أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 940

جلسة 17 من ديسمبر سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن: وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، وحسين السركي، وأحمد موافي، ومحمد عبد الوهاب خليل.

(172)
الطعن رقم 708 لسنة 33 القضائية

( أ ) جريمة. سرقة. تهريب جمركي.
استقلال جريمة السرقة عن جريمة التهريب الجمركي. لكل منها أركانها التي تميزها عن الأخرى.
(ب) عقوبة. "عقوبة أصلية". "عقوبة تكميلية". "تعدد العقوبات". "الارتباط غير القابل للتجزئة". محكمة الموضوع. نقض. "أحوال الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون". "سلطة محكمة النقض". سرقة. تهريب جمركي.
تقدير قيام الارتباط بين الجرائم. موضوعي.
ثبوت أن وقائع الدعوى كما أوردها الحكم لا تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه من عدم توافر الارتباط بين جريمتي السرقة والتهريب الجمركي. اعتباره خطأ قانونياً في تكييف علاقة الارتباط، يقتضى تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح. ثبوت أن جريمة السرقة - وهى الجريمة الأشد - سبق الحكم فيها. وجوب مراعاة ذلك عند الحكم في جريمة التهريب الجمركي المرتبطة بها والاقتصار على توقيع العقوبات التكميلية من رد ومصادرة. مجانبة الحكم المطعون فيه هذا النظر. خطأ في تطبيق القانون يستوجب نقضه وتصحيحه.
1 - من المقرر أن لكل من جريمتي السرقة والتهريب الجمركي ذاتية متميزة تقوم على مغايرة الفعل المادي في كل منهما عن الأخرى بما يجعل منهما جريمتين مستقلتين تماماً لكل أركانها التي تميزها عن الأخرى.
2 - من المقرر أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم المطعون فيه لا تتفق قانوناً مع ما انتهت إليه من عدم توافر الارتباط فإن ذلك يكون من الأخطاء القانونية في تكييف علاقة الارتباط والتي تقتضى تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح. ولما كانت عبارة الحكم تفيد أن جريمتي السرقة والتهريب الجمركي قد انتظمهما فكر جنائي واحد وجمعت بينهما وحدة الغرض فجعلت منهما وحدة قانونية غير قابلة للتجزئة لها أثرها في توقيع العقاب على مرتكبها مما كان يقتضى إعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات واعتبار الجريمتين جريمة واحدة والاكتفاء بالعقوبة المقررة لأشدهما. وكانت جريمة السرقة وهى الجريمة الأشد قد سبق الحكم فيها فقد كان ينبغي مراعاة ذلك عند الحكم في جريمة التهريب الجمركي المرتبطة بها والاقتصار على توقيع العقوبات التكميلية من رد ومصادرة إذ هي عقوبات نوعية لازمة عن طبيعة الجريمة التي تقتضيها. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطا إذ عاقب الطاعن في جريمة التهريب الجمركي بعقوبة الغرامة - وهى عقوبة أصلية تخييرية مع عقوبة الحبس - إلى جانب العقوبات التكميلية الأخرى المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 623 لسنة 1955 مما يستوجب نقض الحكم نقضاً جزئياً وإلغاء عقوبة الغرامة المقضي بها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 5 ديسمبر سنة 1956 بدائرة قسم ميناء بورسعيد: قام بتهريب 90 جوال بن غير مطحون مملوك لشركة كولونيال التجارية من الدائرة الجمركية. وطلبت عقابه بالمواد 1، 2، 3، 4 من القانون رقم 623 لسنة 1955. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة بورسعيد الجزئية دفع الحاضر عن المتهم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ثم قضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 8 نوفمبر سنة 1961 ببراءة المتهم مما أسند إليه بلا مصاريف جنائية. وردت المحكمة على الدفع قائلة إنه في محله. فاستأنفت النيابة هذا الحكم وادعت مصلحة الجمارك مدنياً طالبة الحكم لها قبل المتهم بمبلغ 1505 جنيهات 580 مليماً تعويضاً. ومحكمة بورسعيد الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1961 عملاً بمواد الاتهام بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم مائة جنيه وبأن يؤدى لمصلحة الجمارك تعويضاً قدره 1505 جنيهات و580 مليماً والمصادرة فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة التهريب الجمركي قد أخطأ في القانون وشابه القصور وانطوى على فساد في الاستدلال ذلك بأن الطاعن دفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بوصف السرقة في القضية رقم 94 جنح بورسعيد سنة 1957 لوحدة الوقائع في كلاً الدعويين بما يمتنع معه محاكمته عنها مرة أخرى بوصف آخر، وما رد به الحكم من أن الوقائع تضمنت فعلين يعاقب عليهما القانون ينطوي على خطأ في القانون كما لم يعن الحكم بالرد على ما دفع به الطاعن من أن الشاهد الأول أحمد الشناوي هو المتهم الحقيقي بما دلت عليه التحريات من إيداع البن المهرب في مخازنه وضبطه فيها بالفعل ومن خلو هذه التحريات من اسم الطاعن كما يعيب الحكم في استدلاله على ثبوت التهمة قبل الطاعن ما أورده من أنه سحب كمية البن المهربة مع كمية أخرى دفع عنها الرسوم الجمركية إذ ما كانت به حاجة تدعوه إلى تهريب الكمية موضوع المحاكمة لضآلة الرسوم المستحقة عليها بالنسبة لما قام بسداده.