سبق الإصرار على هذا السند الخاطئ في حين أن الطاعن قرر أن هذه السكين لم تكن ملوثة بالدماء ولا يعقل أن يظل الطاعن محتفظاً بها في جيبه وهى ملوثة بدماء القتيل دون أن يحاول التخلص منها أو في القليل أن يزيل ما عليها من آثار دماء وخاصة أنه مضت فترة طويلة بين الحادث وبين ضبط الطاعن وقرر الشهود أنه غادر منزله خلالها وغاب فترة استبدل فيها ثيابه فضلاً عن الاختلاف في وصف السكين ومدى تلوثها بالدماء وخلو الجراب الذي كانت به من تلك الآثار مما كان يقتضى من المحكمة أن تفحص حرز السكين حسماً للموضوع، ولا يقدح في هذا أن يكون التقرير الطبي الشرعي قد انتهى إلى جواز حدوث الإصابات من مثل هذه السكين إذ أنه لم يقطع بهذه النتيجة. كما اتخذ الحكم من ضبط ساعة يد المجني عليه بدولاب ملابس الطاعن زوجته ومن ضبط خمسة وعشرين جنيهاً مع الطاعن دليلاً عليه دون أن يفطن إلى ظروف الضبط تشير إلى أن الساعة قد دست عليه وأن مفردات النقود المضبوطة تختلف وما قرره كاتب الشركة عن مفردات نقود المجني عليه. هذا إلى أن المحكمة قد استمعت بجلستي 6 و7 من يناير سنة 1962 إلى أقوال والدة القتيل وزوجة والده ثم إلى والده بعد تحليفهم اليمين على الرغم من وجودهم بقاعة الجلسة وذلك على خلاف مقتضى القانون مما يعيب الحكم بما يبطله - ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى تحصيلاً وافياً واستند إلى أدلة سائغة تكفى لتبرير اقتناع المحكمة بإدانة الطاعن، وكان ما يثيره الطاعن من قالة الخطأ في الإسناد بشأن ما حصله الحكم من أقوال الشاهدة فوزية أحمد الشامي بصدد روايتها عن الحادث وتكذيبها ما نقله باقي الشهود عنها في هذا الخصوص، مردوداً بأنه يبين من الأوراق أن ما حصله الحكم من أقوال هذه الشاهدة له مأخذه من أقوالها في تحقيقات النيابة العامة وما رددته بجلسة المحاكمة. أما بصدد ما رواه الشهود نقلاً عن هذه الشاهدة فإن مؤدى ما حصله الحكم من رواية هؤلاء الشهود النقلية عن الشاهدة لا يعدو ما وعاه كل منهم من رواياتها وبفرض اختلاف بعضهم في تفصيلات هذه الرواية فإن الحكم لم يعول في الإدانة على تلك الرواية السماعية التي لم يكن لها أثر في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها فلا يضيره أن تكون الشاهدة قد نازعت في تلك التفصيلات لما هو مقرر من أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من جدل حول استدلال الحكم بأقوال الكونستابل واعتماده إحدى الروايات التي نقلها عن زوجة الطاعن على الرغم من نفيها الإدلاء بها إليه، فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة، هذا فضلاً عن أنه يصح الاستشهاد بالشهادة المنقولة عن الغير متى اطمأنت المحكمة إلى صحة صدورها ممن نقلت عنه، ولا يضيره الحكم أن يأخذ بأقوال متهم على آخر متى وثقت المحكمة فيها وارتاحت إليها. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور لالتفاته عن التصدي لما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة واصطناع الأدلة، فإنه مردود بأن الأصل أن الدفاع بتلفيق التهمة على المتهم هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً، ومن المقرر أيضاً أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفى كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه من ظروف الرأفة أو أقوال الشهود وترد عليه على استقلال، بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن استدلال الحكم بإدانته إلى ضبط السكين معه واعتماده على هذا الدليل دون أن يحسم ما ثار حوله من خلاف في الوصف وفى مدى تلوثه بالدماء وذلك بفحص المحكمة للسكين، ما يثيره الطاعن من ذلك مردود بأنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة أمرت في مواجهة الطاعن والمدافع عنه بإحضار الحرزين ووصفت محتوياتهما على الوجه الثابت بمحضر الجلسة ولم يبد الطاعن أو المدافع عنه أي منازعة أو طلب فلا يقبل منه النعي على المحكمة التفاتها عن إجراء لم يطلب إليها تحقيقه - أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الخطأ في الإسناد بأن نسب إلى تقرير التحليل - على خلاف الواقع - أن الدماء التي تلوث السكين هي من فصيلة دماء القتيل، فإنه نعى غير صحيح إذ لم يرد بالحكم في هذا الشأن سوى أن تلك الدماء آدمية دون أن يستطرد إلى أنها من فصيلة دماء المجني عليه، وما أورده الحكم في هذا الصدد له مأخذه من تقرير التحليل. أما ما يثيره الطاعن في خصوص تعييبه استدلال الحكم بهذا الدليل بدعوى أنه كان في مكنته التخلص من السكين، فجدل موضوعي لا يصح إثارته أمام هذه المحكمة. أما عن الخلاف في وصف السكين فإنه بفرض قيامه لا يقدح في سلامة الحكم إذ أن اختلاف الشهود في تحديد أوصاف آلة الاعتداء واعتماد الحكم على شهادتهم بالرغم من هذا الاختلاف لا يعيب الحكم ما دام قد أخذ من أقوالهم بما رآه صورة صحيحة للواقعة وهى أن المجني عليه قتل بالسكين المضبوطة. هذا فضلاً عن أن آلة القتل ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة فلا يجدي الطاعن المنازعة في هذا الخصوص. أما القول بأن تقرير الصفة التشريحية وإن انتهى إلى جواز حصول إصابات القتيل القطعية والطعنية من مثل هذه السكين دون أن يقطع بهذه النتيجة فإنه مردود بأن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة البطلان في الإجراءات تأسيساً على أن المحكمة سمعت أقوال والدي القتيل وزوجة والده بعد تحليفهم اليمين على الرغم من وجودهم بقاعة الجلسة، ما ينعاه الطاعن من ذلك مردود بأنه فضلاً عن أنه نعى موجه إلى إجراءات قامت بها هيئة أخرى غير التي قامت بتحقيق الواقعة وسماع المرافعة والفصل في الدعوى، فإن الأصل هو أن استحلاف الشاهد - عملاً بالفقرة الأولى من المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية التي أحالت إليها المادة 381 المعدلة بالقانونين رقمي 627 لسنة 1955 و107 لسنة 1962 في باب الإجراءات أمام محاكم الجنايات - هو من الضمانات التي شرعت فيما شرعت لمصلحة المتهم ولا يجوز أن يترتب البطلان على اتخاذ هذا الضمان الذي قصد به حمل الشاهد على قول الصدق، هذا إلى أنه من المقرر أن المادة 278 من قانون الإجراءات الجنائية والتي أحالت عليها المادة 381 من هذا القانون وإن كانت قد نصت على أن "ينادى على الشهود بأسمائهم وبعد الإجابة منهم يحجزون في الغرفة المخصصة لهم ولا يخرجون منها إلا بالتوالي لتأدية الشهادة أمام المحكمة. ومن تسمع شهادته منهم يبقى في قاعة الجلسة إلى حين إقفال المرافعة". فإنها لم ترتب على مخالفة هذه الإجراءات أو عدم الإشارة إلى إتباعها في محضر الجلسة بطلاناً، كما أن الواضح من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن هؤلاء الشهود سمعوا بحضور الطاعن والمدافع عنه دون اعتراض أي منهما على الإجراء موضوع النعي مما يسقط الحق في الدفع ببطلانه - لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة طبقاً لما هو مقرر في المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وقدمت مذكرة برأيها في الحكم انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعن الأول. وهى وإن كانت قد جازت في هذا العرض الميعاد المنصوص عليه في المادة 34 من القانون سالف الذكر، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تجاوز هذا الميعاد لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حق المحكوم عليه بالإعدام أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، على ما سلف بيانه في معرض التصدي لأوجه الطعن، كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون، وإعمالاً لما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1962 من استطلاع رأى مفتى الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد جاء الحكم سليماً من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعده قانوناً يسرى على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، ويتعين لذلك إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه كامل إبراهيم سلامه.