أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 450

جلسة 5 من مايو سنة 1958

برئاسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومحمود محمد مجاهد, وأحمد زكي عفيفي, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(123)
طعن رقم 104 سنة 28 ق

(أ) تفتيش. إثبات. اعتراف. بطلان التفتيش. سلطة قاضي الموضوع في الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التي تؤدي إلى ذات النتيجة التي أسفر عنها التفتيش.
(ب) اختلاس. النص في لائحة النقل المشترك بإنذار المختلس ومنحه مهلة. لا أثر له في قيام الجريمة متى توافرت عناصرها.
1- إن بطلان التفتيش - بفرض صحته - لا يحول دون أخذ قاضي الموضوع بعناصر الإثبات الأخرى التي تؤدي إلى ذات النتيجة التي أسفر عنها التفتيش, وأن تعتمد في ثبوت حيازة المتهم لما ضبط في مسكنه على اعترافه اللاحق بوجودها فيه.
2- لا يؤثر في مسئولية المتهم في جناية الاختلاس مبادرته بسداد العجز، كما لا يفيده الاستناد إلى ما ورد بلائحة النقل المشترك - وهي لائحة إدارية تنظيمية - من إنذار المختلس ومنحه مهلة - لا يفيده الاستناد إلى ذلك لأنه ليس من شأن ما جاء بتلك اللائحة أن يؤثر في مسئولية المتهم الجنائية عن الجريمة التي ارتكبها متى توافرت عناصرها القانونية في حقه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة: 1- صبحي رمضان محمد 2- السيد محمد الصاوي (الطاعنين) بأنهما المتهم الأول بصفته كمسارياً بدائرة النقل العام من مندوبي التحصيل اختلس تذاكر قيمتها 47 جنيهاً و564 مليماً من عهدة التذاكر المسلمة له بهذه الصفة والمتهم الثاني بصفته كمسارياً بإدارة النقل العام من مندوبي التحصيل اختلس تذاكر قيمتها 448.9 قرشاً من عهدة التذاكر المسلمة له بهذه الصفة والمتهمان اشتركا مع شخص مجهول بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو كشف حركة تذاكر ترام المدينة المؤرخ في 25 سبتمبر سنة 1955 بأن حرض الأول على تحرير الكشف وقدم له نموذجاً خاصاً بهذه الكشوف ودفتري تذاكر من عهدته كما قدم له المتهم الثاني أرقام التذاكر المثبتة بكشف حركة التذاكر الخاص بها واتفقا مع ذلك المتهم المجهول على إدراجه الأرقام سالفة الذكر بالكشف المزور فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة والمتهم الثاني استعمل كشف حركة التذاكر المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه لكل من عبد السلام طعيمة نصار وموريس يوسف فهمي كاتبي التذاكر بمحطة بنهاية خط ترام البلدة ونزهة الورديات للتأشير عليها وقدمه لمصطفى أبو خليل درويش خليل وكيل باشمفتش بترام البلدة أثناء تفتيشه عليه. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40 و41 و111 و112/ 2 و118و 119 و211 و212و 214 من قانون العقوبات فصدر قراراها بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً أولاً - بمعاقبة صبحي رمضان محمد بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه 500 جنيه وبرد مبلغ 46 جنيهاً و364 مليماً قيمة ما اختلسه. وثانياً - بمعاقبة السيد محمد الصاوي لمدة ثلاث سنوات وتغريمه 500 جنيه وبعزله من وظيفته وذلك تطبيقاً للمواد 111 و112/ 2 و118 و119 و40/ 2 - 3 و41 و211 و212 و32/ 1 و17 من قانون العقوبات.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

