أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 461

جلسة 6 من مايو سنة 1958

برئاسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومحمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(125)
طعن رقم 17 سنة 28 ق

إعلام شرعي. تزوير. إثبات. القول بأن المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قد رسمت الطريق الوحيد لإثبات ما يخالف ما انضبط في الإعلام. غير صحيح.
إذا كانت التهمة المنسوبة للمتهم هي التزوير في إعلام شرعي, فإنه لا محل للقول بأن المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قد رسمت الطريق الوحيد لإثبات ما يخالف ما انضبط في الإعلام, ذلك أن حكم هذه المادة إن هو إلا استدراك عادل لما عسى أن يكون قد أدرج بالإعلام نتيجة سهو أو خطأ تتأثر به حقوق الورثة الشرعيين بإضافة غير وارث إليهم أو إغفال ذكر من يستحق أن يرث شرعاً ولا شأن لحكم هذه المادة بالإعلام الذي أثبت الحكم الجنائي أنه قد زور بسوء قصد وتغيرت فيه الحقيقة التي تضمنها الإعلام الشرعي الصحيح.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: وآخرين حكم عليهما - زورواً في إجراءات تتعلق بتحقيق الوفاة والوراثة أما المحكمة المختصة بأخذ الإعلام الصادر من محكمة الجمالية الشرعية بأقوال غير صحيحة وهم يجهلون حقيقتها وقد ضبط الإعلام على أساسا هذه الأقوال, وطلبت عقابه بالمادة 226 من قانون العقوبات. وادعى بحق مدني 1- محمد منصور غالي و2- نعيمة أحمد غالي و3- محمود هلال غالي وطلب الأول والثانية منهم الحكم لهما قبل المتهم والآخرين متضامنين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة, غير أن المدعية الثانية عادت فعدلت طلباتها إلى طلب الحكم لها قبل المتهم والآخرين بمبلغ قرش صاغ واحد فقط على سبيل التعويض المؤقت. كما طلب المدعي الثالث الحكم له قبل المتهم والآخرين بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة الخليفة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام المذكورة آنفاً بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لوقف التنفيذ وإلزامه متضامناً مع الآخرين بأن يدفعوا للمدعيين الأول والثانية واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وبإلزامه أيضا مع الآخرين بأن يدفعوا متضامنين للمدعي المدني الثالث قرشاً صاغا على سبيل التعويض المدني المؤقت والمصروفات المدنية ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المحكوم عليه. ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم عملاً بالمادتين 55 و56 من قانون العقوبات وبالنسبة للدعوى المدنية بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المتهم والآخرين متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني محمد منصور غالي خمسة وعشرين جنيها ونصفا ولنعيمة أحمد غالي قرشا صاغاً واحداً ولمحمود هلال غالي قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية المناسبة عن الدرجتين ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن وكيل المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون, وفي الاستدلال. كما شابه القصور. ذلك أن المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تستلزم لإثبات عدم صحة الإعلام صدور حكم شرعي بما يخالفها, وعلى ذلك لا اعتداد بما يقدم من أوراق أو بينات أخرى, والحكم المطعون فيه خالف هذا النص, أما الحكم الشرعي المقدم في الأوراق والمؤرخ 29/ 12/ 1953, فلم يتم حتى الآن. وهو قابل للمعارضة. فالاستئناف, وقد يقضي بإلغائه فيستفيد الورثة من هذا الإلغاء لعدم قابلية الموضوع للتجزئة, ويقول الطاعن أيضاً أنه دفع أمام محكمة أول درجة وأمام المحكمة الاستئنافية بانتفاء الخطأ والضرر وعلاقة السببية لأن المدعيين بالحقوق المدنية ليسوا من ضمن الورثة الذين شملهم الإعلام الشرعي المطعون عليه, كما دفع بصورية العقود التي استند إليها هؤلاء المدعون, فلم يرد الحكمان على هذا الدفع.