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت ضد الطاعن بأنه في 5/ 12/ 1956 بدائرة قسم الميناء قام بتهريب 90 جوال بن غير مطحون مملوك لشركة كولونيال التجارية من داخل الدائرة الجمركية بالمواد 1, 2, 3, 4 من القانون رقم 623 لسنة 1955 - ومحكمة أول درجة قضت بالبراءة فاستأنفت النيابة، وقضت المحكمة الاستئنافية حضورياً وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم 100 جنيه وبإلزامه بأن يؤدى لمصلحة الجمارك تعويضاً قدره 1505 جنيهات و580 مليماً والمصادرة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التهريب الجمركي التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وكان الحكم قد عرض للدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ورد عليه في قوله "وحيث إنه بالإطلاع على القضية رقم 94 سنة 1957 جنح قسم أول بورسعيد تبين أنها مقيدة ضد المتهم الطاعن بوصف أنه بتاريخ 5/ 12/ 1956 سرق 90 جوالاً من البن المبينة الوصف والقيمة بالمحضر لشركة كولونيال التجارية وصدر حكم نهائي بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع وقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات من تاريخ صدوره نهائياً. وحيث إنه عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها مردود عليه بأن الوقائع قد تضمنت فعلين مجرمين يعاقب عليهما القانون أحدهما فعل السرقة والثاني فعل التهريب وأن الدعوى الجنائية قد رفعت عن الوقائع التي تكون فعل السرقة وحوكم المتهم عنها في القضية رقم 94 سنة 1957 المرفقة بحكم نهائي، ولم يكن في استطاعة محكمة أول درجة ولا من حقها أن تتعرض للوقائع التي تكون فعل التهريب والتي يكن قد رفعت عنها الدعوى الجنائية وقت نظرها للوقائع التي تكون فعل السرقة والتي رفعت بها الدعوى الجنائية في القضية رقم 94 سنة 1957 سالفة الذكر لأن المحكمة مقيدة في حكمها في تطبيق القانون بالواقعة التي ترفع عنها الدعوى العمومية حسبما تقضي به المادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية وكانت النيابة لم تطرح على محكمة الموضوع واقعة التهريب ولم ترفع عنها الدعوى العمومية ولم يكن في استطاعتها أن تتعرض لواقعة التهريب بمقولة إن من حقها تعديل الوصف لأن ذلك يخالف نفس الواقعة التي رفعت بها الدعوى الجنائية هذا فضلاً عن أنه لا توجد أية رابطة بين جريمة السرقة وجريمة التهريب لأن الوقائع التي تكون جريمة السرقة تختلف عن الوقائع التي تكون جريمة التهريب وكلاهما يختلف عن الآخر تمام الاختلاف ولكل منهما ذاتية مستقلة عن الأخرى وقد قضت محكمة النقض بأن جريمة السرقة مستقلة تماماً عن جريمة التهريب الجمركي ولكل أركانها القانونية التي تميزها عن الأخرى ولا أثر لما انتهت إليه المحكمة من براءة المتهم في واقعة السرقة على جريمة التهريب الجمركي التي قد توافرت شرائطها قبله.... وبذلك فإنه لا أثر لما انتهت إليه المحكمة في القضية رقم 94 سنة 1957 من إدانة المتهم في واقعة السرقة على جريمة التهريب الجمركي المعروضة ومن ثم فإنه لا محل للاحتجاج بالمادتين 454، 455 إجراءات - لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم من أن جريمة السرقة مستقلة بأركانها وعناصرها القانونية عن جريمة التهريب الجمركي صحيحاً في القانون ذلك بأن لكل من هاتين الجريمتين ذاتية متميزة تقوم على مغايرة الفعل المادي في كل منهما عن الأخرى بما يجعل منهما جريمتين مستقلتين تماماً لكل أركانها التي تميزها عن الأخرى - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما بين جريمة التهريب الجمركي موضوع المحاكمة - وجريمة السرقة التي سبق محاكمة الطاعن عنها وهو بسبيل الرد على الدفع المبدى من الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، فنفى توافر الارتباط بين الجريمتين وعاقب الطاعن بعقوبة أخرى عن جريمة التهريب فضلاً عن العقوبة المقضي بها عن جريمة السرقة - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم المطعون فيه لا تتفق قانوناً مع ما انتهت إليه من عدم توافر الارتباط فإن ذلك يكون من الأخطاء القانونية في تكييف علاقة الارتباط والتي تقتضى تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح، ولما كانت عبارة الحكم تفيد أن جريمتي السرقة والتهريب الجمركي - في صورة الدعوى - قد انتظمهما فكر جنائي واحد وجمعت بينهما وحدة الغرض فجعلت منهما وحدة قانونية غير قابلة للتجزئة لها أثرها في توقيع العقاب على مرتكبهما مما كان يتقضى إعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات واعتبار الجريمتين جريمة واحدة والاكتفاء بالعقوبة المقررة لأشدهما - لما كان ذلك، وكانت جريمة السرقة وهى الجريمة الأشد قد سبق الحكم فيها فقد كان ينبغي مراعاة ذلك عند الحكم في جريمة التهريب الجمركي المرتبطة بها والاقتصار على توقيع العقوبات التكميلية من رد ومصادرة إذ هي عقوبات نوعية لازمة عن طبيعة الجريمة التي تقتضيها - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ إذ عاقب الطاعن في جريمة التهريب الجمركي بعقوبة الغرامة - وهى عقوبة أصلية تخييرية مع عقوبة الحبس - إلى جانب العقوبات التكميلية الأخرى المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 623 لسنة 1955 مما يستوجب نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وإلغاء عقوبة الغرامة المقضي بها.