وحيث إن محصل الطعن المقدم من الطاعن الأول صبحي رمضان محمد أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي تكييف واقعة الدعوى كما شابة بطلان الإجراءات الذي أثر فيه كما شابه الإخلال بحقوق الدفاع والقصور ذلك أن الطاعن دفع ببطلان تفتيش منزله إذ أن وكيل النيابة بعد أن اخطر بالواقعة ندب معاون القسم لاتمام التحقيق, والتفتيش إجراء من إجراءات التحقيق وكان يتعين أن يقوم به مأمور الضبط القضائي المنتدب لا ضابط المباحث الذي لم يشمله قرارا الندب هذا فضلا عن أن التفتيش تم في غير حضور المتهم أو حضور شاهدين كما تنص على ذلك المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية وقد ردت المحكمة على هذا الدفع رداً قاصراً هذا ويقول الطاعن إن التذاكر التي استلمها في أيام 17 و18 و25 من أغسطس سنة 1955 كانت في الفترة التي كان موقوفاً خلالها فهو لم يكن في هذه من مأموري التحصيل وإن كان كمسارياً وما حصله لم يكن نقوداً أميرية حيث لم تدخل خزانة الإدارة ثم إن الطاعن على لسان محاميه دفع بعدم جواز الإثبات بالبينة لأن المبالغ المدعي باختلاسها تزيد على عشرة جنيهات ولما ردت المحكمة على هذا الدفع رجعت إلى أقوال الشهود وإلى دفتري صرف التذاكر بذلك اعتبرت مدونات هذين الدفترين مبدأ ثبوت بالكتابة مع أن الطاعن لم يوقع عليهما وأخيراً فقد أبدى الدفاع عن الطاعن أن المتهم الثاني صديقه وتخلف إليه ليزوره في منزله وأن اليد التي امتدت إلى الدفترين هي ذات اليد التي امتدت إلى عهدة الطاعن في أثناء زيارة المتهم الثاني له وهو دفاع جوهري كان يتعين على المحكمة أن تتناوله وأن ترد عليه برأيها فيه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية لجنايتي الاختلاس والاشتراك في التزوير اللتين دين الطاعن بهما وقال في هذا البيان "إن معاون بوليس قسم اللبان فتح محضراً في الساعة 4.20 من مساء يوم 25/ 9/ 1955 أثبت فيه أن مصطفى أبو خليل درويش وكيل باشمفتش ترام البلد حضر إليه ومعه السيد مصطفى الصاوي كمساري البلد (الطاعن الثاني) وقدم مصطفى أبو خليل دفتري تذاكر لترام البلد من محطة الرمل - المكس وبالعكس إحداهما مائة تذكرة ومرقومة من 137201 إلى 137300 والدفتر الثاني عبارة عن 99 تذكرة مرقومة من 137302 إلى 137400 والتذكرة رقم 137302 منزوعة وكل تذكرة من هذه التذاكر ثمنها خمسة وعشرون مليماً كما قدم المنافستو المؤرخ 25/ 9/ 1955 الخاص بالكمساري 153 وهو السيد محمد الصاوي المتهم الثاني رقم سجل المنافستو الخاص به 460 وهو عن خط النزهة - ورديان والمؤرخ بظهر المنافستو عدة أرقام بتذاكر أولى وثانية ونصف وموضح أمام محطة الرمل أولى 25 مليماً رقم أولى تذكرة في المجموعة عند ابتداء العمل 137201 وقرر وكيل المفتش أن هذا المانيفستو لم يسلم لهذا الكمساري وأنه مزيف وأن هذه التذكرة له أيضاً وأنها عهدة آخر مفصول هو رقم 673 (صبحي رمضان محمد المتهم الأول) وقدم مانيفستو آخر ورقم السجل عليه 340 ورقم الكمساري 673 وموضح أمام محطة الرمل مكس أولي 137201 وموضح على المانيفستو بأن هذه العهدة هي المطلوبة من المذكور كما قدم مانيفستو ثالث ورقم السجل عليه 460 ورقم الكمساري 153 (وهو السيد محمد الصاوي المتهم الثاني) وموضح أمامه محطة الرمل - مكس 25 مليماً أولى 122049 