وحيث إن واقعة الدعوى كما بينها حكم محكمة أول درجة الذي أخذت محكمة ثاني درجة بأسبابه بالنسبة للدعوى الجنائية هي أن: "محمد منصور غالي (أحد المدعيين بالحقوق المدنية) أبلغ أنه في غضون عام 1936 اشترى والد زوجته المرحوم محمد حسين غالي المنزل رقم 21 حارة البرقوقية من كل من محمد خطاب محمد حسين ومحفوظة شحاتة إبراهيم وسرية محمد حميدة عن نفسها وعن ابنها القاصر جمعة علي خضر وأحمد محمد علي حسين بموجب عقد بيع عرفي, وفي سنة 1945 توفى المشتري وظل ورثته واضعي اليد إلى أن انقسم الورثة بالتركة, فاختصت زوجته به (المنزل) ثم باعت له نصفه إلا أن المتهم الثاني (الطاعن) نازعهما في ملكيتهما لهذا المنزل بأن قدم شكوى إلى البوليس زعم فيها أنه اشتراه من محفوظة إبراهيم وسرية محمد حميدة وذلك بان اشترى من محفوظة شحاتة إبراهيم 7 ط و4.75 س بموجب عقد مؤرخ 22 من يناير سنة 1950 والثاني مؤرخ 15 من يونيه سنة 1950, وقد صدر هذان العقدان بناء على إعلام شرعي مزور صادر من محكمة الجمالية الشرعية بتاريخ 1949 - 1950 تحت رقم 252 بناء على طلب المتهمة الأولى وشهادة المتهمين الثاني (الطاعن) والثالث, وذلك بأن ذكر بالإعلام أن ستهم أحمد حسين وهي مالكة المنزل توفيت في 13/ 5/ 1932 عن زوجها محمد خطاب محمد حسين وابنها شحاتة إبراهيم, في حين أنها توفيت في 6/ 8/ 1928, كما ذكر أيضاً أن شحاتة إبراهيم توفى بتاريخ 3/ 10/ 1932 حالة أنه توفي في 28/ 11/ 1930 وقالوا إن وورثته هم ولداه محفوظة وستهم وزوجته سرية محمد حميدة وابن ابن عمه الشقيق أحمد محمد علي حسين وحالة أن ورثته الحقيقيين هم ولداه وزوجته السالف ذكرهم وأولاده عمه الشقيق محمد خطاب محمد حسين ومحمد علي محمد حسين وقالوا إن ستهم شحاتة إبراهيم توفيت في 9/ 3/ 1933 وورثتها أختاها محفوظة ووالدتها سرية حميد وابن ابن عمها الشقيق أحمد أحمد علي حسين في حين أنها توفيت في 10/ 5/ 1931 وورثتها الحقيقيون هم محفوظة وسرية وأخوها لأبيها جمعة خضر وأولاده عم والدها الشقيق محمد خطاب محمد حسين ومحمد علي حسين........". ولما كان ثابتا من الحكم أن المدعين بالحقوق المدنية قدموا لمحكمة الموضوع صورة الإعلام الشرعي الصحيح الذي ضبط أمام محكمة أشمون الشرعية في أول يوليه سنة 1935 بناء على طلب أحمد محمد حسين أحد الورثة, وكان الحكم الابتدائي قد أورد الأدلة التي اعتمد عليها في إدانة الطاعن وباقي المتهمين, والتي أقرها الحكم المطعون فيه, ومن هذه الأدلة أن المتهمة الأولى أعلنت الورثة بمنزل المتهم الثاني الذي تسلم صورة هذه الإعلانات, وأصحابها لا يقيمون في مسكنه, وإنما هم مقيمون بناحية سمادون التابعة لمركز أشمون, وأن المتهمة الأولى "محفوظة شحاتة إبراهيم" كانت قد باعت هي ومحمد خطاب محمد وسرية حصتها إلى أحمد محمد علي حسين بعقد مسجل 22/ 10/ 1936, وصدر هذا البيع بناء على الإعلام الشرعي الصحيح, ومن هذه الأدلة أيضاً الحكم الشرعي في القضية رقم 138 لسنة 1951 مصر الشرعية الصادر في 29/ 12/ 1953 والذي يبين من الاطلاع عليه بين المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها أن نعيمة أحمد غالي إحدى المدعيين بالحقوق المدنية كانت قد أقامت تلك الدعوى الشرعية ضد محفوظة شحاتة إبراهيم (المتهمة الأولى) وسرية محمد حميد بطلب ثبوت وفاة ووراثة ستهم أحمد حسين في 6/ 8/ 1928 وتركت المنزل موضوع النزاع لمن يرث عنها شرعاً وهمياً زوجها