وقرر مصطفى أبو خليل وكيل الباشمفتش بأن هذا المانيفستو هو الحقيقي الذي سلم للكمساري السيد محمد الصاوي وأن أرقام التذاكر المسلمة إليه فعلاً, وبناء على هذا البلاغ جرى التحقيق وفيه شهد مصطفى أبو خليل درويش خليل وكيل باشمفتش في رمل البلد بأنه نما إلى علمه أن الكمساري رقم 673 وهو صبحي رمضان محمد رغم أنه فصل من المصلحة فإنه يستلم التذاكر من كتبه التذاكر ويقوم بصرفها وأنه لاحظ كثرة اتصاله بالسيد محمد الصاوي المتهم الثاني فذهب إلى مكتب تذاكر محرم بك فاستخرج مانيفستو طبق الأصل للتذاكر عهدة المتهم الأول صبحي رمضان محمد وبعد هذا قام بالتفتيش على المتهم الثاني والسيد محمد الصاوي أثناء عمله وطلب منه المانيفستو الخاص به فقدم المانيفستو المزور "كما شهد بأنه بجرد عهدة المتهم الثاني تبين له وجود عجز بها قدره 276.8 قرشا اعترف به المتهم الثاني.....". وبعد هذا البيان أورد الحكم على ثبوت هذه الوقائع في حق الطاعنين أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها, لما كان ذلك وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن الأول بشأن بطلان تفتيش منزله بقوله إن المانيفستو والدفاتر التي وجدت بهذا المنزل عند تفتيشه قد اعترف بأنها كانت في حيازته ولما كان ما يقوله الطاعن عن بطلاه التفتيش بفرض صحته لا يحول دون أخذ قاضي الموضوع بعناصر الإثبات الأخرى التي تؤدي إلى ذات النتيجة التي أسفر عنها التفتيش أن تعتمد في ثبوت حيازته لما ضبط في مسكنه على اعترافه اللاحق بوجودها فيه, و لما كان ذلك, وكان الحكم قد أثبت أن الشاهد محمود علي يوسف قدم مانيفستو باسم الطاعن تاريخه 24/ 7/ 1955 وآخر بتاريخه 26/ 7/ 1955 أدرجت بهما التذاكر التي استلمها الطاعن وموقع عليها منه وقد أقر بصحة ما ورد بهما وأضاف الشاهد أن بعض التذاكر الواردة بهما غير موجودة وقد اختلس الطاعن قيمتها وأنه أي الطاعن حضر يوم 18/ 8/ 1955 إلى مكتب التذاكر واستلم ألفى تذكرة فئة ثمانية مليمات ثم حضر في يوم 25/ 8/ 1955 واستلم ستمائة تذكرة بواقي ركاب فئة مليمين للتذكرة واستبانت المحكمة صحة ما قرره الشاهد المذكور من اطلاعها على دفتري صرف التذاكر رقم 26 و27 محرم بك. هذا كما أثبت الحكم أيضاً أن اختلاس الطاعن لأثمان التذاكر يرجع إلى شهر يوليه سنة 1955 أي من قبل وقفه عن العمل في شهر أغسطس سنة 1955 وأنه استمر في استلام التذاكر التي اختلس قيمتها حتى يوم 25/ 8/ 1955 ثم فصل من المصلحة يوم 27 منه على أنه فضلاً عما أثبته الحكم من ذلك فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره من أنه لم يكن مندوباً للتحصيل في الفترة التي كان موقوفاً فيها ما دامت العقوبة التي حكم بها عليه مقررة في القانون لجريمة الاختلاس التي تقع على أموال الدولة من الموظفين العموميين ولو لم يكونوا من مندوبي تحصيل, لما كان ذلك وكانت جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 تتحقق متى كانت الموال قد سلمت إلى المتهم صفته وكان الحكم قد أثبت وقوعه الاختلاس من الطاعن على المبالغ التي حصلها من الركاب وكانت في عهدته لحساب إدارة النقل العام وأن تسلمها إليه كان بوصف كونه موظفاً وبسبب وظيفته ولما كانت جنابة الاختلاس يكتفي فيها - كما هو الحال في سائر الجرائم أن تقتنع المحكمة بثبوت واقعتها من أي دليل أو قرينته تقدم إلى المحكمة وقد أورد الحكم ما يفيد أن الطاعن تصرف في التذاكر التي استلمها استناداً إلى ما هو مدون بدفتري صرف التذاكر وهما من الدفاتر الرسمية وأنه حصل أثمان هذه التذاكر من الركاب تباعاً واستولى على قيمتها وقد ذكرت المحكمة الأدلة التي استخلصت منها ذلك وهي أدلة سليمة وسائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم - لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن في الوجه الرابع من طعنه لا يخرج عن كونه دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بالرد عليه صراحة, وإنما يكون ردها مستفاداً ضمناً من قضائها بالإدانة أدلة الثبوت التي أوردتها, فإن ما يثيره الطاعن الأول في طعنه يكون على غير أساس متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطاعن الثاني يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور ذلك بأنه سدد قيمة العجز فور حصره وقبل إنذاره فما كان للمحكمة أن تعده مختلساً ولا سيما وأن لائحة النقل المشترك لا تعتبر جريمة الاختلاس قائمة إلا إذا انقضت ثلاثة أيام على الإنذار بوجوب السداد بعد اكتشاف العجز. وقد تمسك الدفاع بتطبيق هذا الحكم على الطاعن فلم تلتفت إليه المحكمة وفضلاً عن أن هذا السداد ينفي قيام نية الاختلاس وقد أبدى محاميه هذا الدفاع للمحكمة فلم تأبه له, وأخيرا فإن الحكم أغفل بيان طريقة التزوير الذي وقع في المانيفستو واعترض الدفاع على وصف هذه الورقة بالرسمية إذ المانيفستو ليس إلا صكاً للمحاسبة بمقتضاه وهو بمثابة إقرارا فريد يخضع للفحص والتمحيص ويعتبر تغيير الحقيقة فيه غشاً في المعاملات لا تزويراً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت في جانب الطاعن الثاني أنه معترف بوجود العجز في ذمته ومن عهدته وأن المتهم الأول هو الذي سلمه المانيفستو المزور ومعه عدة تذاكر كلفه بتوزيعها على الركاب وأن الطاعن إنما قصد باستعمال هذا المانيفستو ستر اختلاس سابق ارتكبه واستعان به في محاولة تصريف دفتري التذاكر اللذين استلمهما من المتهم الأول يوم ضبطه وأن المانيفستو الصحيح الذي كان يحتفظ به كان يشير إلى العجز فيما حصله هذا الطاعن الثاني ولما كان هذا الذي أثبته الحكم يتوافر به ركن القصد الجنائي في جناية الاختلاس ولا يؤثر في مسئولية الطاعن عن هذه الجناية مبادرته بسداد العجز كما لا يفيده الاستناد إلى ما ورد بلائحة النقل المشترك - وهي لائحة إدارية تنظيمية من إنذار المختلس ومنحه مهلة لا يفيده الاستناد إلى ذلك لأنه ليس من شأن ما جاء بتلك اللائحة أن يؤثر في مسئولية الطاعن الجنائية عن الجريمة التي ارتكبها والتي أثبت الحكم توافر عناصرها القانونية في حقه, لما كان ذلك وكان الحكم قد بين أن المانيفستو (كشف حركة ترك المدينة) هو ورقة رسمية تصدر من سلطة مختصة, ويتدخل موظفون مختصون في تحريرها بمقتضى وظائفهم وأن المانيفستو المزور لم يحرر بخط أحد من هؤلاء الموظفين, ولما كان واضحاً مما ذكره الحكم من ذلك أن المانيفستو محرر رسمي وأن الطاعنين قد اشتركا في اصطناعه لخدمة أغراضهما لستر الاختلاس الذي ارتكباه - لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن الثاني في أسباب طعنه يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعنين لا أساس له ويتعين رفضه موضوعاً.