محمد خطاب محمد حسين وابنها شحاتة إبراهيم محمد حسنين, ثم وفاة هذا الأخير في 18/ 11/ 1930 ثم بعده توفيت ستهم شحاتة إبراهيم في 6/ 5/ 1931 ثم وفاة محمد علي حسين في سنة 1935, وهذا البيان الثابت في الحكم الشرعي سالف الذكر يطابق مطابقة كاملة ما ورد بالإعلام الشرعي الصحيح - لما كان ذلك, وكان الحكم قد أثبت توافر أركان جريمة تزوير الإعلام الشرعي المؤرخ 16/ 1/ 1950 في حق الطاعن بأدلة سائغة. وكان استناد الطاعن إلى المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وقوله أن تلك المادة قد رسمت الطريق الوحيد لإثبات ما يخالف ما انضبط في الإعلام - هذا الإستناد قد بناه الطاعن على تأويل خاطئ لنص المادة المذكورة, ذلك أن الشارع قد وضع المادة 361 المشار إليها في نهاية الباب الأول من الكتاب السادس من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1930 بعد أن بين فيما تقدمها من نصوص إجراءات تحقيق الوفاة والوراثة, وأوجب على القاضي تحقيقها بشهادة من يثق به من الشهود ومطابقة التحريات الإدارة حتى يكون للإعلام الذي ضبط على هذا النحو حجية فيما أدرج فيه, ثم رأى أن يفتح باب التظلم منه أمام قضاء الأحوال الشخصية باستصدار حكم يقضي بإدخال بعض الورثة أو إخراج آخرين ممن أسبغ عليهم الإعلام صفة الوارث معتمداً على أن الظاهر من التحقيق والتحريات كان معهم عند ضبط ذلك الإعلام, ثم اتضاح أنهم لا يرثون شرعاً, أو أنهم قد صحت وراثتهم شرعاً, إلا أنهم لم يتمكنوا من إثبات صفتهم عند ضبط الإعلام, أو أن التحريات لم تكشف عن تلك الصفة حتى استخرج ذلك الإعلام, فحكم المادة 361 من اللائحة إن هو إلا استدراك عادل لما عسى أن يكون قد أدرج بالإعلام نتيجة السهو أو الخطأ سهواً أو خطأ يتأثر به حقوق الورثة الشرعيين بإضافة غير وارث إليهم أو إغفال ذكر من يستحق أن يرث شرعاً, ولا شأن لحكم هذه المادة بالإعلام الذي أثبت الحكم أنه قد زور بسؤ قصد وتغيرت فيه الحقيقة التي تضمنها الأعلام الشرعي الصحيح المؤرخ في 1/ 7/ 1935, مؤيدة لما جاء في الحكم الصادر في 29/ 12/ 1953 من محكمة مصر الشرعية, لما كان ذلك فإن ما تأوله الطاعن بشأن المادة 361 يكون ظاهر الفساد بعيداً عن مراد الشارع, لما كان ذلك, وكان لمحكمة الموضوع في سبيل إثبات التزوير أن تستدل على ارتكابه بكل دليل من أدلة الإثبات المطروحة بما في ذلك البينة والقرائن, والشأن في ذلك هو شأن كل جريمة ترتكب ولم يعين القانون الجنائي طريقة معينة لإثباتها، لما كان ذلك وكان ما يقوله الحكم المطعون فيه من أن المدعيين بالحقوق المدنية أصبح نهائياً, ولا شأن للطاعن به, هو قول صحيح لا غبار عليه, أما اعتراض الطاعن بأن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاعه بعدم توافر العناصر التي يجب توافرها للحكم بالتعويض, فإن من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تتناول هذا الدفاع بالرد الصريح في حكمها, ما دام الثابت منه أن المدعيين بالحقوق المدنية قد بينوا للمحكمة صفتهم في الإدعاء, فقبلته منهم, ثم أسست قضاءها بالتعويض على ما انتهت إليه من إدانة الطاعن وباقي المتهمين لثبوت ارتكابهم جريمة التزوير المسندة إليهم, وما أحلقته من ضرر أصاب هؤلاء المدعين, لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن لا يكون سديداً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس, متعيناً رفضه موضوعاً.